وسيط المعلومات الكوني: ما هو الضوء؟
في البدء – قبل ميلاد كوننا- لم يكن هناك أي شيء سوى ما يمكن أن نعتبره مجرد ظلام، لكن بسبب الانفجار الكبير وُلد الزمان والمكان والمادة، كما وُلد أحد أهم عناصر كوننا، الضوء.
لابد وأنك درست الضوء خلال سنواتك الدراسية، فهو أحد الأشياء الأساسية التي نتعامل معها في حياتنا اليومية. فالضوء هو وسيلة التواصل الأساسية بيننا وبين الكون، ليس فقط خلال رؤية العالم من حولنا، بل لأنه أيضا يُمَكننا من معايشة النجوم البعيدة عنا بلايين السنين الضوئية. فخلال مروره من أعماق الكون إلينا، يأتي حاملا معلومات عن تاريخ الكون منذ لحظة ميلاده. لا نعني هنا الضوء المرئي ذا الألوان فقط، بل كل أنواع الضوء حتى تلك التي لا نراها.
يمكننا ببساطة أن نقول إن الضوء هو طريقة الطبيعة لنقل الطاقة خلال الفراغ. الضوء نفسه ليس إلا طاقة تنتقل بسرعة هائلة. وهو يتكون من أصغر كمية من الطاقة يمكن أن تتحرك وهي الفوتون، الجسيم الذي لا يملك كتلة ولا حجما حقيقيا، لكن كما يتم التعامل معه على أنه جسيم، فإنه أيضا يعتبر موجة،وبالتالي يمكن النظر للضوء على أنه موجة لكنه موجة كهرومغناطيسية، فما معنى موجة؟ وما معنى كهرومغناطيسية؟
موجات الطاقة
الموجة هي اضطراب ينتقل خلال وسط ما، مسببا اهتزازا أو ذبذبة، ناقلا معه الطاقة. لذلك نطلق اسم «موجة» على العديد من الأشياء حولنا، موج البحر وهو ينتقل خلال الماء حاملا معه الطاقة التي تجعلنا نرتفع ونهبط مع الأمواج، أو موجة خلال حبل. حسنا، الموجة الكهرومغناطيسية لا تختلف سوى في أنها تتكون من موجتين تتذبذبان متعامدتين، الموجة الأولى هي المجال الكهربائي والثانية هي المجال المغناطيسي، كما أنها لا تحتاج لوسط مادي لتنتقل فيه، بل يمكنها الانتقال في الفراغ. لكن من أين تأتي هذه الموجات؟
إذا تعمقنا قليلا نجد أن الضوء يتكون عندما يهبط إلكترون من مستوى طاقة عال إلى مستوى طاقة أقل، وعلى الجانب الآخر، فإنه عندما يقع ضوء على الذرة، فإن الإلكترونات في المدارات الخارجية تثتثار وتنتقل إلى مستويات الطاقة الأعلى. وكما نعرف فإن الإلكترون جسيم له شحنة، وهذه الشحنة المتحركة تخلق مجالا مغناطيسيا متذبذبا وهذا المجال المتذبذب يخلق بدوره مجالا كهربيا عموديا عليه. هذان المجالان المترابطان ينتقلان سويا حاملين الطاقة من مكان لآخر، كما يحملان أيضا معلومات حول المكان الذي خلقا فيه، أنهما ما نسميه ضوءا.
الطيف الكهرومغناطيسي
عندما نتحدث عن الضوء فإنك غالبا ما تتذكر الألوان وقوس قزح، ضوء الشمس أو الشمعة، لكن الضوء المرئي الذي تستطيع عيوننا رؤيته هو نوع واحد من الاشعاع الكهرومغناطيسي (Electromagnetic Radiation)، لكن الحرارة المنبعثة من النار والتي لا نراها هي إشعاع كهرومغناطيسي، تماما مثل الضوء الخارج منها والذي نراه بوضوح. فهذا الإشعاع المغناطيسي له مدى كبير هو ما يسمى بالطيف الكهرومغناطيسي (Electromagnetic Spectrum). والذي ينقسم إلى سبعة أجزاء رئيسية، من الأقل طاقة إلى الأكبر طاقة كالتالي:
موجات الراديو، وموجات المايكروويف، والأشعة تحت الحمراء، والضوء المرئي، والأشعة الفوق بنفسجية، وأشعة اكس، وأشعة جاما. ما الفرق إذن بين الضوء المرئي وبقية الأنواع من الأشعة؟؟
قد تبدو كل هذه الأشعة مختلفة. لكن من وجهة نظر الفيزياء هي جميعا موجات كهرومغناطيسية تتحرك بسرعة الضوء في الفراغ فقط بترددات مختلفة والفرق بين هذه الأنواع من الإشعاع يكمن في ثلاثة عوامل:
- الطول الموجي (Wavelength): وهو المسافة بين قمتين متتاليتين أو قاعين متتاليين للموجة.
- التردد (Frequency): وهو عدد الموجات التي تمر بنقطة معينة خلال زمن معين.
- الطاقة التي تحملها الموجة .
كلما قل الطول الموجي، يزداد التردد والطاقة التي تحملها الموجة والعكس بالعكس. فمثلا أشعة جاما لديها أصغر طول موجي وأعلى تردد، وذلك نابع من أن فوتوناتها لديها أعلى قدر من الطاقة، لكن طولها الموجي صغير جدا لدرجة أنه يقاس بالبيكومتر ( بيكومتر = 10-12 متر ) وهذا أصغر بكثير من ذرة الهيدروجين. ولنتخيل ذلك علينا أن نعرف أن حجم ذرة هيدروجين بالمقارنة بحجم عملة معدينة صغيرة، كحجم العملة المعدنية بالمقارنة بحجم القمر.
