ما الجديد اليوم في مجال فلسفة الدين؟
دانيل هيل (العدد 21 من مجلة الفلسفة الآن صيف/خريف 1998)
يعتمد فهمنا لفلسفة الدِّين على فهمنا لأصلها ألا وهو الفلسفة. يُفترَض أننا نفكر بالفلسفة بوصفها تحليلا لما هو مجرد، بمعنى آخر: تحليل المفاهيم المُطلقة؛ فلو أردنا تعريف فلسفة الدين لقُلنا أنها تحليل المفاهيم التي يقدمها الدِّين/الأديان، فكان هذا إحدى تعريفاتها، تمامًا كما هو حال تعريف فلسفة العلم بكونها تحليل المفاهيم التي يقدمها العلم.
وبالنَّظر للاهتمامات التقليدية للعديد من فلاسفة الدِّين نجد أنَّها في حقيقة الأمر فرعٌ من الميتافيزيقيا؛ فالعديد من المفاهيم الدِّينية كـمفهوم الإله على سبيل المثال، تُعدُّ مفاهيمَ مُهمة يتعامل معها الميتافيزيقيون.
وفي النِّهاية إذا كان الإله موجودًا فهو جزءٌ مُهمٌ في الواقع (انظرPhilosophy in a Nutshell)، أمَّا إذا لم يكن الإله موجودًا فإنَّه ليس مُهمًّا على الإطلاق؛ لكن هذا لا يعني أنَّه من غير الضروري أن يوضِّح المرء لمَ يعتقد بعدم بوجود الإله؟
قد نظنُّ أنَّ أحد المفاهيم الجيدة المُرشحة للتحليل الفلسفي هي مفهوم الدِّين بحدِّ ذاته، ومع ذلك فإنَّ قلِّة من الفلاسفة قد كرَّست وقتًا لهذا المفهوم، فقد بحث كلٌّ من جون هيك و د.ز. فيليب هذا المفهوم, لكن غالبية فلاسفة الدِّين قد وجَّهوا بحثهم للمفهوم الأهم ألا وهو مفهوم الإله.
أين يقومون بذلك؟
إنَّ ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ أبرز المراكز المعنيَّة بدراسة فلسفة الدِّين هي جامعة نوتردام في إنديانا في الولايات المُتحدة الأمريكية، إذ يبدو أن الجميع فيها مُشتغلون بدراسة هذا الموضوع.
بالإضافة جامعة ييل التي تّعدُّ مُهمَّة إلى حدٍّ ما في هذا المجال. أمَّا في بريطانيا فهناك مركزان معنيان بدراسته هما جامعة أُكسفورد وكلية كينجز لندن فكلاهما تضمان كرسيًا دائمًا لأستاذ فلسفة الدِّين.
الكونتننتال مقابل التحليلية:
فلاسفة الدِّين حالهم حال الفلاسفة الآخرين ينقسمون لمُعسكرين: هؤلاء المتأثرين بالفلسفة القارية (Continentals) التي تسعى للهيمنة على أقسام اللاهوت، والمُعسكر الثاني هو الفلاسفة التحليليين المهيمنين على أقسام الفلسفة على الأقل في أهم مراكز فلسفة الدِّين.
لذلك فقد سعى الفلاسفة التحليليون للوصول لفلسفة الدِّين باستخدام أدواتهم التي اشتُهِروا بها: المنطق والدقة والوضوح والحُجج الدقيقة؛ في حين ذهب فلاسفة القارية إلى السؤال الكبير عن الحبِّ والحياة والموت بأسلوبٍ أقلِّ رسميَّة أقرب ما يكون لأسلوبٍ أدبي. لكن من المهم أيضًا أن نذكر أنَّ فلاسفة الدِّين مُشتغلون بمناحٍ فلسفيةٍ أُخرى.
الكاثوليكيون والكالفنيون:
ينقسم فلاسفة الدين أيضًا لمُعسكرين من وجهة النَّظر الدِّينية ؛ إذ إن غالبيتهم ينقسمون بين رومان كاثوليكيين أو كالفينيين مُصلحين/بروتستانتيين, لكن هناك استثناءات مُهمَّة؛ مثل ويليام الستون وبيتر فان انواجن فكلاهما من أتباع الكنيسة الأسقُفية, أما و ريتشارد سوينبرن من أُكسفورد وعضو في الكنيسة الأرثودوكسية.
