هل نحن في عهد المملكة العربية السعودية؟
«إن هناك تاريخًا عربيًا يُكتَب ويُؤرّخ بما قبل عاصفة الحزم وبما بعدها»، كان هذا هو تعليق الإعلامي السعودي البارز جمال خاشقجي، يوم أُعلن تشكيل التحالف العربي العسكري في الأزمة اليمنية.
انطلقت عملية «عاصفة الحزم» ككرة النار، وصهرت بين ليلة وضحاها جمود التوازنات الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية ومن ورائها دول مجلس التعاون الخليجي.
تطورٌ متسارعٌ لدور السعودية منذ اندلاع الثورة العربية، بداية من مبادرتها اليمنية ومرورًا بتسليح المعارضة السورية، ثم الدعم السخي للانقلاب العسكري في مصر، لتتخطى سقف كل أدوارها السابقة، بالتدخل العسكري فى بلدان الربيع العربي وتوزيع الأدوار على أشقائها، الذين يبدون لأول مرة في تاريخ العرب صغارًا خلفها، بعدما تفتتت القوى الشمولية الكبرى (العراق، سوريا و مصر) بفعل الاحتلال، الثورة و الانقلاب.
فطريقة تشكيل التحالف وإعلان العاصفة الخاطف دلّا على الموقع الجديد الذي باتت تشغله المملكة في المنطقة، فلم يعد «آل سعود» مجرد أشقاء وداعمين، وإنما أصحاب قرار والكل تابع (يسري هذا على كل الأشقاء، باستثناء الدول المنهارة، العراق، سوريا وليبيا).
هي نفسها الطريقة التي أنهت بها جمود العلاقات العربية الإيرانية، بعد اعتداء المتظاهرين الإيرانيين على سفارتها وقنصليتها بإيران احتجاجًا على إعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر». وخلال ساعات، صدر القرار بقطع العلاقات وطرد السفراء.
وهي الطريقة ذاتها التي تعاملت بها مع حزب الله في لبنان .
فإن كان من البديهي أن تولي المملكة قبلتها تجاه الشرق الأقصى في مواجهة مع إيران، فإنها بذلك تسعى بالأساس إلى سد قنوات الدعم عن شيعتها بالمنطقة الشرقية وعلى بواباتها اليمنية.
فما حاجة الأشقاء في خوض تلك المعارك؟.
سؤال سأحاول الاجابة عنه ببعضٍ من التفصيل.
البحرين: تعاني مملكة البحرين من قلاقل شيعية، حاولت استغلال ثورات الربيع العربي لكنها فشلت. كما يبدو أن خطوة دعمها أخيرة على خارطة تسلق الأخطبوط الإيراني.
الإمارات: تطمح إلى لعب دور أكبر، ولا تجد في سبيل ذلك إلا أن تكون وصيف المملكة.
قطر: دولة صغيرة تستمد قوتها من تشكيل الوعي العربي، وتمتلك في هذا المجال تحقيق الصدارة لأقوى لوبي إعلامي وأكاديمي وحقوقي يدعم خيارات الشعوب، ولا يبدو أن لها في معارك المملكة مع إيران إلا دعم الأشقاء -بإثبات حسن النية- واتقاء الشر الإيراني البعيد.
الكويت: لا تلعب السياسة الدولية، على الرغم من الخطر الشيعي لدولتها؛ لذا يمكنك أن ترى قناعتها بالسير في عباءة المملكة.
أما عرب «الغلابة»، وهكذا كان يفرّق الروائي الراحل أسامة أنور عكاشة بين عرب البترول وغيرهم، فسأكتفي منهم بأول من كان يُرجى أثره؛ بمصر.
لماذا تخلت مصر؟ ولماذا استمر الدعم السعودي للنظام المصري؟
في البداية كنت أتعجب من استمرار الدعم السعودي للنظام على الرغم من التصريحات الرسمية لمصر برفضها التدخل العسكري في سوريا، ومن قبلها الدخول في التحالف العربي للأزمة اليمنية، لكني وجدت تحليلًا آخر، يصف مصر الانقلاب بما هي أهله في هذا الواقع «المقلوب».
