ماذا لو: ضربت إسرائيل منشآت إيران النووية؟
للمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا تلامس مقاتلة إسرائيلية الأرض بغير رغبتها. لم تختبر المقاتلات الإسرائيلية سابقًا معنى الهبوط الاضطراري، فمن يقدر على اضطرار الـ «إف-16»، فضلًا عن كونها تحمل النجمة الزرقاء. لكنّ الصواريخ السورية الموقع، الإيرانية الصنع، كما تصر إسرائيل، تسابقت لنسف سلسلة الـ «لا هبوط»، وتدشين سلسلة «السقوط».حذّرت إسرائيل مرارًا من تدعيم إيران لوجودها عسكريًا في سوريا. أعلنت أنّها لن تسمح لها بالاستقرار هناك وبسط نفوذها. ومع إسقاط الـ «إف-16»، يتخذ الحديث شكلًا آخر. صورة إسرائيل كقوة لا تُقهر، وصاحبة أسلحة لا تُخطئ، ومالكة مقاتلات لا تسقط، صارت محلّ التساؤل والتشكيك.
ستتحول إسرائيل إلى دولة عادية تمتلك نقاط قوى، ومُصابة بنقاط ضعف. وهو ما لن تسمح إسرائيل بحدوثه، سواء بتطوير أسلحتها أكثر، أو شن حرب إبادة على عدوها. والثاني أسرع وأنجع من الأول.
الكلمة للسماء
إسرائيل لا تبالي بالمُجتمع الدولي، بينما تفعل إيران. إذن اللكمة الأولى أقرب لأن تكون إسرائيليّة. ثم تتريث إيران فترةً تعرض فيها أثر اللكمة على المُجتمع الدولي جلبًا للتعاطف، وترسيخًا لكونها «المظلومة» هنا. ثم انتقام إيراني بضربات خفية تنفذها قوات «حزب الله» أو ميليشياتها في سوريا، كذلك يمكنها أن تُغري «حماس» بالنزول إلى ساحة المعركة.بما أنّه لا حدود مشتركة بين الدولتين، إذن فالحرب حربُ صواريخ ومقاتلات جويّة لا حرب قوات بريّة. وحرب الصواريخ أمدها مرهونٌ بسلاح الجو وعدد صواريخ الطرفين. إيران تمتلك 477 قطعةً في سلاح الجو، منها 137 مقاتلة. أما إسرائيل فأسطولها مكون من 652 قطعة، منها 243 مقاتلة. أما عن عدد الصواريخ، فإيران تمتلك 1400 منصة إطلاق صواريخ، بينما تمتلك إسرائيل 48 منصةً فقط. الآن، إسرائيل تقرع طبول الحرب بضرب المنشآت النووية. قذيفة واحدة في منشأة نووية تقدر على إخراجها من العمل مدة خمس سنوات. الجيّد لإيران أنّ منشآتها لن تخرج نهائيًا من الخدمة، والجيد لإسرائيل أن إيران لن تصبح قادرةً على التلويح بالورقة النووية أثناء حرب اليوم، بينما ستبقى إسرائيل قادرةً على ذلك.إذا عدّت إيرانُ إسقاط الـ«إف-16» نصرًا، فهي لم تستعد للشبح «إف-35». طائرةٌ تمتلك القدرة على تخطي دفاعات الجو الإيرانية أيًا كانت. تتعمق دون مخافة الإسقاط، إلى حد ضرب المنشآت النووية الإيرانية. كذلك لم تحسب إيران حساب المقاتلة «إف-15 آي»، النسخة الإسرائيليّة الخالصة من «إف-15 إي»، مقاتلة تشهد أراضي السودان على كفاءتها، وقدرتها على التعمق.
