ماذا يدور بعقل «كلوب» بشأن «صلاح»؟
قبل أيام قليلة فقط أعلن نادي ليفربول التعاقد مع جناح روما المصري «محمد صلاح» في صفقة كبري جاوزت الـ37 مليون يورو مقابل توقيعه لخمس سنوات، الصفقة لاقت إهتماما إعلاميا كبيرا على المستويين الأوروبي والعربي، وسبب ذاك الاهتمام لا يعود فقط لقيمة الصفقة التي باتت الأعلى بتاريخ العملاق الإنجليزي كما تاريخ المحترفين المصريين والعرب، ولكن امتد هذا الاهتمام بالقيمة المالية للسؤال عن الدور الذي يمكن للمصري تقديمه ضمن كتيبة «يورجن كلوب» وعن سبب سعي الأخير ضمه سريعًا قبل دخول منافسين لليفربول.
ليفربول سيكون أمام موسم استثنائي، سيتم خلاله اختبار قدرات مشروع «كلوب» على المنافسة بالبطولات بعد موسم بدأ بطموحات كبرى وانتهى بمجرد تأمين مقعد أوروبي، وإعادة ترميم ذلك المشروع تبدأ بالتأكيد بالميركاتو الصيفي والاستفادة من أخطاء الموسم الماضي، لذلك تحوي صفقة «صلاح» دلالة كبرى كونها من أوائل التدعيمات!
على رقعة الأنفيلد
يمكن اختصار أداء فريق «كلوب» بموسم 2016/2017 بجملة: قاتل وشرس بالمساحات، يعاني أمام التكتل الدفاعي المنظم. فبالرغم من تسجيل لاعبيه 92 هدفا وانتزاع الفوز من فرق الصف الأول فإنه فقد كثيرًا من النقاط أمام فرق تتوسط أو تتذيل جدول الترتيب كـ«بورنموث، بيرنلي، سوانزي، ليستر سيتي، ويستهام» وعانى أمام «ساندرلاند، إيفرتون».
اعتمدت أغلب تلك الأندية على إغلاق المساحات أمام مفاتيح لعب الريدز وبالأخص «كوتينهو»، والفوز بكافة الكرات العرضية والبينية داخل منطقة الجزاء إلى جانب إرسال الكرات الطولية السريعة خلف ظهر مدافعي ليفربول أصحاب المستوى المتذبذب عبر الموسم والأخطاء المتكررة ومن ثم الوصول السريع للمرمى وخطف الأهداف، بل إن ليفربول احتاج في بعض الأحيان للتسجيل فقط لتدمير تلك التكتلات ودخول لاعبيه لأجواء المباراة.
عامل آخر مهم عانى أمامه «كلوب» وهو عدم وجود دكّة بدلاء قوية، فمع الإصابات التي لحقت بـ«كوتينهو، ماني، لالانا، فينالدوم، كلاين» اضطُر الألماني لتصعيد عدد من اللاعبين الشباب الذين لم يتمكنوا من تنفيذ الـ«جيجنبريسنج» كالأساسيين، يعترف «كلوب» أن الأساسيين أنفسهم استنزفوا كثيرًا من الوقت والجهد لاستيعاب طريقة اللعب الجديدة القائمة على اللامركزية وتبادل الأدوار خصوصًا في الثلث الأخير من الملعب.
أمام تلك التحديات، وبالأخذ في الاعتبار أن مباريات الموسم القادم ستزيد بالتبعية بمجرد تأهل رفاق «ميلنر» لدور المجموعات بالشامبيونزليج، بدا أن ميركاتو الفريق الأحمر سيكون قويًا إذ تنحصر الاحتياجات بمراكز المدافع، المهاجم، لاعب طرف بديل، لكن نقطة تحوّل ظهرت نهاية الموسم الماضي ستجعل من «صلاح» أكثر من مجرد بديل.
نقطة التحوّل: كوتينهو
لا يبدو منطقيًا أبدًا أن يغامر ليفربول بدفع هذا الرقم لروما ليشارك «صلاح» كبديل، بل إن المصري نفسه لن يضحي بمسيرة مبهرة بآخر موسمين مع الذئاب سجل فيهما 35 هدفًا وصنع عشرين آخرين فقط ليجلس على الدكّة بجوار الألماني.
وبعيدًا عن ذلك، فإن نوايا الألماني بضم جناح أساسي ظهرت خلال تصريحاته المذكورة بعد الأداء الجيد لـ«كوتينهو» بوسط الملعب خلال مباراتي «ويستهام، ميدلزبروه» الأخيرتين.
