في عام 1996عُرض مُسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» ليُحقق نجاحًا جماهيريًا لم يتوقع أشد صناعه تفاؤلًا أنه سوف يمتد لما يقارب 30 عامًا، ليضم أجيالًا لم تولد حتى وقت عرضه لكنها حققت وصالها معه، وأعادت تدويره في كوميكس مُصورة أحيت شخوص العمل ولزماتهم ومشاهد مُفضلة لا يمل الجمهور من استعادتها.

يُحاول المقال تتبع حالة فنية قاربت صلاحيتها ثلاثة عقود، ورغم خلود العمل فإنه ينتمي في إنتاجه وميلاده لشروط زمنه، ماذا لو حاولنا إنتاج هذا العمل الآن وفق شروط زمننا؟ هل كان ليخرج بالصورة نفسها؟

من بطل الحكاية؟

رواية «لن أعيش في جلباب أبي»، إحسان عبد القدوس

يستند العمل لرواية كتبها «إحسان عبد القدوس» عام 1982، وحملت سمات عالمه المعتادة فالبطل الرئيسي ليس عبد الغفور الثري ولا ولده الضال إنما «نظيرة»، الفتاة التي استطاعت بحريتها خلق كينونة مستقلة اختارت عبرها دراستها وحبيبها، بينما ظل إخوتها مثل فروع ذابلة خجولة منزوية ضمن جذع شجرة عملاقة تحمل اسم الأب.

يحضر الأب في النص الروائي كوجود يتمظهر بغيابه، مرويًا بلسان الآخرين، البعض يصفه بالبخل حد التهرب الضريبي بكتابة عقاراته باسم أبنائه ثم إخفاء أماكنها عنهم فلا تستطيع الحكومة أو الأبناء منازعته فيها. بينما تدافع نظيرة عن أبيها وتصفه بالرجل العصامي الذكي في تنظيم عالمه.

ينحاز إحسان كعادته للأنثى، فبينما يبدو تمرد الابن على أبيه ساذجًا ومُتطرفًا في كل اتجاه بالتدين أو بالزواج من أمريكية أملًا أن تقبله ثقافة مختلفة جذريًا عن عالم أبيه، نجد شخصية «نظيرة» وجدان غير عاصف، يضرب بجذوره في الأرض، تعلم ما تُريده وتطارده، لهذا منح إحسان بطولة السرد لها ولحبيبها «حسين» وأنهى روايته بزواجهما.

 قام السيناريست «مصطفى مُحرم» في المسلسل بقلب المعادلة، لم يكن سؤاله نسويًا أو أنثويًا، بل أخرج عبد الغفور من مجهوليته الروائية، وجعله بطل النص في قصة صعود عصامية من القاع للقمة، لم يصطنع فيها بطلًا ذكوريًا أو أخلاقيًا بشكل مبالغ، نقطة القوة الوحيدة لشخصية عبد الغفور هي ذكاؤه الفطري في إدراك أنه يخضع لظرف الضرورة، كل فرص تغيير مصيره محدودة، وعليه أن يصطنع الحيل من النصيب المحدود الذي يمنحه القدر إياه، لذلك يبدأ في تجميع قطع الغيار الصدئة التي لا يهتم بها أحد، ثم يتاجر في الخردة التي يشتهر أصحابها بتحويل الصدأ لكنوز تُعيد لمعدن الحديد بهاءه.

 على مدار الحكاية يوسع البطل حدود مصيره بإرادته ويعوض جهله بتقريب أصحاب العلم منه في صورة «فهيم أفندي» الذي يحمل اسمه دلالة شخصية ذكية لكنها محدودة الطموح، لا تملك جرأة البطل الذي  يقفز قفزات اقتصادية عملاقة، ليست طفيلية كتجار الانفتاح لكنها مخاطرات يصعب أن يتخذها سواه، مثل خلق شراكة مع أعدائه أو الاستثمار في شراء حطام طائرة بمبالغ طائلة. 