ومن الجلي أنَّ جامعة نوتردام ذاتها قد حصرت مجال دراسة فلسفة الدِّين بتوظيف كلٍّ من الرومانية الكاثوليكية والكالفينية الإصلاحية/البروتيستانتية.
ألفين الكبير:
يُعدّ ألفين بلانتينغا ألمع نجمٍ في نوتردام، فهو بإجماع الأغلبية: أبرز مُفكرٍ حاليًا في العالم في هذا الحقل، فهو يُمثل ثمرة مدرسة الفلسفة التحليلية والكنيسة الإصلاحية الهولندية ولذا فإن له تلك الكنية الهولندية؛ ومن ثمَّ فإنَّ بلانتينغا قد قال ساخرًا: «هناك تعميمٌ أشبه بقانون يعدُّ أيَّ فيلسوفٍ تتنهي كنيته ب «ا» خرِّيجًا من الكلية الكالفينية».
لقد كانت الكلية الكالفينية الكلية الرائدة للكالفينية المصلحة حين كتب بلانتينغا هذا، لكنَّ موقفه اختلف الآن حاله حال البقية الذين توجَّهوا لنوتردام.
يُعدُّ كتاب طبيعة الضرورة 1974 أحد أهمَّ الأعمال الأولى لبلانتينغا، والذي كان في الأساس مقالا عن المنطق الاصطلاحي، لكن كان كانت له تطبيقاتٍ مُهمة على فلسفة الدِّين. فقد بدأ بلانتينغا بالفعل بدراسة هذه التطبيقات في كتابه الإله والعقول الأُخرى 1967 المعروف بنسخته الأكثر شعبية الإله والحريَّة والشَّر 1974.
يسعى بلانتينغا في كتابه هذا لدحض الحجج المعارضة للإيمان بالإله (الايمان بالله)؛ إذ يوضِّح كيف يُبرر الإيمان بالله. كما وسَّع بلانتينغا منذ ذلك الحين اهتماماته لتشمل نظرية المعرفة العامَّة, و بتعبير آخر اهتم بدراسة طرق إدراكنا للأشياء؛ فقام بكتابته في ثلاثة أجزاء عبارة عن أجزاءٍ حول تحوِّل الاعتقاد لمعرفة.
أوَّلُ جزئين هما: الجدل الحالي، والوظيفة المُلائمة، وقد ظهرا في 1993. أمَّا الجزء الثالث فقد كان حول الاعتقاد المسيحي والذي يُتوقَّع صدوره قريبًا. تُعدّ الموضوعات التي ألَّف فيها بلانتينغا أهم الموضوعات في فلسفة الدِّين في الثلاثين سنة الأخيرة؛ فهي مُهمة لكونه كتب عنها. وكنتيجة لعمله فإنَّ سؤال «ما هي المُسوغات المطلوبة لتبرير الاعتقاد الدِّيني، إن وجدت؟» هو السؤال الأكثر إلحاحًا في فلسفة الدِّين حاليًا، وهو ما سيتم مناقشته تاليًا.
إثبات وجود الإله
عادةً ما أجاب الفلاسفة عن الجدل الدائر حول سؤال وجود الله بإجابات استنباطية أو غير استنباطية. هناك قسم كبير من فلسفة الدِّين دعم استنتاج وجود إله، إذ نجد ثلاث حجج مهمة في قضية إثبات وجود الإله:
1- الحجة الأنطولوجية/الوجودية:
لقد تجاهل هذا الجدل كثيرٌ من فلاسفة الدِّين إلى أن أحياه بلاتينغا في طبيعة الضرورة بشكل جديد. نجدُ أن طرح هذه الحجة في الأصل كان من قبل أنسلم كانتربري رئيس أساقفة كانتربري في 1078 بعد الميلاد في كتابهProslogion.
لكن الكتاب أثار جدلا حادًا بخصوص كونه جدلا فعلا أو أنَّه مجرَّد تقصٍ لشكل وجود الإله. غير أنَّ ما طرحه بلانتينغا يدَّعي أنَّ الإله كينونةٌ ضروريَّةٌ ثمَّ ينتقل من إمكانية وجود الإله المزعومة للوجود الضروري والفعلي للإله.
