ويجز: أن تقدم لغة مُحررة لجيل عالق
خلال الأسابيع السابقة قام مُطرب التراب «أحمد علي» الشهير بويجز بجولة غنائية مرت بعواصم أوروبية مثل «بروكسل» و«أمستردام»، وستحُط برحالها قريبًا في «لوس أنجلوس» الأمريكية. ليتمظهر عبرها «ويجز» كرمز ثقافي للموسيقى الشبابية المُفضلة في مصر والمنطقة العربية.
لا يبدو الإقرار بذلك مُبالغة، فقد تصدر ويجز قائمة «سبوتيفاي» لأفضل المُطربين في المنطقة العربية ثلاثة أعوام مُتتالية، بينما اختير ليكون أول مُطرب مصري يُعبر بموسيقاه عن حدث الاستضافة العربية الأولى لكأس العالم بقطر 2022، بأغنية «عز العرب» التي تصدرت دعايتها اللافتات بساحات تايمز سكوير نيويورك.
يصعب أن تنتمي للجيل واي أو زد دون أن تكون قد مررت بويجز، الذي يُمثل بأغانيه تُرجمانًا لمشاعر الجيل الأخير، وإحباطاته وتطلعاته، وآماله.
لا يحاول المقال تتبع مسيرة «ويجز»، أو مفارقة الفتى السكندري ابن حي «الورديان» الذي هجر وظيفة خدمة العملاء في شركة اتصالات شهيرة -وظيفة يعمل بها ملايين من أقرانه وتكاد تكون ملمحًا مشتركًا لجيل واي وزد كاملًا- نحو الغناء ليصل إلى تلك المكانة في سنوات قليلة، إنما يحاول تتبع لغة أغنيات «ويجز» وكيف نجحت في فرض نفسها دون غيرها كلسان لهذا الجيل؟
بين ويجز وأحمد علي، تناقض الذات والبيرسونا
منذ عام ظهر «ويجز» في برنامج اليوتيوب الشهير #ABtalks، الذي يُقدم نفسه عبر المُحاور «أنس بوخش» بفرادة كمساحة إعلامية هادئة يتحرر فيها المشاهير من أقنعة وبيرسونا النجومية الطاغية، ويتطوعون لكشف هشاشتهم وجوانب مؤثرة من قصتهم عادة ما تُخفيها الأضواء بعناية، في أجواء أقرب لعيادة نفسية تُثمن البوح الهش على الإحتفاء الافتراضي المُبالغ الذي يُميز البرامج الفنية الأخرى.
عندما يسأل «أنس» ضيفه عن قدر الانفصال بينه وبين البيرسونا التي يقدم بها نفسه لجمهوره، يؤكد «أحمد علي» أنه يعتنق كينونة «ويجز» كامتداد له، لا ينفصم عنه، ولكن بامتداد المُحاورة يتخلق فاصلًا كبيرًا بداخلي (كمُتابع نهم لإنتاج ويجز) بين الضيف العشريني الهادئ الذي يُنهي كل عبارة بلازمة كلامية «فاهم قصدي؟»، كأنه لا يثق أبدًا أن لغته وألفاظه كافية للتعبير عن أفكاره. وبين الفتى الذي قدم نفسه منذ سنوات كشاب في مُقتبل العشرين لكن لسانه يحمل حدة السكين وفصاحة العجائز قائلًا:
يؤكد «أحمد علي» أنه لم يمتلك خطة أبدًا، وأن صدفة تلو الأخرى قادته بعناية إلهية لمكانته الحالية، بمفارقة لا يود معها أن يغير شيئًا أبدًا في طفولته التي وصفها بالقاسية، أو ماضيه الشاق قبل الغناء لأنه يوقن أن كل ماضيه يُمكن المُصالحة معه ما دام أوصله لما هو عليه الآن، بينما يؤكد «ويجز» في غنائه أن مكانته كانت دومًا رهينة حلم واضح وخطوات مُحددة لا تصالح ولا تساوم:
