مودة و«خوارزمية»: ما الذي يعنيه تزاوج الروبوتات؟
في منتصف فيلم«Blade Runner 2049»، هناك مشهد مفجع، يواجه فيه بطل الفيلم «كي»، الذي يعيش في ديستوبيا لوس أنجليس بعد ثلاثين عامًا من الآن، خسارة حبيبته «جوي» حيث تُقتل في خضم تصريحها بحبها له، في أحد أكثر مشاهد الفيلم مرارةً وفظاعة. هنالك شيء غريب حول «جوي» ينبغي عليك معرفته. إنها ليست بشرية، فهي هولوجرام مصمم بذكاء ودقة لتكون الشريكة المثالية لـ «كي» حيث تتعلم من تواصلها معه، كما تقفز بين شخصياتها المتعددة وفقًا لتقلب حالته المزاجية. وجود «جوي» أساسه وجود مشغل الهولوجرام، وبتحطم المشغل، تُقتل هي.ليست هذه هي المعالجة الوحيدة للحبيبة الروبوتية في السينما. يختبر بطل فيلم Her للمخرج سبايك جونز علاقة الحب بين الإنسان والروبوت، حيث تخبر سامانثا، وهي نظام تشغيل ذو صوت وشخصية أنثوية، مالكها ثيودور، أنها قرأت أرشيف بريده الإلكتروني بالكامل، وأنها تعرف بشأن طلاقه الوشيك، ثم تسأله بلطفٍ ما إذا كان مستعدًا للمواعدة مرة أخرى. يمكنك التنبؤ بما يلي دون مشاهدة الفيلم، لأن البشر بالطبع يميلون إلى الوقوع في الحب مع من يمنحهم الاهتمام. يشار ضمنيًا في الفيلم إلى أن سامانثا تمثل الذكاء الصناعي القوي، بمعنى أنها كائن واعٍ، وتعادل الإنسان معنويًا؛ فلها حياة وتفضيلات وأهداف.
أحباء بالتفصيل
هذه التناولات لم تعد تقع في فئة أفلام الخيال العلمي، لأن هناك شركات تسعى بالفعل إلى تحقيق هذا وتطويره باستمرار لتكون علاقات البشر بالروبوتات بديلًا ومنافسًا قويًا للعلاقات البشرية. على سبيل المثال، تبيع الشركة اليابانية غايت-بوكس «آزوما هيكاري»، الهولوجرام ثلاثيّ الأبعاد الأثنوي الذي يمثل رفيقةً حميمة مثالية.في إعلانٍ عنها، تظهر آزوما وهي توقظ مستخدمها من نومه برقةٍ وحب، وتحييه بفرحة وحماس عندما يعود إلى المنزل في نهاية اليوم. إنها تمثل نموذجًا مقاربًا للحياة الزوجية في اليابان. وبرغم أن آزوما تقدم ما قد تقدمه الزوجة البشرية، إلا أنها لا تقدم الجنس بالتحديد. لكن هناك شركات أخرى تسعى لأن تخلق روبوتاتٍ تقدم الدعم العاطفي والجنس معًا.
https://www.youtube.com/watch?v=YRWXRlF4SGk
برغم أنه لا يوجد حاليًا مثالًا للذكاء الصناعي القوي، الذي يمتلك وعيًا داخليًا خاصًا به، وأن الروبوتات الموجودة في الأسواق حاليًا هي مثال للذكاء الصناعي الضعيف، فإن مميزاتها -كما تزعم الشركات المصنعة- تكمن في إمكانية اختيارك هيئتها وتفاصيلها الدقيقة أثناء طلبها وشرائها، كما يمكنك أن تطلب بكل تحديد ما هي السمات التي تود تواجدها فيها. بكل سهولة، يمكنك شراء فتاة أو فتى أحلامك. إلا أن السهولة تكمن فقط في عملية الشراء وإن كانت مكلفة، لأنه تحدٍ كبير أن تقع في حب روبوت، أن تتبادل معه مشاعر إنسانية بالأساس، وأن تتزوجه وتريده إلى الأبد أو إلى أن يتوقف عن العمل. كما أن الكثيرين ممن يلجئون لهذا النوع من العلاقات ربما قد مروا بتجارب عاطفية فاشلة جعلتهم يلقون بفكرة المواعدة والزواج بعيدًا لتفادي كسرات قلبٍ جديدة لأن الأمر يكون أقل مخاطرة مع الأحباء الروبوتات.إن آلات التشغيل الذاتي تتغلغل مع الوقت بيننا، حيث نجد أنفسنا نتفاعل مع الروبوتات بشكل متكرر أكثر من أي وقتٍ مضى. نتيجةً لذلك، تتطور العلاقة بين الإنسان والآلة. كما أن الإنسانية وما يعنيه أن تكون إنسانًا، يعاد تعريفهم جزئيًا من خلال علاقتنا بالآلات. يقول جون ماركوف، المراسل التقني المخضرم لصحيفة نيويورك تايمز: «إننا من نصمم تلك الآلات، لذلك يمكننا أن نجعلهم أسيادنا، شركاءنا، أو عبيدنا». كما تشير دراسة أجرتها جامعة ستانفورد إلى أن الناس قد يكونون بمشاعر حميمية تجاه التكنولوجيا، لأن أدمغتنا لم تعد مكيفة أو راضية بحياة القرن الحادي والعشرين.