نهاية الكون: كيف غيرت النسبية تصورات العلماء؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
ربما كان الكون أزليًا، وربما سينتهي، لا نعرف الحقيقة بالضبط. لكن من الانفجار الأعظم وحتى تمدد الكون ومرورًا بمختلف النظريات عن نهايته، جاءت نسبية أينشتاين لتقدم تصورات أعمق وأشمل وحل لبعض المعضلات في النظريات المطروحة قبلها.
كانت نظريات آينشتين الثورية عن الزمان والمكان (والتي يتم تلخيصها ببساطة في أن E=mc2) في جزءٍ منها نتيجة لمحاولته حل قوانين ميكانيكا نيوتن من خلال قوانين الكهرومغناطيسية (كما شكلتها معادلات ماكسويلوقانون قوة لورنتز). وفي النهاية، استطاع آينشتين فك التناقض بين هذين المجالين من خلال تقديمه نظرية النسبية الخاصة في ورقته «عن الديناميكا الكهربية للأجسام المتحركة» عام 1905م.
بالأساس، تشير هذه النظرية إلى أن سرعة الضوء ثابتة في كل الأطر المرجعية القصورية. تعارض هذا المفهوم مع الإجماع المسبق عن أن الضوء المسافر في وسط متحرك يتم سحبه من خلال هذا الوسط، والذي يعني أن سرعة الضوء تساوي مجموع سرعته في هذ الوسط وسرعة الوسط نفسه. كانت هذه النظرية تؤدي إلى مشاكل متعددة لا يمكن تجاوزها قبل نظرية آينشتين.
لم توفّق نظرية النسبية الخاصة بين معادلات ماكسويل في الكهرباء والمغناطيسية مع قوانين الميكانيكا، بل قامت كذلك بتبسيط الحسابات الرياضية من خلال إزالة تفسيرات غريبة كان يستخدمها علماء آخرون. وكذلك جعل وجود الوسط أمرًا زائدًا بالكلية، ومتوافقًا مع سرعة الضوء المُلاحظة مباشرة، وسببًا للاضطرابات التي تتم مشاهدتها.
وبين عامي 1907 و1911م بدأ آينشتين النظر في كيفية تطبيق النسبية الخاصة على حقول الجاذبية؛ مما سيُعرف بعد ذلك بنظرية النسبية العامة. تُوّج هذا عام 1911 بنشر ورقة «عن أثر الجاذبية على انتشار الضوء»، والتي تنبأ فيها بأن الزمن نسبي للمُشاهِد، ومعتمد على الموقع الذي يقف فيه في حقل الجاذبية.
قام كذلك بتطوير مبدأ التكافؤ، والذي يقضي بأن كتلة الجاذبية مطابقة لكتلة القصور. وتنبأ أيضًا بظاهرة الإبطاء الزمني بسبب الجاذبية، والتي يلاحظ فيها شخصان يقفان على مسافات مختلفة من كتلة منجذبة اختلافًا في كمية الزمن بين حدثين. وكذلك كان أحد ثمار نظرياته هو وجود الثقوب السوداء، وكون متمدد.
وعام 1915م، بعد أشهر قليلة من نشر آينشتين لورقته عن النسبية العامة، استطاع الفيزيائي والفلكي كارل شفارتسشيلد حل معادلات حقل آينشتين التي كانت تصف حقل الجاذبية عند كتلة كروية ونقطة معينة. يُعرف هذا الحل اليوم باسم نصف قطر شفارتسفيلد، ويصف نقطة يكون فيها كتلة المجال مضغوطة جدًا بحيث تجعل سرعة الهروب من السطح يساوي سرعة الضوء.
وعام 1931م، قام عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي-الهندي سابرامانين تشاندراسخار بالحساب، باستخدام النسبية الخاصة؛ أن أي جسم لا يدور ومكوّن من مادة متحللة الالكترونات ذات كتلة أعلى من مستوى معين قد تنهار على نفسها. وعام 1939م، توافق أوبنهايمر وآخرون مع تشاندراسخار، وادعوا أن النجوم النيوترونية عندما تتعدى حدًا معينًا قد تنهار إلى ثقوب سوداء.
وكانت إحدى نتائج النسبية العامة هو توقع ما إذا كان الكون في حالة تمدد أم انكماش. وعام 1929، أكد إدوين هابل أن الأول هو الصحيح. وفي نفس الوقت، بدا أن هذا الأمر يثبت خطأ نظرية آينشتين عن الثابت الكوني، وهو قوة «تمنع الجاذبية» كي تتأكد من بقاء توزيع المادة في الكون موحدًا طوال الوقت.
وإلى هنا، أثبت إدوين هابل باستخدام قياسات الانزياح الأحمر أن المجرات تبتعد عن الطريق اللبني. وأكثر من ذلك أنه أظهر أن المجرات الأبعد عن الأرض تتقلص أسرع، وهي ظاهرة أصبحت تُعرف بعد ذلك باسم قانون هابل. وحاول هابل أن يقوم بتحديد قيمة عامل التوسع، والذي قدّره بـ 500 كم/ث لكل ميجا فرسخ نجمي من الفضاء (والذي تمت مراجعته آنذاك).
