ماذا تريدون من سينا؟
من يقرأ تلك العبارات السابقة لأول مرة لن يُصدق أنها صادرة من نفس الرجل الذي شهدت سيناء وأهلها في عهده أقوى بطش أمني وظلم واضطهاد وتنكيل في تاريخ مصر، فالفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي قال تلك الكلمات السابقة في إحدى الندوات التثقيفية لقادة وضباط القوات المُسلحة أثناء توليه منصب وزير الدفاع، هو نفسه السيسي رئيس الجمهورية الذي تفتك قواته بأهل سيناء وتقوم بفصلهم عن مصر، وقواته أيضا هي من تعتقل شبابهم وتُخفيهم قسريا وتُصفيهم جسديا، وإعلامه هو الذي يشوههم ويُحرض عليهم ليل نهار.
قد تُلخص الأحداث الأخيرة في سيناء حقيقة الوضع المأساوي الذي يُعاني منه أهلها بين إرهابيين دواعش يفتكون بهم وتعامل أمني مجرم لا يقل إرهابا عن ذلك، فبعد عدة أيام من هجوم شنه عناصر تابعة للتنظيم الإرهابي على كمين المطافئ بالعريش أسفر عن استشهاد 7 من رجال الشرطة وأحد المواطنين وإصابة 6 من القوات و6 من المواطنين، وفق بيان لوزارة الداخلية، أعلنت الوزارة عن تصفيتها لـ 10 أشخاص قالت إنهم متورطون في العملية الإرهابية.
ليُفاجأ أهالي سيناء بأن أولئك الذين تمت تصفيتهم هم بعض من الشباب الذين قامت الشرطة وجهاز الأمن الوطني بالقبض عليهم من منازلهم قبل عملية كمين المطافئ بشهور عديدة، وفق روايات أهلهم وشهادات محامين ونُشطاء، بل إن بعضهم كان قد تم تقديم بلاغات للشرطة والنيابة تُفيد باختفائهم قسريا عقب القبض عليهم.
وقد أحدثت واقعة تصفية هؤلاء الشباب ضجة كبيرة بين أبناء القبائل السيناوية، مما دفعهم لعقد مؤتمر شعبي أعلنوا خلاله رفضهم لممارسات الأمن تجاههم، وكشفوا خلاله عشرات من المختفين قسريا من أبنائهم الذين تم القبض عليهم من منازلهم، ولم يُقدم أي منهم إلى مُحاكمة، مُطالبين بالكشف عنهم فورا والإفراج عنهم أو تقديمهم للمُحاكمة خوفاً من تكرار حالات تصفية أخرى لعدد منهم.
كما كشف المجتمعون عن بعض ملامح المُعاملة التي يلقاها الآمنين في بيوتهم دون ذنب، ومنها ما رواه أحد شهود العيان عن واقعة تعدي أحد الجنود على زوجة أحد الشباب الذين تمت تصفيتهم أثناء اعتقاله من منزله مما أدى إلى إجهاضها، ويُدعى «أحمد يوسف محمد رشيد»، وذلك في أكتوبر 2016، وهو ما يتطابق مع شهادات المواطنين والنُشطاء من سيناء التي يكتبونها يوميا عبر صفحات التواصل الاجتماعي، والتي صارت نافذتهم الوحيدة بعد ما أخرس النظام الحاكم كل وسائل الإعلام أمامهم، والتي تشهد آلاف الانتهاكات يوميا.
لكن هذا المؤتمر وتلك الصرخات لم تُنبه قوات الأمن لخطورة تعاملهم الإجرامي تجاه أبناء سيناء، بل قامت بالرد على هذا المؤتمر بتصفية أحد المواطنين أمام أطفاله وفق ما نشرته صفحات سيناوية على الفيسبوك، والتي وصفته بالفعل المُعتاد من قوات الأمن، والذي عادة ما يتبعه بيان من وزارة الداخلية يتهم المقتول بأنه عضو جماعة إرهابية، دون أي دليل ودون تقديم أي منهم إلى المُحاكمة.
كما تزامنت تلك الأحداث مع تصريحات أمنية تُفيد بتشديد إجراءات العبور من نفق الشهيد أحمد حمدي، الذي يربُط سيناء بباقي مُحافظات مصر، والذي يأتي متزامنا مع شهادات بعض أبناء سيناء تُفيد بمنع بعضهم أو التضييق عليهم أثناء عبورهم إلى باقي مُحافظات الوادي، وهو ما يُشير إلى عزم النظام الحاكم على عزل سيناء عن مصر بدلا من تنميتها وربطها بالوادي، وهي الكارثة التي قد تتسبب في ضياع سيناء وتحويلها لبقعة سوداء خارج السيطرة نهائيا، وهو ما يؤكده تعليق الخبير الأمني العميد خالد عُكاشة على القرار والذي وصفه بأنه «خطة عقيمة» تضر بالأمن، وتُزيد من حدة الإرهاب في سيناء، والذي هو صنيعة الفراغ.
كُل تلك الإجراءات القمعية وهذا التنكيل في وقت يتذوق فيه أهلنا في سيناء يوميا سم الإرهاب الذي تفتك بهم خلال عمليات إجرامية تفتك بهم ولا ترحم صغيرا ولا كبيرا، ورغم كل ذلك لا يكُف إعلام النظام عن اتهامهم بالخيانة والعمالة ووصفهم بالإرهابيين، والتحريض ضدهم، مما يدفعنا للسؤال الأهم حول تلك الممارسات، وهو ماذا يُريد النظام وقواته من سيناء؟
وفق حديث السيسي في الماضي، فإن الحل الوحيد لمحاربة الإرهاب في سيناء هو تنميتها وتعميرها، وأن الخطر الأكبر يأتي من القمع والتنكيل، والذي سيدفع أهلها للتفكير في حمل السلاح ضد الدولة، ومع كُل تلك الإجراءات القمعية من قواته وغيرها من تهجير وقصف للبيوت لا تفسير له سوى أن النظام يُريد أن يتخلى عن سيناء، أو أن يُهجر أهلها بالكامل كما تم مع سكان الشريط الحدودي بمنطقة رفح، فلصالح من تتم تلك الإجراءات؟
الجواب هو أن تلك الإجراءات لا تصُب إلا في صالح الجماعات الإرهابية التي تتغذى على البطش والدمار والظلم، وكذلك العدو الصهيوني الذي يُريد سيناء خالية على عروشها، والذي يتم تنفيذ أوامره بالحرف مثلما حدث في تهجير أهالي الشريط الحدودي كما أوردت صحيفة هآرتس.