مصير الكون: هل يستمر الكون إلى ما لا نهاية؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تحدثنا عن الانفجار الأعظمواللحظات الأولى للكون، لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ما هو مصير الكون؟ تختلف نظريات العلماء حول سردية النهاية المتوقعة للكون، لكن الشيء الوحيد الأكيد هو أن البشر لن يشهدوها، حيث إن الكون ربما يفنى بعد مليارات السنوات، حيث ستكون المجموعة الشمسية وقتها مجرد كواكب ميتة وغبارًا حول نجم قزم.
مصير الكون
يؤدي الافتراض القائل بأن للكون نقطة بداية بشكل طبيعي إلى نشوء سؤال عن نقطة النهاية. فهل يعني أن الكون قد بدأ من نقطة كثافة لا نهائية وتمدد أنه سيستمر في التمدد إلى أجل غير مسمى، أم أنه ستنفد طاقته التمددية في يوم ما، ويبدأ في التراجع إلى الداخل مرة أخرى حتى تنحصر المادة كلها مرة أخرى في كرة صغيرة؟
كانت محاولة الإجابة على هذا السؤال شغلًا شاغلًا للفلكيين منذ بدأ الجدل حول أي النماذج الكونية هو الصحيح. ومع قبولهم لنظرية الانفجار العظيم، وقبل ملاحظة الطاقة المظلمة في التسعينيات، توافق الفلكيون على تصورين لأكثر الأمور المرجحة التي قد يصير إليها كوننا.
في الأول، المعروف عادةً بـسيناريو «الانهيار العظيم»، سيصل الكون إلى حجم أقصى ثم يبدأ في الانهيار على نفسه. يصبح هذا الأمر ممكنًا فقط إذا كانت الكثافة الكلية للكون أكبر من الكثافة الحرجة، أي أنه إذا وصلت كثافة المادة إلى قيمة معينة (1-3 x 10-26 كجم/م3) أو تجاوزتها، فسيبدأ الكون في الانكماش.
وبدلًا عن ذلك، إذا بقيت كثافة الكون مساوية أو أقل من الكثافة الحرجة، فستقل سرعة التمدد إلا أنه لن يتوقف أبدًا. وفي هذا السيناريو، المعروف بـ«التجمد العظيم»، سيستمر الكون حتى يتوقف تكون النجوم في النهاية نتيجة استهلاك كل الغاز بين النجمي في كل مجرة. وبعد فترة، ستنضب النجوم وتتحول إلى أقزام بيضاء، ونجوم نيوترونية، وثقوب سوداء.
وبالتدريج، سيؤدي التصادم بين هذه الثقوب السوداء إلى التجمع في ثقوب سوداء أكبر وأكبر. سيصل متوسط درجة حرارة الكون ساعتها إلى الصفر المطلق، وستتبخر الثقوب السوداء بعد أن تقوم ببعث كل ما فيها من إشعاع هوكينج. وأخيرًا، ستزداد إنتروبيا الكون إلى درجة يستحيل معها بروز أي شكل من الطاقة المنظمة (وهو سيناريو يعرف باسم «الموت الحراري [للكون]»).
لكن وصلت الملاحظات الحديثة، والتي تتضمن وجود الطاقة المظلمة وأثرها على التمدد الكوني، إلى نتيجة مفادها أن الكون المنظور سيتمدد ويتجاوز الكثير منه ما نراه (أي إشعاع خلفية الكون؛ حافة ما نراه)، ويصبح خفيًا عنا. والنقطة النهائية غير معروفة حتى الآن، إلا أن «الموت الحراري» نقطة نهاية مرجحة بشكل كبير في هذا السيناريو أيضًا.
وتقترح تفسيرات أخرى للطاقة المظلمة، تسمى نظريات الطاقة الوهمية، أن عناقيد المجرات والنجوم والكواكب والذرات والنوى والمادة نفسها ستتفسخ نتيجة التمدد المتزايد إلى الأبد. ويسمى هذا السيناريو بـ«التمزق العظيم»، يكون فيه تمدد الكون نفسه هو سبب هدمه.
