صراع الصحراء الغربية في واشنطن: سباق لوبيات بين المغرب والجزائر والبوليساريو
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010-2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
شغلت قضية الصحراء الغربية حيزًا كبيرًا من نشاط شركات الضغط الأمريكية بواشنطن؛ وذلك بعد أن كثَّفت كلٌ من المغرب والجزائر والبوليساريو جهود الضغط في هذا الملف، عبر التعاقد مع عدة شركات من أجل دعم مواقفها في القضية.
في هذا التقرير نستعرض جهود وتعاقدات المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو مع شركات الضغط في واشنطن لتغيير الموقف الأمريكي، ولكن بلا شك كان الفوز في هذه المعركة المحتدمة من نصيب اللوبي المغربي، بإعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أيامها الأخيرة اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الكاملة للمغرب على الصحراء الغربية، ضمن إطار صفقة التطبيع المغربية مع إسرائيل.
تنويه: في هذا التقرير نقدم الصورة العامة والمُوجزة لصراع اللوبيات المغربية والجزائرية ولوبي البوليساريو، للاطلاع على التغطية التفصيلية لأنشطة اللوبيات المذكورة، يمكنك زيارة صفحة التقارير الخاصة بكل بلد: صفحة الجزائر، وصفحة المغرب.
المغرب: الرابح والمُنفق الأكبر
يمكن القول إنّ المغرب كان أكثر الأطراف الفاعلة في عمليات الضغط حول قضية الصحراء الغربية؛ وذلك من خلال تعاقده مع ترسانة من الشركات لتعزيز موقفه في قضية الصحراء؛ دفعت من خلالها 6 ملايين و653 ألفًا و557 دولارًا لفائدة سبع شركاتٍ تعاقدت معها مقابل خدماتٍ بخصوص ملف قضية الصحراء الغربية.
ويلاحظ أنّ حكومة المغرب أفردت لكلٍ قضيةٍ من قضايا الصحراء الغربية شركة خاصة، غير أن ذلك لم يمنع تلك الشركات من العمل على الملفات الكبرى لقضية الصحراء الغربية.
كانت شركة «جلوفر بارك – Glover Park Group» من أكثر الشركات التي عملت على الحفاظ على الوضع في الصحراء الغربية كما هو، وذلك من خلال الترويج لما قد يحصل في حال انسحاب المغرب من الصحراء بتحول المنطقة إلى أراض راعية للأنشطة الإرهابية.
وقد تقاضت الشركة نظير أتعابها منذ منذ يناير (كانون الثاني) 2018 مبلغ 380 ألف دولار وحتى أغسطس (آب) 2019
أما شركة «إس جي آر – S.G.R.»، فاستفردت بالملف الإعلامي لقضية الصحراء الغربية، وذلك من خلال تمثيل المغرب إعلاميًا أمام وسائل الإعلام الأمريكية، والتواصل أيضًا مع باحثين وإعلاميين يغطّون قضية الصحراء الغربية. ومن ضمن ذلك، تواصلها مع المراسل الصحفي لصحيفة «وول ستريت جورنال»، ديون نيسان باوم، الذي يغطي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والأمن الإقليمي؛ وكتب باوم مقالات عدّة عن الصراع على الصحراء في الصحيفة.
ونفذت الشركة أيضًا خدمات ضغط سياسي للمغرب في الكونجرس، وتحصّلت مقابل خدماتها على 405 آلاف دولار، طوال الفترة بين 2 يناير (كانون الثاني) 2018 وحتى سبتمبر (أيلول) 2020.
وعملت شركة المحاماة العالمية «ماير براون – Mayer Brown» على صورة ملف حقوق الإنسان في المغرب، وضغطت لتعديل تقارير صدرت عن وزارة الخارجية الأمريكية بشان حقوق الإنسان في المغرب، يُحتمل أن تؤثر على حجم المساعدات الأمريكية للمملكة.
تقاضت الشركة أجرًا يبلغ مليونًا و129 ألف دولارًا، منها 350 ألف دولار عن خدماتها في سنة 2018 فقط، وهي السنة التي رافقت تعيين جون بولتون مستشارًا بالبيت الأبيض بواشنطن، وهو الصقوري اليميني الذي انتقد لسنوات المواقف التقليدية للدبلوماسية الأمريكية بشأن الصراعات القائمة حول العالم، ومن ضمنها صراع الصحراء الغربية.
