ماذا فعلت ميار شريف كي يحتفي بها المصريون بهذا الشكل؟
إن سألت متابعًا للعبة التنس فإنه على الأغلب سيخبرك بأن لعبة النبلاء تعيش عصرًا مشابهًا لما تعيشه كرة القدم؛ سيطرة مطلقة من ميسي ورونالدو يقابلها سيطرة الثلاثي روجر فيدرير ورافايل نادال ونوفاك جوكوفيتش.
وكما يقضي عصر الثنائي الذهبي آخر أيامه في كرة القدم، يعيش عصر الثلاثي الذهبي آخر أيامه في التنس. لكن من ضمن البصمات الخارقة التي تركها الثلاثي بصمة الماتادور الإسباني نادال، عبر فوزه ببطولة رولان جاروس (إحدى بطولات جراند سلام الأربعة) 12 مرة، وهو رقم مرعب بكل المقاييس.
لذلك إن سألت أحدًا عن رولان جاروس فسيرد عليك باسم نادال، لكن في سبتمبر/ أيلول 2020 إن سألت مصريًّا نفس السؤال فعليه أن يجيبك باسم نادال وميار شريف.
إنجاز غير مسبوق
تمكنت ميار شريف من كتابة اسمها بأحرف من نور في تاريخ التنس المصري بشكل خاص، والألعاب الفردية بشكل عام، عندما أصبحت أول لاعبة مصرية تتأهل إلى الدور الرئيسي لبطولة «رولان جاروس» بفرنسا، بل هي المصرية الأولى التي تفوز بمباراة في أي بطولة من بطولات جراند سلام.
وخاضت ميار 3 مباريات في الأدوار التمهيدية كي تتمكن من تحقيق ذلك، وفي طريقها تغلبت على منافستها الإيطالية جوليا مونتيوني 2-0 بعد الفوز بمجموعتين بنتيجتي 6-1 و6-3، وقبلها الأمريكية كاتي مكنالي بمجموعتين بنتيجة 6-2 و6-4، والكولومبية ماريا أوسوريو بنتيجة 6-4 و6-0.
أنت الآن تحاول استيعاب الأمر، وتتساءل هل يعد الفوز بمباراة أو التأهل للدور الرئيسي إنجازًا؟ بالتأكيد، لأن الألعاب الفردية تختلف كثيرًا عن الألعاب الجماعية – الأكثر شعبية في منطقتنا العربية – وفي حالة ميار يمكننا تشبيه الأمر باللعب ضمن منافسات دوري أبطال أوروبا بكرة القدم، هل وصل إليه الكثيرون من المصريين أو العرب؟ بالطبع لا.
صعود الجبل
حال التنس المصري كحال معظم الألعاب الفردية، يفتقد للاهتمام والشعبية سواء من الجماهير أو من القائمين على الرياضة، على الرغم من أنه أحد أقدم الألعاب التي عرفها المصريون، والتي جلبها الإنجليز إلى مصر في عام 1882، ولم يكن مسموحًا بإنشاء أي نادٍ دون أن تحتوى منشآته على ملعب تنس.
ورغم قدم اللعبة، ظل ملعب التنس الإجباري حكرًا على الهواة وإن مر عليه بعض المحترفين والمحترفات، فطول الطريق وصعوبته كانا كفيلين بألا نسمع أسماءهم، حتى حضرت ميار.
التي بدأت مشوارها مع التنس بالإضافة للعبة الريشة الطائرة في سن صغيرة، فخالتها كانت من أفضل اللاعبات في أفريقيا في الريشة الطائرة، ولديها شقيقتان، وجميعهن جمعن بين اللعبتين، ووصلن جميعًا للدخول ضمن أفضل 5 لاعبات في مصر بالريشة الطائرة، لكن اخترن في النهاية المضي قدمًا مع التنس.
تذكر الاسم
في هذه المرحلة يحتاج اللاعب قدرًا مهولاً من الشغف والإصرار كي يتطور، وهو ما امتلكته ميار بالفعل لتصبح ضمن أفضل 15 لاعبة بمرحلة الناشئات في مصر، ومن ثم الذهاب للتدريب في إسبانيا قبل المرحلة الجامعية، التي فضلت إنهاءها قبل المشاركة بالمرحلة الاحترافية.
درست ميار شريف بجامعة ببردين الأمريكية، وحصلت على أكثر من بطولة على مستوى الجامعات. وبعد إتمام المهمة عادت إلى التنس الاحترافي مرة أخرى في مطلع عام 2019، لكنها دفعت ثمن فترة التوقف بخروجها من التصنيف العالمي.
احتاجت ميار 10 أشهر فقط لتحقيق 71 فوزًا، واقتحام التصنيف والدخول ضمن أفضل 200 لاعبة. حيث شاركت صاحبة الـ 24 عامًا فى 15 بطولة، وأحرزت 6 ألقاب فردية كان آخرها لقب بطولة جران كناريا الدولية بإسبانيا قبل انطلاق دورة الألعاب الأفريقية، وخسرت 9 بطولات من بينها لقبان بعد الوصول للمباراة النهائية.
ثم وضعت ميار ثلاث حبات كرز فوق كعكة 2019، بالفوز بذهبية الفردي والفرق والزوجي بدورة الألعاب الأفريقية، والتأهل للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020، كأول لاعبة تنس مصرية تتأهل للألعاب الأولمبية، ثم شاركت في الأدوار التمهيدية لبطولة أستراليا المفتوحة، أيضًا كأول مصرية.
وصلت ميار في سبتمبر 2020 إلى المركز رقم 172 في التصنيف، لتصبح ثاني لاعبة عربية تدخل ضمن أفضل 200 لاعبة، بعد التونسية أنس جابر (المركز 35). وهنا يظهر لنا صعوبة ما تفعله البطلة المصرية، كونها تتحسس طريقًا لم يسلكه أحد قبلها.
لا أحد يعرف ما يخبئه المستقبل، هل ستستمر ميار في التطور أم ينهار مشوارها لسبب مجهول؟ لكن ما يهمنا أن ما تفعله حاليًّا يجب أن يجعل اسمها معروفًا لدى الجماهير المصرية، لأنها تستحق كغيرها ممن سرقت منهم الأضواء لصالح من لا يستحق.