وفي تراك آخر يؤكد أن خلف هالته الفوضوية وملابسه العجيبة يوجد عقل مُرتب لا ينتظر المصادفة، سيُحدث طفرة في المشهد الغنائي بأكمله:
يؤكد «أحمد علي» أنه شاب سكندري خرج مما وصفه بقوقعة الإسكندرية أو حي «الورديان» ليجد عالمًا أوسع كثيرًا مما تخيل، عالم احتفى بكلماته ورددها، ومنحه كل شيء حد أنه لا يُعرف نفسه حاليًا بآمال كبرى أو طموحات طامعة إنما فقط يختزل ذاته في جملة راضية:
بينما يُؤكد المطرب «ويجز» مُجددًا تناقضه مع تلك العبارات قائلًا أنه يهدف لصنع إرث لا يزول:
وبينما كانت «الورديان» قوقعة صغيرة خرج منها الفتى لعالم كبير، يضع ويجز مدينته في معظم أغنياته كمركز العالم:
يختار «أحمد علي» في اللقاء رمزًا حيوانيًا يشبهه يتمثل في «اليمامة» والتي يصفها كطير مُسالم يُمثل السلام في عالمه، تثق بسهولة في البشر وتهبط في جماعات لالتقاط الطعام ومشاركته بود، بينما يُرسخ «ويجز» نجوميته، بتراك «دورك جاي» والذي يتحرك فيه بعصبة من الأتباع في أجواء تجمع بين الأبطال المُقنعين والحواري الشعبية، ليؤكد أنه قادم للحرب، بشعار حيواني شهير هو «الغزالة» التي تُمثل السلاح الأبيض القادم لتقطيع من يستحق نصله.
ظهرت أغنية «دورك جاي»، كإعلان جريء عن الذات بوجه نجم شهير مُتحقق ظهر كبطل لحملة إعلانية قيل أنها كانت مُصممة لويجز ثم أعلن بازدراء أنه لا يعرف ويجز من الأساس.
لا تُظهر المحاورة إجمالًا في كل أجزائها، الذات الغنائية لويجز كامتداد للذات الأصلية لصانعه، إنما نقيض تام لها، يظهر «أحمد علي» كذات أصيلة مُتحققة وهادئة، تؤكد بشريتها كلما حاصرتها التوقعات العالية، تنفي مرارًا كونها قدوة أو رمز، بينما يظهر «ويجز» كذات افتراضية ثائرة، مُحاصرة في شاشتها لكنها لا تكف عن التضخم بذاتيتها وآمالها وقدراتها.
يُعبر التشظي بين الذاتين عن جيل زد بأكمله الذي يمتلك الانقسام عينه بين ذات عادية مُثقلة بمحدوديتها وذات افتراضية تظهر في وسائط التواصل كأنا مُتضخمة بإفراط كاذب. تشظي يُلخصه «ويجز» بذكاء في شطرتين متناقضتين بأغنية لفتى يُعاني وحيدًا في فراشه بينما في مُخيلته يُحرك الجميع كإله:
وهنا يُمكن أن نسأل، هل يبدو التناقض بين الذاتين سطحيًا أم يُخفي تركيبة أكثر تعقيدًا؟
موسيقى التراب، أن تصنع الهوامش والحصار فنًا
ولد فن «التراب» في التسعينيات بالولايات الجنوبية الأمريكية مثل «أتلانتا»، ليصف عالمًا سُفليًا من المنازل المُحاصرة Trapped Houses التي لجأ فيها الفقراء من الأفرو أمريكان لصناعة مُخدر «الميث» وبيعه.
احتاج هؤلاء الأفراد إلى لغة داخلية مُرمزة يُمكن معها التواصل والتفاهم والهروب عند الخطر، لغة خاصة لبشر عالقين في عالم سُفلي مُخيف يحيا على هامش المُجتمع.
تطور كثيرًا «التراب» عن أصوله الأولى لكنه ظل وفيًا للملامح النفسية لنشأته، لغة رمزية لا تولد إلا في الحصار، ويلجأ عبرها الأفراد للتعبير عن أنفسهم. والانقضاض من الهوامش لتسيد المتن.
