ماذا تخبرنا وحوش جييرمو ديل تورو عن أنفسنا؟
يتذكر المخرج المكسيكي «غييرمو ديل تورو» صفقة أبرمها في طفولته مع الوحوش أسفل فراشه بأصابعها الخضراء التي تمتد للإمساك بقدمه متى انحسر عنها الغطاء، صفقة قوامها أن يتركوه يجد طريقه في الليل لدورة المياه دون هجوم غادر، وفي المقابل سيكون صديقًا لها للأبد.
يؤمن «ديل تورو» بأن ما بدأ كصفقة اضطرارية مع وحوش وليدة مُخيلة مُتقدة، تطور ليصير احتياجًا جماليًا، كبر الطفل ووجد طريقه لما هو أبعد من دورة المياه، لعالم خارجي أكثر تعقيدًا، وحوشه ليست خضراء مذعورة يُمكن عقد وفاق معها إنما جماعات شتى، كل جماعة تلفظك خارجها، تؤطر وحدتك وتصمك بالنبذ. لغرابة ما مُلتصقة بك تجعل قبولك وذوبانك في أمان أي قبيلة عسيرًا.
بالوقت وجد «ديل تورو» في وحوشه القديمة جماعة بديلة، تقبل غرابتها وتقبلت غرابته، لم يعد رابطه بها صفقة سلام، بل إحساسًا قويًا بالتماهي مع مُعاناتها، صار الطفل شابًا لا يتماهى في ما يشاهده مع الأمير أو البطل أو الفارس، إنما فرانكشتاين وبينوكيو ودراكولا المنبوذون في وحدتهم، والمُبتلون بعيوب صناعة تجعل العالم وحشيًا في استقبالهم، صارت فرادتهم انعكاسًا لفرادته، ومُعاناتهم في نيل القبول انعكاسًا لمعاناته الشخصية.
تولد القصص الخيالية Fairy Tales من رغبة الكبار في إعداد الصغار للعالم، من خلال قصص تحذيرية، تخبرنا ألا ندعو الوحش للدخول، أن نفطن لأنياب الذئب المُتخفية في ثوب الجدة الطيبة، دومًا هناك اختبارات، ثم محنة، ثم جائزة تُكافئ السلوك الطيب.
يؤمن «ديل تورو» بأن القصص الخيالية هي أداة سحرية في إعدادنا للواقع من ناحية لكنها من ناحية أخرى أداة مُرعبة في تبسيط هذا الواقع، تتحمل تلك القصص مسؤولية تعريف كل ما هو جميل، وكل ما هو وحشي، تدور كل أفلام «ديل تورو» حول تلك الثنائية التي تُبسطها القصص الخيالية، فأنياب الذئب ولعابه الذي يسيل بتقزز يُخبراننا عن وحشيته، وملامح الأميرة البريئة تفصح عن الجمال بينما في أفلام ديل تورو تنقلب الآية، ونضطر لتحمل مسؤولية وصال واقع لا يقدم لنا الجمال في قالب البراءة والوحشية في قالبها الهمجي.
في تلك الأفلام تنهار الثنائيات البسيطة، ويتبدى الواقع مثل تيار جموح علينا خوضه دون تحيزات مسبقة، علينا خوض المغامرة بأنفسنا ووصال الوحوش أسفل فراشنا، ووصال الجميل والمرعب بدواخلنا ومنحهما تعريفًا أكثر أصالة وأقل بساطة من حكاياتنا القديمة، ولوهلة بعد هذا الوصال قد نجد في فرانكشتاين شخصًا طيبًا وفي أميرة جميلة شرًا مُخيفًا.
