وقفية جزيرة «طاش أوز» شرق المتوسط
تقول الوثائق الرسمية لأوقاف محمد علي باشا: إن السلطان محمود الثاني (تولى السلطنة من سنة 1223هـ/ 1808م إلى سنة 1254هـ/1839م) أصدر فرماناً ليتملَّك بموجبه محمد علي والي مصر جزيرة «طاش أوز» الواقعة في بحر اليونان بشرق البحر المتوسط تمليكًا تامًا. وقد ورد نص التمليك في هذا الفرمان على لسان السلطان محمود وهو قوله: «ليكتب كتاب التمليك الهمايونى… إلخ». وهذا الكتاب مؤرخ بتاريخ 27 من ربيع الأول سنة 1228هـ (1813م) ويقع في 13 صفحة والنسخة المكتوبة باللغة التركية بحروفها العربية تقع في 13 صفحة أيضًا.
ومما جاء في هذا الفرمان أنه: «… بما أن مقاطعة الجزيرة المذكورة (طاش أوز) صار تمليكُها إلى وزيري المشار إليه والى مصر (محمد علي باشا)؛ فبعد أن يصيرَ تسليم بدل الفراغ اللازم تمامًا إلى المتصرفين في ملكيتها، يصير دفع المال والقلمية وبدلية القاليونجي والأخشاب المرتبة بأوقاتها وأزمانها إلى خزينتيْ الميري والحرمين الشريفين، وإلى الترسانة، بحيث لا يحصل خلل في توريد الأخشاب، وبحيث تكون خزينتها مربوطة عليها كما في السابق، وبحيث تكون ملكاً بعد الآن لوزيري المذكور».
وثمة معلومات بالغة الأهمية في بقية نص هذا الفرمان، وقد أكسبها وقفُ محمد على باشا –لها- صبغة دينية، في العام نفسه الذى تملكها فيه؛ وجعل ريعها للصرف على مؤسساته الوقفية في مسقط رأسه بمدينة قوله، كما سنبين بعد قليل. ويصنع وضع هذه الوقفية ضمن حدود مصر البحرية فارقًا كبيرًا لصالح حقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة لها في عموم شرق المتوسط.
لقد انتقلت ملكية جزيرة طاشيوز –إذن- إلى والي مصر محمد علي باشا بموجب الفرمان المومي إليه أعلاه. وفي العام نفسه، وبتاريخ 25 من جمادى الآخرة سنة 1228هـ، و«بمجلس الشرع الشريف بمصر المحروسة» صدرت حجة باللغة العثمانية من «الحاج محمد علي باشا»، وقد أوقف بموجبها جميع جزيرة طاش أوز وما عليها لمصلحة «وقف قوله»، بمشتملاته: المسجد، والمدرسة البحرية، والمكتب، والمكتبة، وكلها من إنشاء محمد علي باشا نفسه. ولهذه الحجة ترجمتان للعربية، وهي مقيدة بسجلات قيد الوقفيات الخاص بـ «الحاج محمد علي» المحفوظ بديوان الأوقاف السلطانية الخصوصية المصرية.
في مستهل حجة وقف محمد علي لطاش أوز، نقرأُ على لسان كاتبها: «وقد أراد الباشا محمد علي المشار إليه أن يوقف جزيرة طاش أوز التي أُحْسنَ بها عليه من قبل الذات الشاهانية؛ لأجل أن يوقفها لفعل الخيرات والحسنات على المدرسة التي أنشأها وجددها بمدينة قواله (كذا)، التي هي وطنه الأصلي».
ويتضمن نص الحجة تفاصيل كثيرة أخرى توضح كيفية إدارة الجزيرة، وطرق تحصيل ريعها وصرفه على وقفيات محمد علي في قوله. كما تتضمن فقرات ذات أهمية تاريخية، وهي توضح رؤية الإدارتين المصرية والعثمانية في إسطنبول للحركة الوهابية وما أحدثته من فوضى أدت إلى «تعطيل تأدية فريضة الحج ولوازم العج والثج زمنًا مديدًا»، إلى أن قضى عليها محمد علي، وابنه إبراهيم، وأعاد إلى تلك البقاع الهدوء والانضباط، على حد ما ورد في نص الحجة.