يُحلل الكاتب الشهير والطبيب النفسي «محمد طه» أغنية «البخت» الشهيرة لويجز والتي جاوزت 230 مليون مشاهدة على اليوتيوب وحده، ليجدها تتماس بشكل ملحوظ مع لُغة «الفصام النفسي» المُفككة التي لا تُجيد خلق معنى واضح، ورغم بساطة الأغنية التي تُعبر عن فتى يُحب حسناء لكنها رفضته ليفقد أمام الرفض سحره وكل أسلحته التي أعدها للمغازلة، إلا أن بطلها يُعبر عن نفسه بقلق كرجل حصيلة ألفاظه مبعثرة ورهينة وجدان محدود لا يقوى على إيجاد لغة متماسكة لصياغة معضلته قائلًا:
عندما يصف «أحمد علي» صياغته لكلمات أغانيه التي يكتبها بنفسه، لا يصفها كخطة واعية، أو بناء شعري مُتكامل إنما كفيض يعصف به ويحتاج أن يخرج كما هو، بالعنفوان ذاته.
لذلك يحدث كثيرًا عندما يستعيد ما كتب ألا يستعيد الكلمات وحسب إنما الحالة الشعورية التي كتب بها وهو ما يخلق ضغوطًا يصفها بالمثقلة Overwhelming حد رغبته أحيانًا في الهروب من الحفلات وترك المسرح خوفًا من أن تجتاحه تلك الحالات تباعًا حتى تُلجم لسانه عن الغناء.
تتناسب الطريقة الإبداعية، التي يصفها ويجز مع لغة اللاوعي في تعبيره عن نفسه، لغة مُحاصرة بقيود الوعي، مُرمزة، لا تفصح عن نفسها إلا في فيض كالأحلام وزلات اللسان الفرويدية، تكسوها مُبالغة شديدة تطبع كل ما سكن الهامش أو الظل طويلًا ويتلهف لبلوغ المتن والخروج للنور.
لذلك كان التراب هو اللون الفتى الأمثل لتطفو عبره تلك الأغاني لأنه يحمل الملامح النفسية ذاتها، بينما كان التفكيك والتفتت سمتها الأساسية لإنها أغان لا تهدف من الأساس لبناء صورة جمالية مُخطط لها إنما تحرير اللسان من أبنيته المقيدة وحصارها استسلامًا لفيض البوح في أكثر صوره بساطة وعشوائية في آن.
ولكن تبقى المُلاحظة النفسية قائمة، لماذا وجد جيل كامل في تلك العملية الإبداعية ولونها الفني ونتاجها الغنائي الذي يتسم بالتفكيك والمبالغة، تعبيرًا عن ذواتهم دون غيرها من الألوان الأكثر بساطة وتماسكًا؟
ويجز وتجليات الجيل زد
ينتمي «ويجز» إلى الجيل زد الذي يمتلك هواتف تعمل كثقب صغير يُمكن التلصص منه على العالم بأكمله، جيل مُثقل بطوفان المشاهدة البانورامية للعالم من حوله لكنه يرث العجز والمحدودية ذاتها التي وصمت الأجيال التي سبقته وهو ما يجعله الجيل الأكثر شعورًا بالاستحقاق والخديعة والسخط، فهو يستحق الأفضل لأنه رأى الأفضل في الأماكن البعيدة عبر وسائطه الافتراضية، بينما ما يُقدم له محض خدعة تُثير السخط، وكل ما تعلمه في بقعته الصغيرة يبدو نسبة للعالم خارجه بلا قيمة.