الحاج عبد الغفور مع فهيم أفندي

يدفع السيناريو الحكاية للأمام عبر خلق التضاد في صورة الإبن، الذي يحمل نقيض لعنة أبيه، فالأب صاغ مصيره من فُرجة قليلة منحه إياها القدر، بينما عانى الابن من لعنة الوفرة، يُمكنه أن يكون كل شيء، يتمرد الابن على وراثة أملاك أبيه وجلبابه ويصرح بأنه يمتلك حكاية بديلة، لكنها حكاية بلا عنوان!

 يتشابه الابن في تمرده مع صورة الابن في فيلم «الكيت كات» الذي ينتمي لحقبة المسلسل ذاتها، التسعينيات الضبابية، حيث جيل ولد مع حرب أكتوبر والانفتاح، ازدهر شبابه في زمن اندثار الشعارات الكبرى، يرفض الابن في «الكيت كات» أن يتماهى مع عجز أبيه وضيق عالمه ويحلم بالسفر، بينما يرفض ابن عبد الغفور أن يتماهى مع جبروت أبيه وسعة عالم ثرائه الموروث ويحلم بالسفر، كلاهما يحمل سمة جيل لا يمتلك معنى، الحرب انتهت، والانفتاح قضى على شعارات يمكن أن تمنح إطارًا لمعركة مع السلطة السياسية أو الأبوية.

يوسف والشيخ حسني من الكيت كات
نور الشريف ومحمد رياض من مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»

 يحمل الأبناء رفضًا تهويميًا لكل ما سبق مع عجز كامل عن إنتاج معنى بديل، لذلك يتشعب الابن في تمردات طفولية وساذجة تنتهي بالفشل والعودة لجلباب أبيه مثلما حقق الابن في «الكيت كات» مُصالحة مع عجز أبيه ورغبته في الطيران رغم عاهته، خلق السيناريو حكاية هي تنويع أكثر لطفًا وحميمية عن جيل التسعينيات الذي يحيا مواتًا محكمًا في مجتمع حذر كليًا من تحريك مياهه الراكدة، فيعود الأبناء أخيرًا لكنف الآباء بتسليم وقبول.

تحوي قصة «عبد الغفور» إغراء لإنتاجها بشروط زمننا الحالي، تقدس الدراما الحالية قصص الصعود من القاع للقمة، عبر بطل ذكوري مٌحب وحام، يحمل غالبًا اسمًا أكثر جاذبية من عبد الغفور البرعي، اسم سلطوي مثل القيصر أو الخديوي يدلل عليه البطل بلازمة كلامية سوف تصاحبه طوال العمل.

جعل السيناريو نقطة تفوق البطل ذكاءه الفطري بتحويل القمامة لكنوز، لذلك كانت تجارة الخردة مجازًا مثاليًا لصعود شخصية مثله، وعلى مدار الحكاية لم يبالغ في منح البطل سمات خارقة بلا منطق، يستعيض عبد الغفور عن ضعف علمه بتقريب المتعلمين، وعن دخول معارك لا قيمة لها بالتحالف مع أعداء الأمس مثل محفوظ سردينة الذي حاول تدميره في البداية.

يصعب أن تحمل تلك الصفات العقلية رغم اتساقها مع الشخصية جاذبية للبطل الذكوري الحالي، لا تتمظهر قوة البطل حاليًا إلا بالعنف الميلودرامي، بوجود عدو محكم ومعارك لا تنتهي، ربما سيتعرض عبد الغفور نُسخة 2023 لمحاولات القتل مرارًا، ولمعارك بدائية في ساحات الخردة ينتصر فيها على الجميع بعضلاته المنتفخة، لن يصافح أعداؤه أبدًا بل سيحاولون حتى الحلقة الأخيرة النيل منه.