وبصدور حجة الوقف هذه أصبحت جزيرة طاش أوز داخلة ضمن الأوقاف والأملاك السلطانية المصرية. وكان من «الأوقاف السلطانية» نوع يسميه فقهاء الوقف: «الإرصاد»؛ وهو ما أوقفه السلطان أو ولي الأمر من بيت المال، وليس من ملكيته الخاصة. ونظرًا لأن الذي وقف «طاش أوز» هو محمد علي حاكم مصر فقد صارت «إرصادًا»، وبما أن السلطان محمود قد ملكها له بصفته «واليًا على مصر»، فقد صارت جزءًا لا يتجزأ من إقليم الدولة المصرية، وتنطبق عليها أحكام الإرصاد المعروفة في فقه الوقف. وهي أحكام تعني في جملتها: تنظيم الموارد المخصصة للمصلحة العامة، وطالما أنها مخصصة للمصالح العامة فلا يجوز تغييرها أو حرفها عن مقصدها.
وشأنها شأن «كتاب التمليك الهمايوني» الخاص بجزيرة طاش أوز، تحتاج وثيقةُ وقف الحاج محمد علي باشا لهذه الجزيرة إلى قراءة متعمقة في ضوء مضمونها وخصوصيتها الوقفية من جهة، وفي ضوء أهمية موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وطبقًا لقواعد التوارث الدولي والمبادئ المتعلقة بالأماكن ذات الطابع الديني التي نصت عليها تلك القواعد، ومنها ما نصت عليه اتفاقيات جنيف من جهة ثانية، وفي ضوء المصالح المصرية العليا من جهة ثالثة. وهذا ما يجب عمله، وبخاصة أن الواقع القانوني لطاش أوز لم يتغير، وأنها ظلت خاضعة لإدارة «ديوان الأوقاف الملكية» المصرية إلى ما قبل ثورة يوليو 1952م، ثم تسلمتها وزارة الأوقاف المصرية والمفترض أنها لا تزال تحت ولايتها وبرسم نظارتها.
قبل أن يحصل محمد علي باشا من السلطان محمود الثاني على جزيرة طاش أوز في سنة 1228هــ/1813م، كان قد أنشأ في مدينة «قوله» أو «كافالا» مسقط رأسه عدة مؤسسات وقفية تمثلت في: مسجد، ومدرسة بحرية، وكتبخانة، ثم ألحق بهذه المؤسسات مكتبًا لتحفيظ القرآن، بموجب حجة وقف مؤرخة بالآستانة في 11 من ربيع الآخر سنة 1232هـ. وشكَّلت هذه المؤسسات منظومة خدماتية: تعليمية، وثقافية، ودينية، واجتماعية وخيرية، تحاكي ما درج عليه عظماء سلاطين آل عثمان من إنشاء وقفيات ضخمة تقدم خدمات عامة ذات أبعاد دينية، واجتماعية، وثقافية، وتعليمية، وصحية. وكانت هذه الوقفيات بمثابة رأس حربة متقدمة للوجود المصري في الأراضي الأوربية بشمال شرق المتوسط، وقد اشتهرت هذه الوقفيات وصارت تعرف باسم «الإيمريت»، أو العمارة؛ بمعنى منظومة المؤسسات الخيرية التي تقدم تلك الخدمات.
أضاف محمد علي عدة وقفيات إلى وقف جزيرة طاش أوز، ولم يكتفِ بتلك الجزيرة وحدها لأن عوائدها لم تكن كافية -آنذاك- لتغطية نفقات مؤسساته الوقفية في قوله؛ إذ كانت طاش أوز آنذاك لا تدر إلا عوائد قليلة من معاصر الزيتون، ومناحل العسل، وبعض الإيرادات الأخرى من بيع الأخشاب وما شابه ذلك.
