حينما كان «أيمن حفني» أهم شخص في الفيوم
دعني أحدثك أولًا عن كرة القدم في الفيوم، المحافظة المنتمية لإقليم شمال الصعيد في مصر انتظرت طويلًا حتى يمثلها نادٍ في الدوري المصري الممتاز. كانت المتابعة الفيومية للدوري الممتاز مقتصرة على التنافس الاعتيادي في كل أقطار مصر بين تشجيع الأهلي والزمالك، ثم تشجيع اللاعبين الفيومية، وما أكثرهم في تاريخ الكرة المصرية.
سيد عبد الحفيظ ومحمد عبد الوهاب وسيد معوض ورمضان السيد وأحمد صديق ومحمد عبد الجليل وعبد الله رجب ومجدي عطوة وأحمد عيد وعظيمة. كل تلك أسماء في قائمة طويلة من لاعبي الفيوم الذين وصلوا إلى أعلى مستويات كرة القدم في مصر.
ورغم أن لأندية الفيوم وأبشواي على وجه التحديد باعًا طويلًا في منافسات الصعيد بالدرجات الرابعة والثالثة والممتاز «ب»، فإن الصعود حين أتى، أتى على يد مصر للمقاصة.
كان ذلك في موسم 2009-2010، وقتها كانت شركة مصر للمقاصة المتخصصة في البورصة قد اشترت نادي «هويدي» الذي كان قد تحول إلى «الفراعنة»، والذي تأسس في أرياف الفيوم وضم لاعبين من المحافظة وبني سويف وبعض قرى الجيزة.
في موسم 2009-2010، تمتع النادي بسيولة مالية نسبية جعلته ينتدب عددًا من الأسماء في عملية إحلال وتجديد كان هدفها الصعود إلى الدوري الممتاز، وكان من بين الأسماء التي أتت لتعزيز قوة المقاصة أيمن حفني، لاعب البدرشين المعار إلى وادي دجلة، والذي لم يستطع التعبير عن نفسه بأفضل شكل ممكن بين صفوف الغزلان، فانتقل إلى المقاصة بترشيح من ك. مجدي عاشور وك. جمال عمر اللذين عرفاه صغيرًا في البدرشين، ورأيا أن «الكيمياء قد تضبط» مع المقاصة، فوقعت الصفقة بقيمة 100 ألف جنيه، وكانت أغلى صفقة في تاريخ المقاصة آنذاك.
مدرب الفريق آنذاك، أحمد عبد الحليم، لم يقتنع بأيمن حفني وأبقاه جليس الدكة في البداية، كان يرى أنه لاعب ضعيف، وأن طريقة لعبه «طريقة حواري»، وليست لائقة بملاعب الـ 11، وفق ما يقوله أحمد درويش، لاعب المقاصة في ذلك التوقيت ومدرب فريق مواليد 2010 في النادي حاليًّا في تصريحات خاصة لـ«إضاءات».
بعد عدد من الحصص التدريبية بدا حفني مقنعًا للغاية، ووفقًا لدرويش أيضًا، فإن أحمد عبد الحليم عند لحظة معينة وبعدما رآه في التدريبات طالب أيمن حفني بفعل ما يحلو له، وقال له إنه حر تمامًا، وبالفعل آتى الأمر أكله.
يؤكد طارق حجاج، المدرب المساعد حاليًّا في الجهاز الفني لمصر المقاصة واللاعب السابق في صفوف النادي، في تصريحات خاصة لـ«إضاءات» ما قاله درويش حول بدايات حفني في المقاصة: «عندما أتى حفني لم يحضر الكابتن أحمد عبد الحليم الحصة التدريبية الأولى، لم يكن مقتنعًا به على أي حال، ولكنني بعد تلك الحصة تواصلت مع الكابتن أحمد عبد الحليم، وقلت له إن عليه أن يعيد النظر في مسألة أيمن حفني تلك؛ لأنه كان مذهلًا في المراوغة على وجه التحديد ويمكن الاستفادة منه».
«ميعرفش يعني إيه بنت!»
درويش يقول لـ«إضاءات»: «أيمن حفني من حيث الشخصية كان مناسبًا للغاية لطباع أهل الفيوم، هو إنسان ملتزم وأصيل ومتدين ومن أسرة بسيطة (وميعرفش يعني إيه بنت)، ويتسم بالهدوء الشديد والتواضع، وإذا تحدثت معه يرد عليك بكل أدب».
دماثة الخلق نفسها يتحدث عنها جمال لملوم، الذي رحل عن المقاصة لوصول حفني إلى الفريق. كان قائد الفريق ويحمل الرقم 14، ما إن وصل حفني حتى أخذ رقمه، وحينما التقيا في المباراة قبل الأخيرة لصعود المقاصة حينما كان لملوم لاعبًا في صفوف فريق أبشواي (الذي كان يستحوذ عليه آنذاك وادي دجلة) دار بينهما هذا الحوار الذي نقله لملوم إلى «إضاءات».
جمال لملوم: أنت عارف رقم 14 الي أنت لابسه ده بتاع مين؟
أيمن حفني: طبعًا بتاع حضرتك يا كابتن جمال.
