ماذا لو كانت منظومة سبايدر «الإسرائيلية» تحمي سد النهضة؟
حصول رئيس الوزاء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام في أول أكتوبر/ تشرين الأول 2019 لا يعني أنّه قد حلَّ جميع مشاكله. هناك مشكلة أخطر تواجهها بلاده، وقد لا ينفع معها الحل السلمي. المعركة الأخطر التي تخوضها إثيوبيا حاليًا هى معركة سد النهضة. معركة وجود بالنسبة لجارتين إفريقيتين، مصر وإثيوبيا. إذا حدثت الحرب فسيكون الهجوم مصريًا والدفاع إثيوبيًا. فهل الجيش الإثيوبي جاهز لحربٍ كهذه؟
طوال عام 2019 ظل الجيش الإثيوبي محتفظًا بالمرتبة 49 وسط 137 جيشًا مختلفًا. من بين عدد السكان الإجمالي البالغ 108 ملايين نسمة؛ 41 مليون رجل، منهم 26 مليونًا قادرين على أداء الخدمة العسكرية إذا لزم الأمر. أما حاليًا فيخدم منهم 140 ألفًا فقط في الجيش الإثيوبي، ولا يوجد لدى إثيوبيا أي جندي تحت اسم جنود الاحتياط. يستخدم الجنود 800 دبابة، و800 عربة مدرعة. أيضًا يمتلك الجيش الإثيوبي 183 قاذفة صواريخ، و700 قذيفة موجهة.
في الحروب الحديثة تتراجع أهمية القوات البرية لصالح قوة الجو الضاربة. في حالة إثيوبيا فإن قواتها الجوية تأتي في المرتبة 75 من بين جيوش العالم. وقواتها الجوية تتألف من 82 آلية فقط. تنقسم إلى 26 مقاتلة، و16 طائرة هجومية. إضافةً إلى 9 طائرات للنقل، و14 طائرة للتدريب. كذلك تمتلك إثيوبيا 33 طائرة هليكوبتر، من بينهم 8 فقط هليكوبتر هجومية تصلح للمعارك.
العجز الحقيقي في الجيش الإثيوبي يظهر في القوات البحرية. بعد انفصال إريتريا صارت إثيوبيا دولةً حبيسةً، عبارة عن مليون و104 كيلومترات من الأراضي البرية لا تُطل على أي منفذ مائي. لذا فمن الطبيعي أن تمتلك إثيوبيا صفر آليات بحرية. صفر مُدمرات، فرقاطات، غواصات، ناقلات بترول.
من يحمي النهضة؟
إذا استبعدنا الحاجة لحرب مباشرة، ورجحنا كفة الضربة الجوية الخاطفة من الجانب المصري، وهذا احتمال نظري غير مبني على تصريحات رسمية أو توجه مُعلن من الجهات الرسمية، فكيف استعدت إثيوبيا لهذه الضربة؟
الاستعداد لأي ضربة جوية تستهدف منشأة حيويةً يكون بوضع منظومات دفاع حولها. منظومات الدفاع ترابط حول سد النهضة تنتظر أي مقاتلة معادية أو قذيفة قادمة لتقوم بتدمير القذيفة المُطلقة والتعامل مع المُقاتلة مصدر التهديد. المنظومتان اللتان دار حولهما الحديث للدفاع عن سد النهضة هما «سبايدر- إم آر» الإسرائيلية و «بانتسير-إس 1الروسية».
تناثرت الأقوال في الصحف الإسرائيلية أن الاختيار الإثيوبي هو نظام «سبايدر- إم آر». صُنع في إسرائيل عام 2008. لكن دون أي تأكيد من أي جهة رسمية إسرائيلية أو إثيوبية. النفي أتى من الجهات المصرية، وجاء ردًا على ادعاءات الصحف بأن مصر غضبت من نشر صواريخ سبايدر حول السد، فنفت مصر غضبها وشككت في مصداقية المواقع الإسرائيلية. لكن لم تُقدّم دليلًا موثقًا على وجود أو عدم وجود منظومة الدفاع الإسرائيلية حول السد.
