خبر شبه ثابت في الصحف المحلية في مصر. يدور الخبر في نطاق (سلطات أمن القاهرة تحتجز راكبًا عُثر بحوزته على كذا وكذا من حبوب الترامادول – والراكب يدعي أنها للاستعمال الشخصي!). خلال الشهر الحالي، تحول أحد هذه الأخبار إلى ترند عالمي، عندما تداولت صحف عالمية شهيرة خبر القبض على السائحة البريطانية لورا بلومر في مطار القاهرة، لحيازتها ٢٩٠ قرص ترامادول، كانت تجلبها لصديقها المصري الذي يعاني من آلام شديدة بالظهر.

ولا يحتاج الأمر -خاصة للمشتغلين في الحقل الطبي- بذل ذرة من الجهد لتلمُّس الانفجار الإدماني المليوني للترامادول بين قطاعات عديدة في مصر. من سائقي التاكسي والميكروباص والشاحنات، إلى المراهقين، إلى عمال البناء والتشييد، إلى المتزوجين حديثًا لسمعته كمنشط جنسي، إلى حتى المهنيين والأطباء.

ذكر بعض الخبراء في ٢٠١٣، بناء على دراسات الصندوق القومي لمكافحة المخدرات وعلاج الإدمان، أن الترامادول تجاوز في شعبيته البانجو والحشيش الأثيريْن لدى مدمني مصر من قديم، بنسبة انتشار تفوق 45% بين المدمنين. بينما أظهرت الدراسات في 2017، وصول نسبة تعاطي الترامادول بين المدمنين في مصر أكثر من 76%، وذلك رغم الارتفاع الشديد في أسعار الترامادول في السوق السوداء حتى قبل تعويم الجنيه أواخر 2016، فوصل سعر الشريط إلى 150-200 جنيه على الأقل. كما أكَّدَ سابقًا مدير وحدة الإدمان بمستشفى العباسية النفسي، رصدَ حالات إدمانٍ للترامادول في سن 10 سنوات.

لماذا يحظى الترامادول بكل هذا الصيت؟ وما سر خصوصيته في عالميْ الطب والمخدرات؟ سنكشف هذا وأكثر من خلال 8 أسئلة وإجاباتها.


1. الترامادول دواء أم مخدر؟

الترامادول من المواد الفعّالة التي تقع في منطقة التقاطع بين عالم الأدوية ودنيا المخدرات. يمكن للترامادول بجرعة مضاعفة أن يكون دواءً قيِّما لأحد المرضى، يفوق نفعه ضررَه أضعافًا كثيرة، ويمكن لجرعة صغيرة منه لشخصٍ آخر، أن تتحول إلى إدمان كارثي على الصحة.

ينتسب الترامادول إلى عائلة المورفينات التي تتربع بأصنافها المختلفة على قمة عرش المسكنات. ولها استخدامات طبية محددة، للتحكم في الآلام الشديدة التي لا تُجدي معها المسكنات المعتادة، كآلام جلطات القلب، وآلام الحالات المتقدمة من السرطان، وبعض آلام المفاصل الشديدة … إلخ. لكن جميعها تقريبًا له آثار جانبية تتعلق بالتلاعب في كيميائية مراكز المشاعر والانفعال في أمخاخنا، وهنا تبرز سمعتها كمخدرات.

لا يكون المخدر مخدرًا بغير إدمان، وهو حاجة الإنسان الدائمة لجرعاتٍ منه، وتعرُضُه لأعراض معاكسة – أعراض الانسحاب – لما يفعله المخدر، عند إيقافه فجأة. وسبب هذا الإدمان في حالة المورفينات، أن تعاطيها من الخارج، يقلل أو يمنع إفراز مثيلاتها – الإندورفينات – الطبيعية في أجسامنا، والتي تساهم طبيعيًا في تسكين آلامنا. فيصبح الجسم معتمدًا على الإمداد الخارجي منها.


2. ما استخدامات الترامادول طبيًا؟

يستخدم الترامادول لتسكين الآلام الشديدة التي لا تُجدي معها المسكنات المعتادة. ويساهم في تحسين قدرته على تسكين الآلام، الجانب النفسي من دوره، برفع الحالة المزاجية للمريض، والإحساس أحيانًا بالنشوة الغامرة Euphoria، وتقليل حدة الاكتئاب الذي يصاحب الآلام الشديدة. وجدير بالذكر أن منظمة الغذاء والدواء الأمريكية صرَّحت بتداوله لهذا الغرض منذ 1995.