ويظهر من وثائق وقفية طاش أوز، أن السلطان محمود رأي في وقت من الأوقات أن والي مصر لم يقم بواجبه في النظارة على هذه الوقفية، وأنه أهمل فيها، فأصدر فرمانًا بتاريخ آخر ربيع الأول 1248هـ/ 26 أغسطس 1832م، قضى بإبعاد محمد علي من النظارة على طاش أوز، ورفع يده من عليها. ولكن بعد مرور عام واحد على هذا الفرمان، عادَ السلطان محمود وأصدر فرمانًا جديدًا بتاريخ 6 صفر 1249هــ/ 25 يونيو 1833م، قضى بإعادة تمليك مقاطعة طاش أوز لمحمد علي، وإقامته ناظرًا على وقف المدرسة «المحتوية على 60 غرفة ومحل تدريس، والكتبخانة، والمكتب»، وجاء في فرمان إعادة التمليك ما نصه:
ويظهر من وثائق وقفية طاش أوز ووقفية قوله إن محمد علي اتجه لتعزيز هاتين الوقفيتين، وتدارك أي تقصير قد يكون حصل منه بحسب ما ورد في فرمان إعادة تمليكه مقاطعة طاش أوز. وكان مما قام به، أنه أضاف وقفيات كبيرة لوقف قوله، كانت عبارة عن مساحة كبيرة من الأراضي المصرية، هي: جفلك كفر الشيخ ومساحته 10742 فدانًا و16 قيراطًا و8 أسهم، وقفها بموجب حجة محررة بالديوان العالي بمصر المحروسة في 15 من شوال سنة 1259هـ(1843م). وجاءت هذه الوقفية بعد معاهدة لندن الشهيرة، وكأن محمد علي أراد أن يتحدى مقرراتها التي حصرت سلطته داخل الحدود المصرية. كما وقف مكانين بمشتملاتهما من المساكن والإصطبلات والجناين والأشجار بالأراضي اليونانية، وقد كان محمد علي يمتلكهما في مدينة قوله ذاتها، وذلك بموجب حجة محررة بالديوان العالي بمصر في 5 من جمادى الآخرة سنة 1260هـ/1844م.
وقد زادت ممتلكات «وقف قوله» بمرور الزمن زيادة هائلة من الأراضي والعقارات في مصر وفي اليونان. كما تضاعفت عوائد تلك الممتلكات وحاصلاتها، وذلك بفضل الإدارة الجيدة إلى منتصف أربعينيات القرن العشرين. ولكن هذه الوقفيات دخلت في سراديب التدهور والانحطاط منذ خمسينات وستينيات القرن الماضي التي دخلتها الأوقاف المصرية كلها. وأضحى «ملف وقف قوله» في قسم «الحجج والسجلات» بوزارة الأوقاف هو الأضخم بين جميع ملفات الأوقاف. ولتضخمه أسباب كثيرة، ومن أهمها: كثرة التصرفات التي استهدفت الاستيلاء على أعيانه الموقوفة (بلغ عددها -في خزينة واحدة- أكثر من سبعمائة وثيقة بها تسجيلات لتلك التصرفات، وهناك أكثر من عشر خزائن أخرى بكل منها عدد مماثل من المستندات).
وكان ذلك يتم تحت ستار «الاستبدال والإبدال»؛ أي: بيع قطعة أرض من الوقف وشراء قطعة أخرى بثمنها بحجة أنها ستكون أكثر نفعًا للوقف في مكان آخر، وهو ما لم يكن حقيقيًا في كثير من الأحيان، وكان تعويض وقف قوله عما أخذ منه لا يتم غالبًا. وتحتاج وثائق «وقف قوله» إلى فريق متخصص لجمعها ودراستها ومعرفة محتوياتها، والبحث عنها وتحديد أماكنها في الواقع، وذلك تمهيدًا لإعادة وصل ما انقطع من صلات كانت تربطه ومؤسساته بوقف جزيرة طاش أوز ذات الموقع الإستراتيجي في بحر اليونان.
وإضافة إلى جزيرة طاش أوز التي تبلغ مساحتها 50 كم2، كان لمحمد علي باشا موقوفات أخرى في مدينة «قوله» وهي عبارة عن: المنزل الخاص به، والمسجد، والمكتب، والكتبخانة، أو ما يطلق عليه «قصر الإيماريت». أما الأراضي الموقوفة في مصر وكانت مخصصة للإنفاق على تلك المؤسسات الموجودة في قوله، فقد عدت عليها عوادي الزمن، كما أشرنا سابقًا، حتى فككت تلك العوادي أوصالها، وطمستها كثرة الإجراءات والتصرفات التي تعرضت لها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي؛ سواء على يد بعض الجهات الحكومية، أو على يد بعض الأفراد ذوي الأيادي القوية والنفوس الضعيفة.
