ماذا يحدث للطائرة بعد بلوغها «سن المعاش»
ربما لم تفكر يومًا في أن علبة المياه الغازية التي بين يديك كانت سقف قمرة قيادة لطائرة «بوينج»، ولم تتأمل للحظة أن علبة التونة أو السمن كانت جناحًا لطائرة «إيرباص». وإذا تخيلت أن تقابل الطائرة التي سافرت بها يومًا بعد أن خرجت من الخدمة، كيف سيبدو حالها؟، وماذا تتوقع أن تتحول إليه؟.
إذن أطلق خيالك، وقبل أن تقرأ الكلمات التالية حاول أن تتخيل ماذا يمكن أن يحدث للطائرة بعد بلوغها «سن المعاش»، وقارن خيالك بما أبدعته عقول الآخرين.
مصير الطائرات بعد التقاعد
لا تعود كل الطائرات المحالة إلى التقاعد إلى الطيران مرة أخرى، على الرغم من أن العديد منها يكون صالحًا للاستخدام، وقادرًا على استئناف الطيران بأمان، إلا أن عمليات الصيانة الدورية التي تحتاجها، وتجديد المحركات يجعل منها معادلة خاسرة اقتصاديًا، وبعض هذه الطائرات يبقى في دول المنشأ لكنه يتحول من خطوط الطيران الكبرى إلى شركات «شارتر» صغيرة.
وفي فترة إحالة أعداد كبيرة من طائرات «بوينغ 727 و737» إلى التقاعد تزايد الطلب من دول العالم الثالث عليها، وذهب معظمها إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبعض الجمهوريات السوفييتية سابقًا. وتشتري هذه الدول الطائرات من شركات الطيران مباشرة أو من شركات تأجير وبيع الطائرات، وهناك نشرات خاصة ببيع الطائرات المستعملة مثل «سبيد نيوز» و«جيت مارك».
وتوجد عدة مطارات، مثل موجاف وفيكتورفيل في كاليفورنيا، وغوديير في أريزونا، حيث تقبع مئات الطائرات لحين تقرير مصيرها، حيث تُترك هذه الطائرات في ما يشبه المقابر الجماعية، وبعد فترة يتم تقطيعها وبيعها كمعدن خردة أو استخدام الأجهزة الإلكترونية وقطع الغيار فيها لطائرات أخرى ما زالت في الخدمة، وتذهب بعض النماذج النادرة إلى المتاحف، كما تستخدم هيئات المطافئ في المطارات هياكل مفرغة لطائرات قديمة من أجل تدريب فرق الحريق والإنقاذ عليها.
وهناك أيضًا استخدامات أخرى لهياكل الطائرات، حيث تستخدم صناعة السينما هذه الطائرات القديمة في الأفلام لتفجيرها، وتطلب الجيوش والقوات الخاصة أحيانًا بعض هياكل الطائرات لأغراض التدريب وتجارب الأسلحة، وفي نهاية المطاف تصل الطائرات إلى محطة إعادة تدوير، لكن هذه المقابر ليست نهاية قصة الطائرات.
أكبر مقابر الطائرات
تعد مقبرة «بونيارد» القريبة من مدينة توكسون الأمريكية في ولاية أريزونا إحدى أكبر المقابر حجمًا في العالم، حيث تصل مساحتها إلى 2600 فدان، ومعظم الطائرات فيها من النوع العسكري.
وتُقام مزادات على الإنترنت لبيع أجزاء أو معدات من هذه الطائرات أو طائرات بأكملها، وتوجد آلاف الطائرات من كل الأنواع في هذا الموقع، وتبدو بعض الطائرات فيه بحالة ممتازة إلى درجة يمكن معها تخيل استعداد هذه الطائرات للإقلاع، بينما توجد طائرات بقطع ناقصة، تبدو وكأنها طائرات خردة.
أشهر نماذج إعادة تدوير الطائرات
يحكي خبراء الطيران في بريطانيا عن قصة مارك جريجوري الذي كان يعمل مهندسًا في شركة طيران، وعندما انتهى تعاقده مع الشركة اشترى بمبلغ التعويض المتاح له طائرة قديمة، ليس بغرض الطيران بها؛ وإنما لتقطيعها وإعادة بيع مكوناتها.
