رمضان 2020: ماذا حدث للكوميديا المصرية؟
المصريون «دمهم خفيف» يجيدون المزاح والتلاعب بالألفاظ واستنطاق النكتة من أحلك المواقف. تمثل هذه المقولة أحد ثوابت الوعي الذاتي عند المصريين، والتي يمكن تأصيلها بداية من المصريين القدماء الذين اتخذوا إلهاً للمرح والسرور، الإله «بس» أو «إله المسخرة» كما أطلق عليه عادل إمام في فيلم «عريس من جهة أمنية». وإذا ما كان المصريون مجبولين على خفة الدم، فإن محاولة تقديم الكوميديا إلى مثل هذا الجمهور ستكون بصعوبة بيع المياه في «حارة السقايين».
تحتل الأعمال الكوميدية مكانة خاصة لدى الجمهور المصري، ولكنها شهدت تراجعاً كبيراً على مدار السنوات الماضية سواء كانت في السينما أو التلفزيون أو المسرح، وتم اختزالها في مساحة ضيقة تعتمد على التلاعب بالألفاظ أو المحاكاة الساخرة لأعمال فنية شهيرة أو مرجعيات بصرية اشتهرت على مواقع التواصل الاجتماعي. يضم الموسم الدرامي لشهر رمضان هذا العام العديد من الأعمال الكوميدية ولكن بلا كوميديا حقيقية. في هذا التقرير نستعرض أربعة من أبرز هذه الأعمال.
عمر ودياب
قبل ست سنوات بدأ الفنان أشرف عبدالباقي تقديم عدد من العروض المسرحية تحت اسم «تياترو مصر» يقوم هو ببطولتها إلى جانب عدد كبير من الوجوه الشابة والجديدة في ذلك الوقت. اعتمدت تلك العروض على الارتجال بشكل أساسي، فليس هناك رواية أو قصة تدور حولها المسرحية، ولكن مجرد تيمات شكلية تعتمد على المكان (مدرسة – فندق – سيرك) أو على محاكاة ساخرة «بارودي» لأشهر الأعمال الفنية، ومن هذه التيمات يتم توزيع الأدوار أو الشخصيات على أبطال العرض، ومن ثم يقوم كل منهم بالارتجال بناء على هذه التيمة وموقع شخصيته منها.
مع تغير حقوق البث التلفزيوني تغير اسم العروض إلى «مسرح مصر»، ونجحت العروض نجاحاً كبيراً وتوالت المواسم على مدار السنوات الست لتنتقل معها الوجوه الشابة تدريجياً إلى مصاف النجوم ويتصدروا بطولة العديد من الأعمال ما بين السينما والتلفزيون. هذا العام يقدم كل من علي ربيع ومصطفى خاطر، أشهر نجوم مسرح مصر، مسلسل «عمر ودياب» والذي يمكن اعتباره امتداداً لكوميديا مسرح مصر.
في مسلسل «عمر ودياب»، من إنتاج شركة سينرجي، لا توجد قصة حاكمة يقوم المسلسل بسردها، فقط مجموعة من الشخصيات السطحية التي لا تربطها علاقات واضحة. لدينا شابان يتورطان في دين كبير ويسعيان لسداده عن طريق البحث عن فرصة عمل في أماكن مختلفة، ومن ثم يتقاطع طريقهما مع عدد من الشخصيات المختلفة وهو ما يخلق مواقف متجددة للارتجال.
ولا يخضع هذا الارتجال لأي ضوابط، إذ إنه لا ينبع من الشخصية نفسها وإنما من الممثل، ويقوم الحوار بين البطلين على التمهيد للارتجال، فمثلاً يقول أحدهم: «دي طبنجة صوت» ليرد الآخر: «وصوتها حلو بقى على كده؟»، أو أن يقول أحدهم: «إنت ممعاكش بطاقة؟ إنت مسجل ياد؟» فيرد الآخر: «مسجل أغاني».
وهكذا دواليك، يدور المسلسل في دوائر مفرغة من المواقف الجديدة التي يتعرض لها البطلان (أو بالأحرى الممثلان) ويقومان على إثرها بارتجال النكات اللفظية حتى وإن افتقدت إلى أي معنى على الإطلاق، كأن يقول أحد الشخصيات: «معاكو كاش؟» فيرد علي ربيع قائلاً: «زمن النون كاش كاش، زمن السرعة ما يستناش». هكذا بكل بساطة مجرد أصوات تخرج من فم الممثل لا تحمل أي كلمات مفهومة أو معنى مقصود.
رجالة البيت
يضم مسلسل «رجالة البيت» ثنائياً آخر هما أحمد فهمي وأكرم حسني في ثاني أعمالهما المشتركة بعد مسلسل «ريح المدام» في عام 2017. لا يختلف «رجالة البيت» كثيراً عن «عمر ودياب» حيث يعتمد على نفس البناء الدرامي الذي يتمحور حول البطلان وتقطاعهما مع مجموعة من الشخصيات في مواقف مختلفة، ولكن بشكل أكثر عشوائية.