الفانتازيا تجاور الواقع في حبكة واحدة
تدور أهم أفلام «ديل تورو» دومًا في حقبة فاشية، يبدأ فيلمه «Pan’s Labyrinth» في عام 1944 إبان الحرب الأهلية الإسبانية، حيث يطارد الجيش الفاشي فلول المُتمردين، بينما تدور أحداث فيلمه «The Shape of Water» في ذروة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، التي تصم المناخ العام بضيق الأفق والتأهب الفاشي لعدو خفي يختبئ في كل صوب ولأجله تُخرس كل أصوات الحكمة، وحتى فيلمه الأخير «Guillermo del Toro’s Pinocchio» الذي يستعير فيه قصة الكاتب الشهير «كارلو كولودي» يُعيد تدويرها لتبدأ مع الحرب العالمية الأولى وتنتهي بصعود فاشية موسوليني في إيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية.
في الحكايات الثلاثة لا نجد عالمًا واقعيًا مُغلقًا على شروطه، أو عالمًا فانتازيًا مُغلقًا على قوانينه، إنما يُجاور العالم الفانتازي الماورائي، العالم الواقعي القاتم، ويتداخل معه.
تكتشف الطفلة «أوفيليا» العالم السحري في «متاهة بان» جوار معسكر الجنرال «فيدال»، بينما في The Shape of Water يُحضر الجنود الأمريكيون وحشًا بحريًا من غابات الأمازون لمنشأة عسكرية لاختباره كسلاح ضد السوفييت، وحش كان يعبده المحليون ويقدسونه كإله سحري خارق، وفي «بينوكيو» نُسخة تورو تقتحم الدمية الخشبية الكنيسة وسط ذهول رجل الدين والجنرال والسكان، تقتحم الفانتازيا الواقع وتُعرف عن نفسها.
لا يجد ديل تورو هذا التداخل الذي يصنعه بين جوهرتين مختلفتين مُقحمًا أو غريبًا، إنما هو جوهر ثقافته ذاتها، يقول تورو إنه عندما غزا الإسبان الكاثوليك أمريكا اللاتينية، المثقلة بأديان وأساطير وآلهة شتى، لم يكن هناك مفر من خلق مزاوجة بين واقع الغزو الأيديولوجي وأساطير رفضت الشعوب التخلي عنها، فظهرت مسيحية لاتينية دمجت في نسيجها كل الوحوش، حولتهم تارة لملائكة وتارة لشياطين.
تلك المزاوجة بين الواقعي ولو كان مرعبًا في صورة حرب وغازٍ قادم من وراء البحار، والفانتازي في صورة حكايات سحرية يتمسك بها رجل محلي في وجه قوة إمبريالية، هي جوهر أفلام ديل تورو، ومن رحم هذا اللقاء ولدت المكسيك التي صنعته على صورتها، ولكن ما الذي يُمكن أن تقدمه الفانتازيا والحكايات السحرية لواقع فاشي في تلك الحكايات؟
لا توجد حكاية خيالية أكثر سحرًا من الفاشية
عندما نرى دُمية خشبية، تتحرك أعيننا فورًا بحثًا عن الخيوط التي تُحركها، فالدمية رمز الاستلاب الكامل للإرادة، لكن يحضر بينوكيو ديل تورو بصورة مُخالفة فيبدو المخلوق الوحيد المُتمسك بإرادته بينما البشر الأحرار حوله هم دمى مشدودة بحبال خفية للجنرالات، ورجال الدين، وكل سلطة تمنح المعنى وتبتز رعاياها به.
ينظر بينوكيو إلى تمثال المسيح الخشبي، ويسأل أباه:
«أنا مصنوع من المادة ذاتها، لماذا يُحبونه ولا يحبونني؟»
المسيح المثالي في إيطاليا موسوليني هو مسيح خشبي صامت، عيناه مُغلقتان على آلامه في خشوع مُستسلم، يحضر بينوكيو كمسيح مُشاغب، يثير السخط والأسئلة بتمرده في كل سياق ليُلهم الجميع لإيجاد خيوطهم التي تُحركهم وقطعها كما فعل، تنقلب الصورة بالفانتازيا وتصير الدمية المستسلمة رمزًا للحرية.
