ماذا تواجه النساء الحوامل في غزة؟
منذ بداية أحداث طوفان الأقصى ونحن نتألم يوميًا لمشاهدة الضحايا من أطفال ونساء ورجال قتلوا دون ذنب، فقط كان حلمهم الحرية والتخلص ممن احتل وطنهم؛ لينعموا بالأمان والعيش في سلام في أرضهم التي ارتوت بدمائهم.
نتألم للمشاهدة جرحى وقتلى إخوتنا في فلسطين، فما وضع من يعيش كل هذا الصراع والخطر والتهديد وانعدام الأمان في كل ثانية؟ وماذا عن الأمهات اللائي يحملن أطفالهن وما زالوا أجنة لم يخرجوا للحياة حتى الآن؟ حيث يوجد نحو 50 ألف امرأة حامل في غزة يواجهن مصيرًا مجهولًا وأيامًا مؤلمة، لذا سأحدثك عزيزي القارئ عن بعض ما تواجهه النساء الحوامل في غزة من عواقب جسدية ونفسية مدمرة.
ماذا تواجه النساء الحوامل في غزة؟
نور فتاة عشرينية تحمل جنينها وقرة عينها بداخلها مدة سبعة أشهر تنتظر بفارغ الصبر ولادته، وكانت تتابع حملها في إحدى العيادات للاطمئنان على حالته وأخذ أدويتها، ولكن بدأ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر لترد إسرائيل بمنتهى الوحشية بالقصف المتتالي على المستشفيات والعيادات، وقتل المدنيين من النساء والأطفال والرجال من مختلف الأعمار.
انتقلت نور وزوجها من منزلها في الشمال وذهبت لتسكن في منزل مع أقاربها في الجنوب الذي يقطن فيه 25 فردًا حيث يتكون المنزل من غرفتين فقط، وحاليًا تعاني نقص التغذية حيث تذهب يوميًا للبحث عن الطعام ليكفيها هي وعائلتها فلا تجد.
لم تعد تتلقى المتابعة لحالتها ولا تحصل على المكملات الغذائية والأدوية اللازمة لحالتها، إضافة إلى الافتقار للماء العذب، وتدرك جيدًا أنها لن تستطيع الولادة بصورة طبيعية في مستشفى نظيفة ومعقمة وبها معدات وأنها لن تتلقى تخديرًا قبل الولادة وهي من أبسط الحقوق الآدمية.
هذه حالة وسط آلاف من الحالات التي تعاني الألم الجسدي والنفسي ونقص الموارد، فالنساء الحوامل حاليًا يواجهن في غزة ما يلي:
- عدم توفر التخدير اللازم لإجراء عمليات الولادة القيصرية حيث تجرى من دون تخدير، إضافة إلى خروجهم من المستشفى بعدها بساعات والجرح ما زال ينزف؛ لعدم توفر أماكن للبقاء في المستشفى لكثرة الجروح والإصابات التي تتلقاها المستشفيات.
- نقص المعدات وأدوات التعقيم لنقص الموارد والوقود والكهرباء التي تعمل بها كل الأجهزة، وحاليًا تجرى العمليات الجراحية بأنواعها في الممرات؛ بسبب كثرة الضحايا مما يجعل الجميع عرضة للعدوى.
- تضطر الحوامل للولادة أحيانًا في الملاجئ والمخيمات أو من دون طبيب ولادة طبيعية، والبعض الآخر يتعرض للإجهاض من كثرة ما يلاقيه من أهوال نفسية ونقص التغذية.
- تتعرض النساء الحوامل للإجهاض وآلام الظهر بسبب النزوح من الأماكن المختلفة والجري والهروب من القصف حفاظًا على حياتها وحياة جنينها.
- نقص التغذية فلا يوجد طعام كاف أو أدوية، إضافة إلى الافتقار للمياه العذبة مما يجعلهم عرضة للجفاف.
