محتوى مترجم
المصدر
what if
التاريخ
2014/08/25
الكاتب
راندل مونرو

ماذا لو اجتمع كل البشر في مكانٍ واحدٍ على الأرض؟ ماذا لو تجمّدت كل الأنهار فجأة؟ ماذا لو اختلّت فجأة كل قواعد الفيزياء التي تحكم الكون؟ | «ماذا لو #WhatIf» | سلسلة من المقالات التي يجيب فيها «راندل مونرو»، فيزيائي أمريكي على بعض الأسئلة الفيزيائية الغريبة، ويشرح الاحتمالات الخيالية المصاحبة لبعض الفرضيّات العلمية المستحيلة، والتي يرسلها له القراء.


مسباري Voyager

تعتبر مركبتا مشروع Voyager من المركبات الأكثر بعدًا عن كوكب الأرض حتى الآن، بعد أن تأكد خروجهما من المجموعة الشمسية واختراقهما لغلاف المجموعة الشمسية الخارجي، وذلك بعد أن أتمتا مهمتهما باسكتشاف الكواكب الخارجية للمجموعة الشمسية بنجاح، لتعتبرا أبعد مركبات صنعها الإنسان حتى الآن، وخصوصًا بعد استثمارها لقوة جاذبية كواكب المجموعة الخارجية في دفعهما بسرعة أكبر في رحلتهما اللانهائية. يأتي السؤال الآن:

بالتقنيات المتاحة اليوم، هل يمكن لناسا أن تستعيد مسباري Voyager من بين النجوم؟

وعلى الرغم من أن Voyager تسبقنا بـ 38 عامًا الآن، وكون مهمة استرجاعها صعبة، إلا أن هذه ليست هي المشكلة. فمركبة New Horizons التي مرت بجانب بلوتو منذ عام متجهة إلى خارج المجموعة أيضًا كهدف نهائي لرحلتها، لن تتمكن أبدًا من اللحاق بفوياجر. فهي تتحرك بسرعة أبطأ وفي اتجاه مختلف كذلك. ولكن، كان من الممكن أن تلحقها. السبب الرئيسي في سرعة Voyager هو مساعدة جاذبية المشتري وزحل لها في رحلتها، عكس New Horizons والتي استفادت فقط من جاذبية المشترى.

اقرأ أيضًا: رسائل «كارل ساجان» للفضاء: يد ممدودة بالسلام، أم دعوة للغزو؟
مسبار فوياجر دفعة جاذبية

ومساعدة جاذبية الكواكب للمركبات الفضائية ليست سحرًا، بل هي كاصطدام كرة تنس بواجهة سيارة مسرعة. وما يمكن أن نعتبره سحرًا بالفعل هو الجيروسكوب Gyroscopes.

ولو كان لـ New Horizons أن تؤخر مهمتها لبلوتو وانتظرت حتى تصبح الكواكب على اصطفاف مناسب (عام 2030 كان يبدو مناسبًا)، لكان بإمكاننا أن نستغل جاذبية المشترى والمريخ سويًا في دفعها، وربما كانت لتلحق بـ ـVoyager بعد قرن أو اثنين، وهذا بافتراض أننا قمنا بتوجيهها تجاه Voyager بدقة، وأزعم أننا سنكون قادرين على هذا، فعلماء الصواريخ عندنا متميزون في علم الصواريخ.

وهكذا، يصبح الأمر الأسهل -نسبيًا- هو الوصول لفواياجر، أما عن العودة، فهي الجزء الصعب بالفعل.

تزن فوياجر أقل قليلاً من طن وتتحرك بسرعة 17 كيلومرات لكل ثانية (لو كان هناك غلاف جوي لكانت السرعة 50 ماخ). وبما أنها في الفضاء بين النجوم، لا يوجد كواكب يمكن أن نستغل جاذبيتها لإيقاف فوياجر، ولذلك فإيقافها سيحتاج للكثير من الوقود.