وقد شرعن هذا الانتقال بنظامٍ منطقيٍّ معروفٍ ب (S5). ما زال النقاش دائرًا حول حجة بلانتينغا وكيفية فهم طرح أنسلم. ومن الجدير بالإشارة أن جراهام أوبي قد أصدر مؤخَّرًا كتابًا كاملاً يتناول فيه الجدل الأنطولوجي والإيمان بالإله.
2- الحجة الكونية:
لهذا الجدل عدة أشكال. فإذا وجدت كينونة مُصادفةً، يتوجَّب حينها وجود كينونة سابقة لوجود هذه لكي توضِّح وجودها. كما لقيَ هذا الموضوع اهتمامًا في دراساتٍ سابقة؛ إذ طرح بيتر فان إنواجنو، وهو أحد فلاسفة الدِّين البارزين حاليًا، في كتابه الميتافيزيقيا نسخة سابقةً مُدهشة لهذا الجدل.
3- الحجة الغائية:
تاريخيًا عُرضت هذه الحجة من قبل عدة فلاسفة بصياغة كلاسيكية، كما هو حال ويليام بالي في كتابه اللاهوت الطبيعي 1802. إلا أنَّ هذا الجدل لاقى هجومًا من قبل ديفيد هيوم في حوارات حول الدِّين الطبيعي 1779.
وتلقَّى ضربةً قاسيةً من نظرية التطور. وقد عرض مؤخرًا ريتشارد سوينبيرن، بروفسور فلسفة الدِّين المسيحي في أوكسفورد، شكلاً جديدًا للجدل الغائي في كتابه وجود الإله وظَّف فيه نظرية الاحتمال. كما دار جدلٌ حول مدى نجاح ومُلائمة استخدام أدوات فلسفة العلم للبرهنة على وجود الإله.
أما بالنسبة للجدل حول عدم وجود إله، فإنَّ كثيرًا من حجج الوضعيين قد تلاشت حالها حال الوضعيبن أنفسهم؛ مثل حجة أنَّ وجود الإله أمرٌ لا معنى له، والتي لا يمكن إثباتها في حقيقة الأمر. لكن بالمقابل لم تتلاشَ مشكلة الشَّر تمامًا كحُجة ولم تفقد شعبيتها، كما يُمكن شرح هذه المُشلكة من خلال أربعِ مسائل مُتضاربة واحدةٌ منها على الأقل خاطئة:
.1 الإله خيّر لذا هو يُريد إزالة الشَّر.
.2 الإله كُلي العلم لذا هو عالمٌ بوجود الشَّر.
.3 الإله كُلي القُدرة لذا هو قادرٌ على إزالة الشَّر.
.4 الشَّر موجود.
من النَّادر حاليًّا أن يحتج المُلحدون بمُشكلة الشَّر في جدلهم، ويعود الفضل في ذلك للعمل الرائد لـ ألفين بلانتينغا الذي أظهر أنَّه من الصَّعب إثبات عدم وجود الإله بهذه الحُجج.
وبدلا من استخدام تلك الحُجة أصبح وجود الإله حاليًا أمرًا بعيد الاحتمال، وما يزال النقاش مُحتدمًا حول مدى نجاح ذلك. فإذا كان الإله موجودًا فهل من الضروري أن نُدرك أسباب سماحه بوجود المُعاناة؟ لكن الاختلاف ما زال قائمًا بخصوص المسئول عن حمل عبء إثبات ذلك: فهل يقع عبئه على كاهل المؤمنين أم على كاهل المُلحدين؟
ومن ثَمّ فإن هذا يستدعي الفارق الذي بيَّنه بلانتينغا بين ثيوديسيا (فرع فلسفي-ثيولوجي مهتم بمُشكلة الشَّر) وبين الدِّفاع عن هذه الفكرة، إذ أن ادّعاءات بلانتينغا تقوم على تقديم الدفاع عادًا هذا برهانًا على سبب فشل جدل الملاحدة، كما وضَّح أنَّه غير قادرٍ على تقديم ثيوديسيا توضِّح سبب سماح الإله بوجود المُعاناة.