ظهرت بانتسير في مقطع فيديو عرضه التلفزيون الإثيوبي في أراضٍ لم يقل التلفزيون الرسمي أو أي جهة روسية أو إثيوبية إنها أراضٍ إثيوبية. الفيديو يظهر منظومة بانتسير تطلق صاروخًا دون تحديد هدفه، فيما بدا كأنه فيديو دعائي للمنظومة. قد يُعتبر الفيديو قرينةً على الاهتمام الإثيوبي بالمنظومة الروسية، لكن لا يوجد أي مصدر يقول ما إذا كانت إثيوبيا قد اشترت المنظومة أم لا، وهل هى المنظومة المرابطة حول السد أم لا؟
النفي شبه الرسمي الوحيد أتى على لسان مصدر إسرائيلي لم تذكر جريدة «ميدل إيست مونتيور» اسمه. وجاءت تصريحاته حمّالة للأوجه، فالمصدر نفى أن تضر إسرائيل بمصالحها مع حليفٍ مهم مثل مصر عبر بيع أسلحة إسرائيلية لإثيوبيا. لكن لم ينفِ صراحةً وجود، أو احتمالية مستقبلية، لوجود منظومة سبايدر حول سد النهضة الإثيوبي.
«إسرائيل»
إذا اعتبرنا أن كل الأحاديث المنتشرة عن كُنه المنظومة المرابطة حول السد هى إشاعات أو أقوال تفتقر لدليل قوي، فإن صوت الأحاديث عن أنها منظومة سبايدر أعلى، خاصةً أن مصدرها موقع ديبكا المُقرّب من الموساد. في عالم السلاح تُعتبر الدعاية أمرًا شديد الحساسية. لذا يمكننا أيضًا اعتبار الصمت الروسي عن التفاخر ببيع منظومته لدولة إفريقية قريبة من إسرائيل قرينةً على أن إثيوبيا لم تطلب المنظومة الروسية بعد. خاصةً أن روسيا تتقن هذا النوع من الحرب الدعائية، وتعرف كيف تخوضها.
فماذا لو كانت «سبايدر- إم آر» حقًا؟ النظام الوحيد المعروف بإمكانية إطلاق نوعين مختلفين من الصواريخ في آن. صواريخ بايثون بمدى يبلغ خمسة كيلومترات، وصواريخ ديربي بمدى يصل إلى 50 كيلومترًا. الصاروخان في الأصل جو – جو، لكن تم تعديلهما ليصبحا أرض – جو. صاروخ بايثون تايفون ذاته يمتلك توجيهًا خاصًا بالأشعة تحت الحمراء، وأرشيف صور مُخزن في ذاكرته لعدد ضخم من الأهداف التي يجب عليه إصابتها. فكلا الصاروخين يجد أهدافه بنفسه ويظل متتبعًا لها حتى يصيبها.
اقرأ أيضًا: هل لا تستطيع مصر حقًّا ضرب سد النهضة؟
النظام نتاج تعاون ثلاث شركات من عمالقة الصناعات العسكرية الإسرائيلية. شركة رفائيل المسئولة عن صناعة الصواريخ، أما السيارات التي تحمل المنظومة فصناعة قسم الصناعات العسكرية في الحكومة الإسرائيلية، والرادار من صناعة «إلتا» لأنظمة الرادار.
