الشمس: ماذا نعرف عن أقرب النجوم للأرض؟
من «ترنيمة آتون العظمى – Great Hymn to the Aten» – أرشيف تل العمارنة
لا يمكن أن توجد حضارة على الأرض لا تقدس الشمس أو تعرف دورها المباشر كأحد أسباب الحياة. من قدماء المصريين والصينين أقصى الشرق وحتى المايا والهنود الحمر أقصى الغرب. من العبادة والتقديس وحتى الخوف، كانت علاقة الإنسان بالشمس. والآن بعد آلاف السنين، لا يزال ذلك القرص الأصفر البعيد عنا ملايين الكيلومترات يشغلنا، فنصوب أجهزتنا لنراقبه ونرسل مسبارا وراء الآخر محاولين جاهدين أن نعرف المزيد عنه.
نجم المجموعة
مبدئيا نعرف أن الشمس هي مركز مجموعتنا ويتم التعامل معها* على أنها جسم كروي الشكل من الغاز بكتلة حوالي 2*10^30 كيلوجرام -أي أكثر من 332 ألف مرة كتلة الأرض و يقسم معظم العلماء الشمس إلى 3 مناطق رئيسية:
- باطن الشمس (The Sun’s Interior).
- الغلاف الجوي للشمس (Sun’s Atmosphere).
- السطح الفاصل بينهما (Sun’s Surface).
في رحلة تبدأ من قلب الشمس حيث درجات الحرارة الهائلة، وتنتهي في أعماق الفضاء البارد على بعد بلايين الكيلومترات. سنحاول التعرف أكثر على نجمنا المفضل: الشمس.
في قلب الشمس
كم تتوقع الوقت اللازم للخروج من متاهة معقدة؟ يوم أو شهر؟ ربما سنة؟ هل تتخيل أن تقضي مليون سنة للخروج من متاهة؟ بعض الفوتونات التي تصلنا الأرض قضت ملايين السنين قبل أن تستطيع الخروج من الشمس البالغ نصف قطرها 700 ألف كيلومتر. قد تكون مسافة كبيرة، لكن ليس للفوتونات التي تتحرك بسرعة 300 ألف كيلو متر في الثانية. كيف يحدث هذا إذن؟
يقسم العلماء باطن الشمس (The Sun’s Interior) إلى ثلاث طبقات رئيسية تحتل غالبية حجم الشمس الكلي. سنتحرك خلالهم من الداخل للخارج.
الآن نحن في قلب الشمس، حولنا الطبقة الأولى وتسمى المركز (Core)، وهي كرة تحتل ربع حجم الشمس تقريبا بدرجة حرارة هي الأعلى طبيعيا في المجموعة الشمسية وتصل إلى 15 مليون درجة مئوية. مكونة من بلازما** الهيدروجين والهيليوم بشكل أساسي وكثيفة جدا تصل إلى 10 مرات كثافة الذهب.
المركز هو مصدر طاقة الشمس حيث نرى الهيدروجين يتحول إلى هيليوم في تفاعلات اندماجية مطلقا كمية طاقة هائلة على شكل أشعة جاما ( Gamma Ray Photons) المكونة من فوتونات ذات طاقة عالية جدا، حتى أنها كانت لتكون مضيئة 10^13 مرة إضاءة الشمس الواصلة إلينا، لكنها سرعان ما تصطدم بالإلكترونات فتقل طاقتها وتتحول إلى أشعة إكس (X-Ray) ذات الطاقة الأقل. وتظل هذه الفوتونات لمئات الآلاف من السنين كي تستطيع الخروج من المركز الكثيف جدا إلى الطبقة التالية: المنطقة الإشعاعية.
نتبع الفوتون إلى المنطقة الإشعاعية (Radiative Zone) التي تمتد من نهاية المركز وحتى حوالي 70% من نصف قطر الشمس. تبدأ درجة الحرارة بالانخفاض لـ 7 ملايين وحتى 2 مليون درجة مئوية قرب نهاية الطبقة، والتي تعمل كطبقة عازلة تحافظ على درجة حرارة المركز وفيها يكون الإشعاع (Radiation) هو الطريقة الرئيسية لانتقال الطاقة الحرارية، حيث ينتقل كموجة كهرومغناطيسية. ويعتقد العلماء أن الإشعاع قد يستغرق مليونا وحتى 50 مليون سنة كي يستطيع الخروج إلى الطبقة التالية: منطقة الحمل الحراري.