يبدو أنَّ العديد يتَّفقون مع بلانتينغا على أنَّ احتمالات إيجاد حلٍّ ناجحٍ لمُشكلة الشَّر لن تكون احتمالاتٍ خيّرة، ومع ذلك فإنَّ بعض من يمتلكون الشجاعة يحاولون تفسير وجود المُعاناة كما هو حال ريتشارد سوينيرن في كتابه العناية الإلهية المُفتَرض صدوره هذا الخريف.
هل الاعتقاد أمرٌ منطقي؟
بعد كلِّ ما قيل فإنَّ السُّؤال الأبرز حاليًا في فلسفة الدِّين هو: ما التبريرات اللازمة للإيمان؟ كان بلانتينغا أوَّل مَن طرح هذا السؤال في كتاب الإيمان والمنطق: المنطق والاعتقاد بالإله الذي حرَّره مع زميله الكالفيني الإصلاحي نيكولاس ولترستورف أُستاذ اللاهوت الفلسفي في جامعة ييل؛ إذ أشار حينها إلى أن المُعتقد الدِّيني مُعتقدٌ أساسيٌ تمامًا.
وبمعنى آخر: اعتقادٌ قائمٌ منطقيًا دون أن يُستدلَّ عليه من مُعتقداتٍ آخرى. فإذا كان ما يقوله بلانتينغا صحيحًا فإنَّ كلَّ النقاش الدَّائر حول جدليات الدِّين ستبدو أقل أهمية، وعليه فإن الحُجج غير ضرورية لإثبات أن الاعتقاد أمرٌ منطقي إلا أنَّ الحُجج ضرورية من أجل إقناع غير المؤمنين.
ومنذ ذلك الحين وبلانتينغا يُجادل في ثلاثيته أنَّ الاعتقاد يُبرر إذا كان نتاج عمليةٍ معرفيةٍ خُطِّط لها. فإذا كان الله قد أبدع خلقنا فإنَّ اعتقادنا بوجوده جُزءٌ مما خلقنا الله عليه. ومن ثَمّ فإنَّ الاعتقاد بالإله أمرٌ منطقي.
لكن هذا الكلام سيؤدِّي دورًا بسيطًا بالطبع في إقناع الملحدين؛ لكن هذا لا يهم بلانتينغا كثيرًا، إذ يوضِّح بلانتينغا أنَّ مُهمَّته الرئيسة تتمثَّل بعرضه للحقيقة المعرفية لوجود الله وبدفاعه لما تلاقيه تلك الحقيقة من هجوم, أكثر من كونه مُهتمًا بتحويل المُتشكيين ليؤمنوا كما هو حاله.
فإذا كان بلانتينغا مُحقًا فإنَّه ينقل عبء الإثبات إلى المُلحدين: إذا كانت تريد أن تُظهر أنَّ المؤمنين بلا منطق حينها يتوجَّب عليك أن تُثبت أنَّ الله لم يخلق المؤمنين ليؤمنوا به؛ لكن هذا شيء من الصعب إثباته. نظرًا لأهمية كتاب بلانتينغا فإن فلاسفة الدين حول العالم ينتظرون في هذه الأثناء أن يغزو الكتاب المكتبات.
قدم ويليام ألستون أُستاذ بلانتينغا في مرحلة الدراسات العُليا شرحًا مُغايرًا؛ إذ درس ألستون طبيعة التجربة الدِّينية في كتابه إدراك الله ادَّعى فيه أنَّ الوعي المُباشر المفترض لوجود الإله قادرٌ على تقديم مُبرراتٍ لبعض المُعتقدات حول الإله. وقد دارَ نقاشٌ مُحتَدمٌ منذ صدور الكتاب حول مدى صحِّة ما جاء فيه وحول عدِّة أسئلة أخرى؛ منها على سبيل المثال: هل يتضمن الإدراك دومًا صياغة المفاهيم؟ وهل من المُمكن مقارنة تجاربٍ دينية من أديان مختلفة أم لا؟
بقي أن نُشير إلى أنَّ جامعة إدنبرة قد أطلقت حاليًّا سلسلة حول الابستمولوجيا الدِّينية أُطلق عليها المنطق والدِّين، قام بتحريرها بول هيلم أستاذ التاريخ وفلسفة الدِّين في كلية كينجز لندن ورئيس الجمعية البريطانية لفلسفة الدِّين، حيث يُمثل كل جزءٍ فيها بحثًا في إحدى طرق تبرير المُعتقدات الدِّينية.