تحتوي أغنيات «ويجز» على اختلافها تيمة مُتكررة وهي ضيق المدينة على ذات صاحبها الساخطة ففي تراك 21 الذي يؤطر بداياته يتمنى السفر لباريس وهو يقول:
بينما في أغنيته الأخيرة «حلوة منك» التي تعبر غنائيًا عن شباب فيلم «فوي فوي فوي» الذين يتظاهرون بالعمى للسفر بينما لعنتهم هي بصيرتهم التي تُطاول عالم أبعد وراء البحار لكنه أكثر إنسانية ورأفة، يقول:
عندما سُئل ويجز في لقاء ببرنامج «صاحبة السعادة» عن الفئة التي يود أن يأخذ حقه منها كاملًا، أجاب بثقة:
الذين مثلوا له دومًا طبقة عارفة دوجمائية قدمت له معرفة واثقة عن العالم، نذر نفسه لإثبات خطأها، يؤمن «ويجز» أن العالم أكثر وحشية وتعقيدًا من تبسيط المدارس والمُعلمين، لذلك لا يُمثل رسوبه وتعثره التعليمي إلا تأكيدًا لتلك الحقيقة، لا شيء فيما تعلمه سيُعده لواقعه، بخاصة وأنه التحق بوظائف شركات الاتصالات التي تستقبل جيوشًا من الشباب سنويًا من جامعات شتى، تعلموا علومًا كثيرة وانتهى بهم الأمر في المكان ذاته، لذلك يقول في أغنية «سكرتي»:
في إشارة لجيل كامل يصارع القروش في الواقع، بينما لم يفده التعليم بشيء ليسلكه طريقًا ووصفة للنجاة والتحقق.
يمثل جيل زد ملايين الشباب الذين رأوا العالم بأكمله وهم لم يتحركوا حتى من مقاعدهم، لم تعد المدينة تسعهم، ولم تعد سلطة الآباء والمُعلمين كافية لتدجينهم، لأنها سلطة تآكلت بعنف أمام عالم أكثر وحشية بضغوطه وأكثر سعة بوسائطه، لذلك يعد هذا الجيل الأشد وحدة عما سبقه، لأنه يمتلك بصيرة زرقاء اليمامة التي ترى البعيد لكنها سجينة محدودية إمكاناتها وضعف بصيرة من حولها ورضاهم بواقعهم.
تحضر تيمة «الوحدة» كثيرًا في أغنيات «ويجز» والتي تناقض جيلًا يحيا ثورة معلوماتية في التواصل الافتراضي، فيقول:
ورغم زحام القاهرة المليونية والعواصم العربية فالفرد فيها وحيدًا بالكلية، أو كما وصفها بتراك «مدينة المذنبين»:
جيل يرى العالم بأكمله لكنه يحيا على هامشه، لذلك يلجأ إلى لغة مُرمزة، تستثير كل المكبوت في اللاوعي، تستثير ذاتها من الهوامش للمتن، جيل يرى العوالم بأكملها في لحظة واحدة لكنه لا يمتلك إرادة كافية لتغيير مصيره ولو إنش واحد.
يقول المفكر «عبد الوهاب المسيري» إن النرجسية كثيرًا ما تكون حيلة دفاعية يلجأ لها المرء أمام مجتمع يود ابتلاعه، مثل فريسة مُحاصرة في زاوية تُضخم جسدها لتبدو أكبر مما هي عليه، لتبدو أكبر من حدود مأزقها.
رغم التفكيك الذي يكسو أغنيات التراب لويجز وأقرانه فإنها تمثل على تناقضاتها ملامح الجيل ومأزقه بالكامل، جيل يُعاني من الوحدة والسخط ولعنة الحياة على الهامش والإطلالة البانورامية على المتن، لهذا يتضخم بيأس، ليعبر عن ذاته، جيل عالق Trapped يلجأ لفن صُمم بالأساس للعالقين، لهذا يسهل أن تتحول «الورديان» من حي بسيط بالإسكندرية لمركز العالم والأباطرة، ويسهل أن ينتصر مطرب بسيط من الهامش قادم بزفة من عربات التوك توك الشعبية على مُطرب ثري يصف نفسه بسيد المتن و«نمبر وان».
بينما ربما أسفل تلك الطبقة من النرجسية والثقة الزائفة تقبع حقائق أكثر بساطة لفتى لا يدري كيف يواجه الرفض؟ لا يملك إلا كلمات بسيطة تصف حالته الشعورية، وهالته المصطنعة التي يتحطم سحرها أمام فتاة لا تُحبه.