شركة ماير براون من كبرى الشركات العاملة في اللوبي المغربي بواشنطن، وبدأت علاقة المملكة بها في مطلع 2010 وانتهت في مطلع 2019.
أما شركة «ويسترن هميسفير ستراتيجيز – Western Hemisphere Strategies» فقد وضعت كل جهودها في ملف المساعدات الأمريكية للمغرب؛ من خلال ضغط المدير التنفيذي للشركة النائب الجمهوري السابق لينكولن دياز بالارت لإدخال تعديل في المساعدات الأمريكية للمغرب لعام 2014، لتشمل المحافظات الجنوبية، ومن ضمنها الصحراء الغربية، وهو ما يعد اعترافًا ضمنيًّا بالسيادة المغربية على الصحراء، وقد تحصَّلت الشركة نظير تلك الخدمات على مليون و180 ألف دولار.
وكانت قضية اللاجئين الصحراويين أيضًا على أجندة ضغط المغرب في واشنطن، فتعاقدت الحكومة المغربية مع شركة «فيجن أمريكاز – Vision Americas»، التي عملت على إقناع موظفٍ في مكتب النائب مايكل ماكول، عضو لجنة الشؤون الخارجية، ليطلب من النائب طرح قضية اللاجئين في المخيم الصحراوي وكيف تستغلهم القاعدة بتجنيد بعضهم، وقد تلقَّت الشركة 1.5 مليون دولار نظير خدماتها للمغرب، في الفترة بين 2009 و2017.
وكان لمقترح «الحكم الذاتي للصحراء»، الذي وافق عليه المغرب، نصيبٌ من الضغط، من خلال جهود شركة «لوكلير ريان – LeClair Ryan»، التي تواصلت مع نواب في مجلس الشيوخ لمناقشة ملف «خطة المغرب للحكم الذاتي في أراضي الصحراء الغربية»، ووصل أجر الشركة إلى 684 ألف دولار.
ولتعزيز الموقف المغربي في قضية الصحراء الغربية؛ تعاقد المغرب مع شركة «جراي لوفلر – Gray Loeffler»، التي عملت لسنوات طويلة في خدمة المغرب، منذ 2009 وحتى 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وركّزت بشكل خاص على ملف الصحراء الغربية، وتلقّت طوال هذه الفترة مليونًا و375 ألف دولار أمريكي مقابل خدماتها.
للاطلاع على كافة تقارير اللوبي المغربي وتفاصيل أنشطته في الولايات المتحدة من هنا.
جبهة البوليساريو: غياب المال لا يعني غياب الضغط
لم تمنع قلة المال جبهة البوليساريو من المشاركة في عمليات الضغط المتواصلة في واشنطن؛ وذلك عبر تعاقدها مع شركة «إندبندنت ديبلومات – Independent Diplomat»، وهي الشركة التي تعمل خصيصًا مع الحركات الانفصالية والتحررية والثورية حول العالم، ومع الكيانات السياسية الناشئة حديثًا مثل الائتلاف السوري المعارض، والسلطة الفلسطينية، وجنوب السودان قبيل انفصاله عن السودان، وتساعد الشركة هذه الجهات في تأسيس عملها الدبلوماسي، وتدرب دبلوماسييها على السياسة الدولية.
عملت الشركة لفائدة جبهة البوليساريو على عدّة أصعدة، من خلال فتحها قنوات تواصل للبوليساريو مع مسؤولين بوزارة الخارجية الأمريكية يعملون على ملفات شمال أفريقيا، كما تواصلت بشكلٍ مستمر مع مسؤولين أمريكيين يعملون في الأمم المتحدة، ومع مسؤولي الصراع في الصحراء الغربية بالأمم المتحدة.
واستمرت العلاقة بين البوليساريو وشركة «إندبندنت دبلومات» منذ عام 2007، وتحصلت خلالها الشركة على 173 ألفًا و745 دولارًا نظير خدماتها، منذ 2011 حتى فبراير (شباط) 2020.
