حكايات الوسوف: رحلة في مسيرة مليئة بالأمل والألم
يستهل جورج وسوف مقدمة مسلسل السيرة الذاتية الخاص به المعروض على منصة شاهد تحت عنوان «مسيرتي» بوصف لحياته على أنها مزيج بين الفرح والحزن، الضحك والبكاء والألم والأمل. وعليه يستعرض في مسلسل تعداد حلقاته ثماني حلقات رحلة حياته التي ارتبطت بحب الغناء منذ سنين عمره المبكرة والتسكع والمزاح المستمر.
مسيرتي: دوكيودراما تتسم بالتكثيف والشفافية
يصنف مسلسل مسيرتي على أنه مسلسل وثائقي من نوع «الدراما الوثائقية- Docudrama» والذي يعني «عملًا فنيًا دراميًا يجمع بين عناصر المسلسل التسجيلي وعناصر الدراما، حيث يعرض أحداثًا حقيقية حدثت بالفعل في سياق درامي مستعينًا بممثل يقوم بتأدية الدور حتى يأخذ الحدث الجانب الدرامي، كذلك كل عناصر العمل الدرامي الأخرى سواء في الإنتاج أو الإخراج» تنقسم حلقات المسلسل الثماني إلى حلقتين لجورج طفلًا، أربع مراهق واثنان راشد، وبناء على المساحة الضيقة التي يوفرها المسلسل اتخذ صناعة عنصر التكثيف لحل لتلك المشكلة، فبعد أن يستعرض في عجالة جورج بعض المواقف المؤثرة في حياته يقوم العمل بإعادة تمثيلها في فقرة واحدة.
ولذلك لا يمكن إنكار نجاح المسلسل على مستوى الكتابة، الحوار والحبكة. كذلك على مستوى الأداء التمثيلي فقدم شخصيته طفلًا سليم حايك، مراهقًا عامر فياض، وأخيرًا راشدًا فريد توفيق، فبغض النظر عن التشابه الكبير بين الشخصيات الثلاثة وجورج نفسه في الفترة التي يؤدونها، فكل منهم استطاع عن طريق الأداء إقناع المشاهد إنه بالفعل يرى الوسوف نفسه يعيد تمثيل فترات حياته المختلفة، فكان ذلك مع حركات قطع مميزة، شريط صوت- وبالأخص في ما يتعلق بأغنيات أبو وديع- مميز يثير الحنين في نفوس محبيه، يمكن اعتبار مسلسل «مسيرتي» عملًا متكاملًا. لكن هل يختلف الأمر إذا نظرنا للعمل بعين فاحصة في أحداثه وطريقة سردها قليلًا؟
من المعروف أن جورج وسوف من أكثر النجوم المثار حولهم الجدل بسبب كثرة الأخبار «غير المقبولة» مجتمعيًا التي تصدر عنه منها الصادق، ومنها الكاذب، لذلك يؤكد أبو وديع في بداية حديثه في الحلقة الأولى أنه فضل أن يسمع الناس منه ليس عنه. لنرى في المسلسل شخصيات أبو وديع تخطئ وتُحَاسب، تكره ولكنها لا تسبب الأذى، فمثلًا يحكي المسلسل بكل شفافية الحقيقة الكاملة لتورطه في إدمان المقامرة، وكيف خسر كل أمواله في مضاربة واحدة ليعود بعدها معدمًا كما بدأ، كذلك كيف تعلم درسًا جيدًا وابتعد تمامًا عن المقامرة بأي شكل.
في نفس الوقت يظهر في طفولته يدخن السجائر، وفي مراهقته مدمن على الكحوليات، وأخيرًا يروي بكل صراحة كيف اختطف حبيبته وزوجته الحالية من أهلها مرتين مستخدمًا في ذلك القوة والسلاح. وعلى الرغم من كل تلك الأمور غير المقبولة في ثقافتنا العربية والمُجرّمة أحيانًا ينجح المسلسل في خلق تعاطفًا وحبًا لأبو وديع ومسيرته، حتى الأفكار الذكورية المقبولة مجتمعيًا التي يتبناها الوسوف وعائلته مثل رفضه القاطع لوجود سيدة في الوسط الفني من عائلته، وعدم ظهور ابنته «عيون جورج وسوف» بأي شكل في المسلسل، حتى من خلال ممثلة، تظهر تلك الأفكار في المسلسل بشكل مقبول لدرجة كبيرة، بل تستدعي الاحترام. إن كان المسلسل قاطعًا للجدل بهذا الشكل، لماذا أثير حوله كل تلك الضجة مع ذلك؟
هل يمكن تحميل المسلسل أعباء سياسية لم تذكر فيه من الأساس؟
منذ تفجر ثورات الربيع العربي في يناير 2011 وحتى الآن كان للنجوم العرب من المحيط للخليج النصيب الأكبر من انخفاض أو ارتفاع الشعبية بناء على مواقفهم وتصريحاتهم السياسية، فسواء كان مؤيدًا أو معارضًا لأي فصيل سيتلقى السباب والاتهامات بالخيانة والتواطؤ من مؤيدي الفصيل الآخر.