«كلوب» ينظر للأمر من جانبين، الأول هو سعيه لتواجد كوتينهو أكثر بقلب الملعب وعلى حدود منطقة الجزاء، وهي المساحة التي أطلق منها البرازيلي تسديداته التي سكنت الشباك 14 مرة خلال الموسم بدقة تصويبات 53%، يعتمد الألماني في ذلك على وجود أطراف ملعب سريعة وقوية يمكنها خلق المساحة للبرازيلي المندفع.
والجانب الثاني، هو وجود لاعب طرف على درجة عالية من التأقلم مع الـ«جيجنبريسنج»، وبالتالي يمكنه الضغط على الخصوم واستخلاص الكرات والتسجيل من الطرف أو الزيادة لعمق منطقة الجزاء.
لماذا صلاح؟
تطوّر كثيرًا الفرعون المصري مع المخضرم «سباليتي»، بل إن «لوسيانو» قدم النسخة الأفضل على الإطلاق من «صلاح»، فبمطالعة سريعة لأهدافه خلال الموسم الماضي، نكتشف أن المصري أصبح لاعبا أكثر شمولية، فيمكنه التسجيل عن طريق التسديد خارج منطقة الجزاء أو من الطرف الأيمن، يمكنه الاختراق الطولي سواء بالعمق أو من الطرف أيضًا، كما هدّف المصري من كرات عرضية سواء برأسيات أو بمتابعة تصويبات زملائه.
أكثر من ذلك أنه لعب بأكثر من مركز، فبجانب تألقه كطرف أيمن إلا أنه شارك أيضًا ببعض المباريات كصانع لعب كلاسيكي بقلب الملعب، كما لعب كمهاجم ثان بجوار زميله «دجيكو» وأحيانًا خلف البوسني رفقة «ناينجولان»، هذا التنوع خلال الموسم الواحد أكسبه قدرًا كافيًا من الوعي التكتيكي الذي منحه غالب الوقت التمركز السليم وبالتالي أضحت لمسته خطيرة للغاية، فتمكن من صناعة 12 هدفًا هذا الموسم كان لهم دور محوري لتألق زميليه البوسني والبلجيكي!
أضف لذلك العمل الرائع لـ«سباليتي» مع الجناح المصري، إحصائيات موقع «مترو» التي أبرزت تحسن دقة تمريراته بالثلث الهجومي الأخير حيث تجاوزت الـ75% متفوقًا بذلك على كل من «فيرمينيو، ماني، أوريجي، ستوريدج» وبالتالي احتمالات أقل لفقدان الكرة.
كلوب، مقابلة مع سكاي سبورت.
بتلك المواصفات، يبدو «صلاح» مناسبًا للغاية لشغل مركز بتشكيل «كلوب»، الأمر الرائع أيضًا هي المساندة الدفاعية التي قدمها عبر الموسم سواء مع الذئاب أو بمنتخب مصر، فبجانب استخلاصه للكرات فقد ظهرت انطلاقات «صلاح» الدفاعية ملتهمًا المساحات الفارغة وضاغطًا علي الخصم، الميزة الإضافية الأخرى هي لياقة النجم المصري البدنية والذهنية خلال التسعين دقيقة، ميزة أخرى يحتاجها الألماني.
على رقعة الأنفيلد، كلاكيت 2017/2018
من المؤكد أن أسلوب لعب الألماني لن يتغير، ربما سألت نفسك لماذا يفضل اللعب بـ«فيرمينيو» في مركز المهاجم على حساب «أوريجي، ستوريدج» بالرغم أنه ليس مركزه الأساسي، والإجابة لأن البرازيلي يخدم الـ«جيجنبريسنج» أكثر منهما، هكذا تقول أرقام استخلاصه للكرات وتحركه العرضي للضغط على الخصم وخلقه مساحة للمندفعين من وسط الملعب، لقد منحه «كلوب» القميص رقم 9 للموسم القادم، وكأنها إشارة عن الاستمرار بمركزه الجديد.
الأمر ذاته بتعاقده مع المهاجم الشاب «سولانكي» الذي يجيد صناعة الفرص واستبدال الأدوار مع زملائه لاعبي الطرف والوسط، كذلك جاء التعاقد مع النجم المصري.
من الصعب تقديم قراءة نهائية عن فرص «صلاح» بالمشاركة طالما أن ميركاتو ليفربول لم ينته، وبالتالي هناك أكثر من سيناريو لشكل مشاركته، سنحاول عرض أغلبها هنا.