وللاطلاع على تقرير البوليساريو وتفاصيل أنشطتها في واشنطن من هنا.
حضور جزائري خفيف.. ولكن بـ«ضربة نوعية»
في سبيل إبراز موقفها ودعمه في واشنطن؛ تعاقدت الجزائر مع شركة «كين للاستشارات – Keene Consulting»؛ ويمكن القول إنّ خلفية صاحب الشركة، ديفيد كين، هي السبب الرئيس في التعاقد معه، كونه صديقًا مقرّبًا من مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، الذي يملك تاريخًا طويلًا من التعامل مع ملف الصحراء الغربية.
كان بولتون مستشارًا متطوّعًا لمبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية جيمس بيكر، وبعد فشل خطة بيكر للسلام، ضغط بولتون، سفير الولايات المتحدة في مجلس الأمن آنذاك، لإنهاء مهام بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية «المينورسو»، بحجَّة ارتفاع تكاليف مهام السلام الأممية التي تسهم واشنطن فيها، كما كان لبولتون الموقف نفسه حينما صار مستشارًا لترامب للأمن القومي سنة 2018؛ إذ كان موقفه: إما أن يجرى استفتاء وإما تحل البعثة الأممية، وهو ما أغضب المغرب كثيرًا حينها.
ولعلّ أبرز الشخصيات التي التقت بهم الشركة بجانب مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، هو مساعد وزير الخارجية الأمريكية، ديفيد هيل.
التقت الشركة أيضًا شخصياتٍ أمريكية مهمّة، تتصل بشكل أو بآخر بملف الصحراء الغربية، فرتبت اجتماعات مع 22 نائبًا في الكونجرس؛ إضافةً إلى 13 مساعدًا لأعضاء الكونجرس ومسؤولين حكوميين آخرين، وتقاضت الشركة 510 آلاف دولار نظير خدماتها للجزائر بخصوص ملف الصحراء الغربية، واستمر التعاقد منذ مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 واستمر حتى 30 أبريل (نيسان) 2020.
وللاطلاع على كافة تقارير اللوبي الجزائري في واشنطن من هنا.
المقارنة بين الجهود الثلاثة
إذا ما أردنا مقارنة جهود الثلاثي المغرب والجزائر والبوليساريو في واشنطن بخصوص ملف الصحراء الغربية، فسنجد أن اللوبي المغرب نشط خلال السنوات الماضية بقوّة وكثافة في هذا الملف، ومن الوثائق يتضح أن المغرب هو الأكثر إنفاقًا على اللوبيات في كلّ منطقة شمال أفريقيا، واستطاع التنويع في قنوات الضغط السياسي، فضغط على جهات أمريكية عدّة، بدءًا من الحكومة والكونجرس وانتهاءً بمراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأمريكية والدولية، وراكم جهوده بطريقة عزّزت الموقف المغربي داخل الكونجرس.
ويبدو أن جهود المغرب آتت أكلها، إذ اعترفت الحكومة الأمريكية بسيادتها على المنطقة المتنازع عليها، وإن كان ذلك في مقابل تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل.
وعلى النقيض من المغرب وتحركاته المكلفة، لم تستأجر الجزائر سوى شركةٍ واحدة للعمل على ملف الصحراء الغربية، دفعت لها نصف مليون دولار، لكنها استغلت علاقة الصداقة بين مدير الشركة وجون بولتون، الذي كان من بين السياسيين الأمريكيين القلائل الذين زاروا مخيمات اللاجئين الصحراويين. وكتب بولتون مقالًا يدعو فيه الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، إلى التراجع عن قرار الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ويكشف هذا التعاقد عن براعة في الاختيار للشركة الوحيدة التي مثّلت الجزائر في هذا اللمف.
أما جبهة البوليساريو، الطرف الأضعف والأقل موارد بين الثلاثي، فلم يمنعها شحّ الموارد المالية من دخول لعبة الضغط في واشنطن لتعزيز مصالحها وموقفها هناك، ونجحت في التواجد في أروقة واشنطن طوال الأعوام الـ13 الأخيرة بكلفة قليلة جدًا بالنسبة لسوق اللوبيات، لم تتجاوز 173 ألف دولار.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.