ماذا لو عاد السادات ليشاهد مسلسل «جزيرة غمام»؟
في شخصية السادات من التناقض ما يلفت نظر الأعمى، للدرجة التي جعلت البعض يراه في أوقات كثيرة شخصيتين لا شخصية واحدة، لنلعب إذا هذه اللعبة ونراه اثنين، أحدهما شاب فقير يحلُم بأن يصبح ممثلًا، والثاني تربع على كرسي الحكم في مصر، اغُتيل الممثل بيد الرئيس حين دخل الأخير معترك السياسة، حيث لا تبدو الحقائق واضحة ولو كانت تحت الشمس، واغتيل الثاني- الرئيس- يوم احتفاله بذكرى نصره الأكبر في حادث المنصة الشهير.
ربما لو عاش السادات الممثل إلى الآن، لما جسد الفنان محمد نصر شخصية الرئيس محمد أنور السادات في مسلسل «جزيرة غمام» للكاتب عبد الرحيم كمال، فمن أجدر من السادات الممثل لتأدية دور السادات الرئيس!
انتهت اللعبة إذن، فلم يعد أحد يتذكر السادات الممثل، وإن كان الجميع لا ينسى السادات الرئيس، لم يخطئ مصطفى الفقي حين وصفه بأنه:
لماذا جاءت شخصية السادات في أولى حلقات «جزيرة غمام» وأين ذهبت؟
بدأت أحداث الحلقة الأولى من مسلسل «جزيرة غمام» بزيارة السادات الرئيس لأهل الجزيرة في سنة 1977، قبل أيام قليلة من زيارته الشهيرة للقدس، برفقة رئيس الوزراء، وهناك احتشد أهالي الجزيرة لاستقباله باللافتات والأعلام.
خلال زيارة السادات التاريخية للقصير، التابعة لمحافظة البحر الأحمر، قام بافتتاح مسجد المدينة، استقبله الشيخ شمس عميد عائلة أولاد عرفات، وعلى طريقة الفلاش باك، يحكي شيخ الجزيرة وأحد كبارها، قصة جزيرة أولاد عرفات، أو كما سُميت في الماضي «جزيرة غمام» ، حيث تم استئذان السادات في الاستماع إلى قصتها.
أبناء «الشيخ مدين» خرجوا من جلباب الأزهر
تبدأ قصة القرية بالتعرف على (الشيخ مدين/ عبد العزيز مخيون)، حكيم الجزيرة، للاسم مدلول، فـمدين هو المدنه أو المسجد، مدين يرمز للأزهر الذي ربى ثلاثة شبان، في أحداث العمل هم ليسوا أبناء الشيخ وإنما قام بتربيتهم، وبالتبعية هم ليسوا أبناء الأزهر، وإنما خرجوا من جلبابه، وكما خرج الثلاثة مختلفين تمامًا من بيت الشيخ مدين، يخرج من بيت «الأزهر» ثلاثة مختلفين كذلك، الأول (يسري/ محمد جمعة) أخذ بمفهوم الدين الشعبي، والثاني (عرفات/ أحمد أمين) الصوفي الزاهد، رجل الدين المتسامح، والأخير (محارب/ فتحي عبد الوهاب) رجل الدين المتشدد.
العجمي يرفض خمور طرح البحر
أما (العجمي/ رياض الخولي)، حاكم القرية وعمدتها، فيرمز للرئيس السادات نفسه، العجمي يظن نفسه كبير القرية، تمامًا كما كان السادات يتعامل على أنه رب أسرة تدعى المصريين، احترام العجمي للدين ينطبق تمامًا على وصف السادات بـالرئيس المؤمن، لقب لم ير النور سوى بعد عودة السادات من القدس في 1977 وتكفير البعض له، ذات العام الذي بدأت فيه أحداث المسلسل.
يرفض العجمي خمور طرح البحر وخلاعتهم، وكذلك فعل السادات، إذ نصت المادة الثانية من قانون 63 لسنة 1976- قبل عام واحد من زيارة السادات لـ«جزيرة غمام»- على حظر تقديم أو تناول المشروبات الكحولية أو المخمرة في الأماكن أو المحال العامة، لكنه استثنى من الحكم: الفنادق والمنشآت والنوادي ذات الطبيعة السياحية، وفي المادة الثالثة مدّ القانون نطاق الحظر ليشمل أي طريقة للإعلان والنشر والترويج للمشروبات الكحولية.