اقرأ أيضًا: القضية الفلسطينية
ما العواقب النفسية على النساء الحوامل في الحرب؟
لا تؤثر الحروب على صحة الحامل الجسدية فحسب بل تمتد إلى صحتها النفسية، فهي تدمر سلامها النفسي وشعورها بالأمان، وهو من أهم الدعائم النفسية التي تحتاجها أي امرأة، فما بالك بأنها أم تحمل جنينها وتخشى عليه من كل شيء وأي شيء بطبيعتها الفطرية.
عندما تحمل المرأة في مكان آمن دون حروب فإنها تخشى عليه أن يمرض وهو بداخلها أو يولد معاقًا أو يعاني من متلازمة ما أو ينقصه التغذية المناسبة، كلها مخاوف تتوارد على خاطرها بمجرد معرفتها بالحمل.
لكن الحامل في قطاع غزة أمر آخر فهي أم تعلم جيدًا أنها ستعاني لتحافظ فقط على بقاء جنينها، وتعلم أنها في الأقصى تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة وولادتها لن تكون بالأمر الهين حيث ستتألم أكثر من المعتاد، فلا نظافة ولا تعقيم ولا مكان للولادة أو متابعة فترة الحمل، إضافة إلى عدم وجود بنج لإجراء عمليات الولادة.
تتأثر الحالة النفسية للحامل بصورة كبيرة من الحروب والنزاعات، التي قد تسبب ما يلي:
- مشاكل في نمو وتطور الجنين ويمتد أثرها لما بعد ولادته حيث يتأثر تطوره لاحقًا.
- تعرض الأم لخطر الضغط النفسي والتوتر.
- زيادة حالات الإجهاض والتشوهات الخلقية وتمزق الأغشية.
- نقص وزن الطفل عن المعدل الطبيعي عند الولادة.
- زيادة خطر الولادة المبكرة وموت الجنين عند الولادة.
بدلًا من أن تسعد المرأة بقدوم طفلها إلى العالم تعيش كابوس من الرعب على أمان طفلها، وكيف سيأتي إلى العالم، وهل ستعيش وتتمكن من الولادة، هل سيولد الطفل سليم معافى؟
وماذا عن المأوى الآمن الذي يجب توفره للجنين عندما يأتي للحياة والملابس والطعام؟ ماذا إذا فقدته مثل آلاف الأطفال الذين قتلوا بفعل الاحتلال؟ ملايين من الاسئلة التي تثير القلق الذي يفتك بأرواح الأمهات.
كثرة المشاهدة العنيفة للقتلى والمصابين تثير الحزن والإحباط في النفس، فماذا عن الأم التي تخشى على طفلها من كل شيء حتى نفسها في وسط هذه الحروب؟ حيث وصل عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة خلال شهر واحد إلى 3542 طفل وهو أكثر من عدد الأطفال الذين قتلوا سنويًا في مناطق النزاعات منذ عام 2019.
اقرأ أيضًا: أطفال فلسطين: ماذا بعد الحرب؟
مضاعفات نقص المياه على الحامل
قد يستطيع الإنسان العيش بدون مياه مدة ثلاثة أيام بحد أقصى، ولكن ماذا إذا كان هذا الإنسان امرأة تحمل جنينًا بداخلها يحرم من المياه والارتواء لم يقترف ذنبًا سوى أنه سيأتي للحياة في عالم يملؤه ظلام الظلم والاحتلال.
يؤدي نقص المياه إلى الجفاف والذي قد يسبب مضاعفات خطيرة لكلا من الأم والطفل خلال فترة الحمل، حيث أن الماء ضروري لهما فهو يساعد على تكوين المشيمة التي توصل الغذاء للجنين، بالإضافة إلى دخول الماء في تكوين الكيس والسائل الذي يحيط بالجنين.
من مضاعفات نقص المياه العذبة على الحامل ما يلي:
- عيوب خلقية في الأعصاب للجنين.
