فهد سالم العلي: ماذا فعل الشيخ الكويتي «المعارض» في واشنطن؟
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
كشف اندلاع المظاهرات الكويتية، ضمن موجة الربيع العربي عام 2011، عن أزمات الكويت الداخلية. جانبٌ من تلك الأزمات كان له علاقة بالنظام السياسي، وفقر آليات المحاسبة، والفساد، وتحالف المال والسياسة، وجانبٌ آخر مرتبطٌ بصراعات الأسرة الحاكمة، آل صباح، التي وجد بعض شيوخها موجة الاحتجاجات الإقليمية فرصةً لتصدُّر المشهد.
وقد كان الشيخ فهد سالم العلي الصباح ممن ضمُّوا صوتهم لصوت الشارع الكويتي، من خلال أدواته الإعلامية، ووجد الشيخ المظاهرات فرصةً لترويج شخصه والمركز البحثي الذي أسسه، وانطلق بالتبشير بأفكاره من العاصمة الكويت حتى العاصمة واشنطن.
سنتعرف في هذا التقرير على جهود الشيخ في الكويت وواشنطن، وتفاصيل توظيفه شركات الضغط السياسي والعلاقات العامة للترويج لأجندته وأفكاره بين السياسيين والمفكرين الأمريكيين.
من فهد سالم العلي؟
فهد سالم العلي هو نجل الشيخ سالم العلي الصباح، رئيس الحرس الوطني الكويتي. ترأس فهد الهيئة العامة للشؤون الزراعية والثروة السمكية منذ عام 2001 حتى عام 2006، العام الذي نشأ فيه نزاعٌ جديد في العائلة على الإمارة.
بعد وفاة الأمير جابر الأحمد الصباح في يناير (كانون الثاني) 2006، كانت صحة خليفته الشيخ سعد بن عبد الله لا تسمح له بالحكم، وخلق ذلك نزاعًا بين بعض الأطراف في العائلة، وظهر معارضون لتولي الشيخ صباح الأحمد رئيس الوزراء آنذاك، كان من بينهم الشيخ سالم العلي، والد الشيخ فهد. ولم يستمرّ النزاع طويلًا حتى أصبح الشيخ صباح أميرًا للبلاد في 29 يناير 2006.
في الانتخابات التشريعية لعام 2006، رشَّح الشيخ فهد نفسه مع اثنين من العائلة الحاكمة، وأثار ترشحهم جدلًا دستوريًا عما إذا ما كان ممكنا لأحد أفراد العائلة المالكة الترشُّح للبرلمان. ورأى البعض أنّ ترشح هؤلاء في هذا الوقت انعكاس لانقساماتٍ داخلية تعيشها الأسرة الحاكمة، وبعد شهرٍ من تشكيل الحكومة، أقيل الشيخ فهد من إدارة وزارة الزراعة.
مع اندلاع احتجاجات الربيع العربي، استبق أمير الكويت الأحداث في موطنه تحسبًا لأي موجة غضب، وأمر بإعطاء ألف دينار كويتي لكل مواطن وضمان مونة غذائية لمدة سنة.
وكانت المعارضة السياسية في تلك الفترة تتَّهم الحكومة بشراء برلمانيين بالمال مقابل ولائهم، وانتقدت المعارضة الضغط على وسائل الإعلام التي تنتقد الحكومة، وأغلقت الحكومة في 6 يناير جريدة المستقبل وقناة مباشر، المملوكتين للشيخ فهد. ووجد الشباب الكويتي في «تويتر» مساحة للتعبير عن آرائه، وهي المنصة التي لم يغفل الشيخ عن الانضمام إليها قبل ذلك بنحو عام.
بدأت الأحداث تشتعل، وطالب بعض البرلمانيين بإقالة رئيس الوزراء بسبب «فساده المالي». وكانت القنوات الإعلامية التابعة للشيخ فهد تنقل حراك الشارع، وتذيع الندوات التي تنسقها المعارضة، وتنتقد رئيس الوزراء الشيخ ناصر الصباح، وتنقل وجهات نظر البرلمانيين المعارضين له.