يحكي الشيخ شمس عميد عائلة أولاد عرفات قصة القرية على مسمع الرئيس السادات ليقول له، إن حاكم قريتنا قديمًا أخطأ خطأً جسيمًا أتمنى ألا تكرره، عندما ترك طرح البحر/الغجر إذ يمثلون الأفكار الواردة من خارج القرية/ الدولة، المتشددون من اليسار المتطرف يواجهون محارب وأعوانه الذين يمثلون المتشددين من أهل الفكر الديني، إذًا فقد أخطأ العجمي نفس خطأ السادات نفسه حين ترك التيارات الإسلامية لتواجه الأحزاب السياسية اليسارية على أمل توازن القوى، فكما ترك العجمي براح القرية لـطرح البحر في مواجهة محارب والعكس صحيح، ترك السادات التيارات الإسلامية في مواجهة الأحزاب.
بأحد أسلحة محارب قُتل السادات
يبث (محارب/فتحي عبد الوهاب) رجل الدين المتشدد أفكاره المتطرفة في أتباعه، يأمرهم بالتوغل داخل القرية، تمامًا كما توغلت الأفكار المتطرفة داخل المجتمع المصري في سبعينيات القرن الماضي، قاد محارب أعوانه ومدهم بالأسحلة، وهكذا فعلت التيارات الإسلامية المتطرفة في عهد الرئيس السادات، وبأحد أسلحة «محارب» قُتل السادات نفسه في حادث المنصة.
إذا تجاهلنا الزوجة السرية للعجمي (هلالة/وفاء عامر)، إذ كان لا بد لهذا الزواج أن ينتهي، بسبب طبيعته السرية، التي لا تتناسب مع مجتمع مصري صعيدي في عام 1914، ماتت الزيجة حين رأت النور، وإن تأخرت لحلقة أخرى داخل مسلسل «جزيرة غمام»، بذلك يكون العجمي قد تزوج مرتين، تزوج السادات أيضًا مرتين، أنجب العجمي من الأولى بنتًا وحيدة فتزوج من أخرى طمعًا في إنجاب الذكر، السادات كذلك لم ينجب من زوجته الأولى (إقبال) سوى بنات، وتزوج للمرة الثانية من السيدة جيهان، أنجب منها الذكر ثم صارت بعد ذلك سيدة مصر الأولى.
بين سلطان ورئيس: حسين كامل والسادات
أما عن اختيار عام 1914 ليكون زمنًا لأحداث مسلسل «جزيرة غمام» فبالتأكيد له مدلوله، ففيه أظهر الخديوي عباس حلمي الثاني الولاء للدولة العثمانية عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، وعارض أطماع قوات الاحتلال الإنجليزي في مصر، سافر الخديوي إلى إسطنبول للتنسيق مع الدولة العثمانية؛ لكنه فؤجي أثناء سفره يوم 19 ديسمبر 1914 بعزله عن عرش مصر وإعلانها محمية بريطانية، فرضت الأحكام العرفية في البلاد استعداد لقمع أي ثورة مصرية محتملة، بينما في عام 1977 يستمع السادات إلى قصة «جزيرة غمام» بعد أيام من انتفاضة الخبر/انتفاضة 77.
في أحداث الحلقة 14 من مسلسل «جزيرة غمام» يأتي ساعي بريد إلى القرية بخبر عزل الخديوي عباس حلمي الثاني، وتولي حسين كامل عرش مصر، يتحسر العجمي على الخديوي المعزول، هكذا كان الحس الشعبي كله، إذ لاقى تعيين الإنجليز للسلطان حسين كامل رفضًا شعبيًا قاطعًا قضى على شعبيته قبل أن يتولى الحكم، وكذلك قوبل السادات برفض شعبي، لم يتقبل الناس حسين كامل بعد عباس حلمي الثاني، وبالمثل لم يتقبلوا السادات بعد زعامة عبد الناصر وشعبيته.
اتجهت الحركة الوطنية في مصر خلال حكم السلطان حسين كامل إلى العمل السري بخاصة بعد تعرضها للقمع، فاعتمدت العنف، وتعددت محاولات اغتيال الوزراء والمسؤولين، بل وتعرض السلطان نفسه لمحاولتي اغتيال، إحداهما بإطلاق الرصاص والأخرى بقنبلة تستهدف موكبه.
على نفس النهج سارت التيارات الإسلامية المتشددة في عصر السادات، خصوصًا بعد تعرضها للقمع في ظل نظام عبد الناصر وبداية عصر السادات، فاعتمدت العنف، وتعددت محاولات اغتيال رموز المجتمع المصري، وتعرض السادات لما تعرض له السلطان حسين كامل وهو الاغتيال، فشلت محاولة اغتيال السلطان حسين كامل بينما نجحت محاولة اغتيال السادات فقتل في حادث المنصة.
ربما لو استمع السادات جيدًا لقصة مسلسل «جزيرة غمام» لما قُتل!