ماذا لو: حلقنا بطائرة أرضية على أجرام المجموعة الشمسية
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
ماذا لو اجتمع كل البشر في مكانٍ واحدٍ على الأرض؟ ماذا لو تجمّدت كل الأنهار فجأة؟ ماذا لو اختلّت فجأة كل قواعد الفيزياء التي تحكم الكون؟ | «ماذا لو #WhatIf» | سلسلة من المقالات التي يجيب فيها «راندل مونرو»، فيزيائي أمريكي على بعض الأسئلة الفيزيائية الغريبة، ويشرح الاحتمالات الخيالية المصاحبة لبعض الفرضيّات العلمية المستحيلة، والتي يرسلها له القراء.
تخيل أنك طيار مجنون تريد أن تخوض ما هو أكبر من سماوات الأرض بطائرتك الشخصية، تخيل أن لديك القدرة بأن تنتقل بسلاسة بين أجرام المجموعة الشمسية لتجرب الطيران فيها بحرية، هل هذا ممكن؟
سنتخيل سويًا هذا وندرس مختلف السيناريوهات المتوقع حدوثها على مختلف أجرام المجموعة الشمسية، لكن مع طيار آخر خيالي أيضا؛ لأن النهاية -للأسف- لن تكون سعيدة بالنسبة لك على الأغلب. هذه هي طائرتنا: Cessna 172 Skyhawk، الطائرة الأكثر انتشارا في العالم؛ ولهذا سنستخدمها كنموذج.
لا يوجد غلاف جوي في أغلب أجرام المجموعة الشمسية، وحتى لو تم إطلاق الطائرة من مكان مرتفع ستسقط مباشرة لتتحطم على السطح. في بعض الحالات -وبسبب ضعف الجاذبية لذلك الجرم- لو سقطت من ارتفاع 1 كيلومتر سيكون الاصطدام بطيئا جدا وسينجو الطيار كذلك، وهذا لو نجت معدات الحفاظ على حياته، كالبدلة الفضائية.
لكننا لن نيأس، ففي المجموعة الشمسية تسعة أجرام ذات غلاف جوي كثيف بما يكفي لنجرب الطيران فيه: كوكب الأرض -بيتنا-، والمريخ، والزهرة، الأربع عمالقة الغازية (المشترى وزحل وأورانوس ونبتون)، وتايتان قمر زحل، وفي قلب المجموعة الشمس. سنلقي الآن نظرة على ما سيحدث لطائرتنا -والأهم طيارنا المغامر- عليهم.
الشمس
سيكون الطيران هناك كما تتخيل بالضبط. لو تم إطلاق الطائرة قريبا بما يكفي من الشمس لكي تصبح في مجال غلافها الجوي، ستتبخر في أقل من ثانية. وسيموت الطيار بالطبع.
المريخ
لترى ما سيحدث لطائرة فوق سطح المريخ يمكنك الذهاب إلى X-Plane، محاكي الطيران الأكثر تقدما حتى الآن في العالم، نتاج مجهود عشرين عاما من العمل الشاق والحصري لأحد مهاوييس علوم الطيران، حيث يقوم بمحاكاة تدفق الهواء على كل أجزاء الطائرة بدقة شديدة كما لو كانت طائرة حقيقية، وهذا ما يجعل X-Plane أداة علمية مفيدة وقيمة، وكذلك لأنها -أيضا- تحاكي بدقة جميع تصميمات الطائرات الجديدة وكذلك تطبق عليها مختلف البيئات المحتملة.
عند ضبط إعدادات البرنامج بحيث نقلل الجاذبية وكذلك كثافة الغلاف الجوي وحجم الكوكب، سنستطيع بذلك محاكاة الطيران على المريخ. وتخبرنا التجربة أن الطيران على المريخ صعب، لكنه ليس مستحيلا. ناسا تعرف ذلك ولهذا فهي تخطط لدراسة المريخ باستخدام طائرة. الصعوبة هنا بسبب رقة الغلاف الجوي، والتي تستلزم سرعات ابتدائية عالية لتستطيع الطائرة الإقلاع.