محمد رمضان من مسلسل جعفر العمدة ونور الشريف من مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»

البطل وزمنه

يُصرح «نور الشريف» بأن نجاح شخصية عبد الغفور سببه تقديم الدراما المصرية لأول مرة ثريًا غير مدان أخلاقيًا، عكس أفلامه التي أدانت الانفتاح والأثرياء مثل «أهل القمة» و«سواق الأتوبيس»، وأغفلت قيمًا مثل العصامية والترقي الاجتماعي المشروع. لذلك منح مصطفى محرم بذكاء السمات اللازمة لشخصية بطل يترقى اجتماعيًا لأول مرة بشكل مشروع ومبرر دراميًا

عوض عبد الغفور جهله بالمصالحة معه وسد ثغراته بالاستعانة بخبرات كل من حوله، بينما نجد شخصية «فضة المعداوي» في دراما الراية البيضاء لعكاشة مثالًا لطبقة الأثرياء الطفيليين الذين جعلوا العالم بأكمله ميدانًا لمفاوضاتهم مع شعورهم بالنقص، أثرياء الانفتاح بنوا العمارات القبيحة وشوهوا المعالم الثقافية التي حاول «أرابيسك» بطله استعادتها فيما بعد.

 بينما تحرر «عبد الغفور البرعي» من الإستجما النفسية لأثرياء عصره بمصالحته النفسية مع ظرفه الذي حرمه من التعليم وتعويض ذلك بتشجيع أبنائه على التعليم حتى الإناث.

عائلة الحاج عبد الغفور من مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»

نجاح المسلسل منبعه تقديم شخصية مُختلفة عن شروط زمنها، ثري عصامي شديد التقدير لكل ما حُرم منه مثل التعليم والثقافة والقيمة، لذلك جاء حكمنا على عبد الغفور لصالحه، أكد نور الشريف أن نجاح العمل لا لكونه قصة صعود، لكنها قصة صعود متصالحة مع شروط زمنها ومتمردة عليها بتقديم نموذج بديل لكنه واقعي ولا يتماس مع مثالية كاذبة.

يصعب أن تقدم قصة صعود حالية في الدراما المصرية أي إسقاط اجتماعي على الظروف الاقتصادية التي شكلتها، نجح عبد الغفور البرعي 1996 لأنه قدم قصة صعود تُخالف المتوقع عن أثرياء زمنه وظرفه الاقتصادي، مثلما نجحت أفلام الثمانينيات ومسلسلاتها في تقديم قصص تُدين الظرف الاقتصادي ومن يصعد عبره أو يتحطم تحت وطأته.

 يصعب أن تتورط الدراما المصرية حاليًا في تقديم قصة تشتبك فيها مع المجال العام اقتصاديًا أو اجتماعيًا، لذلك سوف ينحسر السرد الدرامي وينكفئ كليًا على عالم الشخصية، صعودها رهين ذكائها، وازدهارها رهين عبقريتها، وبقاؤها رهين وحشيتها الذكورية الجذابة في إسقاط المُنافسين، سوف يبدو عبد الغفور 2023 مثل إله إغريقي هبط عرضًا من عليائه ولم يخلقه السياق، بقدرات خارقة غير مُبررة سيحقق صعوده وبقاءه، لأن أي اشتباك مع الشروط التي صنعته هو اشتباك مع المجتمع والعصر بأكمله، ورغم أنه اشتباك ضروري دراميًا ولو بحد أدنى لأن الشخوص لا تولد من عدم، فإنه اشتباك مستبعد في الدراما الحالية

البطل وعائلته

في استعادة الجمهور الحالي للمسلسل، نجد أكثر الشخصيات حضورًا هي الأم «فاطمة كشري» التي أدتها الفنانة «عبلة كامل» بتلقائية عبقرية، بينما أكثر المشاهد استعادة هي مشاهد عائلية حميمية وكوميدية مثل فرح سنية الذي حضر فيه التناقض بين شخوص عائلة عبد الغفور ذات الأصل الشعبي وأسرة العريس الذين يمثلون طبقة متوسطة عليا، تخلو من الثراء لكنها تتشبث بيأس بالوجاهة الاجتماعية.

https://www.youtube.com/watch?v=yULBa8mGX1s

لم ينجح المسلسل لتقديمه قصة صعود ذكية وحسب إنما قصة غير مؤممة بالكامل لصالح بطلها، بينما همشت رواية عبد القدوس العائلة والأبطال لصالح البطل الأثير لديه وهي الأنثى التي نتتبع عبر تمردها كينونة العائلة التي صنعتها، نجح «مصطفى محرم» في الإفلات من الفخ ذاته، فرغم تحويله عبد الغفور لشخصية رئيسية فإنه لم يجعل شخوص العمل كافة تعيش في جلبابه، بل منحها مُتنفسًا لتظهر وتمنح العمل ثراءً دراميًا مُضاعفًا حول العمل لدراما عائلية مثلما هي قصة صعود شخصي.