بينما في The Shape of Water يصم الأمريكيون الوحش القادم من الأمازون بالهمجية والبربرية، بينما الدم يسيل من العصى الكهربائية المُستعملة في ترويضه، يحقق الوحش وصاله مع عاملة نظافة بكماء، غريبة ومنبوذة مثلما يرى تورو نفسه دومًا، عبر وصالها يكشف الوحش عن قدرات شفائية يملكها، عن حب وحميمية تُغطيها حراشفه، تجد نفسها محبوبة ومرئية لأول مرة بعيون وحش هجين كما رأى تورو نفسه منتميًا لقبيلة وحوشه الخيالية.
في مشهد بديع يقابل الوحش حبيبته أمام شاشة سينما تعرض فيلمًا هوليووديًا تاريخيًا قديمًا، يصنع تورو مُقابلة بديعة بين الحكايات الخرافية الأمريكية على الشاشة والحكاية الخرافية التي يعرضها، كأنه يبشر بسينما جديدة، وبينما تنتهي قصص الخرافة الأوروبية بقبلة تُعيد الوحش أو الضفدع لصورته الآدمية، لا يُغير الوحش نفسه في دراما تورو بل تتحول البطلة في النهاية لتصير على صورته.
لا تحضر الفانتازيا كل مرة لتقدم بديلًا جماليًا لشرور الحكاية الفاشية، إنما أحيانًا تعقد مشابهة مخيفة معها، في «متاهة بان» نجد الجنرال «فيدال» الذي يحاول منذ ظهوره الأول فرض الطاعة على الجميع، ولو بتعليم فتاة صغيرة فنون المصافحة بقبضة قوية، لكن يجاوره في توازي السرد شخصية Fauno المخلوق الخرافي الذي يشرح لأوفيليا قوانين العالم السُفلي وما يجب أن تفعله لتتحول لأميرة خالدة.
يطلب الجنرال فيدال من الجميع الطاعة باعتبارها جوهر الفاشية، طاعة عمياء مع وعد بعالم أفضل، وهو الوعد ذاته الذي يقدمه Fauno لأوفيليا، عليها ألا تسأل، أن تطيع وحسب، يكتسي العالم الفانتازي بطابع الفاشية نفسها حتى لحظة الذروة عندما يطلب Fauno من أوفيليا ذبح أخيها الرضيع كقربان لتحولها أميرة خالدة، وهو ما تطلبه الفاشية كل يوم من الجنود، قتل أبرياء كقربان لحلم يوتوبي خالد ووطني.
لا تكشف فانتازيا ديل تورو وشخوصها عن بديل جمالي وحسب لواقع فاشي، إنما يُقدم الفاشية نفسها باعتبارها في جوهرها ليست أيديولوجية سياسية، إنما الحكاية الخرافية في أشد صورها خطرًا، حكاية خيالية تُبسط العالم إلى أبيض وأسود، جميل وقبيح، ثنائيات اختزالية عنصرية تُقدم في قالب ساحر، وتسلب بسحرها إرادة الملايين، تلك هي خطورة الفانتازيا في نظر ديل تورو فهي لا تحضر وحسب لإنقاذ العالم الفاشي بالتضاد بينها وبينه، إنما تحضر بالأساس لأنها من جنس مادته، حكاية خيالية تجاور حكاية خيالية، وتحاول علاجها، لذلك يقول تورو عن السينما خاصته إنها:
«حكايات خرافية للأوقات المظلمة من التاريخ»
في كل أفلام ديل تورو يوجد جنرال فاشي يُبشر بالطاعة المطلقة، مثل «فيدال» في متاهة بان و«ستريكلاند» العميل الأمني في The Shape of Water و«بوديستا» الجنرال الإيطالي في بينوكيو، لا تقف تلك الشخصية بتجلياتها كممثلة لعالم الواقع إنما كممثلة لحكاية سحرية في أشد صورها وحشية، لا تخلو الفاشية أبدًا من ديكور الحكاية الخيالية، الاستعراضات، الرايات، الألوان، الشعارات، والشارات، فهي حكاية فانتازية خرافية مهما ادعت واقعيتها، ولا يكشف بؤسها إلا فانتازيا حقيقية أكثر إنسانية تجاورها وتفضحها وهذا ما يفعله تورو.