فيجب أن تتحرك الطائرة على المدرج بسرعة الصوت على المريخ (1 ماخ) لكي تقلع فقط، ستضمن تلك السرعة ما يكفي من القصور الذاتي لكي لا يتغير مسارها وتسقط، فعندما تدور بالطائرة ستدور معك لكن مع الحفاظ على حركتها للأمام. ويقول صاحب X-Plane إن قيادة طائرة في المريخ تشبه كثيرا قيادة سفينة عابرة محيطات لكن بسرعة الصوت.
ستفشل طائرتنا Cessna 172 في هذا التحدي الأعلى من إمكانياتها، فبإطلاقها من على ارتفاع كيلومتر واحد، لن تستطيع الوصول للسرعة التي تضمن لها التحليق بديلا عن التحطم على أرض المريخ القاسية، والتي ستصطدم بها بسرعة أكبر من 220 كيلومترا/الساعة على الأقل. ولو أطلقناها من ارتفاع خمسة كيلومترات ربما تصل لنصف سرعة الصوت على المريخ، والتي ستضمن لها أن تهبط كطائرة شراعية، وهو الهبوط الذي لن تنجو منه كذلك.
الزهرة
لسوء الحظ، لن يستطيع X-Plane محاكاة الأجواء الجحيمية على سطح الزهرة، لكن الحسابات الفيزيائية ستساعدنا على فهم كيفية الطيران هناك. وخلاصة الأمر أن طائرتنا ستتمكن من الطيران جيدا، لكنها ستكون مشتعلة طوال الوقت، وبعد فترة ستتوقف عن الطيران فضلا عن كونها ستتوقف عن كونها طائرة.
الغلاف الجوي للزهرة أكثر كثافة من غلاف الأرض بـ 60 ضعفا، وهو ما سيجعل طائرتنا تطير لو تحركت بسرعة عدّاء سريع. لكن لسوء حظها فدرجات الحرارة لن تكون رحيمة بمعدن الطائرة وأجهزتها، حيث ستبدأ الحرائق وسيذوب المعدن سريعا جدا، ومن ثم تتعطل الأجهزة وتحترق الطائرة وتسقط محطمة على سطح الزهرة.
سيكون من الأفضل – نوعيا- تجربة الطيران فوق السحب. فعلى الرغم من أن سطح الزهرة سيئ إلا أن الغلاف الجوي فوق السحب وعلى ارتفاع 55 كيلومترا يشبه الأرض كثيرا. فيمكن لإنسان هناك أن يبقى حيا فقط باستخدام بدلة واقية مزودة بالأكسجين. الجو هناك بدرجة حرارة الغرفة العادية والضغط يشبه ضغط الأرض الجوي فوق الجبال، والبدلة الواقية هدفها أساسا حمايتك من حمض الكبريتيك.
وحمض الكبريتيك لا يمزح هنا، فالجو فوق سيكون مناسب جدا لطائرة طالما ليست مصنوعة من المعدن والذي سيتآكل بسبب الحمض، وطالما كانت الطائرة قادرة على مجابهة رياح عاصفة من التصنيف الخامس، وهو الشيء الذي أغفلت ذكره من قبل.
الزهرة مكان مرعب بالتأكيد!
المشتري
بسبب جاذبيته الشديدة، لن تستطيع طائرتنا التحليق على المشتري. فالقوة التي تحتاجها طائرة لتحافظ على رحلتها في جو المشتري تبلغ ثلاثة أضعاف مثيلتها على الأرض. وبداية من ارتفاع يبلغ الضغط فيه مثيل الضغط الجوي الأرضي عند سطح البحر، ستنطلق الطائرة بسرعة شديدة كالطائرة الشراعية لأسفل وأسفل مخترقة طبقات الأمونيا والمياه المتجمدة حتى تتحطم، فلا يوجد سطح واضح للمشتري لتصطدم به، بل يتدرج السطح من الحالة الغازية للحالة الصلبة كلما ازددت عمقا.