3. كيف يقوم الترامادول بعمله في أجسامنا؟

الترامادول مخدرٌ مُصنَّع، لا يوجد في الطبيعة. وهو شبيه في عمله بالمورفينات كما ذكرنا سابقًا. يعمل بالأساس من خلال تعديل كيميائية المخ. ومما يدعو للعجب، أن بعض تفاصيل عمل الترامادول الدقيقة داخل عقولنا، ما تزال مجهولة. لم تَحُلْ هذه الحقيقة دون الانتشار المدوي لهذا العقار.

آلية العمل الرئيسة للترامادول كمسكن قوي للآلام، أنه يتحول في أجسامنا إلى النسخة الأنشط منه وتسمى ديسميترامادول، والتي تعمل من خلال تنشيط بعض المستقبلات العصبية المورفينية. كما يزيد الترامادول نفسه نسبة مادتيْ السيروتونين والنور-أدرينالين بخلايا المخ من خلال تأخير إعادة امتصاصها بعد الإفراز، وهاتينْ المادتيْن من أهم النواقل الكيميائية لتفاعلات المشاعر والإحساس في عقولنا. كما أظهرت بعض الدراسات أن الترامادول قادر على زيادة إفراز السيروتونين بالمخ بشكل مباشر.

كما يحاكي الترامادول عمل الأتروبين في غلق مستقبلات المسكارين في الجهاز الهضمي. وهذا يفسر آثاره الجانبية هناك وأشهرها الإمساك.


4. ما أهم الآثار الجانبية للترامادول؟

لا يُشترط بالطبع حدوث الآثار الجانبية جميعها لكل المتعاطين، بل قد لا تحدث على الإطلاق في الجرعات المحدودة لفترة وجيزة. أشهرها هو القابلية للتعود، وهو حاجة المريضة لجرعات تصاعدية للحصول على نفس التأثير، فتجد المتعاطي يبدأ بربع أو نصف قرص يوميًا، ثم ينتهي به الحال إلى نصفُ شريط أو شريطٍ كامل! أما أخطرها الإدمان، وهو تولُّد رغبة لا تُقاوَم تجاه تعاطيه، تدفع الشخص لفعل أي شيءٍ للحصول عليه، كما تؤثر سلبًا على حياته الشخصية والعمَليَّة. كما تحدث أعراض الانسحاب عند التوقف المفاجئ عن التعاطي.

أما باقي الآثار الجانبية، فهي الإمساك الشديد، الميل للقيء، عُسر الهضم، الصداع، الشعور بالغثيان، هبوط التنفس خصوصًا لدى أصحاب الأمراض الصدرية المزمنة، تغيرات في الشخصية والسلوك، تحسُّس الجلد، التعرُّق الزائد، جفاف الفم. ولا يُنصَح بتعاطي الأم الحامل أو المُرضع للترامادول، إذ قد يسبب تعرض الطفل للإدمان، والآثار الجانبية، وكذلك أعراض الانسحاب.


5. ما هي أعراض الانسحاب من الترامادول؟

هي مجموعة الأعراض التي تحدث عند التوقف المفاجئ، وهي عكس ما يقوم به الترامادول. وأشهرها، آلام في أجزاء متفرقة بالجسم، الانفعال الشديد، والعصبية المفرطة، تسارع النبض والتنفس، وارتفاع ضغط الدم، الإسهال، الأرق … إلخ.


6.هل هناك تعارضات هامة بين الترامادول، وعقاقير أو أمراض أخرى؟

صورة من حملة دعائية للتوقف عن تعاطي العقاقير المخدرة

بالطبع، ولابد أن يكون التاريخ المرضي والدوائي واضحًا أمام الطبيب قبل أن يصف الترامادول. وأشهر الأدوية التي قد ينجم عن تعاطي الترامادول معها آثار جانبية خطيرة كالتشنجات مثلًا، أدوية الاكتئاب جميعًا، خاصة التي تثبط إعادة امتصاص السيروتونين.