تُعد منظومة سبايدر اختيارًا مثاليًا للعديد من الدول، حتى إن الهند جعلتها منظومة دفاعها الرسمية. السر في ذلك أنّه يمكن وضعها على سيارات بهياكل وأشكال مختلفة حسب طلب البلد وطبيعة أراضيه. ففي جورجيا يعتمدون على سيارات من نوع «رومنز» سداسية الدفع وفي الهند يعتمدون على سيارات من نوع «تاتا» سداسية الدفع أيضًا، وسنغافورة الثالثة تعمد على هيكل سيارة «مان» سداسية الدفع. ويمكن للنظام أن يُثبت على أي نوع من السيارات حتى سيارات «مرسيدس بنز».
أول مشترٍ للنظام كانت جورجيا، تلتها الهند بالحصول على 18 منظومة منه. وتناقلت المواقع الإسرائيلية تقارير عن أن الإعجاب الإثيوبي بالمنظومة الصاروخية جاء بعد مشاهدته في المناوشات الهندية الباكستانية. ثم حصلت بيرو على 6 منظومات، وسنغافورة على 12 منظومة. المنظومة المزودجة يمكنها الدوران بزاوية تصل إلى 360 درجة، ما يعني تغطية دائرية لمحيطها بالكامل. كما يمكنها إطلاق 4 صواريخ مرةً واحدة، وتراقب عبر ردارها المتطور أكثر من 60 هدفًا في وقت واحد.
5 دقائق فقط
استطاع سبايدر الرابط في جورجيا أن يفتك بطائرة استطلاع روسية من طراز «. »Tu-22MR وطائرة هجومية من طراز سوخوي- 25. الصيد الثمين جاء بأيادي جنود غير متمرسين، وهو جوهر منظومة سبايدر. إذ تعتمد على أن يكون أداؤها غير مرتبط بخبرة الجندي المسئول عن تشغليها. سواء عبر الدقة الإلكترونية أو سهولة الاستخدام. كما أن كلًا من نوعي الصواريخ المستخدمين لا يُخلّفان دخانًا وراءهما. ما يجعل من الصعب رصد الصاروخ بصريًا أو حتى معرفة نقطة انطلاقه.
يوجد نوعان من سبايدر الأول «سبايدر- إس آر» وهو نوع قصير المدى وصواريخه قليلة الارتفاع لـ 9 كيلومترات فحسب. أما الثاني «سبايدر- إم آر» متوسط المدى ويُطلق صواريخه للأعلى حتى 16 كيلومترًا، لذا فهو المُستخدم حول سد النهضة. يتميز النوعان برشاقتهما العالية ومرونتهما، فبجانب الدوران لـ 360 درجة تحملهما مركبات شديدة السرعة ويمكنها الانتشار فوريًا من نقطةٍ إلى أخرى.
يمكن أن تعمل المنظومة منفردةً أو كجزء من تشكيل دفاعي مكون من آليات أخرى. إذا عملت وحدها فستكون عبارة عن مركبة قيادة وتحكم تحتوي على الرادار. مركبتان لإعادة التزود بالصواريخ. مركبة للخدمات اللوجيستية وأعمال الصيانة. 6 مركبات عليها منصات إطلاق الصواريخ، كل مركبة تحمل 4 صواريخ. إضافةً للرادار المختص برصد الأهداف، فإن المركبات مزودة برادار خاص بها ووحدة اتصال داخلية تسمح لهم جميعًا بالتواصل من مسافة 10 كيلومترات. ما يعني إمكانية نشر كل مركبة على حدة لتقليل احتمالية إصابتهم أو تدميرهم، بجانب زيادة فاعليتهم.
التحدي أن هذا العدد الكبير من المركبات والتكنولوجيا المتشابكة تحتاج إلى 5 دقائق لتنتظم وتبدأ العمل. وبعد تشغليها تحتاج 5 ثوانٍ فقط لإطلاق أول صاروخ على أي هدف في نطاق 40 كيلومترًا. مهما كانت الأحوال الجوية، نهارًا أو ليلًا.
