ماذا لو: أمطرت عاصفة كل المطر الذي تحمله في قطرة واحدة عملاقة؟
ماذا لو اجتمع كل البشر في مكانٍ واحدٍ على الأرض؟ ماذا لو تجمّدت كل الأنهار فجأة؟ ماذا لو اختلّت فجأة كل قواعد الفيزياء التي تحكم الكون؟ | «ماذا لو #WhatIf» | سلسلة من المقالات التي يجيب فيها «راندل مونرو»، فيزيائي أمريكي على بعض الأسئلة الفيزيائية الغريبة، ويشرح الاحتمالات الخيالية المصاحبة لبعض الفرضيّات العلمية المستحيلة، والتي يرسلها له القراء.
في منتصف فصل الشتاء، ومع برودة الجو الشديدة، تجلس في غرفتك المغلقة جيدا، وتحدق ساهما في اللا شيء عبر النافذة.
ثم، وعلى مرمى البصر، تظهر في الأفق غيوم غير مطمئنة الشكل. تبدأ الغيوم في الاقتراب. تبدأ نسمات الهواء في التحول إلى رياح عاصفة، وتبدأ السماء في الاكفهرار.
يحتوي الهواء على بخار مياه. ولو قمت برفع عمود من الهواء من الأرض حتى أعلى الغلاف الجوي، وقمت بتبريده، لتكثف البخار بداخله لماء وتحول إلى مطر. لو قمت بجمع المطر في قاع هذا العمود، سيرتفع الماء لعدة سنتيمترات فقط، وهذا الارتفاع يطلق عليه ماء الهطول «Precipitable water»، وهو عمق الماء في أحد أعمدة الغلاف الجوي في حالة جمع وتكثيف كل بخار الماء الموجود فيه.
وفي الأجواء الطبيعية، يبلغ ارتفاع ماء الهطول حوالي 1-2 سم. وتقوم أقمار صناعية بيئية متخصصة في حساب ارتفاع ماء الهطول لكل منطقة على كوكب الأرض وعرضها في خرائط ملونة.
سنفترض أن عاصفتنا المطيرة تبلغ أبعادها 100 كيلو متر مربع، وارتفاع ماء الهطول خاصتها يبلغ 6 سم وهو رقم مرتفع. يمكننا بذلك حساب كمية المياه/المطر الذي تحويه تلك العاصفة بمعادلة بسيطة. 100كم*100كم*6سم= 0.6 كم3.
هذا الكم من المياه سيزن 600 مليون طن (وهو وزن كل الكائنات الحية مجتمعة تقريبا). وفي الطبيعي سيهطل جزء ضئيل من هذا الكم العملاق من الماء كأمطار.
في عاصفتنا المميزة، سيجتمع كل الماء ويتكثف في قطرة واحدة عملاقة، كرة كبيرة من الماء يبلغ قطرها كيلومترا. وسنفترض أنها ستتكون على ارتفاع كيلومترين من سطح الأرض، حيث أن هذا هو الارتفاع الذي يتكثف به أغلب المطر.
ستبدأ كرة الماء العملاقة بالسقوط!
لخمس أو ست ثوان، لن يكون هناك شيء مرئي. ثم سيبدأ السطح السفلي للغيمة في الانتفاخ للحظات، وسيبدو كامتداد للسحابة، قبل أن تظهر فجأة من قلبه قعر كرة الماء العملاقة.
تسقط الكرة الآن بسرعة 90 متر للثانية. وستحول الرياح الشديدة سطح الكرة لرذاذ، كما أن سطح الكرة السفلي المخترق للرياح سيتحول لما يشبه الرغوة بسبب تخلله بالهواء المدفوع بداخل الماء. ولو استمر الهبوط لفترة طويلة من ارتفاع أعلى لتحولت الكرة العملاقة لمطر عادي.
لكن قبل أن يحدث ذلك، وبعد حوالي 20 ثانية من بداية رحلة الهبوط، سترتطم الكرة بالأرض، وبسرعة 200 متر في الثانية. وفي النقطة التي ستمس فيها المياه الأرض، لن يستطيع الهواء أن يهرب بسرعة وسيزداد ضغطه وترتفع حرارته بسرعة حتى تصل لدرجة احتراق العشب على الأرض، والذي ربما كان سيحترق لو أتيح له الوقت. لكن لحسن الحظ، فالحرارة لن تدوم سوى لثوانٍ معدودات قبل أن يغمر الماء البارد كل شيء مدمرا العشب بسرعته التي تبلغ نصف سرعة الصوت تقريبًا.
لو صادف أنك وُجدت بشكل ما في منتصف كره المياه أثناء الهبوط، لم تكن لتشعر بشيء سيء حتى الآن سوى الظلام الدامس، ولو كان معك الأوكسجين الكافي لاستطعت العوم حتى السطح. لكن مع اقتراب الكرة للأرض أكثر، سيزداد الضغط كثيرا بسبب مقاومة الهواء مما سيتسبب في ثقب طبلتي أذنيك. لكن وبعد ثوان عندما يرتطم الماء بالأرض، ستتحطم وتموت بسبب الصدمة والضغط الشديد المتولد عنها.
عند اصطدام المياه بالأرض، ستتحمل الأرضية الصدمة، مما سيدفع الماء في موجة شديدة القوة تتحرك في جميع الاتجاهات مدمرة كل ما في طريقها. ستتحرك موجة الماء كيلومترا تلو الآخر محطمة الأشجار والمنازل والنباتات وجارفة للتربة. وستدمر منزلك وتقتلك في لحظات. كتسونامي عملاق، سيُدمّر تماما كل شيء في نطاق بضعة كيلومترات، تاركا بركة من الطين والخشب المهشم.
ستستمر الموجة لمسافة 20 وحتى 30 كيلومترا محطمة ما يقابلها أيضا. وفي هذا النطاق لن يحمي أي منزل سوى كونه مبنيا على أرض مرتفعه أو جبل، حيث ستتخذ المياه المسارات المنخفضة في الوديان والطرق. ستفيض موجة المياه في الأماكن البعيدة جدا عن مكان العاصفة خلال ساعات قليلة.
سينتشر خبر قطرة المطر المدمرة في أنحاء الكوكب وبدون تفسير علمي مقنع، سيصبح أحد الألغاز العلمية الجديدة. ولفترة طويلة ستسبب كل سحابة ذعرا بين الناس خوفا من تكرار الأمر. سيخاف الناس من الأمطار لسنوات وسنوات قبل أن يتيقنوا أن ما حدث كان عابرا لن يتكرر.
سيحاول علماء الطقس، سيحاولون ولسنوات حل اللغز لكن دون جدوى، فلا تفسير علمي لما حدث، ولا يمكن حدوثه أصلا. سيفقدون الأمل بعد فترة. وربما سيطلق عليها أحد العلماء اسم عاصفة سكرليكس على اسم المطرب الشهير، بسبب أغنيته:
«يا له من جحيم بسبب قطرة – It had one hell of a drop»!