اقرأ أيضًا:«الطائرة الشبحية F-35» آخر ما وصل إليه الطيران الحربي تستخدمها إسرائيل ضد الشاحنات التي تشتبه أنها تحمل أسلحة لحزب الله أو حماس. المسافة بين تل أبيب والخرطوم 1200 كيلومتر، بينما بين تل أبيب وطهرن 1000 كيلومتر فقط. صحيح أنّه لا يمكن مقارنة سماء السودان الفقيرة بسماء إيران المُلغمة بالدفاعات، كمنظومة «إس-300» الروسية، أو منظومة «باور 373» الإيرانية، لكنّ لا شك أن مقاتلةً واحدة على الأقل ستقدر على اختراق سماء إيران.خاصةً أن إيران لم تختبر من قبل أنظمة الدفاع الجوي المُتمثلة في «صياد-3». صاروخ تزعم إيران أن بإمكانه التعامل مع الطائرات بدون طيار، ومع الطائرات غير المرصودة بالرادار، ويمكنه اعتراض صواريخ كروز، إضافة إلى الطائرات النفاثة.
ما بعد الصدمة
إيران تحاول الإفاقة من أثر ضرب مشروعها المقدس. في تلك الأثناء تعمل على أن تبقى جذوة مناوشات «حزب الله» وميلشيات سوريا مشتعلة. إذا ردّت إسرائيل، فسوريا ولبنان لن تصمتا على استباحة أرضهما، وتكون إسرائيل قد حصدت عداء المزيد من الدول، وفقدت مزيدًا من الدعم الدولي. وإن صمتت فاللكمات المتتابعة سوف تُنهكها حتى ترميها إيران بصواريخها الحقيقية.يخرج «حسن نصر الله» ليعلن أن تحرير الجولان قد حان. جبهة جديدة فُتحت على إسرائيل. ما يعني أن تحشد إسرائيل مزيدًا من القوات الاحتياطية في الجولان تجنبًا لضربة إيرانية خاطفة. لا مشكلة أمام إيران في فتح جبهة الجولان. حزب الله يكفيها أولًا، وعدد قواتها البالغ مليونًا يكفيها ثانيًا. يتكون الجيش الإيراني من 534 ألف جندي نشط، و400 ألف جندي احتياط. تعدد جبهات القتال سيكون مشكلةً لإسرائيل، جيشها يتكون من 168 ألف جنديّ نشط، و550 ألف جندي احتياط.حماس تُنادي بتحرير القدس، وبإطلاق يد مُنفذي الطعن والدهس. وبالإمداد الإيراني عبر سوريا يرتفع سقف الطموح من الطعن والدهس إلى استهداف التجمعات السكنية الإسرائيلية بصواريخ متقدمة. طعنةٌ في القلب، تبث الرعب في الداخل الإسرائيلي، كان الهدف الإيراني منها هو دفع إسرائيل إلى ضرورة التوصل لاتفاق ينص على وقف النار أو هدنة مؤقتة. لكن ما حدث أن تلك الطعنة جعلت إسرائيل ترقص رقصةَ موتٍ. أعلنت إسرائيلُ أنها ستخوض حربًا لا تبقي ولا تذر.الطعنة تجعل إسرائيل تتيقن أن المهمة ليست نهاية الحرب فحسب، بل أن تنتهي بأسرع ما يمكن. لذا شنت القوات الإسرائيلية هجومًا موجهًا نحو آبار البترول الإيرانية، وتعترض سبل تصديره للخارج. أثارت فتنةً داخلية في إيران لتشتيت القيادة الإيرانية، فإما أن تستجيب للشعب، فتنشغل. أو أن تُسكته بالقوة، فيلاحقها المجتمع الدولي، فتنشغل.
إيران تصاب بالجنون
الولايات المُتحدة تتبنى إسرائيل، ولو كان الأمر بيد «ترامب» لحرّك جيشه نحو إيران. لكنّ عقلاء في وزراة الدفاع والكونجرس استجابوا للمظاهرات الأمريكية التي تجوب الشوارع مطالبةً بعدم توريط أبنائهم في حرب ليسوا طرفًا فيها. اضطر «ترامب» للموافقة على عدم التدخل عسكريًا، لكن بعد أن أمطر «أوباما» والديمقراطيين بسيل من الشتائم بسبب خفضهم قدرة الجيش الأمريكي على خوض حرب طويلة.على مضض تتدخل الولايات المتحدة دبلوماسيًا بصفتها الحضن الدافئ الذي لا تريد إيران خسارته، والقوة الكبرى التي تدرك إيران أنّها لن تقدر على مواجهتها إذا اصطفت علنًا مع إسرائيل.