ما يسميه المهندسون «طغيان معادلة الصواريخ»، والتي يمكن اختصارها ببساطة في القول بإنه كلما زادت السرعة التي تريد زيادتها/تغييرها كلما زاد الوقود المطلوب أضعافًا مضاعفة. وبحسبة بسيطة سنحتاج لـ 30 طنًا من الوقوع لتغيير اتجاه Voyager للخلف.

المشكلة هي، لكي تصل بكل هذه الكمية من الوقود، ستحتاج المزيد من الوقود، ولمزيد من الوقود سنحتاج المزيد مرة أخرى، وهنا يظهر بشكل حقيقي مفهوم طغيان معادلة الصواريخ. وفي الواقع، لكي نستعيد Voyager سنحتاج لإطلاق أسطول من المركبات (60 مركبة بحجم New Horizons) محملة فقط بالوقود. فهل نستطيع فعل ذلك؟.

بالطبع، وهناك طريقتان معقولتان لذلك. فبدلاً من بناء العشرات من صواريخ Titan IIIE وتحميلها بالوقود، يمكننا أن نبني أسطولًا من عشرة أو خمسة عشر الصاروخ الأحدث saturn v، والقيام بالمهمة باستخدام عدد أقل من الإطلاقات الفضائية. لكن وعلى الرغم من ذلك، ستكون عملية مكلفة ومرهقة وعملاقة للغاية، شبيهة ببرنامج أبولو. وسيبدو الفارق بين صاروخ إطلاق Voyager للفضاء وبين الصواريخ التي سنحتاجها لاستعادته مفزعًا.

لحسن الحظ هناك طريقة واحدة للالتفاف حول طغيان معادلة الصواريخ؛ التخلص من الصواريخ نفسها.

محركات الأيونات، والتي تستخدم مجالات كهربية لتسريع أيونات تنطلق لتزودها بقوة دافعة، تعتبر أكثر كفاءة من الصواريخ، كما أنها تجعل التسارع لسرعات عالية جدًا أكثر قبولاً. والسبب الذي يجعلنا لا نستخدمها في كل شيء هو أنها تنتج دفعًا ضئيلاً جدًا في البداية مما يجعلها تستغرق وقتًا طويلاً للغاية حتى تصل لسرعة عالية. تخيل أنك تركب سيارة بقدرة حصان واحد على طريق مفتوح لا نهائي!، المحركات الأيونية عظيمة لكن الجيل الحالي منها سيحتاج عمرًا كاملاً ليدفعك للأمام.

لكن، بما أن الإمساك بـ Voyager سيستغرق وقتًا طويلاً على أية حال، فالمحركات الأيونية جيدة. يمكننا أن نطلق مسبارًا أيونيًا، وعند وصوله لفوياجر يمكنه الإمساك بها ومن ثم يقوم بإبطائها، مستغرقًا في ذلك عدة عقود.

بمجرد ما تفقد Voyager كل سرعتها، ربما تسيطر عليها جاذبية الشمس مرة أخرى لتبدأ رحلة بطيئة في العودة لمركز المجموعة الشمسية. وربما تستغرق تلك الرحلة 200 عام حتى تصل لمنطقة الكواكب الداخلية. وبتحكم حريص في اتجاهها يمكننا أن نجعلها تتقاطع مع الأرض في مدارها لنتمكن من استعادتها.

مسبار فوياجر

بعد قرنين وعند وصولها للأرض، وبدون طريقة منطقية لإيقافها أو إبطائها، ستحترق Voyager كاملة أثناء اختراقها للغلاف الجوي الأرضي، مهدرة عقودًا مستمرة من العمل على إرجاعها ومليارات الدولارات التي تم إنفاقها على عملية الاستعادة، وذلك ما لم نبتكر سفينة قادرة على إيقافها وإنقاذها خارج الغلاف الجوي.

والفكرة الأفضل في رأيي هي أن نستعير مركبة إنقاذ بحرية ونبحر لسواحل جنوب ويلز بأستراليا، فهناك في أعماق خليج جيرفيز تكمن السفينة الملكية الأسترالية Voyager والتي غرقت عام 1964 إثر حادث اصطدام.

على الأقل هذه أيضًا Voyager وما زالت استعادتها سهلة.