يُمكن أن نعقد موازاة نفسية بين فنون التراب الحديثة وشعر المُفاخرة والمُعلقات التي يُبالغ فيها الشاعر الجاهلي في وصف قدراته وسيطرته على مصيره كحيلة دفاعية بينما هو رهين بيئة قاسية وصحراء مترامية وحروب قبائلية قد تندلع في أي لحظة لتبتلع عالمه. تحمل الأشعار المفاخرة النرجسية ذاتها وفي القصيدة ذاتها يتشقق قناع التماسك ويبكي الشاعر الأطلال ويتغزل في حبيبة يُدرك أنه لن ينالها.
كيف تفر بخفة من سجن الرمزية؟
لم تنجح لغة «ويجز» وفن التراب في التعبير عن هواجس وانكسارات جيله وحسب، إنما صارت لغة مُفضلة في التعبير عن أحلامه وآماله بتجاوز مآسي الحروب والفواجع في أغنيات مثل «بعودة يا بلادي» و«عز العرب».
بالرغم من ذلك يرفض «أحمد علي» بذكاء مثير للإعجاب ترسيم نفسه كأيقونة أو قدوة لجيله مؤكدًا أنه موهوب يصنع موسيقى تُعجب الناس وهذا يكفيه. بينما تمتلئ الساحة بأشباه لا يستعيروا أغنياته وحسب إنما شعره الثائر وشاربه الرفيع ومظهره بانتحال كامل.
يؤكد «ويجز» أن ما صنع هويته هو التناقض بين ما رباه عليه أهله ورغبته في الاستكشاف والتجربة والخطأ خارج عباءة المفروض. لذلك كل مرة ستقوده فيها الحياة لمزيد من التجارب ستقوده كذلك لمزيد من الأخطاء بلا شك، لذلك يُحرر نفسه بخفة من عبء الرمزية، قائلًا إنه لا يمثل سوى ذاته وأنه رقيب ذاته ولا أحد يجب أن يراه إلا كمطرب لا أكثر.
عبر ويجز عن هذا المعنى قبل شهرته في أغنيته «دموعنا مالحة» التي قيل إنه ينعي فيها وفاة أخيه الأصغر قائلًا:
يدرك ويجز جيدًا أنه لا يقود ثورة غنائية أو خطة بالمعنى المقصود إنما يُعبر عن أحوال ولا وعي جمعي لمأزق جيله بأكمله، لذلك يصعب حصره في إطار أو دور مهما كان ملحميًا أو مثيرًا للإعجاب لأن فنه يتغير من لحظة لأخرى بسيولة مثيرة لا تثبت على حال.
يُمكن أن تتحول الأغنية لنرجسية مفرطة لذات تخاف الإنسحاق، وتتوق للخروج من المدينة نحو العوالم البعيدة وراء البحر، ويمكن أن تكون إرتباك فتى أمام فتاة لا تُحبه أو نعي حزين لفتى عشريني واجه الفقد والموت مُبكرًا أو رغبة جارفة لجيل شاب في النكوص لحالة البراءة أمام عالم يبتلعه كما قال:
الجديد دومًا يُثير الريبة
يُعاني «ويجز» وتيار الراب والتراب الشبابي بأكمله حالة الارتياب المعتادة التي تُكبل الأجيال القديمة أمام كل جديد، ولكن الجديد تلك المرة لغة أكثر تفكيكًا وعفوية، تتراوح بين النرجسية المفرطة واليأس المُفرط، لغة لا تشبه أغاني المواويل الحزينة في العقود الماضية التي تنعي الحظ والمقادير، أو المهرجانات العشوائية التي تُمجد القافية والهالة الذكورية المُنسجمة مع ألحان المكيفات. لغة تصلح أن تكون مدخلًا ذكيًا لوصال جيل اختارها بعناية لتعبر عن مأزقه، لأن اللغة المُفككة تحتمل التناقضات والسخط، لكن يصعب أن تمتلك بناءً ليصنع أملًا متماسكًا، لذلك هي لغة عالقة تتوسل فنًًا عالقًا لأنها تعبر عن وضع عالق اجتماعيًا وتكنولوجيًا لجيل مرهق لم يجد حلًا بعد لمحدودية القدرات ولا محدودية المُشاهدة.