ما لا يسعك جهله في «علوم صناعة الموت»
تعتبر الحرب أداة من أدوات السياسة النافذة، حيث تفرض وجهة نظرك في قضية سياسية بالقوة. ومن هنا كانت الحروب أحد أهم الأنشطة الإنسانية منذ أن خلق الله البشر، وكونت المجتمعات المتنازعة فيما بينها على النفوذ والحدود. ولما كانت الحروب مختلفة الطابع عن أي من الأنشطة الإنسانية حيث تحمل في طياتها الفناء للإنسان، فقد اهتم الإنسان منذ نشأة المجتمعات بتطوير أدوات الحروب حتى يمكن الزعم بأن التطوير الذى لحق الأسلحة في الثلاثة القرون المنصرمة كان هو قاطرة التطور التكنولوجي الذي نحصد ثماره في يومنا المعاصر.
لقد انتشرت الصراعات في بقاع المعمورة فى الوقت الراهن، حتى أصبحت أسماء الأسلحة وأنواعها متضمنة في كل نشرات الأخبار وحديث كل الجرائد. ومن هنا كان لزامًا أن تحتوى الحصيلة المعرفية لكل فرد على الحد الأدنى من المعرفة العسكرية وقدرات الأسلحة ومداها، فقد يتوقف على تلك المعرفة يومًا ما بقاؤه على قيد الحياة.
قد يمثل حصول أحد أطراف صراع مشتعل على سلاح بعينه نقطة محورية فى تغير الأحداث، فتتناقل وكالات الأنباء أخبار حصول هذا الطرف على ما سيرجح كفته دون الخوض في تفاصيل هذا السلاح مما يمثل عائقًا معرفيًا أمام المتابع غير المتخصص في هذا المجال. فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ من منا لم يتابع أو يسمع عن أزمة الأسلحة في كوبا التي كادت أن تعصف بالعالم في أتون الحرب العالمية الثالثة. لماذا كان كل هذا الاهتمام بتلك الصواريخ في تلك البقعة بالذات. فبدون معرفة ماهية هذه الأسلحة وقدراتها ومداها لما فهمت سياق ذلك الصراع.
قد تتساءل عن مدى الاهتمام بمقاتلات 35 التي دخلت الخدمة في قوات العدو الصهيوني المحتل أو دخول منظومات الدفاع الجوى S400 الروسية لسماء سوريا. فكلاهما أسلحة إستراتيجية يمكن أن تغير قواعد الحرب لما لها من قدرات عسكرية متطورة. وما هي أفضل السبل والمنظومات التي لابد لنا من امتلاكها حتى نواجه هذا التهديد في حال نشوب صراع مسلح مع أحد هذه الأطراف.
تتلخص فكرة الحرب الحديثة في إخضاع الخصم بأقصر وقت ممكن وبأقل تكلفة مادية وبشرية، فسعت الدول العظمى إلى امتلاك أسلحة ردع تمثل حاجزًا نفسيًا ضد مجرد التفكير في التنازع معها. فهدف الحرب الأصلي هو الوصول إلى طاولة المفاوضات والوصول لأكبر مكاسب ممكنة من العدو أو الحصول على المنفعة من وراء الغزو، سواء كانت مادية أو إستراتيجية، كبناء قواعد أو تحالفات داخل البلد المُحتل تراعي دائمًا مصالح دولة الاحتلال (من الأخطاء الشائعة إطلاق لفظ استعمار على قوات الاحتلال الأجنبي التي تقوم بغزو بلد ما، حيث إن كلمة استعمار في اللغة بمعنى طلب العمار أو الاستصلاح، وهذا أبعد ما يكون عن الهدف الأصلي لهذا الاحتلال). ومن هذا المنطلق تُعنى التكنولوجيا بتطوير الأسلحة وفق المبادئ سالفة الذكر، حيث تقوم التكنولوجيا بتطوير مدى الأسلحة وقدرتها على الوصول، وكذلك اعتماد تقنيات بديلة للعنصر البشري لتقليل الخسائر قدر الإمكان.
ويجب الأخذ في الاعتبار أن الأسلحة وحدها لا تكفي لحسم صراع مسلح، وإنما يجب أن يؤمن الفرد المقاتل بالقضية التي يقاتل من أجلها، وأن تراب الوطن أغلى من المكاسب المادية وإن عظمت، وأن التفريط في أرض الوطن عارٌ لا تدانيه مذلة. وقد رأينا ذلك جليًا فى استيلاء داعش على الموصل وترك الجنود للأسلحة المتطورة أمام داعش الأقل عددًا وعُدة من الناحية التكنولوجية.
في مجموعة المقالات القادمة – إن شاء الله – سنتناول الأسلحة من وجهة نظر مختلفة، من وجهة نظر العلم، وكيف يتم تحديث تلك الأسلحة وخصائصها وطرق استخدامها حتى يتسنى للقارئ أن يتابع الأخبار والأحداث بفهم أعمق ورؤية أشمل لما يتم على أرض الواقع والمعارك من أحداث.