ماذا وراء المشاركة المغربية في اليمن؟
من مسلّمات حالة التشرذم والتشظى العربية أنه لا توجد سياسة عربية موحّدة ولا يوجد موقف عربى موحّد فى واحدة من قضايا العالم العربي. لذلك فإن تناول الاصطفاف الحالى فى حرب الحوثيين فى اليمن المعروفة إعلامياً بـ “عاصفة الحزم” باعتباره اصطفافا عربيا وتوحّدا في وجه المخطط الفارسى لا يعدو كونه حديثاً إعلامياً تصبّه أنظمة الدول المحاربة فى آذان شعوبها لكسب التعاطف والتأييد الشعبى لتلك الحرب. والأقرب لعين العقل أن لكل مأربه من تلك الحرب. وسنحاول التوصل فى الأسطر القليلة القادمة إلى الأسباب التي ربما تكون قد دفعت المملكة المغربية للاصطفاف ضد الجمهورية الإيرانية في معركة اليمن الذى لم يعُد سعيداً..
ما سبق لا ينفى بالطبع وجود العديد من المصالح والمهددات المشتركة للدول العربية جميعها لكن جوهر القضية أن تلك المصالح والمهددات المشتركة مختلف بشأنها بين الأنظمة العربية. وعلى أي حال فغياب مفهوم الأمن القومى العربي على الحقيقة أبرز لنا الأمن القومي لكل دولة منفردة متمثلاً في أمن نظامها الحاكم.
ثوابت تاريخية و حضارية:
على الرغم من التوتر والحذر المسيطران على العلاقات المغربية-الإيرانية بعد الثورةP إلا أن هناك ثوابت تاريخية بين البلدين سنقدّم لهذا التقرير بذكرها. حيث يرى المتابع أن كلا البلدين يشتركان في قيام كل منهما على مرتكزات وتقاليد إمبراطورية راسخة في وجدان الشعبين. فتاريخ الأسرة العلوية الحاكمة في المملكة يمتد إلى قرون من الزمن، وكذلك النظام الإيراني قبل الثورة. وكلاهما يستند كذلك في اتجاهاته السياسية إلى مشروعية التاريخ.
وجه التقارب التاريخى الأكثر بروزاً هو مقاومة كلا الإمبراطوريتين للإمبراطورية العثمانية التي بسطت نفوذها على كامل أراضي المسلمين باستثناء المغرب الأقصى في الشمال الإفريقي.
أغلب مواطني المملكة المغربية يؤمنون بالانتماء لآل بيت النبى صلى الله عليه و سلم؛ لكنه إيمان غير مصبوغ بأي صبغة مذهبية ولا يرتبط بالمذهب الشيعي بحال من الأحوال؛ غير أن استثماره للأجندة الشيعية يبقى أمراً وارداً.
تأرجح العلاقات المغربية-الإيرانية:
اتخذت المملكة المغربية قراراً حاسماً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران في مارس 2009؛ فكيف أدى تاريخ العلاقات المغربية الإيرانية إلى تلك القطيعة؟
المحطة الأولى للعلاقات المغربية الإيرانية ترجع إلى علاقات المملكة بنظام الشاه محمد رضا بهلوى؛ وهي المحطة التي اتسمت بالاستقرار بفضل الصداقة التي جمعت الشاه بالعاهل المغربي الحسن الثاني.
أما المحطة الثانية فقد بدأت مع اندلاع الثورة الإيرانية 1979، إذ استضافت المملكة الشاه بعد نجاح الثورة وهو ما أدى بعلاقات البلدين إلى التوتر أو القطيعة. ترتبت على تلك القطيعة مناوشات سنأتي على ذكرها لاحقا.
ثم كانت المحطة الثالثة مع استئناف العلاقات الثنائية بين البلدين مع مطلع التسعينات 1991، واستمرت العلاقات آخذةً فى التحسُّن حتى مجيء أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية الإيرانية.
أبعاد القطيعة بين البلدين:
توترت العلاقاة المغربية-الإيرانية مع نجاح الثورة الإسلامية لصداقة الملك الحسن الثانى الحميمة مع الشاه الإيرانى؛ ما جعل المملكة المغربية تمنح حق اللجوء السياسى للشاه المعزول. قابل تلك الخطوة إعلان الجانب الإيراني اعترافه بجبهة البوليساريو الانفصالية في المغرب.
دعمت المملكة المغربية العراق في حربها ضد إيران، وتطورت العلاقات الاقتصادية بين الرباط وبغداد في تلك الفترة حتى بلغ الدعم المغربي للعراق ذروته بإعلان الملك الحسن الثاني في مؤتمر القمة العربية بفاس عام 1982 استعداد بلاده لتطبيق اتفاقية الدفاع المشترك مع العراق إذا استمرت الحرب بينها و بين إيران.