زحل
الوضع أفضل قليلا من المشتري، حيث أن جاذبيته وكثافة غلافه الجوي أقرب للأرض، وهذا يعني أن الطائرة سوف تكافح لفترة أطول من مثيلتها على المشتري قبل أن تتوقف بسبب البرد والرياح الشديدة، ومن ثم تلقى نفس مصير سابقتها.
أورانوس
أورانوس كوكب غريب؛ جرم سماوي دائري أزرق اللون، شديد الرياح مع برودة قارصة، لكنه أحد الكواكب الغازية المناسبة لطائرتنا Cessna. حيث ستتمكن من الطيران لفترات وجيزة هناك، لكنه وللأسف كوكب رتيب ممل، فلماذا نذهب هناك أصلا!
نبتون
إذا كنت تنتوي الطيران على عملاق غازي، لن تجد أفضل من نبتون؛ الكوكب الأكثر زرقة قليلا والأقل مللا من أورانوس. فعلى الأقل لنبتون بعض السحب في غلافه الجوي، سحب يمكنك أن تلقي عليها نظرة أخيرة أثناء طيرانك قبل أن تتجمد حتى الموت أو تتحطم أجزاء طائرتك بسبب تجمدها في السماء.
تيتان
الأفضل يُحفظ للنهاية دائما، وبالنسبة للطيران، فتيتان ربما يكون مناسبا للطيران أفضل من الأرض نفسها. فغلافه الجوي ذو كثافة عالية مع جاذبية منخفضة كذلك؛ مما يجعل الضغط الجوي على سطحه أعلى من الأرض بـ 50% مع هواء بأربع أضعاف الكثافة. وجاذبيته الأقل من قمر الأرض تعني أن الطيران سهل، فطائرتنا Cessna يمكنها الطيران على تيتان بقوة حركة ناتجة عن دواسة يدوية.
يمكن للبشر أيضا الطيران على تيتان بقوتهم العضلية فقط. فيمكن لإنسان أن يركب طائرة شراعية ويقلع بها جريا، أو حتى يرتدي أجنحة صناعية -مثل إيكاروس- ليطير بها. فالطاقة التي يحتاجها إنسان للطيران فوق تيتان يمكن الوصول لها بمجرد المشي.
المشكلة الحقيقية في تيتان -ويجب أن تكون هناك مشكلة ما- هي درجة الحرارة. فالحرارة على تيتان هي -201 سيليزية، تقريبا نفس درجة حرارة النيتروجين السائل، وبفارق 72 درجة كلفنية عن الصفر المطلق. ستحتاج الطائرة في تلك الحالة طاقة للحفاظ على درجة حرارتها، حيث أن الطائرة ستفقد -حسب تقديراتي- درجتين مئويتين كل دقيقة، وذلك حسب ما قرأته عن وسائل التدفئة الخاصة بالطائرات الخفيفة. ستستطيع البطاريات الحفاظ على حرارتها لفترة، وذلك قبل أن تفقد الطائرة كل الطاقة والحرارة وتتحطم.
مسبار هيجنز The Huygens probe والذي هبط على تيتان في 2005 فقد كل طاقته في عدة ساعات أثناء هبوطه، واستطاع أثناء ذلك تصوير العديد من الصور لتيتان وإرسالها لنا كذلك، وتعد هذه الصور أول صور دقيقة لسطح جرم سماوي أبعد من المريخ آنذاك.
وعلى عكس إيكاروس -الذي اقترب من الشمس فاحترقت أجنحته- سيصبح البشر المجنحين فوق تيتان النسخة العكسية منه، حيث ستتجمد الأجنحة وتتحطم ليسقط مرتديها من رحلته ويلقى حتفه. لكني لا أرى قصة إيكاروس كنموذج لحدود إمكانيات الإنسان، بل قصة تعرض مشكلة هندسية تتعلق بقدرة الشمع على تحمل الحرارة، وكذلك قدرة الأجنحة على تحمل البرودة. وبحلول هندسية مناسبة ستتمكن الطائرة Cessna 172 وكذلك البشر من الطيران على تيتان.