فكرة التحدي بسيطة للغاية، إن كان لديك حساب على فيس بوك وتمتلك من الشجاعة ما يكفي فعليك أن تنشر صورتك قبل عشرة أعوام إلى جانب صورتك اليوم، ثم تترك لأصدقائك حرية التعليق واكتشاف الفروقات وربما استحضار بعض الذكريات المضحكة.عشر سنوات هي فترة كبيرة فعلًا، وهذا التحدي يشير لحجم التغيير الذي قد يحظى به المرء خلال تلك المدّة في هيئته، وظيفته، محل إقامته، بل وربما يكتشف أنه أضحى شخصًا مختلفًا لديه اهتمامات أخرى ونظرة مغايرة لنفسه وللعالم. حاول أن تسقط فكرة ذلك التحدي على عالم كرة القدم، لتجد أن النتيجة لا تختلف كثيرًا. فقد تغير كل شيء تقريبًا بمرور الوقت؛ من شكل المنافسة في الدوريات، لأساليب اللعب والتكتيك، وحتى قيمة الصفقات وأسعار اللاعبين. وواحدة من تلك الأمور التي تغيرت، وفي بعض الحالات أكثر من مرة، هي مراكز وأدوار بعض اللاعبين في الملعب، بحيث يمكن أن تجد اسمًا بين مهاجمي كبرى الفرق الأوروبية كان في الأصل مدافعًا، وصانع ألعاب آخر بدأ مسيرته كظهير، بل وحارس مرمى سبق أن كان لاعب ارتكاز، والمثير أن هذا التغيير قد واكب تألق هؤلاء اللاعبين في مراكزهم الجديدة بشكل أكبر من تلك القديمة!في هذا التقرير نستعرض عددًا من أبرز اللاعبين الذين تغيرت مراكزهم ومن ثم أجادوا في تأدية أدوارهم الجديدة، وربما كانوا أول من جرّب فكرة ذلك التحدي حتى لو لم ينشروا صورًا للمقارنة عبر حساباتهم.


1. روبرتو فيرمينو: لاعب كل الخطوط

بمقارنة بسيطة بين تشكيل ليفربول الأساسي عندما تسلم «يورجن كلوب» مسئولية الفريق في أكتوبر 2015 وبين تشكيل الفريق الآن، فإننا لن نجد سوى عدد قليل من الأسماء المشتركة. في مقدمتهم يأتي «روبرتو فيرمينو». اللاعب البرازيلي الذي لا يغيب عن تشكيل الريدز مع كلوب.في البداية استخدم يورجن لاعبه روبرتو كجناح عكسي، لكن مع انطلاقة موسم 2016/2017 أصبح فيرمينو هو المهاجم الأول. تعجب البعض حينها من هذا القرار، ثم تحوّل هذا التعجب لاستغراب بعدما أنهى الموسم مسجلًا 11 هدفًا فقط بمعدل تحويل فرص conversion rate وصل بالكاد لنسبة 11%، وهو الأقل بين مهاجمي فرق البريمرليج الكبرى، حتى أن زميله الجناح «ساديو ماني» امتلك ضعف ذلك المعدل، لكن برغم ذلك أصر كلوب على رهانه! كان الألماني يفكر ولكن من زاوية مختلفة، وهي منظومة الفريق التي تقوم على الضغط العالي وحصار الخصوم في مناطقهم، لذا كان يريد الاستفادة من قدرات فيرمينو في الاستخلاص والفوز بالالتحامات الثنائية بالإضافة لصناعة الفرص، وقد أتت هذه المغامرة أكلها عندما قدم الديناميت أفضل مواسمه خلال 2017/2018.سجل البرازيلي 15 هدفًا، وصنع 7 آخرين، لكن ذلك لم يكن أهم ما حققه. فقد لعب فيرمينو دورًا أهم، وهو التحكم في إيقاع ضغط ليفربول، واسترداد الكرة في مناطق الخطورة. تخيّل أنه استخلص الكرة 18 مرة فيما تمكن أقرانه «أجويرو، لوكاكو، هاري كين» مجتمعين من استخلاص 14 كرة فقط! يتمتع روبرتو بوعي تكتيكي كبير، ولعل هذا السبب تحديدًا هو ما دفع يورجن لإجراء تعديل جديد على مركزه، إذ تحول لمهاجم متأخر في الرسم التكتيكي 4/2/3/1 الذي يستعين به الريدز مؤخرًا.المثير للغاية أن هذا التغيير ليس أمرًا طارئًا في مسيرة فيرمينو، بل يكاد يكون القاعدة. فقد تدرب في البرازيل على مركز قلب الدفاع، قبل أن يظهر بمركز الارتكاز مع هوفنهايم، وأخيرًا جناح ومهاجم وصانع ألعاب في إنجلترا، وشخصيًا أشك بأنه سيكون خيار كلوب الأول لو نفدت تبديلاته وتعرض «أليسون بيكر» للطرد!


