ماذا تفعل قوات حفظ السلام في الدول العربية؟
في أحد اللقاءات، قال جوردن براون رئيس الوزراء البريطانى السابق:
كان هناك وقت يتاح للزعماء استشارة آلهتهم، فسأل كلينتون إلهه متسائلًا عن إمكانية السيطرة على قضايا تغير المناخ، فقال له إلهه: ليس في هذا العام ولا في هذا العقد وربما في حياتك كلها، ثم سأل رئيس المفوّضية الأوروبية إلهه متى سينتعش الاقتصاد العالمي؟ فرد عليه إلهه: ليس في هذا العام ولا في هذا العقد وربما ليس في حياتك كلها، ثم سأل الأمين العام للأمم المتحدة إلهه متى ستصبح الأمم المتحدة لها فائدة ؟ فبكى إلهه.
ربما يثير الحديث عن قوات حفظ السلام ودورها في إيقاف النزاعات حديث الذكريات عن عجزها في منع المذابح العرقية المأساوية في دول البلقان ورواندا والصومال. وبالنظر للمنطقة العربية حيث تتناثر القوات الدولية في مناطق نزاعه، خاصة حول إسرائيل، تبرز بعض الأسئلة حول أدوارها والإشكاليات المتعلقة بالقوات وقدرتها في إحلال السلام في مناطق النزاع، وهل تنعكس التحولات في المنطقة على خريطة توزيع القوات ووصف مهامها؟.
الأمم المتحدة، من كان بيته من زجاج
هناك علاقة وثيقة وتبعيّة بين طبيعة دور قوات حفظ السلام مع تطور دور الأمم المتحدة، فمن مرحلة الشلل في حقبة الحرب الباردة إلى محاولة توسيع القدرات لتواجه نزاعات داخلية صاخبة وإرادات هيمنة أثرت بشدة على سمعة القوات وقدرتها.
في نفس الوقت أخفقت المؤسسة الأممية في فرض مفهوم الأمن الجماعي وهي قدرتها وقوتها كسلطة دولية في حل النزاعات سلميًّا، ليجسّد حق الفيتو وانتشار التحالفات العسكرية وازدواجية المعايير أهم ملامح هذا العجز.
آلية عمل قوات حفظ السلام
تعددت أبعاد وأدوار القوات الدولية لحفظ السلام، فتقوم بتسهيل العملية السياسية، وحماية المدنيين، ونزع سلاح الأطراف المتصارعة، وإعادة دمجهم، وبناء السلم، وتعزيز حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وحديثًا الإشراف على العملية الانتخابية كما حدث في نيكارجوا وموزمبيق.
وتعتمد القوات على عدة وسائل في عملها أهمها إرسال مراقبين لمراقبة الأوضاع وإرسال التقارير، وعبر إمكانية القيام بعمليات أمنية وعسكرية لأهداف إيقاف إطلاق النار والحيلولة دون تجدد الأعمال الحربية تمهيدًا لتسوية النزاع، والإشراف على انسحاب القوات المتنازعة.
وتنتشر القوات الدولية برضا الدول المضيفة والأطراف المتنازعة وتستمر في وجودها باستمرار هذه الحالة، كما تلتزم القوات بالحياد وعدم استخدام القوة المسلحة إلا في حالة الدفاع الشرعي.
نجاحات قليلة وفشل الكثير
رغم المحاولات المتكررة للأمم المتحدة لتطوير قدرة قوات حفظ السلام عبر إضافة مهام الدبلوماسية الوقائية وصنع وبناء السلام وحق التدخل الإنساني، لكنها واجهت عقبات أجهضت هذه المحاولات.
فتأثر عمل القوات بالجوانب المالية والخضوع للابتزاز للتهديد بإيقاف التمويل، والاعتبارات السياسية والصعوبات الخارجية والداخلية واستقرار الأوضاع وتوافر الموارد البشرية، كما أثّر فيها سوء التخطيط ومركزية القيادة.