تدرك إيران أن تلك فرصتها الذهبية لإنهاء الحرب بحفظ ماء الوجه. فالعناد الإيراني والكبر الإسرائيلي نقلا الحرب إلى حرب إبادة. أدركت إيران ذلك بعد أن اكتشفت أنها حتى لو نقلت جيشها كاملًا لحلفائها المتاخمين لإسرائيل في حدودها، كي تخوض حربًا برية، فإنّها لن تقوى على إسرائيل.فما تفعل ألفا دبابة، وألف عربة مدرعة، أمام 1600 دبابة إسرائيلية، و11 ألف عربة مدرعة؟ حتى لو تفوقت إيران عدديًا في عدد الجنود وعتادهم، فلن تغني عنها آلياتها أمام الـ «ميركافا» الإسرائيليّة، أحدث ما أنتجت التكنولوجيا العسكرية في العالم. بالطبع، ما تنتجه إسرائيل بميزانية قدرها 15 مليارًا و500 مليون دولار، لا يمكن أن تنتجه إيران بميزانية 6 مليارات و300 مليون دولار.أضف تلك الحقائق إلى حقيقة تعلمها إيران جيدًا. سلاحها الجويّ الذي فخرت به كثيرًا، يتألف من آليات عتيقة. وأن الولايات المُتحدة قد حرصت منذ دهرٍ أن تبقى آليات إسرائيل الجوية حكرًا عليها دون أحدٍ من العالمين.يزداد الغرور الإسرائيليّ أمام الحياد الصوري الأمريكيّ والتراجع الإيراني. تدرك إيران أنها بحاجة إلى حركة أخيرة، إما أن تقلب بها الموازين، أو ترسل عبرها رسالة إلى إسرائيل مفادها أنكم لستم في مأمن منا. وأن الدعم الأمريكي السري الذي مكن إسرائيل من الإبقاء على هضبة الجولان لن يمنع إيران من ضربها في القلب. كذلك لتخبرها أن القبة الفولاذية التي استطاعت طوال سنوات أن تتصدى لصواريخ حماس قصيرة ومتوسطة المدى، ليست بدرع حقيقي أمام قوة الصواريخ الإيرانية أولًا، وأمام كثرتها ثانيًا.
أسطورة القبة التي لا تُقهر
بعد يومين من اندلاع الحرب، يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي في لقاءٍ مباشر للقناة الثانية العبرية يؤكد للمواطنين أن لا شيء يستدعي الخوف. وأن التهديدات الإيرانية في الأيام السابقة بشأن رجم إسرائيل بصواريخ أولها في طهران، وآخرها في تل آبيب، محض هراء. أردف أن القبة الفولاذية قادرة على حماية الداخل الإسرائيلي مهما كان حجم التهديد. وأن إيران لم تقدم على إطلاقها فور بدء الحرب، لعلمها أنها كذبة، اخترعتها ثم صدقتها. ينقطع البث لانقطاع الكهرباء. فيبدو أن لـ «سجيل» رأي آخر في كفاءة القبة الفولاذية. مداه 2000 كيلومتر، يعمل بالوقود الصلب، لا يسهل اكتشافه بالردار أثناء عمليات تجهيزه السريعة، ويصعب إصابته لسرعته الخاطفة. راهنت إيران هنا على أن القبة الفولاذية ينقصها الانطلاق الأتوماتيكي للصاروخ المُعترِض، وإنما تحتاج يقظة من بشري ليطلقها. وسرعة ظهور «سجيل» ثم اختفاؤه من الردار تفوق سرعة جندي خائف. كذلك نشرت إسرائيل القبة الفولاذية لأول مرة في 2010 لصد الهجوم بصواريخ «فجر 5». يبلغ مدى «فجر 5» 75 كيلومترًا فقط، وهو مدى تجاوزته قدرة إيران الصاروخية منذ سنوات.