وقد ظلت إدارة وقفية طاش أوز تحت ولاية الأوقاف الخديوية المصرية. واحتفظت لنا محافظ عابدين بكثير من الوثاق والمكاتبات التي تؤرخ لهذه الوقفية ذات الأهمية الإستراتيجية لمصر. ومن ذلك مكاتبة مؤرخة في 23/5/1899م تفيد بورود كشف من مديرية وقف طاش أوز بـ «بيان أدوات عددها 169 أداة وثمنها 34 جنيهًا و42 مليمًا مرغوب شراؤها من نظارة المعارف المصرية لزوم المكتب الإعدادي الخيري لوقف طاش أوز واحتساب ثمنها 80 جنيهًا المتوفرة من عملية رصاص قباب المدرسة الخيرية»، (وتحرر للأوقاف في 7/6/1899). وتوجد وثائق كثيرة خاصة بتعيين موظفين مصريين ومديرين لمصالح الوقف في طاش أوز.
وفي مكاتبة مؤرخة في 17/11/1898م من مدير عموم الأوقاف المصرية إلى ناظر العمارة الخيرية بجزيرة طاش أوز إفادة: «أن وكيل الضبطية يطلب التصريح بمشترى بغْلين (مثنى: بَغْل) بنحو عشرين جنيهًا مصريًا، نظرًا لأن وظيفته تقضي عليه المرور في كل شهر مرة، ويمكث فيه أسبوعًا يتفقد أحوال الوقف».
وبتاريخ 24/7/1899م أرسل وكيل الأوقاف مكاتبة تفيد أن “مدير طاش أوز أرسل مكاتبة للديوان (في القاهرة) وبها رسم عن ثلاث أود صغيرة (مفردها أوده = غرفة)، مقتضى إيجادها بلصق (بجوار) محل المديرية المزمع إنشاؤها على نفس الأرض محل الوقف لاستعمالها بصفة مكتب، لأن شرط الواقف (محمد علي باشا) يقضي بوجود سبعين تلميذًا فيه، والمحل المعد لهم أودة واحدة. وبإحالة نظر شرط الإيقاف على مفتي الديوان ليفيد بجواز وعدم جواز إجراء تلك العملية، أوضح أنه: بالاطلاع على وقفيات الواقف المسجلة بالديوان، وجد أن شرط الإيقاف يجيز إجراء العمل، وهو عمارة مكتب آخر جديد، وذلك أنه قال: «وحفظ ما يحصل بعد ذلك مضمومًا ومضافًا إلى ما فضل من محصولات جزيرة طاش أوز بخزينة الوقف تحت يد المتولي ليصرف منه في مستقبل الزمان ما تدعو الضرورة إليه من لوازم العمارة، ومع هذا فيعرض هذا الأمر على قاضي أفندي ليأذن بذلك بعد تحقق الضرورة». (كُتب للأوقاف في: 10/8/1899).
ومن وثائق طاش أوز في محفوظات عابدين نقرأ أيضًا: مكاتبة إلى رئيس ديوان عربي خديوي، من قلم الهندسة بديوان عموم الأوقاف بتاريخ 14/9/1899م تفيد أن المهندس الذي أُرسل في مأمورية إلى طاش أوز لعمل إصلاحات في المحلات التابعة للوقف أنهى مهمته، ويطلب العودة لمصر لاستكمال بعض الرسومات الهندسية اللازمة لمنشآت أخرى هناك، وإشارة إلى عمارة البيت المعد لسكن المدرس الأول وبيت الحكومة بطلوز، حسب نص حجة الوقف. وإفادة أخرى كتبت للأوقاف بتاريخ مارس 1900م تفيد أن مدير طاش أوز أخبر ديوان الأوقاف المصرية بالقاهرة أن ما خص الوقف ومحصول الزيت في طاش أوز هذا العام (1899م) هو 7133 جنيهًا فقط، بينما كان 15965 جنيهًا في سنة 1898م، وذلك الانخفاض بسبب الآفات السماوية.
وفي سنة 1902م، احتلت الدولة العثمانية جزيرة طاش أوز، واعترضت الخديوية المصرية على هذا الاحتلال، وحصلت احتجاجات وقتها مع الصدارة العظمى، ثم وضع اليونانيون يدهم على كافة حقوق وقفية طاش أوز وإيراداتها وأعشارها، وسلبوا صفة موظفي الوقف بالقوة الجبرية. واحتجت إدارة الأوقاف المصرية على تلك التصرفات. وكان مما سجلته سجلات الوقف أن إيرادات جزيرة طاش أوز في سنتي 1912/1913م بلغت 4263 جنيهًا مصريًا من أموال غير مربوطة، وأجر أماكن، وعشر الزيتون. بينما بلغت المصروفات في السنتين المذكورتين 16933 جنيهًا من ماهيات خدمة ومصارف الوابور والعساكر السودانية ومكافآت ومصروفات.