بناءً عليه اتخذ العديد من النجوم موقفًا- يمكن اعتباره- ذكياً، حيث التزموا الصمت حتى مرور الأزمات ليعودوا بكامل شعبيتهم ومحبة الجمهور لهم بعد فترة وكأن شيئًا لم يكن. لم يكن الوسوف من هؤلاء النجوم بالتأكيد، وبكل العفوية وعدم الاكتراث صرح بتأييده لبشار الأسد ضد المقاومة السورية، وظل يدعم عائلة الأسد حتى النهاية ولم يتراجع عن هذا الموقف أبدًا. وعلى الجانب الآخر صرح في لقاء سابق له مع المذيع نيشان تحت عنوان «قول يا ملك» حبه وصداقته الشخصية لرئيس حزب الله الشيعي حسن نصر الله.
كل تلك الأمور، إضافة لسمعة أبو وديع المبنية على الشائعات حوله كونه سكيرًا، مدمن كوكايين، مدخنًا للحشيش، صاحب علاقات نسائية متعددة جعلت رد الفعل الأول للجمهور السعودي غاضبًا مستنكرًا. يرجع ذلك لكون المؤسسة المنتجة لمسلسل مسيرتي هي منصة شاهد السعودية تحت إدارة د. علي جابر لبناني الجنسية، لتأتي تغريدات المتابعين على موقع «تويتر» بتوجيه اللوم والعتاب للمنصة تارة ولشخصه تارة أخرى كونه يعطي الفرصة لجورج صاحب المواقف السياسية السابق ذكرها، التي هي بالتأكيد تختلف اختلافًا كليًا مع الأجندة السياسية الحالية للمملكة العربية السعودية، فكما يذكر أحد المغردين «هل تصرف أموال الضرائب الخاصة بنا على إنتاج وثائقي عن جورج وسوف بعد كل تلك المواقف المخزية التي تبناها؟» ، وهنا نعود للسؤال الذي يطرح نفسه مرارًا، هل يمكننا فصل التوجهات السياسية عن الفن؟
قد شاب صغيرك يا أمي
منذ عمر العاشرة، ذاع صيت الطفل المعجزة جورج وسوف بسبب موال حاصبيا الذي غناه في حفلة نهاية العام، ومنذ ذلك الوقت بدأت تنهال عليه عروض العمل في مختلف بقاع سوريا حتى وصلت شهرته لـلبنان، وفي رحلة طويلة امتدت 50 عامًا تقريبًا حتى الآن أصبح الوسوف من أشهر مغنيين الوطن العربي. وبعد خامة صوته المميزة يعود سبب شهرته للمواضيع التي تتناولها أعماله وكلمات أغانيه التي يمكن تسميتها «مواضيع شعبية». بناء عليه يجد جيلًا كاملًا من أبناء السبعينيات، الثمانينيات وأوائل التسعينيات من الطبقات الدنيا والمتوسطة أبو وديع يتحدث بلسان حالهم في مواقف كثيرة؛ الصداقات، الأزمات المادية، الظلم وحتى العلاقات العاطفية سواء الناجحة أو الفاشلة، ففي وقت كان يمثل حسن الأسمر أيقونة الأغنية الشعبية في مصر كان يحتل الوسوف نفس المكانة في الشام.
ورجوعًا لحالة الجدل التي أُثيرت على مسلسل «مسيرتي» من الجمهور السعودي، نجد تعليقًا يقارن أهمية جورج وسوف بمحمد عبده وعبادي جوهر بشكل يقلل من أهمية الأول. والحقيقة أن هذا النوع من المقارنات لا يفيد أحدًا والمتضرر الوحيد منه هو الجمهور العربي والفن العربي بشكل عام، في حين يجب الإشادة أن الشهرة والنجاح والانتشار في الوطن العربي الذي حققه جورج وسوف أكبر مما حققه المبدعان عبده وجوهر. وأخيرًا في إشكالية الفن والموقف السياسي، يمكننا الحكم بأي شكل على موقف أي فرد السياسي كما نشاء لكن لا يمكننا بالتأكيد إلغاء تاريخ طويل زاخر بالموهبة والنجاح وحب الجمهور بناء على هذا الموقف.