ماذا لو: صُعِقتَ بالبرق
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
ماذا لو اجتمع كل البشر في مكانٍ واحدٍ على الأرض؟ ماذا لو تجمّدت كل الأنهار فجأة؟ ماذا لو اختلّت فجأة كل قواعد الفيزياء التي تحكم الكون؟ | «ماذا لو #WhatIf» | سلسلة من المقالات التي يجيب فيها «راندل مونرو»، فيزيائي أمريكي على بعض الأسئلة الفيزيائية الغريبة، ويشرح الاحتمالات الخيالية المصاحبة لبعض الفرضيّات العلمية المستحيلة، والتي يرسلها له القراء.
يجب أن نتحدث عن البرق الآن بعد أن وصلني كثير من الأسئلة بشأنه من القراء، ما هي خطورته؟ ماذا لو ضرب حمام سباحة ونحن بداخله؟ ماذا لو ضربنا ونحن أسفل شلال مياه؟ ماذا لو كنت بطائرة أو قارب وضربت بالبرق؟ وغيرها من الأسئلة المثيرة. وقبل أن أشرع في الإجابة يجب أن أؤكد على بعض الأشياء:
أنا لا أمثل أي مؤسسة مسؤولة عن التأمين ضد البرق، أنا فقط فيزيائي يرسم الكاريكاتير على الإنترنت، كما أنني أحب عندما تنفجر الأشياء وتشتعل بها النيران؛ أي أنني لست مثلًا أعلى لك هنا، وهذا هو موقع هيئة الأمان ضد أخطار البرق التابعة للحكومة الأمريكية.
الآن، وعلى صعيد آخر، سأحاول الإجابة على تلك الأسئلة بطريقة علمية. حتى نتمكن من الإجابة، يجب أن نأخذ فكرة أولًا عن أكثر الأماكن المحتملة التي يفضل البرق أن يضربها. وهناك خدعة لطيفة لمعرفة ذلك: قم بتخيل كرة عملاقة بقطر 60 مترًا في المشهد أمامك، وتخيل أين ستلمس الأرض، دع تلك الكرة في خيالك الآن.
يقول الناس إن البرق يضرب أعلى الأشياء حولنا، وأنا أجد هذه العبارة من أكثر العبارات المجنونة غير الدقيقة والتي تثير العديد من الأسئلة. فما معنى «أعلى الأشياء حولنا»؟ لا يضرب كل البرق قمة جبل إيفرست كمثال! هل يضرب البرق الشخص الأطول في الزحام؟ «راين نورث» هو أطول شخص حسب معلوماتي (يقول العلماء إن كتفه بارتفاع خمسة أمتار )، هل ينبغي أن أقف بجانبه أثناء عاصفة رعدية لكي أحمي نفسي من الصعق؟ (وهذا سؤال أنتم -لا أنا- من يسأله).
كيف يختار البرق هدفه؟
هذا الفيديو -الذي صوره توم وارنر- أعتبره -شخصيًا- أحد ألطف المقاطع التي رأيتها للصواعق على الرغم من كثرتها، يظهر صاعقة تم تصويرها بسرعة 7207 لقطة في الثانية، حيث يعرض في ثوان معدودة مرور أقل من عُشر ثانية.
يشرح لنا فيديو توم كيف يتحرك البرق، يبدأ بحزمة متفرّعة من الشحنات. أحد تلك الفروع هي الحزمة القائدة، تتحرك لأسفل بسرعة عشرات أو مئات الكيلومترات للثانية، قاطعة عدة كيلومترات بين السماء والأرض في عدة ميلليمترات من الثانية.
تحمل الحزمة القائدة تيارًا قليلًا نسبيًا -ربما 200 ميللي أمبير-، وهذا كافٍ لقتلك بالتأكيد، لكنه لا شيء مقارنة بما سيحدث بعد ذلك. فحين تلمس الحزمة الأرض، تتنقل الكهرباء خلال مسارها بسرعة تقترب من سرعة الضوء من السحابة للأرض لتفرغ شحنتها ويتعادلا، وبشحنة تصل لـ 20000 أمبير، وهو ما يسبب الضوء المبهر الذي تراه في نهاية الفيديو، والذي يبدو متحركًا من أسفل لأعلى، ويطلق عليه الضربة العائدة return stroke، وذلك على الرغم من أن الكهرباء تنتقل فيه من السماء للأرض.
عرفنا الآن أن النقطة التي يضرب فيها البرق هي حيث تلمس الحزمة القائدة الأرض. تتحرك الحزمة القادمة للأسفل في قفزات متعاقبة، وهي دائمًا ما تشعر وتتحرك تجاه شحنة موجبة، لكنها تشعر فقط بالشحنات الموجبة في مدى بضع عشرات من الأمتار حولها. لذلك، إذا كان هناك شيء متصل بالأرض في هذا المدى، سيضربه البرق، أو سيقوم بالقفز لأسفل مرة أخرى بحثًا عن هدفه، وهكذا.