2. جانلويجي بوفون: صدق أو لا تصدق

كانت أجواء ليلة الـ19 من نوفمبر 1995 غير عادية. على الأقل بالنسبة لـ«فابيو كابيلو» الذي كان حينها مدربًا لميلان، وكان حينها ميلان أقوى فرق أوروبا. لم يكن يتكوّن خط هجومه وقتئذ من «جونزالو هيجوأين، وتشالهان أوغلو» بل من الثنائي الفائز بالبون دور «جورج ويا، وروبيرتو باجيو». هذا الثنائي الفذ سيفشل الليلة في هز شباك حارس لم يتجاوز عمره السابعة عشرة!تعادل ميلان سلبيًا مع بارما. خرج كابيلو من المباراة غاضبًا، وقال للصحفيين، إن فريقه استحق نقاط المباراة لولا براعة ذلك الصغير «بوفون». كان فابيو محقًا، فقد صنع لاعبوه عدة فرص، ثلاثة منها كانت انفرادات بالمرمى، لكن الصغير تصدى لها جميعًا. كانت تلك مباراة بوفون الرسمية الأولى، وكانت اختبارًا قاسيًا للغاية، فهو يواجه أقوى خط هجوم في العالم بلا أدنى خبرة، لكنه تجاوزه بنجاح، بل وحوله لشهادة ميلاد مسيرة امتدت لما يزيد على عقدين لأحد أفضل حرّاس المرمى في التاريخ. لكن ما عسى اسم بوفون يفعل هنا؟ هل يعقل أن يكون قد غير مركزه هو الآخر؟ الإجابة هي نعم! بوفون لم يبدأ حياته كحارس مرمى، إنما كلاعب وسط ملعب. وقد تدرب على مهام هذا المركز بمدرسة كانليتو بالإضافة لأكاديمية توسكاني لإعداد المواهب، حتى أنه شارك في مباراة للناشئين على ملعب سان سيرو في هذا المركز. كان ينتوي أن يستكمل مسيرته على هذا النحو قبل أن يصادف الحدث الذي سيغير كل شيء. كان ذلك الحدث هو استضافة إيطاليا لمونديال 90، وقد بدا حينها أن لكل طفل لاعبه المفضل. الأغلبية مع «سكيلاتشي»، الكثير مع «مارادونا»، البعض مع «فولر»، وبوفون وحده مع حارس الكاميرون «توماس نكونو». انتهت البطولة، وكان أول ما فعله الصغير هو تجربة نفسه بين الخشبات الثلاثة. ذات يوم، اصطحب بوفون والده لإحدى مباريات الناشئين حيث سيشارك كحارس. انتهت المباراة، وكان الوالد مندهشًا من أداء ابنه. استدعاه وأخبره: جيجي عليك أن تنسى وسط الملعب وتركز من اليوم على المرمى. استمع الولد لنصيحة الأب باهتمام والباقي صار تاريخًا.


