كيف يبدو مستقبل النقد السينمائي في مصر؟
كيف يبدو مستقبل النقد السينمائي في مصر؟ السؤال الذي يبدو وجوديًا يكتسب قيمة مضافة من كوننا نحتفل الآن باليوبيل الذهبي لجمعية نقاد السينما المصريين، هل نتحدث هنا عن مستقبل النقد أم مستقبل النقاد؟
لنبدأ بالنقاد، أحد أفضل نقاد جيلي وجد عنوان المقال نكتة مكتملة، ربما لأنه قد توقف طواعية أو احتجاجًا عن الكتابة النقدية، هل يبقى الناقد ناقدًا حتى لو توقف عن الكتابة؟
حاولت في عدد سابق من مجلة الفيلم أن أتتبع خطوات ما سميته جيلًا جديدًا من النقاد في مصر، التسمية جاءت بسبب سمات أسلوبية خاصة جمعت أبناء هذا الجيل بالإضافة لتواصل وتأثر مستمر بين بعضهم البعض، صديق أخر من أبناء هذا الجيل حدثني بعدها أننا جيل حزين مقارنة بجيل الأباء المؤسسين لجمعية النقاد، جيل كان يجتمع ويتقابل بشكل دوري، يترجم النشرات العالمية ويشاهد الأفلام في أسابيع أفلام ونوادي سينما تحتفي بتجربة المشاهدة الجماعية، وتعقبها نقاشات تختلف تمامًا عن مشاهداتنا وقراءاتنا الفردية من خلف شاشات تفصلها مدن ودول في بعض الأحيان.
يجمع جيلي الصحافة الإلكترونية والكتابة بشكل أكبر عن المحتوى الأجنبي إضافة للكتابة المهتمة بالجانب الفني للسينما أكثر من اهتمامنا بالجانب الأيديولوجي أو الاجتماعي لكننا لا نجتمع بشكل حقيقي، ولا نقيم نوادي الأفلام، ولا نترجم النشرات الأجنبية، وهذا بشكل بسيط لأن زماننا مختلف، قد يكون لا حاجة لفعل كل هذا فالعالم كله أمامك على شبكة الإنترنت، يمكنك ترجمته ومشاهدته والتواصل معه بشكل مباشر دون وسيط. بعض محبي السينما الآن لديهم مكتبات سينمائية على هاردات متنقلة يمكن أن تكون أكبر من المكتبة السينمائية لجمعية النقاد نفسها. ما هو دورنا كنقاد في هذا الزمن إذن؟
آخرون يرون أن مهمة الناقد هي تنوير أو تثوير الجمهور، المشاركة في دعم الفن الجيد ومهاجمة الفن الرديء، أو ما يرونه رديئًا، شيء يمكن مقارنته بما فعلته كراسات السينما الفرنسية مع هيتشكوك وإعادة قراءته وإعطائه قيمة يستحقها، أو ما فعله جيل سمير فريد ورفاقه مع سينما الواقعية المصرية الجديدة. لكن ماذا يمكننا أن نفعله الآن؟
النقد مهنة مرتبطة بمحتوى فني يمكن نقده، وأعتقد أنك ستتفق معي عزيزي الناقد أو القارئ أن المحتوى السينمائي المصري حاليًا قليل جدًا على مستوى الكم، ومن ضمن هذا المحتوى الفني القليل يوجد أعمال لا يمكن نقدها لأسباب يعرفها الجميع في مصر، أما الأعمال الرديئة فيتم الاحتفاء بها رغمًا عن النقاد والجمهور لأن مالك القناة التلفزيونية التي تحتفي بالفيلم في برامجه هو نفسه منتج الفيلم في كثير من الأحيان.
إذا لم يعد دورنا هو نقل المحتوى العالمي للجمهور المصري، كما لم نعد قادرين على التأثير في منظومة الإنتاج المصري بشكل حقيقي، ماذا تبقى لنا إذن؟
ربما تبقى الكتابة من أجل التأثير في الذائقة الفنية لقرائنا، فتح الأبواب أمام عوالم سينمائية مختلفة يكتشفها قراؤنا معنا، والتأثير في صناع سينما شباب في بداية الطريق وقليلين من صناع السينما المحترفين الذين ما زالوا مهتمين بما يكتبه النقاد. وربما قبل هذا كله الكتابة من أجل الكتابة، النقد الآن أصبح أكثر وأكثر عملًا إبداعيًا منفصلًا في حد ذاته.