ولم تمر أيام قليلة حتى انفجر الشارع الكويتي في 19 فبراير (شباط)، فخرج مئات المتظاهرين من «البدون»، الذين لا يحملون وثائق سفر أو جنسية، مطالبين بحقهم في المواطنة.
احتجاجاتٌ في الكويت.. واجتماعاتٌ في واشنطن
مع ازدياد غضب الشارع الكويتي، بدأ الشيخ فهد سالم العلي في توظيف شركات الضغط السياسي والعلاقات العامة في واشنطن، عن طريق «مركز فهد السالم لحوار الحضارات والدفاع عن الحريات». وكشفت وثائق وزارة العدل الأمريكية عن ثلاثة عقود لمركز فهد السالم مع ثلاث جهات أمريكية.
كان الأول عقدًا مباشرًا مع شركة «ليفانت السويس للاستشارات – Levant Suez Consulting Corp»، في يوم 18 فبراير 2011، وكانت هي الشركة الأساسية التي تُنسِّق جدول زيارة الشيخ إلى الولايات المتحدة.
ومن خلال شركة ليفانت، تعاقد الشيخ فهد مع شركة «جراي لوفلر – Gray Loeffler» بعقدٍ فرعي في 23 فبراير 2011، لتنسق اجتماعات مع أعضاء في الكونجرس.
وجاء العقد الثالث مع شركة «فليشمان هيلارد – Fleishman Hillard»، مقابل الخدمات الإعلامية والبحثية اللازمة أثناء الرحلة، مثل تقديم تقارير ملخصة عن التطورات في الكويت والعالم، وتقديم تدريبات إعلامية، وخدمات لوجستية أخرى أثناء الرحلة.
وتعاونت شركتا «ليفانت» و«جراي لوفلر» في تنسيق جدول زيارة الشيخ فهد إلى الولايات المتحدة. وصل الشيخ فهد إلى الولايات المتحدة، وكان الاجتماع الأول مع شركات الضغط والعلاقات العامة في فندق «ماندارين أورينتال» في نيويورك يوم 27 مارس (آذار)، قدمت فيه شركة «جراي لوفلر» جدول الأيام المقبلة.
وقضى الشيخ فهد أول يومين في نيويورك، واجتمع مع العديد من الجهات أبرزها صحيفة «نيويورك تايمز»، ومنظمة «هيومن رايتس واتش»، واجتمع أيضًا مع جون أوتينداهل، نائب رئيس البنك الألماني في الأمريكيتين.
وفي هذه الفترة كان النقاش في الداخل الكويتي يدور حول مسألة استجواب رئيس الوزراء ناصر الصباح، وانعكاسات المظاهرات البحرينية على الساحة الكويتية. وفي يوم 30 مارس سافر الشيخ مع العاملين في الشركات إلى العاصمة واشنطن، وبدأ برنامجًا حافلًا باللقاءات لمدة ثلاثة أيام.
في يوم وصوله نفسه، التقى الشيخ الباحثة الإيرانية الأمريكية هاله اسفندياري، مؤسسة برنامج الشرق الأوسط في مركز «ودرو ويلسون» الدولي، والمديرة السابقة له.
بعد هذا اللقاء، اجتمع الشيخ فهد سالم العلي مع ثلاثة من أعضاء الكونجرس، فكان اللقاء الأول مع النائبة الجمهورية إليانا روس ليتينين، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية، والثاني مع النائبة الديمقراطية نيتا لووي، زعيمة الأقلية في اللجنة الفرعية العمليات الخارجية، والثالث مع النائب الديمقراطي هووارد بيرمان، زعيم الأقلية في لجنة الشؤون الخارجية.
في مساء هذا اليوم، نسقت الشركات للشيخ فهد فرصة للتحدث في جامعة جورج تاون عن جريدته وقناته الإعلامية، وتحدث عن تجربة أسره أثناء الغزو العراقي للكويت، ويقول إنه أُسر خمسة أشهر، ومرّ في الأسر بمراحل مختلفة، أولًا اعتُبر مُتهمًا، ثم معتقلًا، ثم «مُفرجًا عنه»، ثم صار يسمّى «شيخًا»، وفي المرحلة الأخيرة سمّي «ضيفًا»، ويُشير إلى أن فترة السجن أثّرت على صحته الجسدية.
