أي لغة يتحدثها حكام كرة القدم في البطولات الدولية؟
في ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز لعام 2018، كان معسكر المنتخب الفرنسي بكامل تركيزه يستعد لنهائي المونديال لتحقيق اللقب الثاني في تاريخ بلادهم. أما رفقاء لوكا مودريتش فلم يستطيعوا النوم من كثرة التفكير فيما ستؤول إليه مغامرتهم التي لم يتوقعها أحد في روسيا. أما فيما يخص جماهير اللعبة حول العالم، فهي لم تكف بالطبع عن الرهانات والتحديات التي لم تنتهي لتوقع بطل العالم.
فرصة ذهبية بكل تأكيد للصحفيين الرياضيين بكل بلاد العالم للتغطية وجني مزيد من التفاعل، والمشاهدات، والأموال بالطبع. لكن زميلهم الصحفي الرياضي الأمريكي «أليكس بيكر» لم يعبأ بذلك كله لأن ثمة سؤال خطر بباله تلك الليلة وقرر توجيه مجهوداته لإيجاد إجابة واضحة عليه.
قد يبدو السؤال سطحيًا بالنسبة لك الآن، حاله حال أغلب الأسئلة التي تسألها لك إحدى نساء عائلتك أثناء مشاهدتك لإحدى المباريات أمام التلفاز. لكن بعد قليل من التفكير، وجدت أن هذا السؤال عادة ما تؤول إجابته إلى ابتسامة واثقة من الرجل دون إجابة واضحة، وفي أغلب الظن أن الإجابة التي تدور في رأسه حينها هي: «لا أعلم بالتحديد كيف يتواصلون وهم يتحدثون بلغات مختلفة ولكن الأكيد أنهم يتواصلون!».
في هذا التقرير سنحاول الإجابة عن هذا السؤال: كيف يتواصلون؟
ماذا يقول الفيفا؟
يقول الصحفي الأمريكي «أليكس بيكر» إنه في أثناء رحلة بحثه توصل إلى أن الفيفا يعتمد في تعاملاته على أربع لغات وهي: الإنجليزية، والألمانية، والفرنسية، والإسبانية. ولكن هل هذا معناه أن الحكام الدوليين يستطيعون التحكيم في المحافل الدولية بمجرد إتقانهم أي من هذه اللغات بشكل منفرد؟ الإجابة: لا.
فكما يقيم الاتحاد الدولي لكرة القدم شروطًا بدنية للحكام قبل المونديال مثل الجري لمسافة 6.5 أو 7 أميال خلال 90 دقيقة، فإنه يشترط أيضًا إتقانهم للغة «الإنجليزية» كلغة رسمية للتحدث بها على أرض الملعب باعتبارها اللغة الأكثر انتشارًا على مستوى العالم.
محاضرات الحكام ومؤتمرات استقبالهم وإعدادهم للمحافل الدولية أيضًا تكون باللغة الإنجليزية بعد أن يتم اختبارهم ورقيًا لضمان امتلاكهم الحد الأدنى من المطلوب في اللغة.
لغة الجسد
من الوارد أنك تقول الآن داخل عقلك: لماذا كل هذا؟ الأمر أبسط من ذلك بكثير. فلغة الجسد كافية تمامًا لكسر حاجز اختلاف اللغة بين الحكام واللاعبين على أرض الملعب. لا نستطيع أن نجزم بصحة ذلك التفكير أو خطئه بنسبة 100%.
فلغة الجسد وإن كانت حلًا كبيرًا لمشكلة اختلاف اللغات، إلا أنها قد تختلف من إنسان لآخر وفقًا لطباعه الشخصية وإيماءاته التي تعود عليها طيلة حياته وطبيعة المجتمع الذي نشأ بداخله.
أدرك المسؤولون في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «UEFA» تلك الحقيقة، وأن لغة الجسد وإن كانت لغة موحدة للعالم كله إلا أنها تحتاج لبعض التحسينات لدى الحكام حتى يتم قولبتهم وتشكيلهم لجعلهم وكأنهم بمرجعية واحدة إن صح التعبير.