3. فان ديك: لا أريد أن أكون مدافعًا

مفاجأة طبعًا، أليست كذلك؟!«فيرجيل فان ديك» فعلًا لم يكن يريد أن يصبح مدافعًا، وعندما عُرِض عليه الأمر للمرة الأولى لم يحب الفكرة كثيرًا، لأنه بكل بساطة كان مغرمًا بتسجيل الأهداف والتمركز داخل منطقة جزاء الخصوم وليس فريقه. كان ذلك في عام 2011 عندما تم تصعيده لفريق غرونينغن الهولندي، حيث كان يستخدمه المدرب كمهاجم صندوق لتميزه بطول القامة وقدراته علي الفوز بالكرات الهوائية وتصرفه الجيد وقت حيازة الكرة. كان فيرجيل المهاجم يبلي بلاءً حسنًا، وينفذ الكرات الثابتة بفاعلية. ذات مرة كان ناديه يحتاج لهدف في مباراة حاسمة، وقد نزل صاحب الـ19 ربيعًا كبديل في محاولة لإنقاذ فريقه. لم يسجل هدفًا واحدًا، بل هدفين. لم يمر وقت طويل حتى تفطن مدرب غرونينغن إلى أن الدفاع يلائم إمكانيات لاعبه أكثر من الهجوم، وفي مركزه الجديد لمع نجم فان ديك بسرعة الصاروخ، حتى أن مدرب سيلتيك الذي سافر لمشاهدته في الملعب لم يصدق أن أندية أياكس واندهوفن ستتركه يخرج من هولندا هكذا بتلك السهولة. انتقل لسيلتيك، ومنه لساوثهامبتون، ثم أصبح أغلى مدافع في التاريخ اللعبة عندما ارتدى قميص ليفربول. ومنذ أتم انتقاله الأخير، نجح الهولندي في تحقيق نقلة هائلة لخط دفاعه الذي كان يستقبل أهدافًا بمعدل 1.4 قبل استقدامه، بينما لا يستقبل حاليًا أكثر من 0.6 هدف بالمباراة الواحدة. فيرجيل أضاف صلابة كبرى لليفربول، وأنهى صداع الكرات الهوائية والهجمات المرتدة التي عانى منها الثنائي: لوفرين وماتيب كثيرًا، بل لا يعد من المبالغة وصفه بأفضل مدافع بإنجلترا في الوقت الحالي، وربما العالم أيضًا


4. هنري وراموس: تغييرات بسيطة ولكن كبيرة

اليوم هو الأول من أغسطس 1999، «تيري هنري» يستعد للرحيل عن إيطاليا، وهو يتلقى الآن اتصالًا من «أرسين فينجر» لوضع اللمسات النهائية قبل انتقاله لأرسنال. يخبره المدرب الفرنسي أن كل شيء على ما يرام، ثم ينهي اتصاله بجملة ستقلب مسيرة الغزال رأسًا على عقب.قال له فينجر إنه سيغير مركزه تمامًا، فقد أضاع تيري وقتًا طويلًا في مركز الجناح، وهو متأكد بأنه سيؤدي أفضل كمهاجم رقم 9. ومع وصول هنري للعاصمة الإنجليزية، بدأ أرسين في توظيفه كرأس حربة بعد رحيل «أنيلكا»، لكن اللاعب الشاب لم يظهر بشكل جيد في بادئ الأمر حتى تسلل شعور الإحباط لجمهور الجانرز. كان الضغط يتثاقل على كاهل هنري، حتى كاد يطلب من فينجر إ لغاء تلك الفكرة تمامًا، ما منعه عن ذلك هو ثقته في فينجر، وبالفعل لم تمر سوى أسابيع بسيطة وأثبت المدرب الفرنسي أنه جدير بتلك الثقة. حيث تأقلم هنري في مركزه الجديد، ثم صار أداة أرسنال الفعالة في تسجيل الأهداف، وبات الرجل الأول في كتيبة فينجر التي كتبت تاريخًا للجانرز على مستوى الأداء والبطولات وأيقونة الجيل الذي حقق دوري اللاهزيمة.في التوقيت نفسه، كان ريال مدريد ينهي مفاوضاته مع إشبيلية للحصول على الظهير الشاب «سيرجيو راموس». كان راموس ظهيرًا هجوميًا، وقد أصبح مفتاح لعب للفريق خصوصًا في حقبة المدرب الألماني «بيرند شوستر». كما أظهر أداء جيدًا عليى الصعيد الدولي جعله يحجز مقعدًا ضمن كتيبة لاروخا خلال يورو 2008. لكن مع قدوم «جوزيه مورينيو» لقلعة الملكي، دخل تعديل على مركز سيرجيو. في الواقع كان ذلك تعديلًا طارئًا بعد إ صابة المدافع «ريكاردو كارفاليو»، لكنه سيصبح مركز راموس الأساسي الذي سيستكمل به بقية مسيرته. نجح المدافع الإسباني في إثبات جدارته، وبات عنصرًا رئيسيًا بل وقائدًا لإنجازات الميرنجي ومنتخب إسبانيا في السنوات الأخيرة. قد يبدو أن التحوّل من مركز الجناح للمهاجم أو الظهير للمدافع ليس بمعضلة يصعب تنفيذها، لكن في الواقع لم يكن أحد ليتوقع أن يحقق الجناح الفرنسي والظهير الإسباني كل ذلك النجاح مع الأندية والمنتخبات في مراكزهم الجديدة، إلا المدربون الذين راهنوا عليهما بالطبع.