تاريخ الدراسة
على وجه الدقة، بدأ البشر التأمل في طبيعة الكون ودراسته منذ عصور ما قبل التاريخ. ولذلك، كانت التفسيرات الأولية لبداية الكون أسطورية في طبيعتها، ويتم تمريرها شفهيًا من جيل إلى الذي يليه. في هذه القصص، بدأ العالم والزمان والمكان وكل الحياة من خلال حدث الخلق؛ خلق فيه إله أو آلهة كل شيء.
وبدأ الفلك كذلك باعتباره حقلًا للدراسة في عصر البابليين. وظلت أنظمة الأبراج والتقويمات النجمية التي أعدوها منذ الألفية الثانية قبل الميلاد تلهم التقاليد الكونية والفلكية للثقافات لآلاف السنين بعد ذلك.
ومع حلول العصور القديمة الكلاسيكية، بدأ مفهوم الكون القائم على قوانين الفيزياء في النشوء. وبين العلماء اليونانيين والهنود بدأت تفسيرات الخلق تتحول طبيعتها إلى طبيعة فلسفية، معظمةً فكرة السبب والنتيجة عن جانب الفعل الإلهي. ويعد طاليس وأنيكسماندر من أقدم الأمثلة، وهما عالمان يونانيان قبل سقراط، جادلا بأن كل شيء نشأ من صورة أولية للمادة.
وفي القرن الخامس قبل الميلاد أصبح الفيلسوف إيمبيدوكليس، أحد فلاسفة اليونان قبل سقراط، أول عالم غربي يقدم نظرية عن الكون المكوّن من العناصر الأربعة: التراب، والهواء، والماء والنار. أصبحت هذه الفلسفة شائعة جدًا في الدوائر الغربية، وكانت مشابهة لنظرية العناصر الخمسة الصينية –المعدن، والخشب، والماء، والنار، والتراب- التي نشأت في نفس الوقت تقريبًا.
ولم يظهر مفهوم الكون المكوّن من جسيمات غير قابلة للتجزئة (الذرات) إلا مع ديمقريطس، الفيلسوف اليوناني في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد. وقام الفيلسوف الهندي كانادا (الذي عاش في القرن السادس أو الثاني قبل الميلاد) بالانتقال بهذه النظرية إلى مسافة أبعد من خلال ادعائه أن الضوء والحرارة هما المادة نفسها في شكل مختلف. وقام الفيلسوف البوذي ديجنانا في القرن الخامس الميلادي بالانتقال بالنظرية بشكل أبعد عندما قال إن المادة كلها مكونة من الطاقة.
وكذلك كان الزمن المنتهي علامة مميزة للأديان الإبراهيمية؛ اليهودية والمسيحية والإسلام. وربما نتيجة التأثر بالمفهوم الزرادشتي عن يوم الحساب، لا زال الاعتقاد بأن الكون له بداية ونهاية مؤثرًا على المفاهيم الغربية عن الكون حتى اليوم.
استمر علم الفلك والتنجيم في التطور بين الألفية الثانية قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي. فبالإضافة إلى مراقبة حركات الكواكب والأبراج من خلال دائرة الأبراج، قام الفلكيون اليونان بتطوير النموذج المتمركز حول الأرض، الذي تدور فيه الشمس والكواكب والنجوم حول الأرض.
يصف كتاب المجسطي -الرسالة الرياضية والفلكية التي كتبها الفلكي اليوناني-المصري كلوديوس بطلميوس- هذه الاعتقادات أفضل وصف في القرن الثاني الميلادي. سيتم اعتباره هذه الرسالة والنموذج الكوني التي تقدمه عقيدةً في نظر العلماء الأوربيين والقروسطيين والإسلاميين، لمدة ألف سنة بعد ذلك.