فاطمة والحاج عبد الغفور من مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»

نستعيد بلا ملل مشاهد العائلة في عالم عبد الغفور البرعي لإنها حتى الآن تُشبه العائلة في منزلنا، مثلما منح السيناريو عبد الغفور مهارات الذكاء الفطري للصعود في عالم الأعمال، سلبه مهارات الأبوة اللازمة لتربية إبن سوي، حاول عبد الغفور صنع إبنه على شاكلته بمزيج من القسوة والتوجيه، لكي يمتلك مثله قوة الإرادة لمواجهة شروط قدره وتغييرها. 

لا يمكننا أن نحكم على تربية الأب أنها مثالية لكنها صادقة وفقًا لشرط شخصيته، يصعب أن تحمل شخصية عبد الغفور التي أثقلتها القسوة والعوز، رقة أبوية في توجيه ابنه. فالعلاقة الأبوية في عالمه كانت توجيه صارم من معلمه السابق بالوكالة ليشتد عوده.

الحاج سردينة وعبد الغفور

 بينما حملت الأم فاطمة سمات الحنان الجارف لتعوض صرامة الأب وغيابه الدائم في عمله. تحمل بيوتنا حتى الآن هذا التوازن الخفي بين صرامة وغياب الأب التي يوازنها حنان وحماية الأم وكذلك يحمل جيلنا الإدراك الحزين أن ذاك التوازن لا يكفي، فالأب لم يجد الاستماع لابنه طوال طفولته ثم تجمد أمام شاب منغلق على ذاته يرفض وصال أبيه ولم يربط أبدًا بين تربيته ونتاجه، بينما الأم تظهر في كل مشاهدها وهي تُعد الطعام باعتباره حلًا مثاليًا لكل مشاكل أبنائها

فاطمة وبناتها

في مسلسل عبد الغفور البرعي 2023، يصعب أن تظهر عائلة بهذه البساطة الدرامية التي تُشبهنا، في السنوات الأخيرة لم تعد الدراما المصرية تهتم بتقديم عائلة تُشبه عالم المتلقين، إما عائلة مُثقلة بالمؤامرات ورغبة الجميع في التخلص من الجميع إما بشكل كوميدي مثل «راجعين يا هوى» أو دموي مثل «الأصلي» وإما عائلة مُصممة بعناية كواجهة إعلانية لترابط أسري مثالي، أسرة متوسطة تحيا في شقة واسعة نظيفة، لا تشبه في لمعانها بيوتنا الصاخبة والعشوائية، أسرة لا يقدم فيها الآباء تربية من واقع وشروط عالمهم مثل عبد الغفور وفاطمة كشري، في مسلسل عبد الغفور 2023، سوف يمتلك عبد الغفور حكمة لا متناهية تجعله قادرًا على حل الخلافات وتقديم نصائح تربوية حكيمة في كل مشهد، مثل الأب في مسلسل «أبو العروسة»، بينما سينزوي دور الأم لمساحات محدودة يغلفها حجاب الصلاة وهي تدعو بالسلامة والهداية لأبنائها.