- الولادة المبكرة.
- عدم القدرة على إدرار اللبن الكافي.
- قلة السائل حول الجنين والذي قد يسبب خطر الإجهاض.
مشاكل قلة الغذاء على الحامل
تشير النساء الحوامل إلى قلة الموارد والطعام بسبب التضييق ومنع الإمدادات من الخارج على الجميع في قطاع غزة، فالحامل لا تحتاج فقط إلى أي طعام وإنما تحتاج إلى طعام متكامل يحتوي على كل المغذيات الضرورية لصحتها ولضمان نمو الجنين بصورة سليمة.
إذا كان الغذاء يفتقر إلى المغذيات خلال فترة الحمل مثل: حمض الفوليك، والحديد، والكالسيوم، والزنك، واليود، فإن ذلك قد يؤدي إلى أضرار على صحة الحامل مثل:
- النزيف.
- موت الأم والجنين.
- تسمم الحمل.
- الأنيميا.
- موت الجنين في رحم الأم.
- قلة وزن الجنين عن الطبيعي عند الولادة.
- تأخر النمو في الأطفال.
ما عقبات النزوح وفقدان المأوى على النساء الحوامل؟
لا يوجد مكان آمن في غزة في الوقت الحالي لا مأوى أو منزل أو مستشفى، وقد تهدمت معظم المنازل ولا يوجد وقود أو كهرباء؛ لإدارة الأجهزة في المستشفيات وإجراء التعقيم والرعاية اللازمة للمرضى، فأعداد القتلى والمصابين مهولة مما يجعل النساء الحوامل في خطر انعدام الرعاية الطبية والمكوث في المخيمات.
تقول إحدى النازحات بعد تحطيم منزلها ومكوثها في المخيمات: إنها تكون محظوظة إذا حظيت في اليوم على قطعتي خبز مع جبن مصنوع وبضع من الزعتر الجاف مع زجاجة صغيرة من الماء، وهذا في الواقع قدر زهيد لا يناسب الإنسان الطبيعي.
يحتاج الفرد إلى شرب 3 لترات من الماء يوميًا، ولكن تحتاج الحامل إلى هذه الكمية إضافة إلى ثلث لتر على الأقل، أما المرضعة فإنها تحتاج إلى 3 لترات وثلثي لتر من الماء لكي تتمكن من إدرار اللبن لرضيعها، الأمر الذي جعل اللبن يجف لدى المرضعات بسبب نقص المياه وزيادة القلق من الانتقال من مكان لآخر.
لا يوجد في المخيمات رفاهية الطعام أو المياه، وبالتالي لا يوجد تغذية سليمة من بروتين وخضراوات وفاكهة؛ مما يعني أن جميع الحوامل في خطر حقيقي لفقدان أرواح الأجنة.
يسبب الوجود في المخيمات مع أعداد كبيرة من الناس إلى كثرة انتقال العدوى بخاصة مع استخدامهم لنفس الأدوات أو الحمام الواحد؛ مما يعني انعدام التعقيم ومن ثم كثرة الإصابة بالأمراض الجلدية أو أمراض الجهاز التنفسي، والأمراض المنقولة عبر الماء، إضافة إلى تزايد قلق النساء من الإصابة بالعدوى.
توجد السراير في المنازل ولكن بعدما تدمرت بفعل الاحتلال تنام النساء الحوامل الآن على الأرض، مما يزيد آلام الظهر إضافة إلى الوقوف في صف طويل للانتظار لدخول الحمام، وهو أمر متكرر لدى الحوامل نظرًا لضغط الجنين على المثانة.
تضطر بعض النساء للولادة في الشارع أو في المخيمات ويصعب الاتصال بسيارة الإسعاف لطلب وجود القابلة أو الطبيب للمساعدة على توليد الأم.
اقرأ أيضًا: طوفان الأقصى: كيف نفهم الهزيمة الإسرائيلية؟