انتخاب أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية الإيرانية 2005 دفع بالعلاقة مرة أخرى إلى منحدر الهبوط بتقاربه مع الجزائر؛ الأمر الذي اعتبرته المغرب يمس مصالحها الوطنية وقُطعت على إثره العلاقات مرةً أخرى.
لماذا اصطفّت المملكة المغربية مع حلفائها الخليجيين ضد حلفاء إيران فى اليمن؟
ذعر التشيّع:
أثار قرار المملكة المغربية المشاركة في التحالف الداعم لشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، تساؤلات عدّة لاسيما وأن المغرب ليس كدول المشرق العربي التي تربطها بإيران وحلفائها في لبنان وسوريا والعراق حدود مشتركة. زعمت المملكة أن أفراد البعثة الدبلوماسية الإيرانية أجروا عدّة لقاءات مع إسلاميين مغاربة ونشأت بذرة التشيع فى المغرب مع نشوء حركة تسمى “البديل الحضارى” والتي لم يتضح قربها من الأوساط الإيرانية إلا بعد تفكيك شبكة عبد القادر بلعيرج مع بداية 2008. وتشير الأوساط الإعلامية في المغرب إلى أن حركة التشيّع لم تؤتِ أُكُلها إلا بفضل الزخم الإعلامي الذي رافق حرب المقاومة التابعة لحزب الله مع الكيان الإسرائلى. وتوالت اتهامات المغرب لإيران بمحولة نشر التشيع في الأوساط المغربية إشارةً أيضاً للحركة المعروفة باسم “جماعة العدل والإحسان” –أكبر التنظيمات الإسلامية فى المملكة- ؛ إلا أن الباحث المغربى المختص بشئون الحركات الإسلامية محمد ضريف يرى “أن ربط تشيُّع المغاربة بشكل مستمر بإيران هو رأي يجانب الصواب؛ لأن الشيعة المغاربة يُحسبون فى الغالب على تيار المرجع الشيعى محمد حسين فضل الله الذي يركز فى اعتقاده على ما يُسمى بالتشيُّع الثقافى. وهو مرجع كفّرته كثير من المدارس الإيرانية“.
الفراغ الجيوسياسى الفرنسى (العلاقات المغربية-الفرنسية):
يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة السوربون أنطوان صفيِّر أن هامش التحرُّك السياسى للملك محمد السادس ضيق جداً؛ فهو يعلم أن متانة عرشه تستند بشكل أساسى على الدعم الغربى، لذلك لا يمكن التنبؤ بقرار المملكة بعيداً عن التوجيهات الغربية لاسيما مع احتدام المفاوضات الغربية بشأن الملف النووى الإيرانى ورغبة العالم الغربي في تقليم أظافر طهران قبيل انتهاء مهلة المفاوضات المقرر لها نهاية يونيه القادم.
الارتباط الجيوسياسى بين المملكة المغربية وفرنسا يجعلنا ندفع التوقعات في ذلك الاتجاه. خاصةً وأن المغرب تراهن على الموقف الفرنسي في الأمم المتحدة الداعم للمقترح المغربى الخاص بالحكم الذاتي الموسع في الصحراء الغربية.
التقارب الإيرانى-الجزائرى:
أثار التقارب الإيراني الجزائرى ريبة صانعي القرار في المملكة المغربية خاصة، وانتابتهم شكوك مريبة –غير معلنة- في وجود تنسيق عسكرى بين البلدين؛ خاصةً بعد تبادل الزيارات بين رؤساء أركان المؤسستين العسكريتين الجزائرية والإيرانية. بدأت ملامح هذا التقارب تزداد وضوحاً مع دفع الرئيس السابق أحمد نجاد العلاقات بين البلدين في هذا الاتجاه فور توليه مقاليد الحكم فى إيران. هذه المخاوف دفعت المملكة المغربية بلا شك إلى اتخاذ حليف قوى قادر على حمايتها من أي أخطار قد تتهددها في المستقبل.
ربما تكون المنطقة العربية فى مستهلّ حرب باردة. ودروس التاريخ تقضي بوجوب الانحياز لأحد الأطراف القوية حالة الحرب لاسيما إذا كان الأمن القومي متمثلاً في أمن النظام الحاكم..
اقرأ أيضا:
اليمن داخل عاصفة الحزم ( ملف )
اليمن.. صراع التدخلات الخارجية