لكن السؤال الأهم هو، هل هذا تطورٌ مرحب به؟ أعرب عدد كبير من النقاد عن مخاوفهم، حيث يرون أن العلاقات مع الروبوتات ستكون وهمية ومزيفة، وسنكون ضحايا لاحتياجات غير حقيقية تقذفها إعلانات الشركات المُستفيدة في وجوهنا. كما يقلق النقاد من الطريقة التي ستُمثل بها النساء عند محاكاة الروبوتات لهن، والعواقب التي قد تنتج عن ذلك. بينما يرى آخرون عكس ذلك، حيث يزعمون أن العلاقات مع الروبوتات قد تكون لها مزايا متعددة، منها أن تعزز العلاقات البشرية أكثر من ذي قبل. إن علاقة «كي» مع «جوي» تبدو غامضة بعض الشيء. إلا أننا نتيقن أنهما يهتمان بصدقٍ ببعضهما البعض. لكن كل ذلك قد يكون مجرد وهم، لأنها، في النهاية، مبرمجة لتلبية احتياجاته فقط وهو يمكلها ويسيطر عليها، مما يجعل العلاقة غير متكافئة. كما أن هناك طرفًا ثالثًا في علاقتهما، وهو الشركة المصنعة لها التي تسجل كل ما تتفاعل معه جوي، وتحدّث برامجها من وقتٍ لآخر.
هل يتوقف الإنسان عن الطمع في الحب؟
لذا، يبدو أن ذلك يبعد كل البعد عن مثالية الحب الفلسفية. لأن الالتزام المتبادل هو أساس كل علاقةٍ حقيقية. لا يكفي الشعور بالارتباط العاطفي القوي مع الآخرين وحده، يجب أن يشعر الآخرون بتعلقٍ وارتباط مماثل لك. ولو استطاعت الروبوتات أن تقول ما يدل على الحب وتفعل ما يفعله الأحباء، فإنهم لا يشعرون. والأداء وحده ليس كافيًا في الحب.يؤكد الفلاسفة الأخلاقيون مثل سيفين نيهولم وليلي فرانك، بجامعة آيندهوفن للتكنولوجيا بهولندا، أننا «إذا اختصرنا الحب في أنماط سلوكية معينة، فإنه بإمكاننا توظيف ممثل ليقوم بهذا الدور بسهولة. لكن هذا، حتى وإن بدا غير ذلك، ليس حبًّا حقيقيًّا، مهما كان الممثل موهوبًا. فالحب أساسه صدق الداخل لينعكس بعد ذلك في تصرفات المحب. كما أن هذا الحب لا بد أن يكون متبادلًا».في حين أن فكرة زواج البشر من الروبوتات قد تبدو فكرةً غريبة ومخيفة، إلا أنها أصبحت قريبة المنال. يزعم ديفيد ليفي، باحث الذكاء الصناعي، أنه بحلول عام 2050 فإن زواج البشر من الروبوتات سيكون قانونيًّا. يكمن سر ثقة ليفي في تطور علاقتنا بالروبوتات في أنه بحث في علم الاجتماع، علم الجنس، الروبوتات والذكاء الصناعي وغيرها من المجالات المتعلقة بحب الروبوتات والزواج منهم. حيث خلص إلى أن كل العوامل التي تجعل البشر يقعون في حب بعضهم البعض يمكن برمجتها وإضافتها للروبوتات.يوجد بالفعل عدة تجارب لزواج البشر من الروبوتات في اليابان، حيث تزوج الياباني «أكيهيكو كوندو» من روبوت أنثى أسماها «هاتسون ميكو»، وهي هولوجرام لمغنية تبلغ ستة عشر عامًا. كما أن الروبوت الافتراضي – إنتاج شركة غايت-بوكس التي سبق ذكرها – مصنَّع بالأساس ليكون رفيقًا لمن زهدوا في المواعدة ولكنهم يخشون الوحدة، حيث تقوم ميكو بمبادلة الرسائل النصية مع كوندو أثناء عمله، كما أنها تضيء الأنوار عندما يعود للمنزل، يقومان بغسل أسنانهما معًا، ويتجاذبان أطراف الحديث. كما أنه صمم نسخة محشوَّة تشبه ميكو لتنام بجواره. وهناك الكثيرون ممن ابتاعوا هذه الروبوتات، واستبدلوها بالبشر.ولكن حتى إن استطاع الروبوت إظهار الالتزام والحب المتبادل الصادق، فلا بد أن يكون هذا الالتزام وليد الاختيار الحر. إننا، جميعًا، ننتظر من شركائنا الالتزام والإخلاص، إلا أن الجزء الأهم هو اختيارهم الواعي لأن يلتزموا ويخلصوا لك. لهذا، تصعب احتمالات وجود علاقةٍ ذات معنى مع روبوت، لأنها لا تختار أن تحبك، أن تفهمك، أن تخلص لك، وإنما هي مبرمجة من أجل كل هذه الأمور من أجل خدمة المصالح التجارية لشركتها المصنعة. وكل البشر يستحقون ما هو أكثر وأصدق من ذلك.
