رأي العين: ما يمكن أن تصنعه «الصورة» في العالم
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
غضب حام عصف بمواقع التواصل الاجتماعي، حين بثت وكالة «أسوشيتد برس» صورة التقطتها المصورة «جوليا لو دوك» للغريقين، السلفادوري «أوسكار ألبرتو مارتينيز راميرز» وابنته «فاليريا»، التي أتمت بالكاد 23 شهرًا.
تقول لو دوك إن الأب راميرز كان يحاول عبور نهر ريو جراندي في المكسيك، بعدما أيقن ألّا حظ له في الفوز بحق اللجوء من السلطات الأمريكية.
وبعيدًا عن جدل نشر الوعي المحمول على منشورات فيسبوك وتويتر، نجد أنفسنا أمام السؤال: هل يمكن لصورة كتلك الهيمنة على الرأي العام وحضّ السياسيين على فعل شيء ما؟
ولأننا باحثون في الصحافة و علم النفس معًا، مهتمون بدراسة تأثير الصورة، فإننا ندرس قدرة الصور ومقاطع الفيديو الصادمة على تحريك الناس من حال الاستكانة إلى الفعل.
والواقع أن صور الجرافيك المصممة يمكن أن تنتج تأثيرًا فوريًا، لكن مجال الفعل – أو حتى الاكتراث– المدفوع بهذا التأثير أضيق مما تظن.
حافز سياسي
يمكن للصور ومقاطع الفيديو، من خلال صدقيتها الملموسة، أن تؤثر في الناس.تجادل دراسة بأن صورة جرافيك للقتيل «إيميت تيل» في تابوته المفتوح لعبت دور المحفز السياسي للأمريكيين للانخراط في حركة الحقوق المدنية. وعلى نحو مشابه، لعبت الصور الصحفية دورًا محمودًا في وضع حد لحرب فيتنام.
بيد أن هذا ليس محل إجماع بين الباحثين قاطبة. ويجادل مقال نُشر، مؤخرًا، بأن ثمة «خرافة» مصطنعة حول دور صورة «فتاة النابالم» الأيقونية في تحريك الرأي العام والتعجيل بنهاية حرب فيتنام.
تتابع القوات الفيتنامية الجنوبية بعض الأطفال المرعوبين، بعدما تعرضوا لهجوم جوي بالنابالم المشتعل، خلال الحرب الفيتنامية، في 8 يونيو/ حزيران 1972
ربما لو ألقينا نظرة على علم النفس أمكننا فهم تأثير المحتوى العاطفي للأخبار. أظهرت دراسة أن الجمهور بحاجة إلى صلة عاطفية بما يصل إليه من أخبار، لا حقائق مجردة باردة،كشرط شارح للانخراط في فعل سياسي، لا سيما حين يتعلق الأمر بتقدير مدى أهمية معاناة جماعية بعيدة عن حياة المرء.
يمكن للصورة أن تؤدي دور صلة الوصل العاطفية تلك، متخطية أسوار التبلد النفسي التي تعلو بموازاة علو أكوام الضحايا، واستحالة الأرواح المفقودة إلى إحصائيات جافة.
صور من سوريا
في أبريل/نيسان 2017، بدا وكأن صورًا بائسة أيقظت العالم على الفظائع الإنسانية الدائرة في سوريا. وفي أعقاب الهجوم بأسلحة كيماوية على مدينة خان شيخون،وثّقت صور ومقاطع فيديو الأثر المروع لغاز الأعصاب المحرم؛ السارين.
وجد الملايين أنفسهم شهودًا على طاحونة المعاناة الإنسانية هذه: الشهق فالاختناق فالتلوي فالإفضاء بالروح. في هذه المعمعة، أصُيب أكثر من 500 شخص، قُتل منهم 86 على الأقل، من بينهم 28 طفلًا.
الصور الحية لضحايا السارين كانت صاخبة بما يكفي لكسر جدار التبلد واعتياد الأخبار السيئة الواردة من رحى الحرب السورية. حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أمر بتوجيه ضربة صاروخية انتقامية لمواقع عسكرية سورية، بدا في رد فعله إدراك لقيمة الحيوات السورية الناطقة في الصور ومقاطع الفيديو.
ترامب قال في مؤتمر صحفي «عندما تقتل أطفالًا أبرياء، فإنك تتجاوز خطوطًا كثرًا أبعد من الخط الأحمر، خطوطًا كثيرة جدًا».
حدود الصور
في 2015، أوجعت صورة ملتقطة لجثة الطفل السوري آلان كردي، مُسجى على وجهه فوق رمال الساحل التركي، أوجعت الضمير العالمي الجمعي. وفي غضون ساعات من بثها، وصلت الصورة إلى 20 مليونًا من مستخدمي موقع تويتر، وملايين آخرين من متصفحي الصحف في اليوم التالي.
بعدها مباشرة،خُففت القيود الحكومية المفروضة على استقبال اللاجئين، و طفرت التبرعات الخاصة الموجهة إلى منظمات إغاثية مثل الصليب الأحمر. وبعدها بعام، صدمت العالم صورة أخرى لطفل جالس في عربة إسعاف، مغطى بالأوحال والدم.
بيد أن رد الفعل العاطفي والشفوق على الصورتين سرعان ما خبا، واستمر قصف المدنيين في سوريا، فيما ظل اللاجئون يغامرون بحيواتهم فرارًا من المقتلة.
ربما، منذ نشر صورة «لو دوك» للاجئ السلفادوري وابنته وقد أسلما الروح، اكتسب السياسيون المتعاطفون دفعة إضافية من الجرأة للتوعية بمأساة المهاجرين من أمريكا الوسطى، وربما تضاعفت كذلك التبرعات الممنوحة لمنظمات إغاثة المهاجرين، لكن يبدو أن صورة، ومهما كانت موجعة عاطفيًا، ما لها وحدها أن تفعل الكثير.
صحيح أن الصور يمكن أن تخلق فرجة من الوقت عندما نكون مدفوعين من تلقاء أنفسنا للتحرك والفعل، وسنفعل ذلك غالبًا طالما كانت لدينا خيارات فعالة قابلة للتطبيق، مثل التبرعات الخيرية على المستوى الشخصي، أو تكوين الإرادة السياسية على المستوى الجماعي.
على أن دراسة نفسية أجرتها منظمة arithmetic of compassion تجادل بأن التعاطف مع المآسي الإنسانية البعيدة يخفت مع التعاطي المستمر مع حساب أرقام الجثث المتعاظمة.
في بعض الأحيان، تجثم ضخامة مشكلة ما على تعاطفنا فتثبّطه،وتُودي بهمتنا لفعل أشياء تصنع فارقًا حقًا، وحتى وإن كانت حلولًا جزئية، فهي تنقذ أرواحًا. وفي أحيان أخرى، حين تغدو الخيارات أمامنا ضيقة أو فاقدة الجدوى، ندير ظهورنا للأمر برمته ولا نعود نكترث له.
يمكن للصور أن تقرع أجراس ضمائرنا لتنبهنا إلى هول العنف والهجرات الجماعية والفقر، لكن كما رأينا مرة تلو الأخرى، تستثير الصور والأخبار رد فعل عاطفيًا سرعان ما يخبو، بدلًا من استجابة إنسانية طويلة المدى ومستمرة.