هنا يأتي دور الكرة الكبيرة التي تخيلتها مسبقًا، وهي طريقة لتخيل حجم المنطقة التي تستشعرها الحزمة القائدة، وتقع فيها احتمالات ضرب الصاعقة للأرض. ولكي تتوقع النقطة التي سيضربها البرق، حرك الكرة الخيالية في المشهد المحيط بك، حيث يمكن لها التحرك بحرية لكن بدون اختراق المباني والأشجار، إلخ. النقاط التي ستتلامس فيها عناصر البيئة المحيطة بك مع سطح الكرة (أطراف الأشجار، أسطح العمارات، أطراف عواميد الكهرباء، وكذلك لاعبو الجولف -لو كنت تسكن بجانب أحد ملاعب الجولف-) كلها أهداف محتملة للضربة.
ويمكنك أيضًا أن تحسب ما سنطلق عليه «ظل» البرق حول جسم بارتفاع H على سطح مستوٍ من المعادلة:
مع كل هذا في ذهننا، دعنا نلقي نظرة على العديد من السيناريوهات المطروحة في الأسئلة.
سيناريوهات مختلفة
ما هو حجم الخطر لو كنت تمارس السباحة أثناء عاصفة رعدية؟
الأمر خطر بالطبع، فالماء -غير المقطر- موصل جيد للكهرباء. لكن هذه ليست المشكلة الأكبر، المشكلة الأكبر هي أنك أثناء السباحة ستكون رأسك على مستوى أعلى من سطح الماء المستوي مما سيجذب البرق نحوها. وحتى لو ضرب البرق الماء بالقرب منك سيظل الأمر شديد السوء، فالبرق سينتشر في الطبقة السطحية من الماء ليضربك بقوة ستختلف حسب بعدك عن نقطة الضربة. أما لو كانت المياه عذبة فسيفضل البرق المرور مباشرة عبر جسدك.
ماذا لو ضربك البرق أثناء الاستحمام أو الوقوف تحت شلال مياه؟
لن يستطيع البرق المرور عبر قطرات المياه المتناثرة فوق رأسك، لكن الخطر الحقيقي يكمن في الماء المتجمع أسفل قدميك في حوض الاستحمام حيث سيكون متصلًا بمواسير الصرف المعدنية الممتدة حتى أعلى المبنى، أو أسفل الشلال، حيث سيضربها البرق.
ماذا لو كنت في مركب، أو طائرة، أو حتى غواصة؟
لو كان المركب مزودًا بكابينة مجهزة ضد الصواعق فأنت بأمان، أما غير ذلك فستصيبك الصاعقة كلاعب الجولف. أما عن الغواصة، فأنت بالطبع ستكون في أمان تام ما دمت في الأعماق. ولو كنت طائرًا فالأمر هنا أبسط، حيث أن جميع الطائرات الحديثة مزودة بتقنيات تحميها من التأثر بالصواعق، والتي يتسبب فيها أحيانًا مرور الطائرة عبر السحب. تم تطوير تلك التقنيات بعد تعدد حوادث تحكم الطائرات بسبب ضربها بصاعقة، ولا تبدأ أي طائرة في الطيران لأول مرة قبل أن يتم اختبارها جيدًا. ويمكن للطائرات الحديثة المرور مباشرة بداخل الصاعقة بدون أن تتأثر.
ماذا لو كنت على قمة برج راديو؟، ستصعق بالتأكيد. ماذا لو نظرت للبرق مباشرة وأنت بالقرب منه؟، سيؤذي عينيك قطعًا.
ماذا لو ضرب البرق رصاصة وهي في الهواء؟
لو استطعت بمعجزة ما أن تصيب صاعقة برصاصتك، فلن تؤثر على مسار الصاعقة بالتأكيد.
يبلغ قطر قلب الصاعقة بضعة سنتيمترات، بينما يبلغ طول الرصاصة حوالي 2.5 سم، كما أنها ستتحرك حوالي 7 سم في زمن الصاعقة البالغ بضعة ميلليمترات من الثانية كما ذكرنا آنفًا. وتتكون الرصاصة من قلب رصاصي مغلف بالنحاس. والنحاس من أفضل الموصلات الكهربية، ولذلك ستعبره الصاعقة سريعًا.
لو كانت الرصاصة ساكنة، سترفع الصاعقة درجة حرارتها حتى تذوب. لكن مع سرعتها، ستعبر الصاعقة بدون تأثير على اتجاهها لتصيب الهدف، وربما تزيد حرارتها بضع درجات لا أكثر.