إلا أنه، حتى قبل الثورة العلمية (من القرن السادس عشر إلى الثامن عشر تقريبًا)، كان هناك فلكيون قاموا بعرض نموذج كوني متمركز حول الشمس؛ تدور فيه الأرض والكواكب والنجوم حول الشمس. كان منهم الفلكي اليوناني أرسطرخس الساموسي (310-230 ق.م تقريبًا)، والفيلسوف والفلكي الهلنستي سلوقس السلوقي (190-150 قبل الميلاد).
وفي العصور الوسطى، حافظ الفلاسفة والعلماء الهنود والفرس والعرب على الفلك الكلاسيكي وطوروه. فبالإضافة إلى حفاظهم على الأفكار البطلمية وغير الأرسطية حية، قاموا بتقديم أفكار ثورية كدوران الأرض. وحتى بعض العلماء –كالفلكي الهندي أريابهاتا والفلكيين الفارسيين أبو معشر والسجزي- قاموا بتطوير نماذج من الكون المتمركز حول الشمس.
وبحلول القرن السادس عشر قدم نيقولا كوبرنيكوس المفهوم الأكثر اكتمالًا لكون متمركز حول الشمس، من خلال حله لبعض المشكلات الرياضية المتأخرة في النظرية. وعبّر عن آرائه في البداية في مخطوطة من أربعين صفحة بعنوان «تعليق بسيط: Commentariolus» والتي قدّمت وصفًا لنموذج متمركز حول الشمس يقوم على سبعة مبادئ عامة. وقررت هذه المبادئ أن:
- الأجرام السماوية لا تدور كلها حول نقطة واحدة.
- مركز الأرض هو مركز المجال القمري؛ مدار القمر حول الأرض، وكل المدارات تدور الحول الشمس، والتي تقع قريبة من مركز الكون.
- المسافة بين الأرض والشمس هي مسافة لا تذكر بالمقارنة مع المسافة بينهما وبين النجوم، لذا لا يُلاحظ تغير الموقع في النجوم.
- النجوم ثابتة، وحركتها اليومية الظاهرة ما هي إلا نتيجة الدوران اليومي للأرض.
- تتحرك الأرض في مدار حول الشمس، مسببة الانتقال السنوي الظاهري للشمس.
- للأرض أكثر من حركة واحدة.
تسبب حركة الأرض المدارية حول الشمس التضاد في حركة الكواكب.
وأصدر كوبرنيكوس معالجة أكثر شمولًا لأفكاره عام 1532م، عندما أكمل عمله العظيم (ثورات المدارات السماوية). قام فيه بتطوير افتراضاته السبعة الرئيسية، لكن بتفصيل أكبر وبحسابات داعمة أكثر. وخوفًا من الاضطهاد والثورة عليه، لم يُنشر المجلد إلا بعد وفاته عام 1542م.
قام الرياضي والفلكي والمخترع جاليليو جاليلي في القرن السادس عشر والسابع عشر بتحسين أفكار كوبرنيكوس. فباستخدام تلسكوب من اختراعه، قام جاليليو بتسجيل مشاهدات للقمر والشمس والمشترى تثبت أخطاءً في النموذج الكوني المتمركز حول الأرض، وتظهر كذلك اتساقًا ذاتيًا في النموذج الكوبرنيكي.
ونُشرت مشاهداته في مجلدات عدة مختلفة خلال القرن السابع عشر. فمشاهداته لسطح القمر المحفّر ومشاهداته عن المشترى وأقماره الضخمة تم تفصيلها عام 1610م في (الرسول النجمي) بينما ظهرت مشاهداته عن البقع الشمسية في كتاب عن البقع الملاحظة في الشمس (1610م).
سجّل جاليليو مشاهداته عن الطريق اللبني أيضًا في الرسول النجمي، والتي كان يُعتقد قبل ذلك أنه سديمي. إلا أن جاليليو وجد أنه عبارة عن نجوم مجموعة بشكل مكثف جدًا مع بعضها البعض، فتبدو من بعيد وكأنها سحب، لكنها كانت في الحقيقة نجومًأ أبعد كثيرًا مما كان يُظن قبل ذلك.
