متى بدأ الربط بين «جوارديولا» والـ«Overthinking»؟
في السابع عشر من أبريل لعام 2021، تمكن نادي تشيلسي من إقصاء مانشستر سيتي من بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي بعد التفوق بهدف دون رد. ثم في الثامن من مايو لنفس العام، كرر تشيلسي فعلته لكن في بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز وبهدفين مقابل هدف.
إن علمت أن الثنائي «فيرناندينيو» و«رودري» قد تواجدا في التشكيلة الأساسية في المباراة الأولى، ثم تواجد «رودري» وحيدًا في الثانية، ماذا كنت تتوقع في الثالثة؟
بالتأكيد لن يخرج توقعك عن جملة «أي شيء باستثناء ما حدث بالفعل»، لكن بالتأكيد كان مانشستر سيتي وجوارديولا بحاجة للتغيير من أجل قلب المعطيات، لكن الهزيمة جعلت أي محاولة للتغيير عبارة عن إعادة عرض لشريط فيديو قديم عنوانه: جوارديولا والـفلسفة الزائدة أو الـ«Overthinking»، وفيما يلي سنحاول توضيح صحة اقتران مسيرة «بيب» في دوري الأبطال بهذا المصطلح.
تاريخ الـ«Overthinking»
سنضع الشريط ونبدأ العرض بمباراة برشلونة وبايرن ميونخ في مايو 2015، حينما قرر جوارديولا اللعب بثلاثي في خط الدفاع (للمرة الثانية فقط في تلك النسخة من البطولة)، مع وضع «رافينيا» كمدافع ثالث جهة اليسار، والهدف كان ضغط البارسا في مناطقه، وعمل زيادة عددية في وسط الملعب. بعد 15 دقيقة، عاد «رافينيا» لمركزه الأساسي كظهير أيمن، وتحولت الطريقة إلى 4-1-2-1-2، لكن دون جدوي، لتنتهي المباراة بثلاثية نظيفة لصالح ميسي ورفاقه.
في أبريل 2018 وأمام ليفربول، قرر «بيب» مفاجأة «يورجن كلوب» – ومفاجئتنا أيضًا – باستخدام إلكاي جندوجان كجناح أيمن على الورق، لكنه يتراجع ويدخل للعمق ليشكل مربعًا في وسط الملعب، تاركًا الخط لـكايل والكر، وعلى الجانب الآخر شغل إيمريك لابورت مركز الظهير الأيسر، وانتهت المباراة بفوز الريدز 3-0.
في نفس الشهر من العام التالي، تكرر المشهد مرة أخرى أمام توتنهام هوتسبر، حين قرر المدرب الكتالوني إجلاس الثنائي «لروي ساني» و«كيفن دي بروين» على مقاعد البدلاء في مباراة الذهاب، التي انتهت بتفوق لاعبي «ماوريسيو بوتشيتينو» بهدف نظيف.
ثم وصل الشريط لأكثر لقطاته إثارةً في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا 2019/2020، حيث قرر «بيب» تعديل طريقة اللعب إلى 3-4-3 أمام ليون(سابع الدوري الفرنسي)، وإجلاس الرباعي محرز، وفودين، وبرناردو سيلفا، وديفيد سيلفا على دكة البدلاء، لينتهي اللقاء بنتيجة 3-1 للنادي الفرنسي.
كواليس الـ«Overthinking»
بمجرد أن رأى الجميع رحيم ستيرلنج وجندوجان في نهائي دوري الأبطال 2020/21، مرت أمامهم لقطات ذلك الشريط وربطوا بينها جميعًا، دون النظر إلى ما صاحب تلك التغييرات من أسلوب الضغط وطريقة الهجوم أو أي ظروف أخرى كأخطاء تحكيمية أو فرص محققة ضائعة، المهم أن هذا صار نمطًا متكررًا ونهايته ثابتة في كل مرة.
الأدهى، أن ذلك الشريط لم يكن الوحيد المدرج في مكتبة جوارديولا السوداء، فهناك آخر أقل شهرة وأكثر سرية، سنعرض لك بعض أجزائه الآن لتتأكد من أسطورة الـ«Overthinking»، عبر شهادات رفقاء جوارديولا من مسئولين ولاعبين:
إعادة تعريف الـ«Overthinking»
إرفاق تلك الشهادات بفشل بيب جوارديولا الأوروبي، يضعنا أمام جانب لم يتوقع أحد رؤيته من المدرب الإسباني، المصنف ضمن أفضل مدربي اللعبة عبر تاريخها. لكن اكتشاف مثل هذا الجانب -ولو بحجم ضئيل- يبدو أقرب للمنطق، في ظل انقسام الأغلبية إلى معسكرين؛ محب مؤيد وكاره معارض.
قبل المضي قدمًا، دعنا نذكر أنفسنا بأسباب اشتعال الحرب بين المعسكرين، حيث الميل للأحكام المطلقة المتسرعة، والإنصات لآراء النقاد الرياضيين وليس المحللين، واعتماد تحليل النتيجة ووصف حالة اللاعبين، وليس ما حدث فعليًا داخل الملعب من أفكار هنا وهناك. لكن الغريب أن الأمر الوحيد الذي اتفق عليه الطرفان كان ربط جوارديولا بالـ«Overthinking».
اتهام مدرب أو مدير بالإفراط بالتفكير يبدو أمرًا غريبًا بعض الشيء، لأن التواجد في ذلك المستوى وتحقيق هذا الكم من النجاحات، يتطلب المزيد من التفكير والتحضير، سواء لجوارديولا أو أي اسم آخر من مدربي الصف الأول، من أجل تحقيق التوازن بين استيعاب نقاط قوة الخصم، والتركيز على نقاط قوة فريقه، وبالمثل لنقاط الضعف، على أن يتم ذلك لأطول مدى ممكن.
ستخبرني الآن أن التغييرات لم تأتِ بالنتيجة المطلوبة، وهنا لن أستطيع مجادلتك لكنني سأطلب منك الإمعان أكثر في مصطلح التفكير الزائد «Overthinking» وسأسألك، هل يمكن أن ننسب فشل جوارديولا أو أي مدرب آخر إلى إفراطه في العبقرية؟ هل هذا إقرار بعبقريته أم بفشله؟ وهل هذا يعني أن نجاح بيب يتحقق عندما يتمكن فقط من السيطرة على عبقريته؟
لنعد إلى نهائي دوري أبطال أوروبا 2020/2021، حيث كان لدينا مدربان على خط التماس، كلاهما اختار إستراتيجيته والتشكيل المناسب للتنفيذ -من وجهة نظره- ثم تعاملا مع معطيات اللقاء وفقًا لأفكارهما واستجابتهما اللحظية تحت تأثير ضخامة الحدث. فكانت النتيجة أن أحدهما -وهو توخيل بالطبع- اختار إستراتيجية أفضل، وقرأ معطيات المباراة بشكل أسرع، بينما كان الفشل من نصيب المدرب الآخر.
وهذا باختصار ما حدث، مدرب عبقري لكنه اختار رهانًا خاطئًا في عدد من المباريات، هل من المناسب اتهامه بالإفراط بالعبقرية؟
مع كامل الاعتراف بجاذبية مصطلح «Overthinking» (تم استخدامه في عدد كبير من الأخبار التي تناولت هزيمة السيتي في النهائي) إلا أن استبدال مقطع «over» بـ «bad» سيفي بالغرض، وسيكون أكثر واقعية، لوصف قصة جوارديولا مع دوري أبطال أوروبا، حتى ينجح في يوم ما بتغيير نهاية تلك القصة.