كما عانت قوات حفظ السلام من تهديدات متزايدة أهمها التعرض لحوادث القتل والاختطاف لعناصرها كما الحصار لبعض مراكزها، وذلك لأسباب منها ضعف البنية الأمنية للدول واتساع رقعة الصراع.
ماذا تفعل قوات حفظ السلام في الدول العربية؟
ومجال التناول هنا هو قوام القوات وممّ يتكون وأهداف القوات وما تفعل.
1. اليونيفيل
قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنانتشكلت تلك القوات في لبنان وفقًا لقرارات مجلس الأمن عام 1987 بأهداف تأكيد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وإعادة السلام والأمن الدوليين، ومساعدة الحكومة اللبنانية على بسط سلطتها.
ومع حرب صيف 2006 تم زيادة بعض الأهداف للقوات، وهي رصد وقف الأعمال العدائية والتعاون مع السلطة اللبنانية في إخلاء السلاح لما وراء نهر الليطاني، كما تشمل أيضًا بعض الأنشطة الإنسانية الموجهة للسكان متعلقة بالعودة لديارهم وتقديم المساعدات.
ويبلغ قوام القوات اليوم حوالى 10 آلاف من القوات النظامية تشارك فيها دول أهمها فرنسا، وإسبانيا، وماليزيا، ونيبال. وبلغت الخسائر في الأرواح في صفوف القوات الدولية وفقًا لأرقام الأمم المتحدة 308.
وتلعب القوات الدولية دور العازل في الجنوب اللبناني بين إسرائيل وحزب الله، فالحفاظ على استمرار عملها – رغم عدم انقطاع المناوشات – ضمان لعدم نشوب حرب واسعة بين الطرفين اﻵن.
2. اليوندوف
قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الجولان، يوندوف.أو قوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك في سوريا، والتي تم إنشاؤها وفق مبادرة أمريكية لوقف الاشتباك بعد ما يقرب من عام من حرب أكتوبر 1973. وتحتفظ القوة بمساحة عزل يبلغ طولها 75 كيلو مترًا وعرضها يتفاوت بين 10 كيلو و 100 متر، وغير مسموح لأي قوات غيرها بالتواجد فيها، ويعدّ أكبر تمركز للقوات على جبل حرمون.
وكان قوام تلك القوة يقترب من اﻷلف جندي نظامي بجانب 158 مدنيًّا، تم زيادته إلى 1250 مع ما تلا الثورة السورية من أحداث، فتمت زيادة تدابير القوة للدفاع عن النفس خاصة مع انسحاب البعثة النمساوية؛ لتعرضهم لتهديدات منها الخطف وإطلاق النار والاستيلاء على بعض مرافق اﻷمم المتحدة. كما أن دخول جماعات المعارضة المسلحة للمنطقة العازلة تبعه توسع لقوات الجيش النظامي مما يهدد اتفاقية فك الاشتباك ويلقي بأعباء أكثر على القوة الدولية.
3. المينورسو
تشكلت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية وفقًا لقرار مجلس الأمن عام 1991 لحل النزاع حول الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو وموريتانيا، وتهدف البعثة بجانب إشرافها على عملية الاستفتاء – بإشكاليات تحديد هويات الناخبين وتسجيلهم – فهي تقوم بمراقبة وقف إطلاق النار والتحقق من تخفيض عدد القوات المغربية، كما يتضمن العمل محاولة الكشف عن الألغام غير المنفجرة.
ويبلغ قوام القوة الدولية 482 عنصرًا نصفهم أفراد نظاميون و اﻵخرون مدنيون. وتعمل البعثة في ظل ظروف سياسية متوترة بين الدول المجاورة خاصة بين الجزائر والمغرب، وفي ظل سيناريوهات متفاوتة بين ضرورة تنفيذ الاستفتاء أو سحب البعثة الدولية، مع طول أمد النزاع.
4. يوناميد
أطفال سودانيون مع مدرعة تابعة للأمم المتحدة.أو العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور، وهي تعمل منذ عام 2007 بقرار مجلس الأمن 1769،بأهداف دعم تنفيذ اتفاق سلام دارفور ومنع شن العمليات المسلحة وحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية عبر المساهمة في عودة الأوضاع الأمنية، والمساهمة في تعزيز احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، كما الرصد للحالة اﻷمنية على الحدود مع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.