نجد أولا أن الفوتون يمر بمنطقة تسمى خط السرعة (Tachocline)، حيث تدور منطقة الإشعاع مع المركز بشكل منتظم ومتجانس، عكس منطقة الحمل الحراري التي تدور حول نفسها بشكل غير منتظم. ويعمل خط السرعة كمنطقة انتقالية بينهما. ويسبب هذا أن الشمس تدور حول نفسها مرة كل 27 يوما عن خط الاستواء ومرة كل 31 عند القطبين.
الحمل الحراري (Convection) هو طريقة أخرى لانتقال الطاقة الحرارية لكن خلال الموائع (Fluids) حصرا مثل الغازات والسوائل. في هذه الحالة تكون البلازما هي الوسيط الذي تنتتقل خلاله الطاقة في هذه الطبقة التي تكون ذات كثافة ودرجة حرارة أقل تسمح بمرور تيارات الحمل الحراري (convection currents) ولذلك تسمى هذه الطبقة منطقة الحمل الحراري (Convective Zone). وهي تمتد من نهاية منطقة الإشعاع لمسافة حوالي 200 ألف كيلو متر. ويستغرق فيها الفوتون ما يقرب من 3 أشهر فقط للخروج منها أخيرا إلى سطح الشمس.
كرة الرياح
وصل الفوتون أخيرا سطح الشمس المسمى الغلاف الضوئي أو «فوتوسفير» (Photosphere)، حيث يمكنه التحرك بحرية لمسافة 500 كيلومتر هي سُمك الطبقة وبدرجة حرارة 5500 درجة مئوية. لا تدع كلمة سطح تخدعك فتتخيل أنه سطح صلب، فالكثافة هنا واحد من مليون كثافة الهواء. ننظر فنجد أننا محاطون بالبقع الشمسية (Sun spots) وهي مناطق داكنة ذات درجات حرارة أقل ويمكننا أن نتبع الفوتون إلى أي مكان في الكون. بعض هذه الفوتونات تصل للأرض ما يمكننا أخيرا من رؤية سطح الشمس.
بعد السطح نخرج أخيرا للغلاف الجوي للشمس (Sun’s Atmosphere). نجد أنفسنا في طبقة الغلاف اللوني أو «كروموسفير» لكنه غير مرئي من الأرض حيث يطغى ضوء الفوتوسفير من الخلف. لكن مادمنا قد وصلنا هنا، فلا شيء يمنعنا من التقدم نحو الطبقة الأخيرة وهي الهالة (Corona)، في البداية كما المتوقع تقل درجة الحرارة حتى تصل 2000 درجة مئوية، لكن لسبب لا نعرفه حتى الآن تزداد درجة الحرارة فجأة حتى تصل إلى 20 ألف درجة حيث يتم إنتاج الرياح الشمسية التي تمتد حتى ما بعد مدار بلوتو وتحيطنا في كرة هائلة تسمى الغلاف الشمسي أو «هيليوسفير» (Heliosphere).
وراء الشمس
مبتعدين أكثر عن الشمس، تقل درجة الحرارة تدريجيا. يمكننا أن نلوح في الطريق لكوكبنا بسرعة ثم نعبره لمدار المريخ حيث لا تصل أشعة الشمس كما تصل إلينا، فتنخفض درجة الحرارة إلى -63 مئوية. ثم نمر سريعا بالكواكب الخارجية ذات درجات الحرارة الأكثر انخفاضا من – 130 على المشترى وزحل إلى -200 درجة مئوية على نبتون وأورانوس. ونستمر حتى نخرج عن مدار بلوتو، لكننا ما زلنا داخل غلاف الشمس حيث نكون على بعد حوالي 6 بلايين كيلومتر عنها. يعتقد العلماء أننا سنجد أنفسنا حينها محاطين ببلايين الأجسام الصغيرة المتجمدة: نحن الآن في عالم المذنبات أو «سحابة أورت» (Oort Cloud) .