واكتشف مارك أن 90% من مكونات الطائرات يمكن إعادة استخدامها، مثل أدوات خدمة الركاب، والمسامير، وسترات النجاة، والأبواب، وحتى مهابط الطوارئ يمكن خلعها وإعادة بيعها. وبعد نجاحه في إعادة بيع أجزاء الطائرة، أسس شركة «إير سالفاج إنترناشيونال»، وتحول إلى مجال إعادة تدوير الطائرات القديمة، ويعمل لدى الشركة الآن 40 فنيًا يقطّعون 44 طائرة سنويًا، في مطار كوتسولد شمال إنجلترا.
ومن أشهر نماذج إعادة تدوير الطائرات أيضًا ماقام به إستديو يدعى LOT-EK في نيويورك، في عام 2006، حيث استخدم ما يقرب من 200 هيكل طائرة من طراز بوينج 727 و737 في بناء مكتبة جيلسكو في المكسيك، عن طريق وضع الهياكل فوق بعضها على شكل طوابق، وقد ربح هذا التصميم أكثر من جائزة، وتم تبني الفكرة من الحكومة المكسيكية، وهي الآن قيد التنفيذ.
طائرات تحولت إلى مطاعم
افتُتح في مدينة «بلكسير» التركية مطعم يوفر لزبائنه فرصة تناول وجبة الطعام على متن طائرة من طراز إيرباص، واستخدم المطعم هيكلا لطائرة تابعة للخطوط الجوية التركية بعد خروجها من الخدمة، وسُمي «مطعم إيرباص».
وفي الصين يعتزم رجل أعمال صيني تحويل طائرة من طراز بوينج 737 إلى مطعم سياحي، في أحد المناطق التجارية الأكثر ارتيادًا، بوسط مدينة ووهان الصينية، بحسب موقع «تشينا دوت كوم». كما توجد طائرة من طراز «دي سي 7» تستخدم كمطعم سياحي في فلوريدا.
وفي الثمانينيات، كانت إحدى طائرات بوينج 707 التابعة لليمن في رحلة شحن بين عدن ودمشق، وقبل هبوطها في مطار دمشق اخترقت بالخطأ المجال الجوي الإسرائيلي، فتعرضت لوابل من النيران، واستطاع الطيار أن يهبط بالطائرة في دمشق، وكان آخر هبوط لها، وتحولت الطائرة بعد ذلك إلى خردة غير صالحة للطيران، فقام أحد السوريين بشرائها وتحويلها إلى مطعم فاخر في العاصمة السورية دمشق، وظل «مطعم الطيارة» يشكل إحدى المعالم السياحية في دمشق القديمة، في باب توما، حتى تمت إزالته منذ عدة سنوات، وتحويله إلى مرآب للسيارات.
فندق داخل طائرة
قرر رجل أعمال سويدي تحويل طائرة بوينغ 747 إلى فندق، في موقف للسيارات، تابع لمطار أرلاندا، بمدينة ستوكهولم السويدية، وقالت الشركة المكلفة بتنفيذ المشروع إن فندق «جامبو ستاي» يضم 25 غرفة، وجناحًا واحدًا هو قمرة القيادة، ولا يتجاوز حجم الغرف التي وُزعت في أماكن مقاعد الطائرة، بضعة أمتار مربعة.
وبعد أن توقفت طائرة تحمل اسم KLM Royal Dutch Airlines عن الطيران، تم تحويلها إلى منزل مكون من غرفة أساسية، وسينما منزلية خاصة، ومطبخين بالتجهيزات الكاملة، وغرفة للأطفال، وخدمت الطائرة كفندق لثلاث ليال فقط في مطار أمستردام، للرابحين في مسابقة لشركة Airbnb الهولندية للطيران.
كما تحولت طائرة من طراز بوينغ 737 إلى فندق ومطعم، وذلك بعدما باعتها الخطوط الجوية الإثيوبية، لأحد رجال الأعمال المحليين، حيث قال «جوتاما جوتا» -صاحب الفندق الإثيوبي الجديد-: إنه استثمر نحو 30 مليون البير (العملة الإثيوبية) لشراء وتجديد وتزيين الطائرة، التي تقع في بلدة تبتعد نحو 15 كم عن غرب العاصمة، وأضاف أنه استثمر أمواله بتحويل هذه الطائرة إلى فندق؛ بنية خلق نوع من الأماكن الترفيهية غرب أديس أبابا، وسيتسع الفندق لنحو 60 فردًا، كما سيعرض خدماته لحفلات الزفاف وأعياد الميلاد والاجتماعات.
