«عشبة ضارة في الفردوس»: المأساة الكردية في مرآة الأدب
في الوقت الذي تسعى فيه دولة «كردستان» للحصول على استقلالها بعد سنواتٍ من القهر والظلم في عهودٍ مختلفة تحت سيطرة العراق، سواء كان ذلك أيام الرئيس العراقي السابق «صدام حسين»، أو بعد ذلك في ظل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، يكون من المفيد التعرف على شيءٍ من أخبار ذلك الإقليم المهم في الوطن العربي، كيف يعيش أبناؤه وكيف يواجهون مشكلات حياتهم؟
في روايته الجديدة «عشبة ضارة في الفردوس» الصادرة مؤخرًا عن دار «مسكليلياني» يقدّم الروائي والناقد السوري الكردي المغترب «هيثم حسين» صورةً واقعيةً حيّة للشعب الكردي، من خلال سرد حكاية أسرة تضطر لترك بلدتها والنزوح إلى شمال سوريا، وخلال تلك الرحلة الشاقة تذوق ألوانًا من المآسي والكوارث في فترةٍ قصيرة من عمرها، مما يدفع بالراوية/البطلة إلى نهايتها المأساوية المحتومة!
اقرأ أيضًا:حرب النفط المقدسة: هل ضاع حلم الأكراد بدولة مستقلة؟
تنطلق الرواية من الشخصيات الضعيفة أو «الأبطال الضد» كما اصطلح على تسميتهم، حيث أبطالٌ يراقبون العالم ويرصدون حركته وحكاياته دونما أي بطولة، وحتى حينما يكونون قادرين وفاعلين ومؤثرين فإن فعلهم وحركتهم كلها تبلغ ذروتها في الإيذاء كرد فعل، أو توجيه الآخرين للمزيد من البطش والقهر بالآخرين المخالفين ـ
كما يفعل «المساعد أوّل» باقتدار، في الوقت نفسه لا يكفّون فيه عن السعي في محاولات تحسين أوضاعهم، مهما بلغ ازدراء القدر والعالم كله بهم، لهذا فإن الرواية تعتمد بشكلٍ أساسيٍ على راوية «منجونة» وهي شخصية «بكماء» يسخر منها الجميع ولا يولونها أي اهتمام، بينما تكون الأقدر على استيعاب حكاياتهم وسردها بل فضحها أيضًا في أوقاتٍ أخرى.
يبدو المقطع السابق وعلى الرغم من كونه ينطلق من ساردة الرواية الرئيسيّة/البطلة، يبدو كأنّه لسان حال أبطال الرواية جميعًا، بل مرتكز الرواية في الأساس، كونه ينطلق من تفسير العنوان بشكلٍ واضح على هذا النحو، من جهةٍ أخرى تبدو الرواية كلها صورةٍ واقعية لحياةٍ المهمّشين والبسطاء، ليس الأكراد فحسب، بل في كل العالم بشكلٍ أكثر عموميًة، فلاشك أننا سنجد مثل تلك الأوصاف والحالات في كل بقاع الأرض على اختلاف جنسياتها وألوانها! ولعلّ هذا أحد سمات الكتابة الأدبية الجيدة، كونها تنطلق من الخاص للعام، وتصوّر أحداثًا وأشخاصًا في بقعةٍ من العالم يتعاطف ويتفاعل معها الناس في شتى بقاع الأرض.
أجاد «هيثم حسين»، وهو الناقد العالم بمواطن القوة والضعف في السرد الروائي على وجه التحديد، أجاد في تقسيم فصول روايته، وتوزيع السرد بين الساردة التي تبدو عليمة وبين الحكايات والمذكرات التي تجدها عند أبطال الرواية، فكل فصلٍ يُفتتح بطرفٍ من حكايتها الخاصة، يتبعه ما قرأته أو سمعته من حكايات الجيران أو الأقارب، حتى تتم فصول الرواية.
هكذا يقدّم الراوي من خلال الساردة طريقته في الرواية/الحكي، فهذا ما يجده القارئ في الرواية، تلك الحكايات المتتابعة، والانتقال بين الشخصيات، وإعادة ترتيب الأحداث والعالم، وهو ينجح مع كل ذلك في جذب القارئ لروايته، واستدراجه حتى يستكمل التعرف على رحلة تلك العائلة المأساوية التي ينتهي المطاف بها، بعد رحيلهم من بلدتهم إلى شمال سوريا حيث تطاردهم الحرب هناك مرة أخرى، وكأنهم موعودون بالحرب والدمار أيًا ذهبوا!
لا تقتصر الرواية في سردها على الحكاية العامة أو الإطار العام المتمثّل في تلك المأساة، ولا تتوقف عندها فحسب، بل تتداخل مع تلك الحكاية العامة حكايات أخرى مفصّلة وشديدة التركيز مثل التي نجدها في سيرة موجزة لرجل السلطة «المساعد أوّل»، ذلك النموذج الذي يسهل أن نجد مثله في كل بلدٍ عربي، لرجلٍ يستغل سلطاته لقمع الناس، وتحديدًا البسطاء والوقيعة بين الناس، وهو إذ يفعل ذلك يعتبر نفسه إنما يقوم بذلك من أجل خدمة بلده وفي سبيل توطيد سلطته، وهو ما يحدث بالفعل!
تجدر الإشارة إلى أن «هيثم حسين» روائي وناقد سوري كردي مقيم في بريطانيا، مؤسس موقع «الرواية.نت» تعد هذه الرواية الرابعة في مسيرته الأدبية، كما أن له مساهمات نقدية مهمة، وصدر له أكثر من كتاب في النقد الروائي، منها «الروائي يقرع طبول الحرب» وكتاب «الشخصية الروائية مسبار الكشف والانطلاق» وغيرهما.