فيسبوك يعترف بالأضرار النفسية لإدمان الموقع ويطرح الحل
ها قد كسر حاجز الصمت أخيرًا. لم يخل نقاش عن فيسبوك من حوار محتدم حول تأثيره على عقولنا ما بين مدافع ومناهض. البعض يعتبر قدرتنا الفائقة على التواصل مسببًا مباشرًا لتوسع مداركنا وشمولية نظرتنا للعالم والمجتمع، بينما يندد البعض الآخرون بسلوكنا الإدماني حيال منصات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك.
حتى الآن كان فيسبوك نفسه ينأى بنفسه عن هذه المناقشة مفضلاً التفاعل مع القضايا العامة ومتحاشيًا التطرق لمثل هذه الأسئلة المنغصة. لكن في تقرير جديد يتحدث «ديفيد جينزبيرج» و«مويرا بورك» من قسم الأبحاث في فيسبوك عن تأثير استخدامنا للمنصة بشكل مستمر على مشاعرنا وحالتنا النفسية والاجتماعية.
أخيرا، يقرر فيسبوك أن يتحدث عن نفسه متسلحًا بالطريقة العلمية ونتائج البحث العلمي، أو هكذا يريد للأمر أن يبدو.
وجهة نظر فيسبوك
في مستهل التقرير يطرح فيسبوك على نفسه الأسئلة الأسهل أو الأقل إثارة للمعضلات. يبدأ الحوار بالسؤال الأكثر عمومية: هل وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة أم مضرة بأحوالنا وسلامتنا؟
لهذه النوعية من الأسئلة ميزة وعيب. الميزة هي أنها دائما ما تحتمل الإجابة بنعم ولا في ذات الوقت اعتمادًا على النقاط التي تسوقها في حجتك. وعيب في أنها لا تمنحك أبدًا إجابة شافية. مع هذا فلندعنا من الأحكام ونعود للإجابة التي عرضها علماء فيسبوك.
يعتمد جينزبورج وبورك في إجابتهما على ربط تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بالكيفية التي نقوم بواسطة باستخدام هذه الوسائل. فمثلا يفرق جينزبورج وبورك بين الاستعمال السلبي لوسائل الاتصال والاستعمال النشط لها. يتحدث الباحثان عن نمطين من استخدام فيسبوك، فهناك المتصفحون الصامتون الذين يشاهدون ما يحدث في مجتمعهم والعالم بأسره في صمت من زاويتهم، وهناك – طبقا لفيسبوك – المتصفحون النشطون ذوو الأصوات والتفاعل المتمثل في كتابة التعليقات ومشاركة المشاعر واستخدام تطبيقات الدردشة مع الأصدقاء.
يخبرنا باحثو فيسبوك بأن الاستخدام السلبي المتحفظ له دور كبير في شعورنا بالسوء بعد فترة من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بينما يؤدي الاستخدام النشط إلى تولد مشاعر إيجابية بداخلنا من ثقة وتلاحم وانتماء وغير ذلك.
أنت في يد أمينة
ليس هذا فقط، يذكر باحثو فيسبوك أن نوعية التفاعل النشط ذاتها تؤثر على حالتنا إبان استخدام مواقع التواصل. لا يكفي أن نقوم بكتابة المنشورات والتحديثات بل علينا أيضا –طبقا لتجاربهم – أن ننخرط أكثر في أحاديث مباشرة مع الأصدقاء والمقربين إلينا، لنشعر حقا بتحسن في شعورنا.
أما عندما يصل للأمر للتوتر، فقد وجد الباحثون أن الأشخاص المعرضين للقلق والتوتر يميلون –أكثر من الأشخاص في الحالة العادية بمرتين – لاستخدام فيسبوك بدلا عن مواقع أخرى كمواقع البث الموسيقي وألعاب الإنترنت. على النقيض، استطاع فيسبوك تسجيل تحسن ملحوظ في ثقة الأشخاص بأنفسهم عند مرورهم في صفحاتهم الخاصة وإلقاء نظرة على تفاعل المقربين لهم مع ما يكتبونه أو صورهم الشخصية وما إلى ذلك.
ولكن ماذا فعل فيسبوك لتشجيعنا لنشعر بتحسن؟
ربما قد لاحظت مؤخراً توسعات ملحوظة في أنشطة فيسبوك المتمثلة في أزرار features جديدة كزر «في مثل هذا اليوم» الذي يعيد إليك ذكريات سنواتك الماضية بكل ما تحمله من فخر وحرج، أو قدرتك –التي قد يعترض البعض عليها بأنها قدرة وهمية – على التحكم فيما قد يظهر لك من أخبار ومنشورات على صفحة timeline خاصتك.
وبالطبع حتى لا تهرب من الموقع برمته، أتاح فيسبوك لك أن تتحكم فيما قد تشاهده من أخبار حبيب سابق أو صديق مللت رؤية تعليقاته دون القلق من الإحراج المتمثل في حظره أو إلغاء صداقته.