أما فندق «كازا دي فيرد»، في أدغال كوستاريكا، فهو عبارة عن هيكل قديم لطائرة من طراز بوينغ 727، تعود إلى عام 1965، وتم تحويل المساحة داخل الطائرة إلى مجموعة من الأجنحة الراقية.
ونشرت صحيفة الشعب الصينية أن العجوز الأمريكية جوان يوسو، كانت ترغب في شراء منزل لتسكن فيه حتى اقترح عليها زوج أختها شراء طائرة قديمة، وتحويلها إلى بيت، و في عام 1993، علمت بخروج طائرات بوينج 727، المصنوعة في عام 1968 عن الخدمة، فقامت بشرائها مقابل 30 ألف دولار، وحولتها إلى قصر فاخر أسمته «Little Trump»، يتكون من ثلاث غرف للنوم، وصالة الضيوف، ومطبخ، وغرفة غسيل، وحمام، ثم قامت بتحويل قصرها إلى فندق لجذب السياح.
أغرب مايمكن أن تتحول إليه الطائرات
من أغرب حالات استخدام الطائرات بعد نهاية مدة خدمتها ما قام به المدرس غاري تشابيدز، حيث اشترى طائرة من بواقي الحقبة السوفييتية، من الخطوط الجوية الجورجية، ونقلها إلى مدينة روستافي؛ لتحويلها إلى روضة أطفال، حيث تم تجديدها من الداخل، مع إضافة بعض المعدات التعليمية والألعاب والدمى، لكنه ترك غرفة القيادة سليمة بحيث يمكن استخدامها كأدوات للعب، حيث تحتوي على نحو 1500 زر يمكن للأطفال اللعب بها.
أما الأغرب على الإطلاق، هو ما نشرته صحيفة ديلي صباح التركية، عن قيام السلطات في تركيا بإغراق طائرة إيرباص في بحر إيجه، قبالة منتجع كوساداسي السياحي بمحافظة إيدي؛ لتشجيع سياحة الغطس، وتحقيق توازن في البيئة البحرية.
والطائرة مصنوعة منذ 36 عامًا، ويبلغ طولها 54 مترًا، وعرض جناحيها 44 مترًا، وتم وضعها على سطح المياه فغاصت إلى قاع البحر، واستمرت عملية إغراقها حوالي ساعتين ونصف، وقالت رئيسة بلدية إيدين: إن هدفنا هو إنشاء مركز سياحي مخصص للغطس، تستمر الحركة فيه على مدار العام.
وسبق أن أغرقت السلطات التركية ثلاث طائرات صغيرة للغاية نفسها في مناطق أخرى من البلاد، لكنها المرة الأولى التي تكون فيها الطائرة بهذا الحجم؛ فهي أكبر طائرة تستخدم لغرض تحويلها إلى شعاب مرجانية اصطناعية، ومأوى للأسماك والعديد من الكائنات البحرية، وتساعد بذلك على تحقيق توازن في البيئة البحرية.
وحاملات الطائرات أيضًا
حاملة الطائرات فارياق، أول حاملة طائرات تتحول لفندق فاخر في الصين، فقد تم بيع حاملة الطائرات السوفييتية السابقة إلى إحدى الشركات الصينية في عام 1996، وكانت تستخدم كجزء من متنزه العسكرية الصينية في مقاطعة تيانجين.
ومنذ عام 2004 قرر أصحاب حاملة الطائرات -بعد تقاعدها- تحويلها إلى فندق، بتكلفة أكثر من 15,5 مليون دولار، ويضم خمسة أجنحة رئيسية، وتم تزويد الغرف كالفنادق الفخمة من فئة الخمس نجوم.
وبعد تحويل الطائرات إلى مطاعم، وفنادق، ومنازل، وحتى روضة أطفال، ومأوى للأسماك، ماذا يمكن أن تتحول إليه الطائرة أيضًا؟، وفي المرة القادمة التي ترى فيها طائرة أو تستقلّها تخيّل ما يمكن أن تؤول إليه بعد تقاعدها.
- فرانس 24: تركيا تغرق طائرة "إيرباص" في بحر إيجه تشجيعا للسياحة
- أخبار اليوم: طائرة تركية تتحول صالة أفراح ومطعم في رمضان
- Trt العربية: افتتاح “مقهى إيرباص” في طائرة للخطوط الجوية التركية
- الشرق الأوسط: مصير الطائرات القديمة.. فنادق ومطاعم ومساكن فاخرة