أن تغيب مصر أو تُغيّب، أن تبقى على جهاز التنفس الاصطناعي لا تحرك ساكنًا في المنطقة هو أكبر المكاسب، لا أقول لصالح الغرب وأهدافه في المنطقة، بل لصالح الشقيقة التي أصبحت كبرى -مكانها- وأقصد المملكة.
ولا عجب أن يستمر الدعم، خاصة أنه دعمٌ نفطي، في وقت تشهد فيه أسواق النفط العالمية تخمةً في المعروض وهبوطًا حادًا في الأسعار، وصل إلى 70 بالمئة، حيث بلغ سعر برميل النفط 27 دولارًا في وقت سابق من العام الحالي.
فالمملكة ليست مجبرة على التدخل البري في اليمن أو سوريا، وحين تتحدث عن حاجة دولة خليجية إلى قوات برية، فأنت تتحدث عن جيش مستعار أو مستأجر، لأني أجد في تعبير «المرتزقة» مرارة وغصة؛ لأني مصري، وما عاد للجيوش العربية قوات برية إلا مصر بعد انهيار جيشي العراق وسوريا.
ففي اليمن، يناضل جيش الإخوان المسلمين أو المقاومة الشعبية بلا مقابل، يواجهون ببنادقهم ترسانة «الحوثي» و«صالح» ويموتون في سبيل الله بكل رضًا وقناعة، كما هو حالهم دائمًا، وما على المملكة ومن ورائها من التحالف إلا إرسال طياريها لإلقاء بعض المقذوفات، ومن ثم الترويج للانتصارات الماحقة.
وفي سوريا، هكذا الحال دائمًا منذ اندلاع الثورة، الكل يناوش، إلى أن يحسب القرار الأمريكي حسبته.
كما أن المملكة تعاني من مشكلات اقتصادية تدفعها إلى التفكير أكثر من مرة قبل خوض مغامرة جديدة في سوريا، بسبب الانخفاضات التي طالت أسعار النفط، وقد عانت من عجز في ميزانية العام الماضي بلغ 98 مليار دولار.
فإن كانت المنطقة قد أصبحت تعيش عهد الولايات العربية السعودية، فهل ذلك الوضع يعزز بالضرورة من قواها، أم أنها تخسر فعليا أدوارًا أخرى في المقابل؟.
الإجابة عندي: نعم، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية مصيرية لكل العرب.
المملكة العربية السعودية والقضية الفلسطينية
رغم التحركات الشعبية العربية خلال الحروب الثلاثة التي شنها العدوان الصهيوني على قطاع غزة أعوام 2008 و2012 و2014، اتسعت الهوة بينها وبين الأنظمة المحافظة شيئًا فشيئَا إلى حد محاصرتها في دول ما يعرف بمحور الاعتدال «المصري-السعودي-الأردني» في الحرب الأخيرة.
حمل الخطاب الإعلامي وحتى الرسمي في هذه الدول اللوم على حماس وأدانتها لمقتل الشبان الصهاينة الثلاثة على الرغم من فشل الكيان الصهيوني نفسه في إثبات مسئولية الحركة عن مقتلهم، وقيّد قانون التظاهر في مصر عقب الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي من تحركات الشارع المصري تجاه الحرب على القطاع.
وبينما اقتصر الموقف السعودي على تصريحات الإدانة الجاهزة، أفتى مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز آل الشيخ بتحريم المظاهرات التي انطلقت في عدد من الدول العربية والإسلامية لنصرة الشعب الفلسطيني، واصفًا إياها بأنها «مجرد أعمال غوغائية لا خير فيها، ولا رجاء منها».
يأتي هذا فى وقتٍ نجحت فيه الجهود الدبلوماسية لكلٍّ من تركيا وقطر في عقد اتفاق وقف إطلاق النار، بعد رفض جموع الفلسطينيين مقترح مصر السيسي الذي كان ينص على نزع سلاح المقاومة، ما يعني الاستسلام.
كل هذا بمعزلٍ عن أي دور لما سمي زمانًا بمحور الاعتدال، وقد بدا واضحًا من وقتها أن المملكة العربية السعودية لم تعد لاعبًا أساسيًا في القضية الفلسطينية كما كانت، لا أقول لصالح أطراف أخرى بالمنطقة بقدر ما هو تراجع كبير لدورها في التأثير على قضية تمثل لب الصراع العربي الصهيوني (الغربي) منذ سقوط دولة الخلافة.