ومع صباح يوم 31 مارس بدأ الشيخ فهد يومه بإفطارٍ مع النائب الديمقراطي إيمانويل كليفير، عضو لجنة الشؤون الخارجية، وتضمن اليوم عدة لقاءات أهمها مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز»، واجتماع مع النائبة الجمهورية كاي جرانجر، رئيسة اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية، واجتماع آخر مع السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، زعيم الأقلية في اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية.
وبعد الانتهاء من هذه الاجتماعات، انتقل الشيخ فهد للاجتماع مع ليس كامبيل، مسؤول إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المؤسسة الديمقراطية الوطنية، وختم يومه باجتماعٍ مع السيناتور الديمقراطي بوب كاسي، رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط.
شهد اليوم الأخير من الرحلة، 1 أبريل (نيسان)، اجتماع الشيخ فهد مع إليوت أبراماس من مجلس العلاقات الخارجية، وهو دبلوماسي عريق خدم في كل من إدارة الرئيس رونالد ريجان، وجورج بوش الابن، ودونالد ترامب. وكان من أبرز المعلقين على الأحداث في البحرين، والناقدين لنظام الحكم في البحرين وأساليب قمعه للمتظاهرين.
أنهى الشيخ فهد رحلته باجتماع نسقته شركة «جراي لوفلر»، بحضور النائب الديمقراطي السابق ويليام جراي، الذي خدم زعيمًا للأقلية في مجلس النواب.
وقد بلغت المدفوعات لشركة «ليفانت السويس» 650 ألف دولار، أعطيت منها 450 ألفًا لشركة «جراي لوفلر» و28 ألفًا لشركة «فليشمان». بدأ العقد في 18 فبراير 2011 وانتهى بعد شهور في 1 يوليو (تموز) 2011.
«عصر الوصاية انتهى».. فهد سالم ينضم للاحتجاجات ضد رئيس الوزراء
في 22 مايو (أيار) 2011، نظَّم مركز فهد السالم لحوار الحضارات مؤتمرًا تحت شعار «تجديد حوار السلام والحريات وحقوق الإنسان في العالم المعاصر»، بحضور أكثر من 40 متحدثًا من الشخصيات العالمية، مثل رئيس بولندا السابق ليش واليسا، وآخرين حائزين على جائزة نوبل للسلام، وحضر المؤتمر منظمات حقوقية وجهات إعلامية مختلفة.
وفي تلك الفترة بدأت الأمور تأخذ منحىً جديًا، ففي يونيو (حزيران) تجمّع 5 آلاف مواطن كويتي حول مبنى البرلمان يطالبون بتنحي رئيس الوزراء.
انضم الشيخ فهد لهذه الموجة مطالبًا بتنحي رئيس الوزراء، وصرَّح في إحدى الجلسات: «إذا لم يجد صاحب القرار الشخص المناسب من داخل الأسرة يختار من أبناء الشعب». وتبنى الشيخ فهد خطابًا ديمقراطيًا، وأضاف أن «عصر الوصاية انتهى».
وبعد حادثة اقتحام بعض الكويتيين مجلس الأمة فيما سمي «الأربعاء الأسود»، زادت الضغوط ليستقيل رئيس الوزراء ناصر محمد الأحمد الجابر الصباح في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وتعيين جابر مبارك الحمد الصباح مكانه.
وكانت استقالته إثر اتهامه بالفساد ورشي بعض أعضاء مجلس الأمة لصالحه، ومزاعم بأنّ بنكين كويتيين أودعا 92 مليون دولار في حسابات بعض البرلمانيين. وبعد حادثة الاستقالة، دعا أمير الكويت صباح الأحمد لعقد انتخاباتٍ تشريعية في فبراير 2012.
وبعد نشاطه أيام الاحتجاجات في الكويت، يبدو أنّه تم إبعاده عن أي مهمة أو نشاط حكومي، وينشط اليوم فهد السالم على حسابه بـ«تويتر»، للتفاعل مع الشؤون المحلية، والحديث والدفاع عن الأخلاق، والوطنية، وأهمية محاسبة الفاسدين.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.