عام 1632م، تناول جاليليو أخيرًا «الجدال العظيم» في رسالته المعنونة بـ «حوار حول نظامي العالم الرئيسيين»، والذي انتصر فيه للنموذج المتمركز حول الشمس على النموذج المتمركز حول الأرض. فباستخدام مشاهداته التلسكوبية والفيزياء الحديثة ومنطقه القوي استطاعت أفكار جاليليو تقويض أسس النظام البطلمي والأرسطي بشكل فعال لدى جمهور نامٍ ومتفتح.
قام جونز كبلر بتطوير النموذج بشكل أكبر من خلال نظريته عن مدارات الكواكب البيضاوية. فتم إثبات النموذج الكوبرنيكي بفعالية، مصحوبًا بجداول دقيقة استطاعت توقع مواقع الكواكب. ومنذ منتصف القرن السابع عشر فصاعدًا، كان كل الفلكيين كوبرنيكيين إلا القليل.
كانت المساهمة الكبيرة التالية من السيد إسحاق نيوتن (1642/43 – 1727م)، والذي قاده عمله على قوانين كبلر عن حركة الكواكب إلى تطوير نظريته في الجذب العام. ففي عام 1687م، قام بنشر رسالته الشهيرة «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية»، والتي فصّلت قوانينه الثلاث للحركة. قررت هذه القوانين التالي:
- عند النظر إليه في إطار مرجعي قصوري، يظل الجسم الساكن ساكنًا، والجسم المتحرك بسرعة ثابتة متحركًا، إذا لم تؤثر عليه قوة خارجية.
- يساوي مجموع القوى المؤثرة على جسم ما (F) كتلة هذا الجسم مضروبة في متجه عجلته (a). وفي الصيغة الرياضية، يتم التعبير عنها بـ : F= ma.
- لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه.
قامت هذه القوانين مع بعضها البعض بتفسير العلاقة بين أي جسم والقوى التي تُمارس عليه، والحركة الناشئة؛ واضعةً بذلك أساس الميكانيكا الكلاسيكية. وسمحت هذه القوانين لنيوتن أيضًا بحساب كتلة كل كوكب، وحساب استواء الأرض عند القطبين وانحنائها عند خط الاستواء، وكيف أن السحب من خلال الجاذبية من الشمس والقمر تسبب موجات المد والجزر على الأرض.
كان منهج التحليل الهندسي الخاص به والشبيه بالتفاضل قادرًا أيضًا على تفسير سرعة الصوت في الهواء (بناءً على قانون بويل)، ومبادرة الاعتدالين –والتي أشار إلى كونها ناشئة عن انجذاب القمر إلى الأرض بسبب قوة الجاذبية- وتحديد مدارات المذنبات. وسيكون لهذا المجلد تأثير أساسي على العلوم، بمبادئه التي ظلت عقيدة لمدة قرنين بعد ذلك.
وحدث اكتشاف رئيسي آخر عام 1755م، عندما أعلن إيمانويل كانط أن الطريق اللبني عبارة عن مجموعة كبيرة من النجوم المرتبطة مع بعضها البعض من خلال الجذب المتبادل. وكالنظام الشمسي، قد تكون مجموعة النجوم هذه تدور ومسطحة كالأسطوانة، والنظام الشمسي مُدمج فيها.
وحاول الفلكي وليام هيرشل رسم شكل الطريق اللبني عام 1785م، لكنه لم يلاحظ أن أجزاءً كبيرة من المجرة يملؤها الغاز والغبار، مما يخفي شكلها الحقيقي. لم تأتِ أي قفزة كبيرة في دراسة الكون والقوانين التي تحكمه إلا في القرن العشرين، عند تطوير نظريات آينشتين للنسبية الخاصة والعامة، وهو ما سنتحدث عنه في الجزء الأخير.