اقرأ أيضًا:بيدك تفرض إرادتك: قصة البرنامج الصاروخي الإيراني
الجيش الإسرائيلي ذاته أعلن في 2015 أنه تم إطلاق 3360 صاروخًا من غزة، أسقطت القبة منها 584 صاروخًا فقط. أما البقية فكان ينقصها فقط المدى المطلوب ودقة التوجيه لتصيب أهدافها في إسرائيل.
«أم القنابل» أو النووي
غزارة الصواريخ الإيرانية أثبتت للداخل الإسرائيلي أن القبة الفولاذية ليست بالكفاءة التي تصورها وزارة الدفاع. ضعفها أغرى إيران بالاستمرار في إمطار تل أبيب بصواريخها، بعد أن كانت تستهدف كسر غرورها فقط لإجبارها على المفاوضات. كذلك وجدت حماس الفرصة سانحة لإخراج مخزونها من صواريخ «جراد» و «فجر 5» قصير المدي لتطلقه عشوائيًا على إسرائيل.
مع هذا الرعب، لا يمكن أن تتوقع قرارًا عاقلًا من الإدارة الإسرائيلية. كذلك لم يعد اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة يحتمل الصمت أكثر. ضغط غير مسبوق على الولايات المُتحدة للتدخل. لذا قررت الإدارة الأمريكية مد إسرائيل بـ «أم القنابل»، وإعلان النفير سرًا في قواعدها العسكرية في الخليج العربي.
كانت التحركات في القواعد رغم التصريحات الخليجية الرسمية أنها لن تطلق رصاصة لتناصر إسرائيل بها، لكن «هيئة كبار العلماء» و «الدعوة السلفية» بدأتا تحركًا شعبيًا لإقناع العامة أن شيعة إيران أخطر من اليهود، تمهيدًا للحقائق التي سيكتشفها العامة بعد ذلك بتدخل بلادهم مباشرةً لضرب إيران.
ساعد أمريكا في هذه الخطوة الصمتُ الدولي حولها. لم تفعل الأمم المُتحدة سوى إعلان قلقها والدعوة لضبط النفس. روسيا، الحليف الذي عولت عليه إيران، تخلت عن مساعدتها. فلا بد للقيصر «بوتين» أن يُحجّم كل من سواه، وكان سيضطر عاجلًا أو آجلًا إلى مواجهة الطموح الإيراني، لكن أتت الفرصة من حيث لا يحتسب، فآثر الصمت.
أما فرنسا، التي يحكمها «ماكرون» للولاية الثانية، دائمًا ما أرادت أن تكسب ود الجميع، وفي حال الحرب لا مكان لمجاملة الطرفين، فاختارت فرنسا الدعوة للتهدئة ولعب دور حمامة السلام.
الدخان المُختلط برائحة الجثث المُحترقة جراء إسقاط «أم القنابل» على طهران هيّج كوابيس العالم من حرب عالمية ثالثة. رؤية الدمار الناتج عن 11 طنًا من مادة «تي إن تي» شديدة الانفجار، أو 9000 كيلوجرام من مادة «إتش 6» المتفجرة، وسحابة دخان يبلغ قطرها 32 كيلومتر يستدعي في أذهان الجميع الآثار المدمرة للحرب الحقيقية، فزادت الدعوات للتهدئة.
كذلك أدركت إيران أنه دون الورقة النووية، ومع غياب قدرتها على تصنيع صوراريخ جديدة أثناء جريان المعركة لن تقدر على الاستمرار في الحرب إلا لبضعة أشهر، ما لم تنسفها إسرائيل قبلها. ومع إعلان إيران رغبتها في التهدئة تكتل المجتمع الدولي لإقناع إسرائيل بقبولها. بالفعل وافقت إسرائيل على التهدئة، شريطة أن تتخلى إيران عن إصلاح منشآتها النووية المُعطلة، وتطوير الصالحة. وافقت إيران مرغمة، لتُنهي أيامًا من الرعب عاشها العالم بأسره.