ماذا تعرف عن جائزة المان بوكر الدولية؟
خبر سعيد استيقظت عليه الأوساط الأدبية العربية عقب الإعلان عن فوز جوخة الحارثي بجائزة «Man Booker International»، لتضمن ابنة عمان لنفسها التاريخ ليس فقط لكونها أول عربية تحقق هذا المجد، وإنما لأنها نجحت فيما لم يحققه عدد عتاولة الأدب العربي بداية من نجيب محفوظ وحتى إبراهيم الكوني، فما هذه الجائزة؟
في يونيو من العام 2004، تم الإعلان عن تدشين جائزة «Man Booker International» الإنجليزية، كفرعٍ مُكمِّلٍ للجائزة الأم بعد توسيع رقعة شروط الترشيح لتشمل أكبر عددٍ مُمكن من الأدباء، وبالتالي لم تعد تشترط أن يكون للكاتب جنسية محددة محصورة في دول الكومنولث المدينة بالولاء للتاج البريطاني، وإنما اقتصرت على أن يكون عمله مكتوبًا بالإنجليزية أو له ترجمة بها، على أن تُمنح مرة كل عامين لأديب حي لا يزال يعيش بين ظهرانينا.
وفي منتصف العام 2005 تم الإعلان عن الفائز الأول بها وهو الروائي الألباني إسماعي كدري، وبعدها كرّت مسبحة الفائزين، ففي 2007 نالها النيجيري تسينوا أتشيب، ومن بعده الكندي أليس مورنو في 2009، ثم الأمريكيان فيليب روث وليندا دافيس بـ2011 و2013 على التوالي، وأخيرًا حصدها الهنجاري لاسزلو كراسزناهوراكي في 2015، وكان آخر من تقلدها في شكلها القديم.
بالعام 2015 تم دمجها مع جائزة أدبية رفيعة أخرى عنيت بالأعمال الروائية الأجنبية المستقلة (غير الإنجليزية) هي Independent Foreign Fiction، احتفظت «مان بوكر»باسمها على الجائزة الموحدة لكنها تنازلت عن بعض شروطها فتحولت لجائزة سنوية، كما تم توسيع ميزانيتها لتصبح 62 ألف جنيه إسترليني تقريبًا (50 ألفًا مناصفة بين الكاتب والمترجم الفائزين، وألف لكل من بلغ عمله القائمة النهائية)، كما تم وضع نمط جديد لكيفية الاختيار والإعلان عن العمل الفائز.
أصبح المحكمون يختارون من الأعمال المرشحة قائمة من 12 أو 13 كتابًا تُعلن كقائمة طويلة مرشحة للفوز في مارس، يتم تقليصها لقائمة أقصر تحوي 6 أعمال فقط يُكشف عنها في أبريل، قبل أن يُذاع اسم الفائز في مايو من ذات العام. وعلى هذا المنوال أقيمت الجائزة 4 مرات في السنوات الفائتة حصدها على الترتيب؛ الكورية الجنوبية هان كانج (2016)، والإسرائيلي ديفيد جروس (2017)، والبولندي أولجا توكاركوز (2018)، وأخيرًا العمانية خوخة الحارثي هذا العام.
المحاولات العربية لحصد هذه الجائزة الرفيعة لم تنقطع منذ دورتها الأولى (نسختها القديمة 2005)، التي رُشح لها صاحب نوبل المصري نجيب محفوظ قبيل وفاته بعامٍ واحد، ومن بعده غاب العرب 6 أعوام حتى ظهروا مجددًا مع اسم الأديب البيروتي أمين معلوف في قوائمها التمهيدية، وعقب ذلك بأربعةأعوام شهدت الجائزة منافسة عربية ثنائية للمرة الأولى عبر الكاتب الليبي إبراهيم الكوني وصاحبة آخر ألقاب «البوكر العربية»هدى بركات.
وفي العام الماضي أيضًا نافس ابن بغداد أحمد سعداوي، لكنهم أجمعين لم يتمكنوا من بلوغ مرحلة القوائم، فيما نجحت جوخة الحارثي في تجاوزها لأول مرة عربيًا بعد منافسة قوية تكررت فيها الثنائية العربية مجددًا، وهذه المرة جمعت فيها بين العمانية والكاتب الفلسطيني الإسكتلندي مازن معروف ضمن القائمة الطويلة التي آوت 13 عملاً من شتى بقاع الأرض، لكن قصص معروفالقصيرة لم تستطع المضي لما هو أبعد من القائمة الطويلة.
استكملت رواية جوخة مسار النصر حتى نهايته متفوقةً على 5 أعمال، هي: رواية «السنوات»للكاتبة آنى إيرنو من فرنسا، ترجمة أليسون إل سترومر، ورواية «جزر الصنوبر»للكاتبة ماريون بوشمان من ألمانيا، ترجمة جين كاليجا، ورواية «مر بمحراثك على عظام الموتى»للكاتبة أولجا توكاركوك من بولندا، ترجمة أنتونيا لويد جونز، ورواية «ظلال الأطلال»للكاتب خوان جابرييل فاسكويز من إسبانيا، ترجمة آن ماكلين، وأخيرًا رواية «حق الانتفاع»للكاتبة علياء ترابوكو زيران من إسبانيا ترجمة صوفي هيوز.
