ما هو مصيرنا إذا اختفت قوة الجاذبية الأرضية؟
منذ تأكيد وجود الموجات الثقالية التي اقترح آينشتين وجودها، فإن الجاذبية تشغل حيزًا من عقول العديد من الناس. وقد تعرضنا جميعًا لتأثيرات قوى الجاذبية، فعندما يقفز أي منا في الهواء، فإننا جميعًا نهبط ثانية للأرض بسبب قوى الجاذبية؛ مما يسبب الكثير من الإحباط لكثيرين ممن يحلمون بالطيران خاصة في بدايات عمرهم.
ما الذي سيحدث إن تم إيقاف قوى الجاذبية؟
على الرغم من أن علماء الفيزياء يصرون أن هذه الفرضية مستحيلة الحدوث بأي شكل من الأشكال، إلا أن هذا لم يمنع الناس من محاولة استكشاف ودراسة تلك الاحتمالية ومناقشة ما قد يترتب عليها. وبجمع معلومات مختلفة من عديد من الخبراء فإننا نحاول في هذا المقال استكشاف ما قد يحدث إذا ما اختفت قوى الجاذبية في يوم من الأيام.
في محاضرة قصيرة ألقاها في برنامج Ted-Ed، قام جاي باكي Jay Buckey وهو طبيب ورائد فضاء في ناسا، بمناقشة تأثيرات غياب الجاذبية على جسم الإنسان. تبعًا لباكي، فإن أجسادنا منذ الولادة والنمو تتكيف مع بيئة الأرض والجاذبية الأرضية، وإذا قمنا بقضاء بعض الوقت في مكان تختلف فيه الجاذبية عن الأرض (على متن محطة الفضاء الدولية على سبيل المثال) فإن أجسادنا تتغير لتتأقلم مع البيئة الجديدة، فمن المعلوم حاليًا أن رواد الفضاء يفقدون جزءًا من كتلتهم العظمية وتكويناتهم العضلية خلال فترات وجودهم في الفضاء، كما يتغير شعورهم وقدرتهم على الاتزان. وتبعًا لكيفن فونج Kevin Fong، فإن غياب الجاذبية يتسبب في بعض المشاكل الأخرى، فعلى سبيل المثال، فإن عدد كريات الدم الحمراء في جسدنا يقل لأسباب غير معروفة تمامًا، مسببًا ما يطلق عليه «فقر الدم المتعلق بالفضاء»، كذلك فإنه في غياب الجاذبية تستغرق الجروح وقتًا أكبر حتى تلتئم، وتضعف قدرة الجهاز المناعي للإنسان، ويعاني معظم الناس من اضطرابات في النوم في حالات ضعف أو غياب الجاذبية.
يحدث كل هذا بعد زيارات قصيرة للفضاء حيث يتعرض الزوار لجاذبية أقل من المعتاد، لكن ما الذي قد يحدث إذا نما الإنسان في بيئة لا توجد بها قوة الجاذبية؟. يناقش جاي باكي في محاضرته كيف ينمو الإنسان على سطح كوكب الأرض معتمدًا على الجاذبية ومتأثرًا بها، فهو يتعلم المشي والحركة في ظل الجاذبية الأرضية، وتتطور قدراته الحسية فيما يخص الاتزان والحركة، فعلى سبيل المثال تتطور عضلاته للحفاظ على وضع جسده المنتصب في مقاومة قوة الجاذبية، تلك العضلات التي لا يكون لها دور مهم أو فعال في البيئة التي تنعدم أو تقل فيها الجاذبية وبالتالي فإن تلك العضلات لم تكن لتتطور أو تنمو لتصل إلى حجمها وقوتها المعتادة في ظل انعدام الجاذبية. هناك بعض الأدلة العلمية الوجيهة التي تدعم الاعتقاد بأن جسم الإنسان كان ليتطور بشكل مختلف في حالة نمو الإنسان في بيئة تنعدم فيها الجاذبية، حيث تشير التجربة التي أجراها اثنان من علماء الأعصاب وهما دايفيد هيوبل وتورستن وايزل (الحاصلان على جائزة نوبل في الطب سنة 1981م) حين قاما بتغطية إحدى عيني قطة صغيرة حتى كبرت ثم قاما بنزع الغطاء ليجدا أن تلك العين أصبحت لا تستطيع الرؤية!، حيث فشلت التوصيلات العصبية التي تقوم بنقل المعلومات البصرية من العين إلى المخ ومن ثم ترجمتها إلى صورة مرئية في النمو والتطور لأن تلك العين لم تكن تستقبل أي مؤثرات بصرية، ومن المتوقع أن أجسادنا كانت لتستجيب بطريقة مشابهة إن لم تكن قوة الجاذبية موجودة؛ مما كان سيؤدي إلى اختلافات جوهرية في نمو عظامنا وعضلاتنا وجهازنا العصبي.