ما الإله؟
بعيدًا عن السِّعي لتبرير ادِّعاءات الدِّين، سعى فلاسفة الدِّين عادةً لفهم هذه الادِّعاءات وشرحها؛ إذ يُعدُّ ادِّعاء وجود الإله مركزيًّا في الدِّيانات الغربيِّة.
وعليه فقد أنفق فلاسفة الدِّين التحليلين في الغرب كثيرًا من وقتهم في محاولة شرح ذلك الادِّعاء وهو ما أُطلق عليه اللاهوت الفلسفي، لكن بالرغم من أنَّ هذا التَّحليل مرتبطٌ بالميتافيزيقيا إلا أنه مرتبط أيضًا باللاهوت. ركَّز النقاش على أربع سماتٍ للإله: كُلي القدرة، وكلي العلم، والخلود، والخير. وبالنظر لتلك السمات نجد أن نقاش كل سمةٍ من هذه السِّمات قد تضمن ألغازًا وأسئلةً، مثل:
– هل بإمكان الإله أن يخلق حجرًا ثقيلًا جدًا يصعُب على الإله ذاته رفعه؟
– هل بإمكان الإله أن يخلق شخصًا يعرف سرًا يجهله الإله نفسه؟
دار النقاش حول كُلية معرفة الإله حول سؤال: فيما إذا كان الإله قادرًا على معرفة ما سأفعله غدًا بكامل إرادتي؟ بعد أن نشر بلانتينغا مقاله حول المَخرَج الأوكامي (الإيمان والفلسفة 1986) الذي أعاد فيه ذكر الحل الذي طرحه وليم الأوكامي، تفجر النقاش بظهور مقالاتٍ حول كل هذه القضايا في الدوريات المُتخصصة. ناقشت المقالات طبيعة الاعتقاد؛ فهل الاعتقاد حقيقة ثابتة أم لا؟ أو هل هو حقائق ثابتة إلا أنها ضعيفةٌ من الداخل؟
ما يزال الخلود قضيةً ساخنة، إذ يدور السُّؤال حول كون خلود الإله سرمديًّا غير مرتبطٍ بزمنٍ كما افترض بول هيلم، أو كونه باقيًا لزمنٍ ما كما افترض نيكولاس والترستوف في مقاله أبدية الإله. أمَّا بالنِّسبة للخير الإلهي بعيدًا عن قضية الشَّر فقد تُوسِّع في مُناقشة أسئلة تتضمَّن سؤال إمكانية الثناء على الخير الذي يفعله الإله إذا كان من المستحيل أن يفعل الإله الشَّر؟
اللغة الدِّينية:
تُعدّ طبيعة اللغة الدِّينية إحدى القضايا التقليدية في فلسفة الدِّين لكن لم يتم التَّطرق لها كثيرًا في الآونة الأخيرة. ربما يعود السَّبب في ذلك إلى أنَّ بلانتينغا لم يكتب شيئًا عنها. لكن السؤال هنا يتعلق فيما إذا كان يجب فهم ما كُتب حول الله بطريقة حرفيَّة أم بطريقة مجازية؟
كتب ويليام ألستون عدَّة مقالاتٍ مُهمة حول هذا الموضوع، جُمعت المقالات في كتابه الطبيعة الإلهية واللُّغة البشرية. كانت هذه القضية قضيةً مُهمة عندما تولى الوضعيون المنطقيون أمور الفلسفة، بسبب انشغال المؤمنين بمحاولتهم إيجاد طريقةٍ لتفسير اللغة الدِّينية التي يصفها ألفرد آير بأنها لغة ذات معنى, أما وقد زال تهديد هذا السؤال فقد شعر فلاسفة الدِّين بحرية قولهم ما يعنونه.
الفلسفة المسيحية:
طغى مجالان في فلسفة الدِّين على مجالاتٍ أخرى من خلال ما يُسمَّى أحيانًا «الفلسفة المسيحية» وتوسعها لمجالات لاهوتيةٍ أُخرى.