تُعلي الجائزة من قيمة المترجم ولا تعتبره مجرد «قنطرة عبور»وإنما شريك أساسي بالعمل، لذا تُمنح القيمة المالية مناصفة بينه وبين الكاتب، ولهذا لم تكن جوخة الحارثي وحدها على منصة التتويج، وإنما زاحمتها الأضواء المُترجمة الأمريكية مارلين بوث التي تولت عملية نقل النص من العربية إلى الإنجليزية.
وسبق وأن قامت مارلين بترجمة العديد من روائع الأدب العربي إلى اللغة الإنجليزية، أشهرها «أهل الهوى»و«حارث المياه»لهدى بركات، و«الباب المفتوح»للطيفة الزيات، و«مذكراتي في سجن النساء»و«الأغنية الدائرية»لنوال السعداوي وغيرها الكثير.
وعن كواليس التعاون بين الطرفين، كشفت مارلين أن هذه العملية كانت شديدة الصعوبة لها بسبب جهلها بالكثير من تفاصيل الثقافة العمانية، ضاربة المثل بأن العنوان وحده استغرق وضعه مئات الرسائل المتبادلة بين الطرفين، بعدما اعتبرت بوثأن «سيدات القمر»غير ملائم للذائقة الإنجليزية، حتى استقرتا في النهاية على «Celestial Bodies» ويعني «الأجرام السماوية».
وكشفت مارلين عن أن هذا ليس التعاون الأول بينها وبين جوخة وإنما سبق وأن استعانت بها الأخيرة لترجمة أطروحتها الختامية إبان دراستها في جامعة أدنبرة.
وعن الرواية نفسها تحكي أنها: «مختلفة عن أي شيء رأته من قبل»، فهي مزيج من الأدب والفلسفة والتاريخ معًا في آنٍ كثيف واحد يحكي جوهر العلاقات بين الناس، تعرضها الحارثيبطريقة فنية رفيعة عاشت عبرها مارلين تحولات الشخصيات وغرقت في مشكلاتهم وانتصاراتهم، معتبرة أنها عبّرت عن كل هذا بأناقة جعلتها تفترض أنها كانت لتتوسل من أجل المشاركة في ترجمة عمل كهذا، وعن شعورها لحظة معرفتها خبر فوزها أجابت «صرخت، ورقصت قليلاً».
ومن أبرز القواعد المنظمة للجائزة أن لجنة تحكيمها تتغير كل عام ولا يُسمح بتكرارها مجددًا، وهذه المرة كانت برئاسة بيتاني هوجز، وهي باحثة تاريخية إنجليزية، تحاضر عن التاريخ القديم في جامعات أوكفسورد وكامبريدج ومانشستر، وشاركها في هذه اللجنة ماورين فريلي وهي روائية وناقدة أدبية في جرائد «الجارديان»و«الإندبندنت»،و«صنداي تايمز»، بالإضافة لكل من بانكيج ميشرا، وهو أديب هندي، والروائي النيجيري إلناثان جون، وأخيرًا بروفيسور آنجي هوبس، أكاديمية بريطانية معنية بالفلسفة والأدب والتاريخ القديم.
تقول هوبسفي تصريحات خاصة لـ«إضاءات»، متحدثة عن الرواية:
وعن قرار مقاسمة المترجم الجائزة مع الكاتب، أوضحت أن الفلسفة من وراء ذلك هو إيمانهم بأن الترجمة الجيدة مهارة فنية عادة ما لا تنال التقدير المرضي في الأوساط الأدبية، بالرغم من أنه في معظم الأحيان فإن الناقدين لنص أدبي مترجم لا يكون باستطاعتهم تحديد ما إذا كان هذا العمل الجيد خرج بهذه الصورة بواسطة صاحبه الأصلي أم بمشاركة فعالة من مترجمه أيضًا.
وعن الفرق بين جائزتي «مان بوكر»،و«مان بوكر العالمية»، أوضحت أن الأولى مخصصة فقط للأعمال المكتوبة باللغة الإنجليزية والمنشورة في بريطانيا، أما الثانية فهي تُمنح لأعمال كتبت بلغة أخرى غير الإنجليزية وتمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، ونُشرتْ في بريطانيا أو أيرلندا. وأضافت:
أما عن أبرز الكتب العربية التي قرأتها وأعجبتها من قبل، أوضحت أنه بخلاف ما قرأته من منطلق مسؤوليتها كعضوة لجنة تحكيم للجائزة، فإنها أبدت إعجابها بـ«نكات للمسلحين»للشاعر الفلسطيني مازن معروف، والذي ترشح للقائمة الطويلة للجائزة، و«الموت عمل شاق»للروائي السوري خالد خليفة، و«ساعة بغداد»للروائية العراقية شهد الراوي، مضيفة أنها سبق وأن طالعت مجموعة من القصص العربية القصيرة جمعها وحررها المترجم الشهير دنيس جونسون ديفيز، كان بعضها من تأليف نجيب محفوظ.
وعن سبب اختيارها تحديدًا للانضمام لهذه اللجنة، أجابت: «لا أدري، ربما لأنه عُرف عني حبي للقراءة وانفتاحي على العالم»، متبعة: «لن أكون عضوًا في لجنة التحكيم العام المقبل؛ لأن المُحكمين لا يمكنهم الاستمرار في مناصبهم أكثر من دورة واحدة».