ثم في عام 1931م، قام جورج لوماتر، الفيزيائي البلجيكي والقس الروماني الكاثوليكي، بإعلان فكرة ساهمت في تقوية نظرية الانفجار العظيم. فبعد التأكيد بشكل مستقل على أن الكون في حالة تمدد، أشار إلى أن التمدد الحالي يعني أنه كلما عدنا إلى الوراء، كلما كان الكون أصغر.
وبصياغة أخرى، في نقطة ما من الماضي، كانت كل كتلة الكون مركزة في نقطة واحدة. أثارت هذه الاستكشافات جدلًا بين الفيزيائيين خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، حيث كان أغلبيتهم يؤيدون نظرية أن الكون كان في حالة مستقرة (أي نظرية الحالة المستقرة). وفي هذا النموذج، هناك مادة جديدة يتم إنشاؤها مع تمدد الكون، وبالتالي تحافظ على وحدة وكثافة المادة طوال الوقت.
وبعد الحرب العالمية الثانية، وصل الجدل إلى ذروته بين مؤيدي نظرية الحالة المستقرة ومؤيدي نظرية الانفجار العظيم، والتي كانت تزداد شعبيتها بشكل مستمر. وفي النهاية، بدأت أدلة الملاحظة في تأييد الانفجار العظيم على الحالة المستقرة، والتي كان من ضمنها اكتشاف وتأكيد وجود إشعاع خلفية الكون عام 1965م. ومن ساعتها، حاول الفلكيون وعلماء الكون حل المشاكل النظرية الناشئة عن هذا النموذج.
ففي الستينيات، على سبيل المثال، تم تقديم المادة المظلمة (والتي قدّمت بالأساس عام 1932م من قبل جان أوورت) باعتبارها تفسيرًا «للكتلة المفقودة» ظاهريًا في الكون. وكذلك، أكّدت أوراق بحثية قدمها ستيفن هوكنج وفيزيائيون آخرون على أن ظهور تفردات هو حالة ابتدائية حتمية للنسبية الخاصة والنموذج الكوني الخاص بالانفجار العظيم.
وعام 1981م، قام آلان جوث بالتنظير لفترة من التمدد الكوني السريع (المعروفة بفترة «التضخم») قامت بحل بعض المشاكل النظرية. وفي التسعينيات أيضًا ظهرت الطاقة المظلمة باعتبارها محاولة لحل بعض المشكلات القائمة في علم دراسة الكون. فبالإضافة إلى توفير تفسير للكتلة المفقودة في الكون (مع المادة المظلمة) قامت كذلك بتفسير سبب استمرار الكون في التسارع، وقامت بتقديم حل لثابت آينشتين الكوني.
حدث تقدم ملحوظ في دراستنا للكون نتيجة التطورات في التلسكوبات والأقمار الصناعية وأنظمة المحاكاة الحاسوبية، مما سمح للفلكيين وعلماء دراسة الكون بالتعمق أكثر في الكون (وبالتالي، الرجوع أكثر بالزمن)، وهذا بدوره ساعدهم على فهم أفضل لعمره الحقيقي، والقيام بحسابات أكثر دقة عن كثافة المادة والطاقة.
وكان تشغيل تلسكوبات الفضاء –كمستكشف الخلفية الكونية (COBE) وتل سكوب هابل الفضائي، ومسبار ويلكونسن لتباين الأشعة الكونية (WAMP) ومرصد بلانك– أمرًا ذا قيمة كبيرة جدًا. لم يسمح هذا فقط بمجرد نظرات أعمق على الكون، بل مكّن الفلكيين من اختبار نماذجهم النظرية على الملاحظات.
فعلى سبيل المثال،في يونيو 2016، أعلنت ناسا أن المشاهدات قد أبرزت أن الكون يتمدد بشكل أسرع بكثير مما كان يُظن قبل ذلك. وبناءً على بيانات جديدة قدّمها تلسكوب هابل (والتي تم مقارنتها بعد ذلك ببيانات من مسبار ويلكونسن ومرصد بلانك) بدا أن ثابت هابل أكبر بنسبة 5% أو 9% من المتوقع.
ومن المتوقع كذلك أن تؤدي التلسكوبات من الجيل القادم، كتلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) والتلسكوبات الأرضية كالتلسكوب بالغ الكبر (ELT)، إلى نجاحات إضافية في فهمنا للكون في السنوات والعقود القادمة.
بلا شك، يتجاوز الكون مقدرة عقولنا، فأفضل تقديراتنا تقول إنه كبير بشكل لا يدرك، لكن ما نعرفه كله يخبرنا أنه قد يتمدد إلى ما لا نهاية. والأكثر من ذلك أن عمره مستحيل التصور بالنسبة للبشر. وفي النهاية، ما فهمنا له إلا عبارة عن نتيجة لآلاف السنين من الدراسة المستمرة والمتزايدة.
وعلى الرغم من ذلك، ما قمنا به ما هو إلا خدش سطح اللغز الكبير المسمى بالكون. وربما في يوم ما يمكننا رؤية حافته (إن كان له حافة) ويمكننا حل أكثر الأسئلة جوهرية فيما يخص كيفية تفاعل كل الأشياء في الكون. وحتى ذلك الوقت، لا نملك إلا مقارنة ما لا نعرفه بما نفعله، ونستمر في الاستكشاف!