ويبلغ قوام القوة الدولية في دارفور أكثر من 21 ألفًا، يعتبر القوات النظامية فيه 17 ألفًا والموظفون المدنيون أكثر من 3 آلاف والمتطوعون 153.
ورغم الميزانيات الضخمة التي وصلت لـ مئات الملايين والمدة التي قضتها البعثة لأكثر من 8 سنوات، لكنها لم تنعكس على الأوضاع السياسية والأمنية في الإقليم. بالعكس أصبحت القوات هدفًا سهلًا للمسلحين، فعدد الخسائر في الأرواح للقوة الدولية بلغ 222.
5. القوات المتعددة الجنسيات والمراقبون في سيناء
أو MFo، وهي قوات دولية بإدارة أمريكية مقرها روما، ولها مكتبا اتصال في مصر وإسرائيل وليست تابعة للأمم المتحدة، وتتمركز بالجورة جنوب الشيخ زويد.
بعض جنود القوات المتعددة الجنسيات في سيناء يقفون في صمت عقب استهداف أربعة جنود أمريكيين بعبوة ناسفة في الرابع من سبتمبر 2015.وتهدف هذه القوات للتأكد من تنفيذ مصر وإسرائيل لاتفاقية كامب ديفيد عبر ٣٥ برجًا ومركز مراقبة ونقطة تفتيش شرق سيناء، وضمان حرية الملاحة في مضيق تيران.
ويبلغ تعداد هذه القوة حاليًا حوالى ١٧٠٠ فرد تتصدرها الولايات المتحدة ب 750 فردًا، تليها الدول الرئيسية في تلك القوة وهم فيجي وكولومبيا بحوالى 350 لكل منهم، بميزانية ارتفعت عام ٢٠١٤ لنحو ٨٢ مليون دولار.
وتأتي استهدافات القوة من قبل المسلحين وتنظيم داعش في ظل أوضاع أمنية متدهورة في سيناء ليثار الجدل حول جدوى استمرار هذه القوة، خاصة مع تسليحها الخفيف والتفاهمات المنتظمة بين القاهرة وتل أبيب والتنسيقات الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب، لكن تظل التصريحات الإسرائيلية رافضة لفكرة سحب هذه القوات.
قدرات متواضعة وواقع معقد
رغم الميزة المهمة المتوفرة للأمم المتحدة وأدواتها أنها ليست دولة، وتمكنها من تأسيس بعض التجارب الناجحة مثل ما تم في سيراليون وإنجاح عملية الانتخاب بعد حرب طويلة، لكن لحق الفشل أغلب تدخلاتها في المنطقة العربية؛ نظرًا لتعقد حسابات القوة في صراعات المنطقة ولعدم وجود توازن قوة يسمح بعملية سلام دائمة في معظم مناطق الصراع. ورغم عدم قيام حروب كبرى بعد معظم عمليات الأمم المتحدة بالمنطقة، إلا أن المناوشات المتقطعة قد يكون أعداد ضحاياها وخسائرها المادية أكبر من بعض الحروب.
ويعدّ مجرد إرسال قوة لمنطقة لمحاولة عمل شيء دون وجود سياسات محددة والتوسع في عمل القوات دون قدرات حقيقية وانعكاس انحيازات مجلس الأمن على نطاق عملها، من أسباب إخفاق تلك القوات في عملها.
لتخلق هذه الحالة مع التحولات العربية نوعًا من إعادة الترتيب والذي سيشمل حتمًا مكان ووظيفة القوات الدولية، والتي صنع طول مدة تمركزها عربيًّا تحولًا في أدوارها أفقدها جزءًا كبيرًا من فاعليتها، فالسلام منطقيًّا لا يأتي بالتموضع لكن يبدأ من اليوم الذي ينتهي فيه هذا الوجود الدولي.