بوضع كل ما سبق في الاعتبار، فإنه في حالة توقف قوة الجاذبية، فسوف يكون لدينا العديد من المواضيع الملحة والعاجلة التي تدعو للقلق أكثر من الآثار طويلة الأمد على نمو الإنسان.
ما هي الآثار اللحظية لانعدام الجاذبية؟
قامت كارن ماسترز، عالمة الفلك في جامعة بورتسماوث في المملكة المتحدة، بمحاولات لاستكشاف الآثار الفيزيائية المباشرة لانعدام الجاذبية. تكمن المشكلة الأولى في كون الأرض تدور بسرعة عالية جدًا، فلو افترضنا أننا نملك ثقلًا مربوطًا في طرف خيط ما، وأننا نقوم بتحريك ذلك الثقل في حركة دائرية بشكل سريع، فإن توقف الجاذبية سوف يكون أشبه بتركنا للخيط الذي يربط ذلك الثقل مما يتسبب في قذف الثقل بعيدًا، وبذلك فإن أي شيء غير مثبت بالأرض بطريقة أخرى بخلاف الجاذبية سوف يتم قذفه بعيدًا عن سطح الأرض وبقوة في اللحظة التي تتوقف فيها قوة الجاذبية، وبذلك فإن أي شخص سيكون سيئ الحظ بما فيه الكفاية في تلك اللحظة كونه خارج المباني التي نحيا بها سوف يتعرض للقذف خارج الكرة الأرضية عند تلك اللحظة، أما الناس الموجودون داخل المباني، فإنهم سوف يكونون أكثر أمانًا، حيث أن معظم المباني مثبتة بسطح الأرض بشكل جيد مما سيساعدها على الاحتفاظ بأماكنها -على الأقل لفترة ما- حتى في انعدام الجاذبية. ينطبق هذا الكلام أيضًا على كافة الأشياء غير المثبتة بسطح الأرض، على سبيل المثال، سوف يكون الغلاف الجوي لكوكب الأرض والمياه في المحيطات والبحيرات والأنهار وغيرها من أوائل الأشياء التي سوف يتم فقدها في الفضاء في حالة انعدام قوى الجاذبية؛ مما سيؤدي إلى وفاة جميع البشر والكائنات الحية!، سوف يلقي انعدام الجاذبية بظلاله أيضًا على كوكب الأرض نفسه في النهاية، فمن المرجح أن كوكب الأرض نفسه سوف يتفكك إلى أجزاء ويطفو في الفضاء في حالة انعدام قوة الجاذبية، وهو نفس المصير الذي ينتظر الشمس والنجوم المختلفة في حالة انعدام قوى الجاذبية التي تحافظ على كتلتها مجتمعة. ففي غياب تلك القوة، فإن الضغط الكبير في قلب الشمس/النجوم والناتج عن التفاعلات المستمرة سوف يؤدي إلى انفجارها. وفي النهاية لن يكون هناك أي تجمعات من المادة، كالكواكب والنجوم، في أي مكان في الكون، ولن يكون هناك سوى بعض الجزيئات والذرات المنتشرة بلا هدف.
يشير هذا السيناريو (الذي يستحيل حدوثه) إلى مدى أهمية قوى الجاذبية كعامل أساسي في آليات عمل الكون، فالجاذبية واحدة من القوى الأربعة الأساسية التي تحكم الكون. وعلى الرغم من كونها أضعف مقارنة بباقي القوى الأربعة الأخرى، إلا أن وضوح تأثيرها على حياتنا بشكل مباشر، جعلها الأكثر شهرة بين الناس حيث يشعر الجميع بها بشكل يومي.