ففي مسلسل «عمر ودياب» كان سعي البطلان لسداد الدين هدفاً وإطاراً حاكماً – وإن كان سطحياً- لتطور الأحداث. أما في «رجالة البيت» فليس هناك أي باعث أو محرك للشخصيات أو الأحداث، فقط مجموعة مختلفة من المواقف المفتعلة التي يتخللها الكثير من مشاهد البارودي التي تمثل منطقة آمنة لأكرم حسني، أو شخصية الأبله التي يقدمها أحمد فهمي للعام الثالث على التوالي، أو التنمر على شكل وجسد الممثلة دينا محسن (ويزو)، وهو الدور الذي لعبته ويزو في كل عروض «مسرح مصر»، ومن بعده في كل الأعمال التي شاركت فيها.
في مسلسل «رجالة البيت» يتعاظم دور التلاعب بالألفاظ ويتغول أثره على كل العناصر، فما دام كانت هناك حاجة للنكتة اللفظية (الألش)، فلا مجال للالتزام بالشخصية أو الأداء التمثيلي أو الضرورة الدرامية. فلا مانع من أن يتحول تيمون (أحمد فهمي) فجأة إلى شخص ذكي، أو أن يسأل بومبة (أكرم حسني) عن معنى كلمة Stage في إحدى الحلقات، وفي حلقة تالية يلقي عدداً من النكات اللفظية بالإنجليزية السليمة، وفي النهاية لا ينتج عن كل هذه العشوائية أي كوميديا أو طرافة، ولكن المزيد من السخافة التي يتخيل صناعها أن الجمهور من الممكن أن يقبل عليها أو أن يضحك لسماع نكات لفظية من قبيل «القولون العربي»، أو «الشجرة المدمنة»، أو «تين الفرامل».
اتنين في الصندوق
ثنائي آخر من مسرح مصر ينطبق عليه وصف المعلق الرياضي حمادة إمام «القادمون من الخلف». حمدي الميرغني ومحمد أسامة (أوس أوس) اللذان يحصلان على فرصة متأخرة نسبياً عن زملائهما علي ربيع ومصطفى خاطر، ليقدما أول بطولة مشتركة في مسلسل «اتنين في الصندوق» والذي يعتبر من أفضل الأعمال الكوميدية لهذا العام.
يدور مسلسل «اتنين في الصندوق» حول الشقيقين شوقي وزيكا اللذين يعملنا في جمع القمامة ويسعى كل منهما إلى تغيير واقعه فأحدهما يحلم بأن يكون مطرباً والآخر ممثلاً، وما بين الواقع والحلم تتولد المفارقات الكوميدية.
يقدم المسلسل بناء درامياً متماسكاً على مستوى الشخصيات ودوافعها، وعلى مستوى الصراع المحرك للحدث، كما يقدم كوميديا الموقف والمفارقة بشكل بسيط دون أي افتعال أو لهاث خلف النكات اللفظية.
أما أكثر ما يميز هذا العمل فهو اختياره للمكان، حيث تدور الأحداث في حي لجامعي القمامة، والذي يعد اختياراً طازجاً لم يطرح بشكل واسع في أعمال فنية سابقة، على خلاف الشكل التقليدي والمستهلك للحارة البسيطة أو الطبقات الفقيرة، كما أنه ينعكس أيضاً في الصراع الداخلي للشخصيتين الرئيسيتين إذ إنهما لا يسعان للإثراء أو إلى الترقي الطبقي، ولكن إلى تحقيق الذات بعيداً عن مهنة جمع القمامة التي ورثوها عن أبيهما. تجربة موفقة لكل من حمدي الميرغني وأوس أوس، يقدمان فيها أداء جيداً اعتماداً على نص جيد وليس على الارتجال أو الافتعال.
بـ100 وش
ليس من قبيل المبالغة القول بأن مسلسل «بـ100 وش» هو أفضل أعمال موسم رمضان هذا العام، بل وأحد أفضل الأعمال الكوميدية في السنوات الأخيرة. تدور أحداث المسلسل في إطار نوع «الاحتيال» حيث يلتقي اثنان من محترفي النصب والاحتيال ويتعاونان للقيام بعملية احتيال كبيرة.
توافرت في العمل العديد من العناصر المهمة التي جعلت منه الأفضل هذا الموسم، أولها، النص الجيد الذي يضم شخصيات جذابة ومرسومة بشكل دقيق رغم كثرة عددها، والحوار الذي يعتمد بشكل كبير على الفوارق الاجتماعية والطبقية بين الشخصيات، ولكنه في الوقت نفسه يحافظ على خصوصية لسان كل شخصية وأسلوبها في الكلام.
جاء الأداء التمثيلي جيداً للغاية من جميع أبطال العمل سواء النجوم نيللي كريم وآسر ياسين وإسلام إبراهيم أو الأدوار المساعدة لكل من شريف دسوقي وعلا رشدي ودنيا ماهر، وحتى باقي الأدوار الأصغر، وهنا يأتي دور المخرجة كاملة أبوذكري في أولى تجاربها الكوميدية، والتي تؤكد فيها أن توجيه المخرج للممثل ليس حصراً على الأعمال التراجيدية أو الجادة، ولكنه قد يكون أصعب في حالة العمل الكوميدي.