ماذا تعني المناورات الجوية بين السودان والمملكة العربية السعودية؟
إلي وقت قريب كان يُنظر إلى الجيش السوداني على أنه خارج حسابات موازيين القوة العسكرية في الوطن العربي أو على أنه منخرط فى صراعات داخلية بالكاد يستطيع التعامل معها.
بيد أن هذه الصورة بدت اليوم آخذة في التغير، نتيجة التفاعلات التي تعتمل في الوطن العربي حالياً، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي، وانتقال القيادة والقوة والنفوذ إلى دول الخليج الملكية، خاصة المملكة العربية السعودية على حساب الجمهوريات.
مؤخراً وفي تطور لافت، جرى الإعلان عن مناورات مشتركة بين القوات الجوية السودانية والقوات الجوية الملكية السعودية، والتي بدأت الأربعاء «29 آذار/مارس»، بقاعدة «مروى» وتستمر لمدة أسبوعين، ويشارك فيها 700 عنصر، و50 طائرة حربية مقاتلة من الدولتين[1].
عسكرة إقليمية
المناورات الحالية لم تكن هي الأولى بين البلدين، ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، شاركت قوات بحرية من البلدين في تمرين عسكري مشترك، في البحر الأحمر، أطلق عليه «الفلك 2»، وذلك بقاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي[2]، كما شاركت قوات برية سودانية في المناورات العسكرية «رعد الشمال» والتي جرت شمال المملكة في شباط/ فبراير 2016، وشاركت فيها 19 دولة عربية وأفريقية[3].
ويشارك السودان أيضاً في أعمال ما يسمى بـ«التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب» والذي تشكل بقيادة السعودية في كانون الأول/ ديسمبر 2015، ويضم زهاء 41 دولة.
بعيداً عن التفسيرات ذات الطابع التآمري أو التفسيرات الرغبوية هنا أو هناك، تكتسب هذه المناورات أهمية كبرى، كما تنطوي على دلالات مهمة، إذ تؤشر إلى بروز نمط جديد من التفاعلات الإقليمية من أجل تحقيق السيطرة والهيمنة وبسط النفوذ، في ضوء كل ذلك، يجد السودان نفسه فى خضم أدوار إقليمية متعاظمة، سواء بالنسبة للدول في محيطه الإقليمي أو الدول الكبرى.
كما تشير تلك التفاعلات كذلك إلى نمط متصاعد من عسكرة التحالفات والعلاقات الإقليمية، وهي عملية على ما يبدو ترفع قوى على حساب قوى أخرى كما تخفض قوى أخرى.. وهكذا دواليك.
تداعيات مزلزلة
على مدى العقدين الأخيرين، ظلت العلاقات بين السودان ودول الخليج العربى (باستنثاء قطر) في حدها الأدنى، ولكنها لم تصل إلى مرحلة القطيعة التامة، على خلفية انعكاسات لتطورات إقليمية ودولية على الوطن العربي.
ويرجع التباعد في المواقف بين الطرفين إلى التداعيات المزلزلة التي أعقبت غزو العراق للكويت، حيث كان موقف السودان – آنذك – في خضم صعود الحركات الإسلامية، ووجود نظام حكم في السودان، يقوم على هذه الآيديولوجية في تلك المرحلة الباكرة – أنه ضد التدخل العسكري الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع إخراج القوات العراقية بقوة عربية، بعدما رفض عرُوض الانسحاب من الأراضي الكويتية، فسرت دول الخليج – آنذاك – هذا الموقف السوداني على أنه تأييد لسياسات صدام حسين.
وهناك عامل آخر كان لفترة طويلة نقطة خلاف بين السودان ودول الخليج، هو العلاقة مع إيران، أيصاً فُهمت لدى الأطراف الخليجية على نحو يجعلها تهديداً لمصالحها وأمنها القومي.
حليفٌ موثوق
مع تراجع أدوار الدول العربية المركزية، غدا السودان اليوم حليفاً موثوقاً بالنسبة لدول الخليج العربي، ولم تعد مواقفه وسياساته تثير الشكوك، بعد أن تبددت مخاوف الخليجيين لاسيما العربية السعودية، بعد انخراط السودان بقوة فى تحالف عاصفة الحزم ضد المتمردين الحوثيين في اليمن في آذار/ مارس 2015 والأداء الفعّال للقوات السودانية هناك.
ذلك أنها تتمتع بخبرة طويلة في العمليات البرية والسيطرة على الأرض والتأمين، وبدا ذلك جلياً في المهام التي أسندت إليها.
فضلاً عن ذلك، فإن طبيعة المهمة العسكرية في اليمن والتي تناسب التكتيكات القتالية التي ظلت تعتمدها القوات السودانية لعقود طويلة في مواجهة مجموعات التمرد في أطراف البلاد وتمرسها في ذلك.
دورٌ إقليمي
ترقب الدوائر الغربية عن كثب التحولات الإقليمية والدولية، التي بشكل متزايد تصب في صالح الحكومية السودانية اليوم، وتقر الدوائر بهذه الحقيقة، أن السودان بعد تحسن علاقاته مع دول الخليج، وتراجع حِدة الضغوط الغربية عليه، لاسيما بعد رفع العقوبات الأمريكية جزئياً من قبل إدارة أوباما في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بات لاعباً إقليمياً مهماً.