يأتي الضوء المرئي قرب منتصف الطيف حيث يكون بين حوالي 400 الى 750 نانومتر (نانومتر = 10-9 متر ) ما يقارب حجم البكتيريا ويمثل فقط جزء صغير للغاية من الطيف الكهرومغناطيسي الذي يتكون من مدى واسع من الأطوال الموجية والتردادات، فلو اعتبرنا أن الطيف يغطي مسافة 4000 كيلو متر، فإن الضوء المرئي سيغطي منه ما يعادل 2.5 سنتيمتر فقط، وخلال هذا المدى الصغير جدا نرى كل شيء
وعلى الطرف الآخر من الطيف توجد اشعة الراديو التي يصل طولها الموجي إلى 100 كيلومتر. ويصل الطول الموجي لأكبر أشعة نعرفها إلى 100.000 كيلو متر، وهذا أكبر بكثير من قطر الأرض ذاتها.
بسرعة الضوء
يقطع الضوء المسافة بين الشمس والأرض في 8 دقائق و17 ثانية
الضوء له أكبر سرعة في الكون، فهو يسافر بسرعة تقترب من 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، هذا يعادل حوالي بليون كيلومتر في الساعة. لا شيء آخر في الكون يستطيع أن يتحرك بهذه السرعة، يعني هذا الرقم أن بإمكانه الدوران حول كوكب الأرض سبع مرات في الثانية الواحدة. وفي الواقع فإن هذه السرعة ليست مجرد رقم، بل هي إحدى خصائص الكون الأساسية التي تسمى «سرعة الضوء» أو «C». كل أنواع الإشعاع الكهرومغناطيسي تتحرك بهذه السرعة، وأي جسم ليس له كتلة يتحرك بهذه السرعة ،كما أن إحدى خصائصه أن ليس له عجلة .. ما الذي يعنيه هذا؟
ليتحرك أي جسم تعرفه من السكون إلى أي سرعة، فهو يبدأ الحركة من الصفر ثم تبدأ السرعة في الزيادة. لا يمكن للسيارة مهما بلغت حداثتها أن تبدأ حركتها عند 200 كيلو متر في الساعة، بل نقول إنها استطاعت الوصول من الصفر إلى سرعة عالية في ثوان قليلة، هذا ما نسميه عجلة. لكن الضوء لا يحتاج لهذا، أنه يولد سريعا ويظل كذلك. فعندما تشعل شمعة فهي تبدأ فورا في إطلاق الضوء، هذا الضوء الخارج من الشمعة سرعته دائما تساوي سرعة الضوء من أول لحظة وحتى سقوطه على الجدار. لا يوجد هنا سرعة ابتدائية أو نهائية أو متوسطة، إنها فقط سرعة الضوء.
بين المرئي واللا مرئي
كما رأينا، فإن الضوء المرئي يحتل مساحة صغيرة للغاية من الطيف الكهرومغناطيسي. لكن رغم ذلك، فهو يحتل المكانة الأعلى بالنسبة إلينا نحن البشر. ما الذي يجعل الضوء المرئي مميزا إذن؟ ما المختلف فيه؟
حسنا، لا شيء على الإطلاق، الضوء المرئي ليس مختلفا، أنه فقط مميز لعيوننا التي تطورت بحيث ترى هذا المدى من الطيف. لكن الأمر ليس صدفة بحتة. فهذا الجزء الصغير من الطيف والذي يمثله الضوء المرئي الملون لديه خاصية مهمة جدا، فهو المدى الوحيد من الاشعاع الكهرومغناطيسي الذي ينتشر جيدا في الماء، هناك حيث تطورت العيون الأولى لأجدادنا منذ ملايين السنين. لكن عيوننا بعد كل رحلة التطور هذه، لا تستطع الإحساس بطول موجي أكبر من الأحمر أو أقل من البنفسجي، لقد تركنا ذلك لأجهزتنا الأكثر تطورا.
«سديم السرطان كما نراه من أطوال موجية مختلفة بداية من أشعة الراديو وحتى أشعة اكس»
نحن نسبح في عالم من الأشعة الكهرومغناطيسية التي لا نستطيع أن نراها، لكن لحسن الحظ فإننا بارعون في التقاطها والاستفادة منها، بين موجات الراديو وأشعة المايكروويف أو أشعة اكس في المجال الطبي والعلمي والترفيهي وغيرها.
في علم الفلك، تُستخدم العديد من الأجهزة لمشاهدات الأطوال الموجية الأقل من البنفسجي. فلدينا علم فلك الأشعة فوق البنفسجية (Ultraviolet astronomy)، وعلم فلك أشعة جاما (Gamma-ray astronomy) وغيرها. ولحسن الحظ فإن معظم هذه الأشعة لا تصل إلينا على الأرض – حيث إنها ضارة جدا وأحيانا مميتة. فالضوء عند هذه الأطوال الموجية يمتصه الغلاف الجوي للأرض ولذلك فهذه المشاهدات يجب أن تتم من أعلى الغلاف الجوي أو من الفضاء، فيتم إرسال تلسكوبات على متن أقمار صناعية لتلقي الأشعة القادمة من الأجرام السماوية ثم إرسال النتائج إلى الأرض ما يمكننا من اكتشاف النجوم وخصائصها.