يعود السَّبب في كلِّ ذلك بالطِّبع لـألفين بلانتينغا فقد قدَّم «النصح للفلاسفة المسيحين» في مُحاضرته الافتتاحيَّة في نوتردام، مُشيرًا إلى أنَّ مَن هم في مثل منصبه لا يجب أن يكونوا مُلزَمين باتِّباع الاتجاهات السائدة واهتمامات الفلسفة العلمانية المُعاصرة، لكن يجب عليهم بالمُقابل الوفاء بالتزامهم للكنيسة من خلال التفلسف في القضايا المهمة بالنسبة للكنيسة.
كما حثَّ بلانتينغا في كتابه الإيمان ومشاكل الفلسفة 1990 الفلاسفة المسيحين على عدم نسيان التزاماتهم الدِّينية في حالة اشتغالهم بفروع الفلسفة الأخرى. لكن قلَّة -أغلبهم في جامعة نوتردام على وجه التحديد- انشغلوا بذلك التَّحدي.وقد كتب الفلاسفة المسيحيون حول العديد من المواضيع التي قلَّما تُطرح، مثل: تحليل المُتناقضات.
الجزء الأول من طلب بلانتينغا كان حول رُباعية ريتشارد سوينبيرن والذي رُبما يُمثل العلاج الأكثر اتِّساقًا لقضايا العقيدة المسيحية المُعاصرة, كان الجزء الأوَّل منها هو المسؤولية والتكفير الذي يتحدَّث عن الخطيئة البشريَّة والذَّنب وخلاص الله للبشر من خلال التكفير عن خطاياهم.
والوحي وهو الجزء الثَّاني الذي يُناقش الكتاب المُقدَّس، مثل: الإنجيل وكونه وحيًا من الله. في حين يتعلَّق الجزء الثَّالث الإله المسيحي بعقيدة التَّجسيد والثالوث. و لم يصدر الجزء الرابع بعد، لكن يُتوقع صدوره هذا العام خلال أشهرِ قليلةٍ. بالإضافة لأعمال مُهمةٍ أخرى في فلسفة الدِّين مثل: عمل بلانتينغا
لكن تبقى عقيدة الثَّالوث مُستوليةً أكثر من غيرها على جُل اهتمام فلسفة الدِّين والنقاش الأكثر حيوية. وينبغي التَّذكير أنَّ أعمالَ الأستاذ سوينبيرن وجُلَّ النِّقاش الفلسفي تختلف عن الاستعراض اللاهوتي التَّقليدي؛ وذلك لاستخدامها أدوات الفلسفة التَّحليلية. ليس من الغريب أن نجد تفاصيلَ منشورةً في دوريٍّة ما تستخدم المنطق لمُناقشة الثالوث على سبيل المثال.
خاتمة
تبدو آفاق فلسفة الدِّين أكثر سطوعًا من عدة أقمار. المعايير العامة للنقاش في الفلسفة التحليلية للدين معايير عالية. بالنسبة لي تبدو بعلوِّ المعايير في أيِّ فرعٍ فلسفيٍ آخر.
فقد أثار الأمر اهتمام كُلٍ من الفلاسفة المُتخصصين في مجالاتٍ أُخرى كـديفيد لويس ومارتن ديفيس على وجه التحديد، فكلاهما كتب مقالاتٍ حول فلسفة الدِّين، وطلاب الفلسفة في الجامعات. ففي أكسفورد تُعدُّ فلسفة الدِّين ثاني أكثر موضوعٍ شعبيةً بعد فلسفة العقل.
زد على ذلك فإنَّ فلسفة الدِّين تُعدُّ مجالاً حيويًّا مفتوحًا للبحث ترتبط أسئلته بنا جميعًا. أليس المُلحدون بحاجةٍ للنظر في الحُجج المُتعلقة بوجود الله؟ ربما هم أيضًا بحاجةٍ لتبرير سبب رفضهم للإيمان، إذا كُنت ترغب بدراسته أكاديميًّا فهناك العديد من الطُّرق المُتاحة. كما أنَّني متأكدٌ من أنَّه سيُعوِّضك عمَّا قدَّمته من وقتٍ وجُهدٍ لدراسته.