بالأرقام: ماذا يفعل بيب بفرق البريميرليج هذا الموسم؟
لطالما كنت أحاول أن أتخيل شعور هؤلاء الذين يُطلب منهم وضع عناوين تصف الأحداث الرياضية في اليوم الذي يلي حدوثها مباشرة، على واجهات الصحف، أظن أن المهمة ليست بالسهلة إطلاقًا، لكنها تظل ممتعة في حد ذاتها. وفي يوم كهذا لا يمكن أن تتم رؤية الأمر إلا كما هو حقًا، كتيبة السيتي العسكرية تمضي قدمًا للأمام، وأرسنال – مهما ساء به الأمر أو حسن – فهو ليس إلا فريق جديد يفشل في عرقلة تلك العجلة الحربية عن الدوران.
ما يحدث الآن أنه ولأول مرة في تاريخ البرمييرليج بنسخته الحديثة، يتمكن فريق من المكوث على عرش جدول الترتيب وبفارق 8 نقاط كاملة عن الوصيف، وذلك بعد مرور 11 جولة فقط من عمر المسابقة. تلك محصلة تجعلنا لا ننظر لعملية الافتراس التي قام بها بيب ورجاله اليوم لضحيتهم الجديدة، أرسنال، كما كان من الممكن أن ننظر للأمر في ظروفٍ أخرى، بيب يُقدم ما هو جديد عن البرمييرليج فعلًا، كأداء ونتيجة. لذا هنالك الكثير يقال هذه المرة، أكثر من مجرد تحليل لـ90 دقيقة.
بيب جوارديولا وثبات «التسجيل»
بعد محاولات عدة في الموسم السابق، فشل في أغلبها، تمكن بيب من تسريح عديد اللاعبين الذي رأى الإسباني أنهم غير ملائمين لفكره، الآن هو يبدأ موسما جديدا بقوام قام ببنائه بعناية، الكل يقوم بما يطلبه بيب تمامًا، الجميع في قوام الفريق يلائم تلك الفصوص التكتيكية العظيمة في عقل الأقرع.
النتيجة النهائية والمحصلة الإجمالية لما زرعه بيب في بداية الموسم – يُقصد موسم التعاقدات الصيفي – هو أن ما يمكن قوله على لقاء أرسنال، سبق قوله في لقاء الليفر وتوتنهام وحتى نابولي وكل الفرق التي تقع تحت طائلة بيب ورفاقه، بيب تمكن أخيرًا من فرض أسلوبه في أحد أكثر بقاع الأرض رفضًا للأساليب المعادية. بيب يضمن الاستحواذ دائمًا، الأعلى فرصًا، والأهم أنه دائمًا ما يسجل.
الفرق التي تمتلك أغلب ترجيحات الفوز في كل أنحاء العالم، هي تلك الفرق التي تملك مفاتيح لعب تمكنها من ضمان هدف أو أكثر خلال أحداث اللقاءات التي تخوضها، في حين أن القوام الذي تمكن بيب من تكوينه قبل ذلك الموسم به أكثر من مفتاح لعب، أكتر من لاعب يمكنه التسجيل وصناعة الفرص والأهداف.
بالنظر إلى القوام الذي اختاره بيب لبداية قمة أرسنال، سنجد أن سداسي المقدمة، ساني، أجويرو، ستيرلينج، دي بروني، سيلفا وحتى فيرناندينو، جميعهم يُسجل ويصنع على حدٍ سواء. أكثرهم في الصناعة هو ديفيد سيلفا بـ7 تمريرات حاسمة، وأكثرهم في التسجيل بالطبع هو كون أجويرو بــ8 أهداف في 7 لقاءات فقط شارك فيها كأساسي.
خط الهجوم والوسط – بالكامل – يمكنهم صناعة الفرص والأهداف وحتى التسجيل، شيء كهذا يجعلنا نؤكد أن مصطلح «السيتي ليس في يومه» يكاد يكون مستحيل تطبيقه على فريق مثل هذا، من المستحيل أن تجد 6 لاعبين في خارج يومهم ولا يقومون بالدور المطلوب منهم جميعًا؛بالتالي السيتي دائمًا ما يضمن التسجيل خلال كل اللقاءات التي يشارك بها، هدف واحد على الأقل؛ وعليه، فإنه ليس بالشيء العجيب أن ترى تشكيلة كهذه هي أقوى هجوم في الدوري الإنجليزي. الفريق الآن قد تخطى حاجز الـ50 هدفًا في كافة المسابقات، وما زلنا في بداية القصة.
فلنشكر عقلية بيب العنيدة
خرج بيب وترسانته في الموسم الماضي خالي الوفاض، بلا أي بطولة، بعد أن تم بناء العديد من الآمال على موسم تاريخي لبيب الذي جاء ليغير مفاهيم الدوري الإنجليزي الممتاز، هكذا كان يُقال عنه في بداية توليه المهمة داخل أسوار الاتحاد، لكن بعد نهاية الموسم تسارعت الأقلام في ذم ما قام به بيب، وطالت المحاولات التي ترغب في إثنائه عن أسلوبه الذي قالوا إنه لا يتناسب مع طبيعة الأجواء الإنجليزية.