عائلة الحاج عبد الففور

ما يمنح الخلود المُستعاد لمشاهد شديدة البساطة مثل مشاهد «لن أعيش في جلباب أبي» العائلية هو صدق شخوصها في تمثيل الأسرة المصرية من التسعينيات حتى اليوم، ورغم أن أسرة عبد الغفور هي أسرة ثرية بمعايير أسرنا الحالية فإنها في العمل الدرامي تصطبغ بصبغة الاعتدال التي ميزت الأب الذي يُعادي التقشف لكنه كذلك يعادي الإنفاق في غير موضعه، لذلك حمل الديكور الصالون المذهب ذاته وارتدت الشخصيات الجلباب المنزلي ذاته الذي يميز منازلنا في تلك الحقبة وحتى اليوم

كيف تنتهي الحكاية؟

تنتهي رواية إحسان بزواج الابنة من حبيبها بينما يفشل زواج أخيها من روزالين الأجنبية، بعدما أدرك أن محاولات انسلاخه عن عالم أبيه في تطرفها قربته بعنف منه، خصوصًا بعدما أعجبت روزالين بإمبراطورية أبيه الذي يٌجسد بطلًا مثاليًا للحلم الأمريكي والثقافة التي جاءت منها والتي تقدس الصعود العصامي من الصفر للقمة.

ينتهي المسلسل بمصالحة الابن لأبيه والعودة بعد التمرد الضال ليحيا في جلبابه بإرادته ثم الانطلاق مستقلًا عن أبيه في التجارة نفسها.

عبد الفغور يحتضن ابنه من مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»

معادلة كان «مصطفى محرم» أذكى فيها من تقديم نهاية تعيسة تُفسد إيقاع المسلسل الذي بناه بعناية، لأن عبد الغفور لم يُقدم منذ البداية كسلطة بطريركية أبوية متسلطة يصير معها التمرد والخروج عنها نهاية سعيدة، بل سلطة أبوية مؤنسنة حامية ومُحبة، لا ينتزع منها الأبناء حريتهم بل تمنح الحرية عن طيب خاطر، معضلة المسلسل هي دوار الحرية الواسع الذي تاه في طرقه الابن وصولًا لخلق تعريف لنفسه، لم تكن المعضلة أبدًا تسلط أبيه في منع تلك الرحلة، بل كون الرحلة التي باركها الأب أصعب في أسئلتها وتحدياتها من قدرات الابن. لذلك جاءت النهاية مناسبة للسؤال الذي اختاره مصطفى محرم.

في مسلسل عبد الغفور 2023 لن يؤسس لعبد الغفور من البداية كبطل ابن بيئته، مهاراته وذكاؤه أصل صعوده، بل كبطل ذكوري حام، قوته ومهاراته مفرطة تجاوز شرط بيئته وأصله، بطل هبط من عدم على عوالم تُعاديه، في إغفال تام للشرط الاقتصادي والسياسي وأجواء العصر الذي صنعه، سوف يصنع عبد الغفور البرعي عائلة دموية تقاتل بعضها في شقق فاخرة غالية الثمن أو أسرة مثالية في كادر واحد سعيد وأخيرًا لن تؤطر كل الكادرات السابقة إلا بانتصار تام للبطل، وجلباب يسع الجميع.

نجح مصطفى محرم في استعارة شخصية سلطتها الأبوية هي علامتها من سياق أدبي وأنسنتها بما يكفي، لتحويلها لشخصية وجدانها أكبر من سلطتها، وحيلتها بحجم عالمها، بينما في عبد الغفور 2023، كل شخصية ذكورية هي شخصية أبوية بطبعها، مُنقذة بطبعها، مؤدبة بصرامة لسرد درامي فوضوي جاءت هي لتكون رمانة الميزان فيه، لن تبالي الشخصية بما يؤنسنها أو يروض سلطتها الأبوية، بل بما يُكمل قوس انتصارها، لذلك سوف ينتهي عبد الغفور 2023 بنهاية سعيدة، قد تحمل نجاة وتحققًا للشخوص جوار البطل أو لا، لا يهم ما دام البطل باقيًا ومتحققًا وخالدًا.

حاول المقال بيان أسباب نجاح عمل درامي استثنائي حقق خلوده خارج شروط زمنه التي أنتجته، وحاول كذلك بخيال نقدي يستعير صوره من الدراما الحالية، رسم صورة مُتخيلة للعمل ذاته بشروط زمننا، ولكن يصعب أن يمتد الخيال للحُكم على العمل المتخيل بالخلود أو الزوال مثل نظيره المتحقق، فهذا حكم الجمهور ذاته.