الواقعية السحرية في سينما ديل تورو
قبل تقديم فيلمه «متاهة بان» الذي صنع شهرته العالمية، حاول ديل تورو في البداية عرضه على أحد أستوديوهات هوليوود، أعجب منتج به بشدة لكنه اشترط عليه أن يستأصل العُنف منه، العنف في رأيه لا يليق أبدًا بفيلم سحري عن جنيات غابات وعالم سفلي تحكمه أميرة خالدة أنجبها القمر.
يؤمن ديل تورو أن مزاوجة الواقعي بالسحري أو الواقعية السحرية هي خصوصية لاتينية بسبب قارة خلقت وفاقًا بين إيماناتها، وغازٍ إمبريالي كان لابد من مُعايشته باستراتيجيات نجاة شتى، تلك المزاوجة لن يفهمها الرجل الأبيض أبدًا، يقول ديل تورو:
«لو أخبرت الأمريكيين عن جبل سحري من زجاج تتسلقه أميرة، سيوقفونك في منتصف الحكاية ليسألوك عن منطقية وجود جبل من زجاج وكيف تتسلقه الأميرة؟ بأي أدوات؟»
لن يفعل مكسيكي ذلك أبدًا، سيستسلم لتيار الحكاية بحثًا عن الحقيقة الشعورية فيها، الرجل الأبيض سيبحث عن الحقيقة الواقعية، أما المكسيكي سيبحث عن الشعور المتولد أخيرًا، من دمج معطيات واقعية بحبكة سحرية لأنه فعل ذلك منذ قرون، وصنع ثقافته كاملة على تلك المزاوجة.
نجد حكايات ديل تورو الخرافية عصية على التصنيف، بينما قاعدة الحكايات الطفولية هي البعد عن العنف، في الأفلام الثلاثة التي يحلل عبرها المقال سينما ديل تورو، يموت الأبطال بعنف دموي واقعي ثم يتعرضون لإحياء وبعث سحري، تموت أوفيليا برصاصة الجنرال، وتعود حية كأميرة خالدة، تموت البكماء إليزا برصاصة العميل الأمني وتعود حية كحورية مع الوحش الذي تُحبه في الماء، يموت بينوكيو ألف مرة ويعود بلعنته السحرية للواقع.
بينما قاعدة الحكايات الخرافية أن يحيا البطل دومًا بطاعته لقوانين العالم الفانتازي مثل الحذر من دعوة مصاص الدماء أو العجوز الساحرة للمنزل، يجد الأبطال خلاصهم في سينما ديل تورو بمخالفة قوانين الفانتازيا، ترفض أوفيليا التضحية بأخيها، وترفض إليزا ترك الوحش، ويرفض بينوكيو تحذيرات ربة العالم السفلي بأن يبقى وقتًا كافيًا في عالم الموت قبل كل عودة، يتخلى عن خلوده الخشبي لينقذ أباه.
كأن ديل تورو يخبرنا بأن القاعدة الوحيدة الإنسانية في عالم الواقع أو الفانتازيا أن يجد البطل أصالته باختياراته، الطاعة في ذاتها هي جوهر الشرور، والجنرال المخيف في أفلامه يُشابه وحوش عوالمه السحرية، كل كيان يخبرك أن تطيع دون تفكير هو وحش يصطنع ديل تورو أفلامه للتحرر وتحرير المجتمع منه. سواء ارتدى ثيابًا عسكرية أو حراشف وهالة سحرية.
بينما قاعدة الحكايات الخرافية الحفاظ على البراءة، نجد في بداية فيلم The Shape of Water الفتاة إليزا تقوم بفعل الاستمناء كجزء من روتينها اليومي، بينما في فيلم متاهة بأن يقوم الجنرال بمسخ وجه فتى بريء بزجاجة أمام أبيه، بينما يواجه الجنرال بوديستا في بينوكيو ابنًا ساخطًا يوشك على قتله.