تمتلك المنظومة ثلاثة أوضاع للتشغيل. الأول يدوي، حيث يحدد الجندي مصدر التهديد ثم يُوجه الصواريخ تجاهه ويُطلقها يدويًا. الثاني شبه التلقائي، حيث يكتشف الرادار التهديد ويُحدده ويتبعه في حركته وتصبح المنظومة مستعدة للإطلاق لكن تنتظر الأمر اليدوي من الجندي المسئول. أما الثالث، فتلقائي بالكامل حيث تقوم المنظومة بتحديد الهدف ثم التعامل معه مباشرةً دون انتظار تأكيد يدوي من الجندي المسئول.
خط بارليف الثاني
المواصفات والإمكانيات سالفة الذكر تجعل من نظام سبايدر بنوعيه حصنًا منيعًا. لكن دائمًا ما يوجد هامش للخطأ، يزداد الهامش إذا كانت المنظومة في وضع التشغيل اليدوي. إذ تعتمد حينها على سرعة رد الفعل البشري، وانتظار الأوامر من القيادات الأعلى، واحتمالية الخطأ في التصويب. تقل هذه التعقيدات في الوضع التلقائي لكن الخطأ لا يختفي في جميع الأحوال.
في المناوشات الباكستانية الهندية الأخيرة في فبراير/ شباط 2019 حول إقليم جامو وكشمير. استطاعت الطائرات الباكستانية أن تخدع منظومة سبايدر تمامًا. واستطاعت 12 مقاتلة باكستانية من طراز إف -16 و4 مقاتلات من طراز ميراج أن تنفذ عملية في العمق الهندي دون خسائر. ولم تستطع المنظومة الإسرائيلية التصدي لا للمقاتلات ولا لأي صاروخٍ أو قنبلة تم إطلاقها من هذه المقاتلات.
فارق الثواني صنع النصر لباكستان، وحين أفاقت المنظومة أطلقت صواريخها بالكامل. لكن دون فائدة، فلم تُصب أي مقاتلة باكستانية، بل على العكس أًصابت بالخطأ مقاتلة مي-17 هندية. ما أدى لمقتل 6 أفراد كانوا على متنها، ومدني كان على الأرض.
اقرأ أيضًا: سيناريوهات التدخل العسكري لحل أزمة سد النهضة
لذا فالمنظومة تبدو أقرب لخط بارليف الحصين الذي أقامته إسرائيل على قناة السويس لمنع عبور القوات المصرية. فكما كان خط بارليف حصينًا لكن الدعاية الإسرائيلية جعلت منه أسطورةً لا تُقهر. كذلك ربما تكون هى السر وراء سعي عدد من الدول، وخاصةً إثيوبيا، لاقتناء هذه المنظومة تحديدًا. فالمنظومة قوية بالفعل، لكن زادت الدعاية والأساطير التي يبثها الإعلام الإسرائيلي حول المنظومة في المعارض الدولية المختلفة من ثقة الدول فيها ورفعت سقف توقعاتهم منها.
لكن التاريخ يقول إن خط بارليف الحصين خدعه المصريون بآلية بسيطة، خراطيم مياه، لم يتوقعها الإسرائيليون. ويمكن أن تلقى منظومة سبايدر نفس المصير. استخدام آليات تشويش يمكن أن يُعمي رادارات سبايدر عن مقاتلات وصواريخ مهاجمة. كما أنّه باستخدام منظومة «سبيكترا» للرصد يمكن رصد أماكن رادارات سبايدر من نقطة لا تقع في مدى إطلاقها، فيصبح تدمير الرادار ممكنًا. وبالكثافة العددية في الطائرات المهاجمة يمكن التغلب على المنظومة. كأن تجذب طائرات الرافال أنظار وصواريخ المنظومة في عمليةٍ فدائية. بينما تقوم مقاتلات إف-16 بضرب الهدف المنشود، هذا بالطبع إذا ما ارتأت القيادة المصرية ضرورة للحل العسكري للأزمة، والذي لا يبدو ضمن خياراتها في الوقت الحالي.