الإنسان خارج المعادلة
تخيل كثير من الكتاب إمكانية تكاثر الروبوتات.رَوَى ستانيسلاف ليم في روايته «الحصين، 1964» قصة سفينة فضائية تهبط على كوكب بعيد للبحث عن سفينة فضائية أخرى مفقودة، ليجدوا مظاهر حياةٍ فيه، ونتاج ملايين السنين من تطور الآلات ذاتية التكرار. وكان الجنس الوحيد الذي استطاع النجاة هو أسراب من الآلات الدقيقة الشبيهة بالحشرات.كثيرًا ما تتنبأ الفلسفة والأدب بما سينتجه العلم لاحقًا، وما كان خيالًا علميًا في الماضي، أصبح الآن واقعًا نعيشه. في عام 1802، صاغ ويليام بالي أول حجةٍ غائية للآلات التي تُنتج آلات أخرى. بعد ذلك، اقترح جون فون نيومان نموذجًا تفصيليًا للتكاثر الذاتي الآليّ. إلا أن ذلك لم يسهل تطبيقه، حيث كانت رؤيا نيومان الرائعة تسبق اكتشاف واتسون وكريك لـ «دنا».لكن الآن، بعد أن أصبح بإمكان الروبوتات تعلُّم كل شيء، اتجهت إلى تعلم التكاثر. يحاول العلماء من خلال مجال مذهل يُعرف باسم «الروبوتات التطورية» أن يجعلوا الروبوتات أكثر تكيفًا مع العلم من حولها، وبالتالي تعليمها كيفية التكاثر الذاتي، تمامًا مثل الكائنات الحية. بمعنى أننا يمكن أن نجد قريبًا روبوتين تكيفا بصورة جيدة في بيئة معينة يتشاركان جيناتهما سويًا (أو في هذه الحالة، أكواد وليست جينات)، لإنتاج روبوت مصغر ثلاثي الأبعاد يجمع بين مميزات والديه.قد يبدو هذا ضربًا من الخيال، إلا أن علماء الروبوتات التطورية يقومون بالعمل على هذه التصميمات المذهلة. على سبيل المثال، طور الباحثون في أستراليا في العام الماضي أشكالًا لساق روبوت من خلال تصميم 20 شكلًا عشوائيًا في البداية. وطبقوا على الأشكال العشوائية اختبار لياقة، وهو ما يعادل في نهج داروين «البقاء للأصلح». حيث أخذوا السيقان ذات الأداء الأفضل و«زوَّجوهم» لإنتاج سيقان تشبههم. واستمر الباحثون في تكرار هذا التزاوج جيلًا بعد جيل، وانتهوا إلى سيقان مكيفة بصورة مثالية للمشي على أرضٍ صلبة، على حصى، أو في الماء.لذا، مثلما سيظل البشر يقعون في حب بعضهم البعض حتى إذا اتخذ الكثيرون من الروبوتات أحباء وأزواجًا لهم، فإن الروبوتات هي الأخرى لا تحتاجنا كثيرًا، وقد تستطيع قريبًا أن تتزوج، تقع في الحب، وتتكاثر دون أن تكترث لرأينا في ذلك. إننا نننظر المستقبل جنبًا إلى جنب معهم، لكلٍ طموحاته المختلفة.