ماذا ننتظر من الاتحادات الطلابية؟
جاءت نتيجة الانتخابات الطلابية التي أجريت في بداية العام الدراسي الحالي -بعد توقف لمدة عامين- مرضية إلى حد كبير. انهزم «صوت طلاب مصر»، الظهير الطلابي لوزارة التعليم العالي في أغلب المواقع تقريبًا، وعلى الجانب الآخر فاز عدد لا بأس به من الطلاب مؤمنين بحقوق الطلبة ولديهم الحد الأدنى من الاهتمام بكرامة الطالب ومصالحه.
لم تسيطر البدل السوداء على الانتخابات الطلابية.
بإيجاز لم تسيطر البدل السوداء التي تأتي لالتقاط الصور مع المسئولين وتطيع الإدارة في كل ما تذهب إليه بدون تفكير. من المهم أن تكون هذه النتائج الجيدة مدعاة للتفكير أكثر وأكثر في دور الاتحاد وتفتح نقاشًا موسعًا حوله.
هذا بالنظر إلى نتائج الانتخابات، ولكن الأمر يختلف كثيرًا عند النظر إلى الأداءات. حتى الآن يبدو أداء غالبية الاتحادات متواضعًا سواء على مستوى الكليات أو الجامعات. لم تستطع الاتحادات حتى الآن أن تفرض نفسها كممثل شرعي وقانوني للطلاب، منوط به في المقام الأول أن يمثل الطلبة ويرعى مصالحهم ويسعى للحفاظ على حقوقهم.
ونتيجة قلة الخبرة أو بصياغة أدق نتيجة عدم تراكم خبرات بين أجيال قديمة وأجيال صاعدة في مساحة الاتحادات الطلابية، ونتيجة الفهم الخاطئ المتداول لدور الاتحاد، ما زالت الاتحادات تنشغل فقط بتنفيذ الأنشطة الموسمية التي تحدث كل عام بدون حتى أي تجديد. فما زالت الاتحادات تُنهك هيكلها في تنفيذ ودعم معسكرات الجوالة، والأنشطة المسرحية، ودوريات كرة القدم، وتنظيم الرحلات، ومعارض اللوحات الفنية، ومسابقات الغناء والإنشاد، دون أن تدخل في مساحة تمثيل الطلبة.
الأنشطة الطلابية مهمة للغاية ولها دور محوري في تنمية شخصية الطالب وصقل مواهبه وهي إحدى مهام الاتحادات الطلابية ولكنها ليست المهمة الأساسية لها. الأقرب إلى المنطق أن الطلاب ينتخبون ممثليهم لمسائل أخرى أكثر صعوبة وأهمية من تنفيذ الأنشطة السابق ذكرها. خصوصًا وأنه يوجد على مستوى كل كلية وكل جامعة جهاز إداري يسمى «رعاية الشباب» وظيفته الأساسية هي تنفيذ الأنشطة المختلفة مع الطلاب بالإضافة إلى دعم مواهبهم.
إذن الأزمة فى عدم تحقق التوازن المطلوب بين الدور الأساسي للاتحاد في تمثيل الطلبة ورعاية مصالحهم وبين الدور الثانوي للاتحاد في تنفيذ ودعم الأنشطة، خاصة وأن تنفيذ الأنشطة الطلابية يحتاج إلى التعامل مع الروتين الإداري الممل الذي ينهك الاتحاد بشكل كبير ويجعله يتمادى في نسيان دوره الأساسي دون أن يشعر.
ما بين عروض أسعار واستخراج تصاريح وكتابة مذكرات صرف ومذكرات نشاط واستخراج فواتير وسلف وتسوية سلف وتنظيم الأنشطة، ما بين كل هذا يضل الاتحاد في طريق منهك يستهلك كل طاقاته ووقته. وفي النهاية لا يجد الاتحاد مستوى مقبولًا من الرضا لدى الطلبة؛ لأن الشريحة الطلابية التي تهتم بالأنشطة وتتفاعل معها ليست شريحة كبيرة، ومن ثم يشعر غالبية الطلاب أن الاتحاد كيان ليس له فائدة ولا يقدم شيئًا!.
لا يوجد ما يمنع الاتحاد من تشكيل لجنة طبية من طلاب كليات الطب لتقييم الوحدات العلاجية الموجودة في الكليات.
لا يمكن التصور بأن هناك رئيس اتحاد كلية لا يمر على المدرجات بشكل دوري ليجمع مشاكل الطلبة وشكاويهم ليعرضها في مجلس الكلية الذي يحضره بصفته. ومن غير الممكن أيضًا أن نتصور أن هناك رئيس اتحاد جامعة لا يذهب إلى المدينة الجامعية ليقيّم مستوى الخدمة ويرى جودة الطعام ويعد تقريرًا بمشاكل المدينة ليعرضه في مجلس الجامعة الذي يحضره بصفته ومجلس إدارة المدينة الجامعية الذي هو عضوٌ فيه أيضًا بصفته. لا يوجد ما يمنع الاتحاد من تشكيل لجنة طبية من طلاب كليات الطب لتقييم الوحدات العلاجية الموجودة في الكليات ومستشفيات الجامعة حتى يرفع هذا التقييم إلى الإدارة ويضغط عليها بشتى الوسائل لتحسن من المستوى الهزيل للخدمات الطبية في الجامعات.
ببساطة لا نريد سوى أن يوازن الاتحاد بين أدواره وأن يحدد أولوياته ورؤيته لمبررات وجوده من الأساس. نريد من الاتحادات أن تسعى ليحصل الطالب على سكن جامعي آدمي يصلح للمعيشة والمذاكرة. نريد من الاتحادات أن تسعى لتوفير خدمة طبية كريمة تتناسب مع ما يذهب من مصروفات الطلاب إلى صندوق الخدمات الطبية. نريد من الاتحادات أن تتصدر مشاكل الطلبة في شئونهم التعليمية بداية من جودة التعليم الذي يتلقونه مرورًا بالبنية التحتية لأماكن التعلم وانتهاءً بجداول الدراسة والامتحانات وأسعار الكتب.
على الاتحادات دعم طلاب النشاط والأسر الطلابية أيضًا.
ونريد أيضًا من الاتحادات أن تقدم كل الدعم اللازم لطلاب النشاط و للأسر الطلابية لينفذوا الأنشطة التي تثري من حالة النشاط الطلابي بلا شك.
في النهاية عملية التحول من اتحاد الأنشطة وحسب إلى اتحادٍ يمثل الطلبة ويتصدر مشاكلهم بإلاضافة إلى الأنشطة تحتاج إلى مزيد من الوقت والتجربة، والأهم هو تمرير هذه التجربة من القيادات الطلابية الحالية إلى الصفوف الأصغر التي سوف تتولى القيادة في الأعوام القادمة. وهذا التحول يحتاج أيضًا مزيدًا من التوعية باللوائح الطلابية وفهمها جيدًا حتى يستطيع الاتحاد ممارسة صلاحياته ولا يخضع لتلاعب أجهزة رعاية الشباب أو الإدارة. الأمل معقود على كل عضو في الاتحادات الطلابية حتى تنضج تجربة الاتحادات وتتطور مع الوقت اعتمادًا على خبرات متراكمة تتناقل بين الأجيال.