شئ آخر يجب ألا نغفله حينما نتحدث عن جيل النقاد الحالي هو الظروف الاقتصادية الصعبة للغاية التي نعيش فيها، هل يكفي العمل كناقد سينمائي لضمان قوت يوم إنسان في مصر أو أسرة لو كان هذا الإنسان أو الإنسانة رب أو ربة أسرة؟
العمل بالكتابة الإلكترونية والنشر الشهري لمقالات نقدية تحتاج إلى وقت ومجهود كبير والدخل المتاح في مصر لن يكفي بأي حال من الأحوال، العمل الثابت بالصحف الورقية المصرية قد لا يكون أفضل حالاً، مضاف عليه أنك لن تصل له من دون علاقات واتصالات، لن تجد لها غالبًا سبيلًا، والأسوأ من كل هذا أن تكتب لقراء غير موجودين. من يقرأ الصحف الورقية اليوم؟!
الطريق الثاني لمن قرر امتهان مهنة النقد السينمائي من الشباب المصري هو محاولة العمل في الهياكل المهتمة بالصحافة الفنية، من برامج تلفزيون أو يوتيوب أو فرق عمل مهرجانات سينمائية. قليلاً قليلاً لو وصل المرء لأي من هذه الطرق فإنه يصبح أشياء أخرى غير كونه ناقدًا سينمائيًا، يصبح مراجعًا أو إداريًا أو موظف علاقات عامة، أو مشاهدًا خبيرًا في الفلترة والاختيار، ويمكنه أن يفعل كل هذا أيضًا بشكل جيد جدًا دون أن يتم تقديره ماليًا أو معنويًا.
لنلخص كل هذا إذن يمكننا أن نقول إن لدينا حاليًا جيلًا يمثل مستقبل النقاد السينمائيين في مصر، جيل من محبي السينما والكتابة عن السينما، العاملين بشكل رئيسي في الكتابة الإلكترونية، والمتشككين كثيرًا في قدرتهم على التأثير في الفن المصري في الـ10 سنوات المقبلة، والمتشككين أيضًا في قدرتهم على التفرع للكتابة مع احتياجهم للقيام بأعمال أخرى لضمان قوت يومهم.
إذا كان هذا هو مستقبل النقاد السينمائيين في مصر فكيف هو مستقبل النقد إذن؟ المقدمات تؤدي للنتائج بالطبع، ظروف اقتصادية صعبة، ومنتج سينمائي لا يمكن التأثير في منظومته بشكل كبير، عالم كل ما فيه متاح على الإنترنت، كل هذه المقدمات تؤدي لأن نقول إن منتج النقد السينمائي المستقبلي في مصر قد يكون هو محاولة التحول لصحافة الفيديو، وهو ما يشمل محاولات حالية جادة كمقالات محمد سليمان النقدية المصورة، ومنتج مستقر ومستمر على بساطته مثل مراجعات ومناقشات محمود مهدي، وصولاً إلى محتوى ساخر منتشر في كافة أرجاء مواقع التواصل الاجتماعي، محتوى ساخر ينقد أحيانًا ويتحول لملخص حرق في أحيان أخرى.
الميزة التي تضمن لمقاطع الصحافة السينمائية المصورة على اختلاف درجات جودتها الاستمرار هي كونها مجزية ماديًا- إن نجحت- وكونها قادرة وحدها على تأمين قوت يوم صانعيها.
النقد السينمائي عن طريق المحتوى المصور ليس بدعة، فعله أساتذة كبار عالميًا ومحليًا أيضًا، لكنه كان في ذلك الوقت عبر التلفزيون، ومنذ سنين عالميًا عبر يوتيوب وفيسبوك، والآن قد يكون قد أتى دوره في مصر.
الوسيط المصور مناسب بشكل أكبر لنقد محتوانا السينمائي الذي تمثل الصورة عنصره الرئيسي، لكن الدافع وراء الانتقال لهذا الوسيط حاليًا في مصر ليس فنيًا في كثير من الأحيان بقدر ما هو مادي، أمل اللحاق بركب صانعي الدولارات من صناع المحتوى المصور عبر الإنترنت.
تحتفل جمعية نقاد السينما المصريين إذن بخمسين عاماً على إنشائها في هذه اللحظة المركبة، إدارة جديدة وشابة تحاول توفيق الأوضاع وجمع أكثر من جيل من النقاد مرة أخرى، مع محاولات لزيادة تأثير النقاد المصريين على المستوى العالمي، نقاد شباب وصحافة إلكترونية لها الآلاف من القراء، صحافة فيديو مقبلة وبقوة، ووسط كل هذا ظروف اقتصادية واجتماعية وحقوقية صعبة تؤثر على السينما قدر تأثيرها على النقاد أنفسهم. قد نعود بعد 10 سنين ونتذكر هذه الأيام بأنها أصعب الأيام السينمائية التي مرت على مصر، لكن من سيبقى حينها من جيل النقاد الحالي، أو قل ماذا سيبقى منهم؟