هكذا يريد فيسبوك أن يؤمن راحتك ويدعمك في وقت المحن. أخبرني، هل تشعر بالفعل أن فيسبوك يحمي ظهرك من أشباح الحزن والتوتر والانطواء على الذات ويمنحك الثقة والأمان؟ هل أجاب باحثو فيسبوك على كل ما يشغلك؟
أم تراه تراقص حول الأسئلة المهمة؟
مزارعة افتراضية تقتل ابنها
التقطت «أليكساندرا توبياس» هاتفها لتتصل برقم الطوارئ 911 مستنجدة بهم لإنقاذ ابنها البالغ من العمر ثلاثة أشهر بعد أن تسبب كلب العائلة في سقوط الطفل من الأريكة ليرتطم رأسه الصغير بالأرض. بعد إعلان وفاته الطفل في المستشفى متأثراً بإصابات في الرأس وساق مكسور، اتضح أن الطفل لم يسقط بفعل كلب العائلة.
كان الطفل «ديلان» يبكي بلا انقطاع مشوشًا على تركيز أمه المستغرقة في لعب Farmville أو المزرعة السعيدة على حاسوبها.فقدت أليكساندرا السيطرة على أعصابها وبدأت بتعنيف الوليد وهزه بشدة لترتطم رأسه بالحاسوب ويذهب الطفل ضحية.
هل كانت الأم في حالتها الطبيعية؟ لم قد يعطي امرؤ كل هذه الأهمية للعبة على الفيسبوك؟ تخبرنا ماري اّيكن المتخصصة في علم النفس الإلكتروني الجنائي Forensic cyberpsychlology في كتابها المعنون «أثر الفضاء الافتراضي The cyber effect» أن هذا المستوى من الاندفاع يعني في كثير من الأحيان إدمان عنيف.
بينما تقضي توبياس خمسين عاما وراء القضبان، يتابع الإنترنت في التغول صانعًا من بعض مستخدميه وحوشًا لا قدرة لها على الشعور بالتعاطف.
انتشرت الصورة كالنار في الهشيم. امرأة يبدو عليها تقدم الحمل متغضنة الوجه من الألم وفاغرة فاها من التعب. لقد فاجأ المخاض سوزانا هاليك التي ما لبثت أن حاولت السيطرة على نفسها بكل ما في جسدها المتشنج من قوة فجاهدت لالتقاط أنفاسها وجحظت عيناها من فرط الألم.
في هذه اللحظة، تصرف طالبها مالك وايتر التصرف الذي يبدو طبيعيا في مثل هذه المواقف، استل وايتر هاتفه المحمول من جيبه وفتح الكاميرا ليلتقط سيلفي مع المرأة شبه فاقدة الوعي بتعابير وجهها المعذبة. وفي ثوان معدودة كان العالم يتشارك صورة المرأة مصحوبة بالكثير من السخرية –البريئة – والضحكات المستهزئة.
المسكوت عنه
قد لا يتحول كل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى قتلة أطفال – رغم البيئة المحفزة لنشاط المتنمرين والمتربصين – إلا أن من منا لم يشعر في لحظة بأنه مدمن حقيقي؟ من منا لم يتأثر بتسونامي القلب المتحجر ووطئ بقدمه مشاعر الآخرين ولو لمرة؟ هل تنحصر ثقافة الميمز memes في إمضاء وقت فكاهي ممتع أم أنها تحول الجميع إلى وحوش لا تهتم بمشاعر بعضها البعض؟
كل هذا لا يتعدى نقطة في بحر المسكوت عنه في مقالة فيسبوك العجيبة. بطريقة ما فشل باحثو فيسبوك في ذكر رد ما على المخاوف التي تتساءل في نتيجة غياب التعامل المادي المحسوس بين مجموعات الأصدقاء والاعتماد المتزايد على المظهر الخارجي فقط. لم يعد هناك اتساع أو مجال لالتقاط عقولنا للإشارات الطبيعية كتعابير الوجه التي لم يتم هندستها قبيل التقاط الصورة، أو نبرة الصوت أثناء الحديث.
لم يتحدث فيسبوك عن تحوله لبركة كبيرة من الجنسنة Sexualizing والعنصرية المحتمية بغطاء سميك يسمى التهكم sarcasm والشعور باحتقار الذات بشكل مستمر عند مقارنتها بالآخرين. تحدث المقالة عن هؤلاء السعداء بالتعليقات والصور المتبادلة ولم تبد أي اهتمام بحالة المنبوذين من هذا العالم الديناميكي حد التفسخ.
هكذا حتى الآن يبدو أن كل ما قدمه قسم الأبحاث في فيسبوك هو وسيلة مزيفة الأكاديمية لإخبارنا بأن علينا أن نستزيد من فيسبوك، أن نجعله مسيطرًا على حيواتنا أكثر، أن نجعله صماما متحكما في مشاعرنا أكثر، أن ندمنه أكثر. على الجانب الآخر يقف فيسبوك صامتًا أمام مشاكل انتهاك الخصوصية، تنامي فقدان المشاعر التي تجعل منا أناسًا حقيقين في مقابل ازدياد الأنانية بشكل مخيف الاطراد بل وحتى حتى استخدام البعض منبر التعبير الحر في تدمير حيوات الآخرين.
إن لكل تقنية سوءاتها، لكن إدمان هذه المساوئ يضعنا في سباق جديد نحو بقاء من نوع مختلف، سباق نحو بشريتنا الآخذة في التلاشي.