إذا استمرت خطّة 4/3/3 الخاصة بـ«كلوب» فغالبًا سيشغل المصري مركز الجناح الأيمن كما يلعب مع روما، فيما سيتحول «ماني» يسارًا كما كان يلعب ويتألق مع «ساوثهامبتون»، سيضيف الثنائي قوة كبيرة على مستوى الارتداد الهجومي بفضل سرعتهما إلى جانب مهارة استخلاص الكرة وإرهاق دفاعات الخصم، سيطلب «كلوب» من صلاح التسلل لعمق منطقة الجزاء عند تقدم «ماني أو ميلنر» بالكرة من الجانب الأيسر بهدف الزيادة العددية، سيسعى «صلاح» للتسجيل عن طريق التسديد القوي ومتابعة الكرات المشتتة.
فيما سيعود «كوتينهو» لوسط الملعب ليلعب بالمركز رقم 8 بجوار «هيندرسون وفينالدوم»، البرازيلي سيتحرر عند امتلاك الكرة ويبدأ بالاختراق في اتجاه المرمى وهنا يأتي تحد جديد وهو قدرة لاعبي وسط الملعب على حماية المتقدمين.
يمكن للألماني اللجوء لخطّة 4/2/3/1، وهنا سيلعب المصري يمينًا، السنغالي شمالًا، و«كوتينهو» بالعمق فيما بينهما، سيسعى الثنائي الأفريقي لجذب الرقابة على الأطراف ليتمكن «فيليب» من الانقضاض من عمق الملعب للتسديد أو التمرير لزميله «فيرمينيو».
ربما يتم تفعيل هذه الخطّة مع اختلاف المراكز أو دخول لاعبين جدد خصوصًا بعد الأنباء التي ترددت بقوة عن اقتراب لاعب وسط لايبزيج «نبي كيتا» ليكون ظهيرا قويا على دائرة ملعب الأنفيلد.
أخيرًا لا يوجد مانع من اللعب بـ4/3/1/2، حينها سيتواجد الثنائي «لالانا، فينالدوم» أو «نبي كيتا» أمام «هيندرسون»، أمامهم سيلعب «كوتينهو» بحرية شبه تامة خلف ثنائي هجومي يتكون من «صلاح، فيرمينيو» أو «ماني، سولانكي».
فرص وتحديات
التصريح الأخير يعكس قدرًا من النضج الذي أضافه المصري لشخصيته عقب خوضه تجارب مع الفيولا والذئاب وتحمله مسئولية منتخب مصر بتصفيات المونديال أو كأس الأمم الأخيرة، لكن الاختبار الآن أمام «صلاح» هو الأكبر على مستوى التحدي والمغامرة.
فتلك المرة سيظهر «صلاح» بالبريمرليج كلاعب كبير، دفعت فيه إدارة الريدز مبلغًا ضخمًا للحصول على خدماته، حجز لنفسه مكانًا بين أفضل أجنحة العالم، تضاعفت شعبيته مرات وبات قادرًا على صناعة الفارق مع الأندية الكبيرة.
هذه المعطيات على قدر ما تحمل من الفخر بصعود لاعب المقاولين السابق خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنها تفرض سياجًا من الطموحات المرتفعة وتطرح التساؤل عن قدرته على المواصلة بهذا المستوى.
الجانب الآخر الذي يزيد من شأن انتقاله تحديًا، هي ظروف مشروع «كلوب» مع ليفربول، والذي يحتاج لتأكيد جدارته بإعادة الريدز لمكانتهم ولكن ليس بتسجيل 100 هدف أو تقديم أداء هجومي يجاري برشلونة، بل بالفوز والمنافسة على الألقاب، «صلاح» إختار بكامل إرادته اللحاق بالألماني في تلك الظروف الصعبة بدوري بات يتنافس فيه «جوارديولا، مورينهو، بوشتينيو،كونتي، كومان، فينجر» ويحضر من بين أسمائه أغلى لاعب بالتاريخ إلى جوار «سانشيز، أوزيل، ميختاريان، أجويرو، كوتينهو، لوكاكو، كانتي، هازارد، هاري كين، محرز وآخرين»
خطوة ليفربول قادرة على أن تقفز بـ«صلاح» سريعًا للأمام، أو تتراجع به خطوات للوراء، لكن المهم أن اللاعب صاحب الـ25 عامًا قد اختار وسيخوض تجربته الجديدة كما خاض كل ما سبق بالمعتاد منه من عزيمة وإصرار.