في فرد الأسباب، كان الجميع رائعًا في الحقيقة، ومع وضع كافة الآراء في ذات البوتقة مع نتائج الفريق السماوي خلال الموسم الماضي، تجد أن أغلب الآراء صحيحة، الدفاع هش جدًا، يُضرب بسهولة بالكرات الثانية أو «Second Balls»، حتى أن بيب نفسه سبق واشتكى من هذا الطريقة في الفرق الإنجليزية، لكن ماذا الآن؟
الإجابة الوحيدة على الاستفهام الذي دار حول ما قدمه جوسيب في الموسم الماضي، أنه ما كان قد طبق أسلوبه بعد، أي أنهم انتقدوا مراحل وضع ذلك الأسلوب في الفريق وليس الأسلوب ذاته، وهنا نجد أن كلا الرأيين صواب، الجميع انتقد ما دار من المواطنين خلال الموسم الماضي فعلًا، لكن هذا ليس أسلوب بيب الحقيقي، لكن ما يجب شكره فعلًا هو عقلية بيب العنيد، حيث إنه لم يتخل عن فكره ولم يشعره بأنه في موضع خطر.
الخرائط الحرارية لتحركات اللاعبين خلال مباراة أرسنال
الدفاع الهش والضعيف الذي طالما وصف به فريق السيتي خلال الموسم الماضي كان قويا للغاية، في مبارة أرسنال، إحدى الفرق الهجومية – أو هكذا يعرف عنها – الخريطة الحرارية توضح كم تحركات السيتي الكبير خلال أحداث اللقاء، وأن أرسنال الهجومي ذاك لم يتمكن من اختراق مناطق الجزاء في عديد الأوقات، فقط هفوات بسيطة.
ذلك هو أسلوب بيب الحقيقي، استحواذ دائم على الكرة بين أقدام لاعبيه، من حارس المرمى، والذي يعد السلاح الفتاك في رد صفعات الضغط المتقدم، وحتى رأس الحربة. جميع لاعبي أرض الملعب يمكنهم التلاعب بالكرة ونقلها في مواضعها الحقيقية والمطلوبة. هذا ما كان يحتاجه بيب واستطاع تحقيقه من خلال موسم التعاقدات وهو حق مشروع 100%، هنالك من قام بالزرع ولم يجن أي ثمار وراء ذلك، ميلان على سبيل المثال.
الجميع الآن يستمتع بأداء السيتي، محب لذلك الفريق أم لا، كل هؤلاء عليهم أن يقدموا الشكر إلى الجزء العنيد في عقلية بيب الذي رفض الاستغناء عن إسلوبه الخاص الذي كما الحمض النووي-DNA عند الكافة، لا يمكن استبداله أبدًا.
فينجر الماضي والحاضر والمستقبل
المدرب الإنجليزي برايان كلوف
متابعو الدوري الإنجليزي القدامى يمكنهم الآن تخيل قدر التشابه الذي يتواجد بين كل من بيب جوارديولا والعجوز المخضرم أرسن فينجر، يمكنهم تذكر كليهما وهو يثور على الكرة الإنجليزية ويحطم أصنامها شيئًا فشيئًا، الكرة تتناقل على أرض الملعب وليس في الهواء، لا مزيد من الكرات الهوائية، من الأرض – نحن – وإليها نعود.
المُتعب فعلًا، إذا ما نظرنا للأمر من عقلية أرسن فينجر، أن ترى من يمكنه أن يتغلب عليك بنفس السلاح الذي كنت تمتاز به فيما مضى، أنت الآن تواجه نسختك القديمة التي لطالما أغضبت الجميع، تواجه من يمتلك الكرة أمام عينيك بلا قدرة لديك على المقاومة حتى، من يستطيع أن يقدم 621 تمريرة أمام أقدام لاعبيك بلا قدرة على رفض ذلك، فينجر كان يفعل ذلك في الماضي، لكن الحاضر مختلف كليًا.
ما يحدث الآن أن فينجر الذي قام بثورة في بداية الألفية ونهاية التسعينيات قد عفى عليه الزمان، وقد حان الوقت لثائر جديد يقتحم الملاعب الإنجليزية بقدرات فائقة، تفوق حتى تلك الثورة التي صنعها فينجر في سابق الأمر.
مانشستر سيتي تمكن في 11 مواجهة داخل الدوري الإنجليزي الممتاز من تقديم تمريرات بدقة تتخطى الـ89%، واستحواذ لا يقل في كل لقاء عما معدله 65%، السيتي الآن يملك كل الأمور بين يديه خلال أحداث الدوري الصعب هذا، أو هكذا كان قبل أن تطأ قدم بيب مطار مدينة مانشستر. وبعد مرور 11 جولة بتعادل وحيد و10 مباريات فوز، هل يمكن أن يعيد السيتي الحالي فريق اللا هزيمة الذي كان قد صنعه فينجر في الماضي؟ هل يمكن أن تنتهي جولات البرمييرليج والرقم صفر لا يزال يزين خانة الهزيمة عند مانشستر سيتي في جدول الترتيب؟هذا ما سنعرفه مع بيب – أو نسخة فينجر الأكثر تطورًا وكمالًا – في المستقبل.