صنعت الحكايات الخرافية في عوالم الرجل الأبيض لإعداد الأطفال للعالم دون تحطيم براءتهم، لتقديم العالم في سياقات محكية محكومة تقدم حكمتها ولا تخدش براءة المتلقين، بينما ولدت الحكايات الخرافية في ثقافة ديل تورو نتيجة مزاوجة الواقعي والسحري في مواجهة إمبريالية بين ثقافة غازية وثقافة مُقاومة لذلك مهما خلقت تلك المزاوجة من حيل جمالية للنجاة فالدم والانتهاك وفقدان البراءة عناصر المشهد الأساسية؛ لأنه مشهد دموي بالأساس، لا يمكن أن تخلو منهم الفانتازيا، لذلك يُجسد ثقافة ديل تورو الوحش الأمازوني في The Shape of Water، وحش يُمكنه القتال، يمكنه ممارسة الجنس، يمكنه بذل الحُب، يُمكنه تقديم الشفاء، ممارسات مُتضاربة تجعله منبوذًا ولا يمكن فهمه إلا كسلاح في ثقافة الغرب (الأمريكي أو السوفييتي)، أو كما قال العميل الأمني الموكل بترويضه إن الرب خلق البشر على صورته وصورته هي الرجل الأبيض، وما دون تلك الصورة هم وحوش، تلك المكونات لا يمكنه فهمها أبدًا بينما تلك المكونات المتضاربة تصنع من الوحش إلهًا في الأمازون، موطن قارة وثقافة ديل تورو.
ماذا تخبرنا وحوش ديل تورو عن أنفسنا؟
يقول ديل تورو إن سبب لجوئه الدائم للقصص الخرافية والفانتازيا لسرد قصصه، هو أن التاريخ مُتغير، ما وصفناه بالأمس تحضرًا، نصفه اليوم بالبربرية، وما بدأ في الماضي كاستعمار لمنح الأمم المتخلفة تحضرها نُعرفه اليوم كإمبريالية وحشية، لكن القصص الخرافية في الماضي ظلت كما هي، القصص الخرافية وسيط لا يموت، لأنها احتياج لا غنى عنه لننتقل من عوالم البراءة للواقع.
في «متاهة بان» تفشل أوفيليا في أحد الاختبارات السحرية عندما تقطف حبة عنب من وليمة تم تحذيرها مرارًا من الأكل منها، في إشارة لتفاحة آدم، الخطيئة البسيطة التي بدأت هذا العالم.
يستغل ديل تورو قوة الحكايات الخرافية كوسيط لا يموت ولا يتغير، في تحويله إلى جوهرة ثقافية، تقدم حكايات خرافية جديدة ولكن للكبار، بلون ثقافته، حكايات تمتلك سحر الخرافة، وكذلك تحذيرًا مخيفًا، قوامه أن الفاشية لا تموت؛ لأنها في جوهرها حكاية خرافية، تُستعاد بعد هتلر وستالين وموسوليني في ألف شكل وألف صورة، بعدد الوحوش الخياليين والذئاب والسحرة العجائز في القصص القديمة الذين يخبروننا أن نطيعهم ونسلم إرادتنا بإغراء لهم.
يخبرنا ديل تورو أن النجاة الوحيدة من حكاية خرافية استحكم حضورها واختزلت العالم في ثنائيات عنصرية لجميل وقبيح، متحضر وهمجي، أبيض وأسود، هي وضع الفانتازيا والواقع جنبًا إلى جنب في نسق حكاية واحدة، لنرى المُشابهة، مجاورة صنعتها ثقافته مرارًا لذلك يستخدم تورو ثقافته ذاتها ليخبرنا عن أنفسنا ما لا نُحب سماعه، أن البشر لا يكبرون، فقط تتغير الحكايات الخرافية التي يؤمنون بها، من قصص السحر والجميلة والوحش في الطفولة، لفاشية وأيديولوجيات مخيفة في الكبر، والمجاورة وحدها تفضح جمالية الخرافة وسطوتها وسحرها، وكيف لنا أن نتحرر بها…ومنها؟