فعلى سبيل المثال تناول موقع «أفريكا إنتليجنس» (24 مارس) ،ما يُثار من احتمالات إرسال قوات الدعم السريع (قوات نظامية أسسها جهاز الأمن والمخابرات الوطني عام 2012) إلى اليمن حيث قال الموقع: «إن ذلك يعني أن السودان كسب على مستويين: وطنياً وإقليمياً»[4].
التهديدات الإيرانية
بالنسبة للسودان والعربية السعودية، هناك سياق دولي إقليمي له انعكاسات على أمنهما الإقليمي المشترك على المدى البعيد، فالتهديدات الإيرانية في هذه المنطقة انطلاقًا من اليمن- حيث يقاتل المتمردون الحوثيون الذين ينظر إليهم كوكلاء للمشروع الإيراني- حتمًا ستترك تداعيات وتعقيدات على المدى البعيد.
وحتى في حال تم إلحاق الهزيمة بهذا المشروع في اليمن فإن طبيعة التحديات المتوقعة أمام البلدين – كتداعيات لهذه المواجهة – تتطلب منهما السعي لإيجاد إطار إقليمي يرقى إلى مستوى هذه التحديات لاسيما على مستوى الاستجابة الأمنية قد تكون مثل هذه المناورات نواة له.
كما يمكن فهم المناورات الحالية بين الخرطوم والرياض أيضاً في سياق مناهضة التدخلات الإيرانية، فإيران تسعى لانتقام مزدوج من البلدين الذين عرقلا استراتيجيتها، التي كانت تسير على قدم وساق مستخدمة وسيلتين: الطائفة المذهبية، والعسكرة والتدخل.
قبل أن تقرر الرياض مواجهة هذا المشروع عسكرياً، كما حدث في اليمن ليصطف السودان – الذي كان مركزيًا بالنسبة للمشروع الإيراني نظرًا لموقعه الجيوإستراتيجي- إلى جانب الرياض ويقوم بقطع علاقاته الديبلوماسية مع طهران بعد اعتداء متظاهرين على القنصلية السعودية بمدينة مشهد، في الثاني من كانون الثاني/يناير2016.
التكالب الدولي
من جهة أخرى،هناك تكالب دولي ملحوظ على منطقة البحر الأحمر حيث الأهمية الاستراتيجية لباب المندب وخليج عدن بالنسبة للتجارة الدولية لاسيما إمدادات الطاقة وغيرها من الحجج التي تتذرع بها هذه القوى.
فبالإضافة إلى الوجود الغربي المكثف هناك، انخرط الصينيون بدورهم في هذا السباق لإيجاد موطئ قدم لهم هناك، حيث أعلنوا في شباط/فبراير 2016 عن إقامة قاعدة عسكرية لهم في جيبوتي. فضلاً عن التحركات الروسية التي تتخذ أبعاداً عسكرية واضحة خاصة بعد التدخل العسكري في سوريا.
هذا التدافع نحو المنطقة بين الاستراتيجيات الخارجية المتصارعة – في ظل غموض النظام الدولي الراهن – يدفع القيادة السعودية لإيجاد مظلة أمنية ذاتية ومستقلة بدل الركون إلى الأطراف الخارجية خاصة الاعتماد المفرط على المظلة الأمريكية، لاسيما في ظل النزعة الانعزالية لإدارة ترامب الحالية والحديث عن «انسحاب» أمريكي من الشرق الأوسط.
علاوة على ما تقدم، تشهد منطقة البحر الأحمر مهددات أمنية، برّرت لكثير من القوى الأجنبية التواجد على المياه الإقليمية، منها ظاهرة القرصنة في خليج عدن، لاسيما سواحل الصومال، وإن كانت قد خفت وطأة هذه الظاهرة قليلاً في السنوات الأخيرة.
كذلك تمر المملكة العربية السعودية بمرحلة إعادة تموضع بالنسبة لدورها الإقليمى ونفوذها، فضلاً عن استراتيجيات أمنها القومي، إذ لم يعد الغطاء الأمريكي أو المظلة التي ظلت تعتمد عليها تقليداً، توفر لها الحماية الكافية.
ومهما قيل حول هذه المناورات وتواضعها أو توفر الإرادة السياسية للمضي قدماً بها إلى نواة لـ«ناتو عربي» أو لـ«قوة عربية مشتركة» أو منظومة «جديدة» للأمن القومي العربي، بعد موت معاهدة الدفاع العربي المشترك، مع ذلك فإنها خطوة تعكس تحولاً في المقاربات التقليدية لمنظومة الأمن إقليمياً.
إنّ خلاصة هذه المناورات ووتيرة انخراط السودان في التحولات الإقليمية الجارية حالياً تحكي قصة طويلة هي: «السودان من هامش السياسة العربية إلى قلبها!».
- تامر علي، «مناورات سعودية سودانية على حدود مصر.. أهي رسالة للسيسي؟»، «عربي 21» 30 مارس 2017
- استقبال القوات الجوية السعودية في تمرين الدرع الأزرق
- «مناورات جوية بين السودان والسعودية – تمرين الدرع الأزرق»، تقرير لمراسل «الإخبارية» السعودية
- مناورات الفلك 2 بين البحرية السودانية والسعودية
- استعراض القوات السودانية في مناورات «رعد الشمال»
- تقرير لموقع أفريكا إنتليجنس: «Janjaweed fight for Gulf states in Yemen»، 25 مارس 2017