لذلك قام المسؤولون بالويفا بتعيين الخبير النفسي السويسري «ماتيا بيفارتي» في معسكر لحكام القارة بمدينة نيون السويسرية قبل انطلاق يورو 2008. يقول بيفارتي إن كامل تركيزه كان منصبًا على أربعة أشياء:
1. توحيد لغة الجسد لدى الحكام وزيادة الذكاء الاجتماعي لبعضهم.
2. مساعدة كل حكم على ضبط لغة الجسد الخاصة به في الضوضاء وعند امتلاء المدرجات.
3. تعليم الحكم الأوروبي متى يلجأ للغة الجسد ومتى يلجأ للتعبير بالكلمات مع اللاعبين لتوفير أكبر وقت ممكن لجريان اللعب.
4. قوة لغة الجسد للتحكم بمجريات اللقاء والتخلي عن الخجل.
يبدو الآن أن الأمر لم يعد متروكًا لخبرات الحكام العشوائية، وأن قيمته قد زادت وسط صناع القرار في اللعبة. ولكن ماذا عن المواقف التي لا تشفع فيها اللغة الإنجليزية أو لغة الجسد؟
البرازيل وكرواتيا والحكم الياباني
مباراة مثيرة للجدل في حالاتها التحكيمية بين المنتخبين البرازيلي والكرواتي في النسخة المونديالية لعام 2014. مباراة كان بطلها الحكم الياباني «يويتشي نيشيمورا» الذي واجه انتقادات عنيفة بعد إطلاق صافرة النهاية.
فيدران كورلوكا مدافع المنتخب الكرواتي وجه سهام نقده للحكم الياباني متهمًا إياه بفقدانه لمهارات التواصل وعجزه عن إيجاد بديل للغة اليابانية. لكن الاتحاد الياباني نفى تلك الادعاءات بعد ذلك مؤكدًا أن كافة تدريبات الفيفا للحكام واختباراتهم تكون باللغة الإنجليزية مؤكدين أن نيشيمورا لم يفعل ذلك.
من سخرية القدر أن نيشيمورا خاض واحدة من أسوأ مباراياته في مسيرته بنهاية العام ذاته بين فريقي الهلال السعودي وويسترن سيدني الأسترالي في نهائي دوري أبطال آسيا، وتم إيقافه من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم على إثر تلك المباراة لستة أشهر كاملة. يبدو أن الأمر كان أكبر بكثير من إتقان اللغة الإنجليزية ولغة الجسد!
فجوة صغيرة
حسنًا تبدو الآن الأمور أوضح، فاللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في محافل كرة القدم العالمية. ولأن قطاعً كبيرًا من لاعبي كرة القدم قد لا يكونوا حظوا بقسط كافٍ من التعليم، فإن الاعتماد على لغة الجسد صار بروتوكولًا رسميًا في الفيفا لا مفر منه.
ولأن لغة الجسد قد تختلف من إنسان لآخر ولا تتغير بشكل كامل مهما تدرب عليها في معسكرات الفيفا، فإن تلك الفجوة بين اللاعبين والحكام الذين لا يتحدثون نفس اللغة ستظل كائنة حتى وإن قلّ حجمها للغاية كما هو الحال الآن.
وبالطبع لا يمكننا الحديث عن تلك الفجوة دون أن نذكر تعليق الكابتن محمود بكر -رحمه الله- في إحدى مباريات النادي الأهلي المصري في بطولة دوري أبطال أفريقيا: «وادي معتز إينو بيمثل إنه بيعترض وعمال يتكلم، والحكم الأفريقي بيمثل إنه بيصرخ فيه وبيرد عليه، وطبعًا لا ده فاهم بيقول إيه ولا ده فاهم بيقول إيه. يلا خلينا إحنا كمان نمثل إننا مصدقينهم».