يذكر لملوم هذا الموقف استشهادًا على أدب أيمن حفني الجم، وكيف أن نجوميته في هذا التوقيت، والتي سنستعرض ملامحها في السطور التالية، لم تجعله ينسى قيمة اللاعب الذي تسبب هو نفسه في رحيله عن الفريق الفيومي.
أهم شخص في الفيوم
مع تقدم مشوار المقاصة في مجموعة الصعيد بالدوري الممتاز «ب» واقترابهم من التأهل إلى الدرجة الأولى، بات أيمن حفني في الأمتار الأخيرة حديث محافظة الفيوم كلها.
استاد الفيوم الذي يتسع بالكاد لـ 20 ألف متفرج كان يستقبل كل أسبوع 50-60 ألف متفرج، ورغم تألق جميع عناصر الفريق الفيومي آنذاك، فإن العين كانت تذهب دائمًا إلى أيمن حفني، الذي كانت المدينة تلهج باسمه مع بدء العد التنازلي لتمثيل فريق ما للفيوم ولأول مرة في الدوري الممتاز.
يقول طارق حجاج إن «المشجعين بشكل عام يفضلون المهارة، وأيمن حفني في ذلك الوقت كان مهاريًّا بشكل لا يصدق، حين صعدنا إلى الممتاز وكنا نعاني من أي وضعية في الملعب ما كان علينا إلا أن نسلم الكرة لأيمن حفني».
واستشهادًا على المهارة الفذة لأيمن حفني في ذلك التوقيت يروي حجاج لـ«إضاءات» أنه «في الموسم التالي حين لعب المقاصة في الممتاز وواجه الأهلي في ملعب المقاولون العرب، فور أن نزل حفني إلى الملعب ذهب إليه أكثر من لاعب أهلاوي وحذروه من المراوغة وإلا فسيضطرون لاستخدام العنف معه».
وبالعودة إلى موسم الصعود يروي حجاج أن عقب كل مباراة للمقاصة كانت الجماهير تتدافع خارج الملعب انتظارًا لحفني، وأن هذا هو السبب الذي استطاع جراءه نادي طلائع الجيش الجلوس مع حفني رغم تشديد إدارة المقاصة في ذلك الوقت على عدم قبول أي عروض لضمه.
يقول حجاج: «كان بعض الجماهير يعرضون على أيمن حفني أن يوصلوه بالسيارة خارج الاستاد حبًّا له ولئلا يضطر إلى المشي حتى البوابة، مسئولو طلائع الجيش كانوا يريدون ضمه وتفطنوا لهذا الأمر، فأرسلوا سيارة على أنها من سيارات المحبين، وقال قائدها إنه يريد إيصال حفني إلى الخارج فلم يمانع، فإذا به وسط مسئولي طلائع الجيش يتفاوضون على الانتقال في الموسم اللاحق».
وحين كان المقاصة يحتاج إلى الفوز على الوادي الجديد ليضمن الصعود إلى الدوري الممتاز، في محافظة كانت تبحث عن ممثل لها في المسابقة الأولى، بعد أن شهد استاد الفيوم جولات مع جولدي في تجربة سابقة، ولكن المقاصة كان أول فريق يمثل الفيوم فعليًّا يصل إلى تلك المرحلة، سجل حفني هدفًا من هدفين قادا المقاصة إلى تحقيق حلم الممتاز، وحلم محافظة بأسرها.
عاشت المدينة يومًا لا ينسى، لم يستطع أي من اللاعبين الرجوع إلى بيته واستمرت الأفراح في المدينة حتى الصباح، وتناثرت عربات الأمن المركزي في المدينة خوفًا من الشغب والتدافع، وكان لأيمن حفني النصيب الأكبر من الإشادة والحمل على الأعناق في ذلك التوقيت، والصخب الذي لازمه من لحظة الخروج من الملعب وحتى وصوله إلى شقته التي كان يقيم بها في الفيوم.
وحتى الموسم التالي كان أيمن حفني حديث المدينة صباح مساء، وكان ادعاء قرابة ونسب وصداقة أيمن حفني شائعًا للغاية في المدينة الخضراء.
مفتاح الفرج
كما يجمع كل المصادر الذين تواصلنا معهم في «إضاءات» على مهارة حفني وتأثيره الآني على فريق مصر المقاصة ودوره الكبير في تصعيد هذا الفريق للممتاز الذي بات اسمًا أساسيًّا فيه منذ ذلك التوقيت ووصل إلى وصافة ترتيبه في وقت من الأوقات، وكما يجمعون على دماثة خلقه وهدوئه ونقاء سريرته، يجمعون أيضًا على أنه إلى الآن لا يزال على تواصل معهم ويرتبط بصداقة مع أغلبهم.
بل إن بعضهم لا يزال حريصًا على زيارته حتى رغم ظروف مرض ابنته عائشة الذي صعَّب نهاية مسيرته، ولكنها كالعادة توجت بطابع حفني الذي رفض الخروج من عالم كرة القدم إلا من الباب الكبير، فكما قاد المقاصة إلى صعود طال انتظاره، كان عضوًا في فريق الزمالك الذي حقق دوريًّا طال انتظاره أيضًا، وكأن مفتاح الفرج دائمًا أيمن حفني.