حدود المجموعة الشمسية
هل أردت يوما أن ترسل شخصا ما «وراء الشمس» باعتقاد أنه حتما مكان ساخن جدا يصلح للعقاب؟ حسنا، المنطقة «وراء الشمس» هي على العكس من ذلك: فسحابة أورت هي تجمعات كبيرة من الأجسام المتجمدة، حيث يعتقد العلماء أنها قد تمتد لمسافة 30 تيريليون كيلومتر فيما وراء مدار بلوتو كما يعتقدون أنها المصدر الأساسي للمذنبات (Comet)، هو في رأيي مكان سحري مناسب لنزهة ممتعة طويلة. ربما في المستقبل البعيد يمكننا أن ننظم رحلات لما «وراء الشمس». حيث «نطفو» مع ملايين المذنبات المتجمدة الصغيرة في سحابة أورت؛ فجاذبية الشمس هنا ضعيفة لا تكفي لجذبنا إليها، لكنها جاذبية كافية لسحبنا وراءها في حركتها الكونية. كما يمكننا أن نسبح داخل هذه السحابة العملاقة بسرعة الضوء لوقت قد يصل لـ3 سنوات لنصبح خارج المجموعة الشمسية تماما. لكننا رغم هذا سنظل داخل موطننا الأكبر: مجرة «درب التبانة» أو ما يسمى «الطريق اللبني» (Milky Way ).
نجم المجرة
الآن خرجنا من سحابة أورت إلى الفضاء بين النجمي داخل مجرتنا «درب التبانة»، لا شيء حولنا سوى الفضاء البارد وأضواء النجوم البعيدة، فأقرب نجم يبعد عن نهاية سحابة أورت المتوقعة أكثر من سنة ضوئية*** لكن لنستطيع أن نرى موقعنا داخل المجرة، علينا أولا أن نخرج منها، نتحرك مبتعدين عن المجرة البالغ قطرها 100 – 120 ألف سنة ضوئية، نراها كتجمعات هائلة لمليارات النجوم والكواكب والكويكبات، وكميات من الغاز والغبار تكفي لتكوين ما يقرب من مليار نجم جديد. كل هذه الأجسام والغبار تأخذ شكل ذراعين حلزونيين عملاقين يتوسطهما مركز المجرة -والذي يرجح أنه ثقب أسود كبير، حيث تبتعد الشمس عنه مسافة 25 – 30 ألف سنة ضوئية.
ذراعا المجرة الرئيسيين هما ذراع القنطورس (Scutum–Centaurus Arm)، وذراع حاملة رأس الغول (Perseus Arm). لكننا لا نقع في أي منهما، بل نقع في ذراع ثانوية ةسمى ذراع الجبار (Orion Arm) التي تخرج من حامل رأس الغول ( ويعتقد بعض العلماء أن ذراع الجبار تخرج من ذراع أخرى تسمى رامي القوس).
لنعرف أكثر عن موقع الشمس داخل «درب التبانة»، يمكننا أن نقترب قليلا لنتبعها وهي تدور حول مركز المجرة، وكما تدور الأرض حول الشمس في عام، تستغرق دورة الشمس 225- 250 مليون عام. ويسمى سنة كونية أو سنة مجرية (Galactic year – Cosmic year)، مما يعني أن آخر مرة كنا في هذا الموقع من المجرة، كانت الديناصورات لم تظهر على الأرض بعد. تتحرك الشمس بسرعة 800 ألف كيلومتر في الساعة. هذا يعني أنه خلال 90 ثانية، نكون قد تحركنا حوالي 20 ألف كيلو متر في مدارنا حول المركز، هذه أرقام «فلكية» لنا، رغم ذلك فالمجرة لا تزال مكانا واسعا جدا. لكن المجرة نفسها نقطة صغيرة داخل حدود الكون المعروفة لنا حتى الآن، هناك حيث لا يمكننا التعرف على الشمس بأكثر من كونها «نقطة بيضاء باهتة».
الهوامش
* المعلومات الواردة في هذا التقرير تتتبع النظام القياسي للشمس (Standard Solar Model).
** بلازما Plasma : الحالة الرابعة للمادة بعد الصلب والسائل والغاز. فالمادة الصلبة عندما تكتسب طاقة تتحول إلى سائل فإذا زادت هذه الطاقة تتحول المادة إلى غاز. وعند إضافة المزيد من الطاقة إلى الغاز يتحول إلى غاز متأين حيث تتحرر الإلكترونات من الذرة وتسمى هذه الحالة بالبلازما.
*** السنة الضوئية Light Year : هي وحدة لقياس المسافات في الفضاء. وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية وهي مسافة كبيرة جدا تعادل 9.5 تيريليون كيلومتر.