ومن أخطر «الكوكتيلات» الشهيرة للترامادول، تعاطيه مع الكحوليات، أو المورفينات، أو المهدئات. إذ يفاقم هذا أثره الجانبي في تثبيط التنفس والدورة الدموية، والتأثير على درجة الوعي، وقد يصل في الجرعات العالية إلى الوفاة.

وعمومًا لا يُنصَح بتناول الترامادول للحوامل والمرضعات، والأطفال تحت 12 عامًا، ومرضى الفشل الكبدي أو الكلوي المزمن، ومدمني الكحوليات أو المهدئات، ومع إصابات الرأس ومرضى الصرع.


٧. أصبت بكسر، وأعاني من آلامٍ شديدة، فوصف لي الطبيبُ الترامادول لتسكينها وأخاف من إدمانه، ماذا أفعل؟

استخدام الترامادول بوصفة طبية لتسكين آلامٍ حادة شديدة، من الصعب أن يسبب الإدمان، حتى بجرعاتٍ كبيرة، ما استمر تحت إشراف الطبيب، وكانت المدة أقصر ما يكون، والجرعة على قدر الحاجة تمامًا. فإذا طالت المدة لحاجة طبية، وجب على الطبيب سحبه تدريجيًا، واستبداله بالمسكنات المعتادة، حتى يمكن إيقافه دون تكرار الشكوى، أو حدوث أعراض الانسحاب.

تكمن المشكلة في الآلام المزمنة، كما يحدث لدى مرضى سرطان العظام، أو مرضى التهاب المفاصل المناعي (الروماتويد) .. إلخ. فاستمرار تعاطي الترامادول لفترة طويلة غير محددة، سينتهي إلى إدمانه لا محالة. والآن يوجد فرعٌ طبي مختَصٌّ بعلاج الآلام المزمنة، يركز على استبدال المسكنات الدوائية (سواءً المحسوبة كمخدرات كالترامادول، أو غيرها) كليًَا أو جزئيًا بوسائل جديدة، أكثر طبيعية، وأقل ضررًا، كالتمارين الخاصة التي تزيد إفراز المسكنات الطبيعية بالجسم، و العلاج النفس-سلوكي الذي يجعل المريض أكثر تقبلًا للمشكلة المزمنة، وتمارين تشتيت الانتباه عن الألم، وتدليك الجسم، والنبضات الكهربائية … إلخ.


٨. هل الترامادول منشط جنسي؟

مخدرات, ترامادول, لا للإدمان, إدمان, عقار

سمعة الترامادول كمنشط جنسي، مسئولة على شطر هام من مشكلة إدمانه، خاصة بين الشباب في مصر. تعمل المنشطات الجنسية عمومًا بطريقتيْن رئيسيَّتيْن. إما تحسين انتصاب العضو الذكري، كما تفعل مادة السيلدينافيل (الفياجرا) بواسطة زيادة تمدد أوعية القضيب، لتستوعب كمية أكبر من الدم، وإما بتأخير حدوث القذف، لعلاج المشكلة الشهيرة المعروفة بسرعة القذف.

ليس للترامادول أية علاقة مباشرة بالطريقة الأولى، بينما بالفعل أثبتت بعض الدراسات أنه قادر على تأخير القذف. لكن من الخطورة بمكان اللجوء إلى الترامادول في مشكلة مزمنة كتلك، خصوصًا وهناك الكثير من الوسائل الأكثر طبيعية، والأقل في الآثار الجانبية، يمكن اللجوء إليها قبل الترامادول، وبعضها قادرٌ على معالجتها جذريًا، وليس الالتفاف عليها، مثل ( إيقاف التدخين والكحوليات – تمارين تقليل التوتر النفسي الذي يعد أهم أسباب هذه المشكلة – التفاهم بين الزوجيْن حياتيًا وجنسيًّا – الكريمات والمراهم التي تقلل الإحساس موضعيًا – استخدام الواقي الذكري – … إلخ).

الخلاصة: اللجوء للترامادول، بوصفة طبية تحت إشراف طبيب مختص، لفترة محدودة، بالجرعة الضرورية، هو أسلم الطرق للتعامل معه.