وفي وثيقة أخرى من وثائق محافظ عابدين محررة إلى: مدير ديوان الأوقاف السلطانية في مصر «أوقاف سطانية مديري سعادتلو أفندي حضرتلري»، إفادة بأنه قد: «حضر لمديرية أوقاف طاش أوز رئيس محكمة طاش أوز، وسلمنا جوابًا مرسلاً من طيه يقول فيه بضرورة تسليم الأوراق والدفاتر القديمة المختصة بالمحكمة، ولما وجدنا تصميمه وشروعه في إجراء ذلك بالقوة، وبما أنه من الواضح جليًا سير عمال الحكومة اليونانية مع الوقف واستعمالهم الطرق الجبرية والقوة في جميع معاملاتهم مع الوقف، فقد التزمنا بتسليم هذه الأوراق والدفاتر مدشوشة وغير ممكن فرزها مطلقًا نظرًا لقدم عهدها، ومرور نحو الخمسة عشر سنة عليها، وفرزها يحتاج لمصاريف كثيرة ولزمن طويل لا فائدة منها، فعليه قد جرى فرز الأوراق القديمة المختصة بمديرية الوقف منها وتسلمت كما هي داخل جوالات، وهي عبارة عن ستة جوالات أوراق وماية واثنا عشر دفترًا كبيرًا وصغيرًا» (مدير الوقف في طاش أوز بتاريخ 21/3/1915م).
وتفيد مكاتبة بنمرة 15/14/1 بخصوص جباية عشور سنة 1913/1914م أن أهالي طاش أوز امتنعوا عن دفع المطلوب بتحريض من مأمور مالية الحكومة اليونانية، وأن هذا المأمور شجع الأهالي على عدم دفع عشور زيوت الوقف، وأنه «تعمَّد الإضرار بالوقف بدعوى أنه لا يجوز لأيٍ إيجاد حكومة داخل حكومته».
وتقول المكاتبة أيضًا إنه: لما كانت جل رغبته تحصيل كافة رسوم هذه العشور نقدًا بمعرفته وإيداعها خزينة تحت أمر الحكومة اليونانية كباقي رسوم وواردات الوقف التي استولوا عليها قوة واقتدارًا، ولم يدفعوا منها شيئًا للوقف، مع صدور أوامر حكومتهم بذلك، كأن الوقف لم يكن له أي حق ما في الجزيرة؛ ولذا فالحكومة اليونانية لم تراع في ذلك الحقوق الدولية والحسنة، والعهود والمواثيق التي بينها وبين الحكومة المصرية، ولم تقدر قيمة النعمة المتمتعين بها رعاياها والمنافع العظيمة في القطر المصري. وعليه فقد امتنع الأهالي وتوقفت جباية العشورة، وطلب المأمور اليوناني عمل حساب عن المقدار الذي تحصل من الزيوت وهو مقدار 4645 جنيهاً و300 مليمًا، وطلب أيضًا من مندوبي التحصيل المصريين السندات والكشوفات، وقد أخذ عليهم سندًا (إقرارًا) قال فيه: بناء على أول طلب يصدر من الحكومة اليونانية أجري تسليم وإعادة زيوت عشور الوقف المتحصلة من أهالي القرى عن سنة 1913م الداخلة في سنة 1914م الذي تسلم لمديرية الوقف بطاش أوز.
وأفاد محرر تلك المكاتبة أيضًا أن عمال الوقف بطاش أوز تعرضوا لسوء المعاملة من «مأمورين الحكومة اليونانية، وعليه فغير ممكن الحصول على أي شيء من زيوت عشور سنة 1913/1914م مطلقًا، ما لم تتخابر الحكومة المصرية مع الحكومة اليونانية بخصوص ذلك، لأجل مبيعها والاستعانة بأثمانها على الضرورة والشدة التي فيها مديرية الوقف بطاش أوز والعمارة الخيرية، نظرًا للظروف الحاضرة» (مكاتبة مؤرخة في 22/3/1915م).
وقد دار جدل في وسائل الإعلام المصرية واليونانية في خلال سنة 2016م حول مصير الأوقاف المصرية في مدينة قوله وبعض جزر اليونان الإستراتيجية الواقعة في بحر إيجه شرق البحر المتوسط. ونشرت صحيفة «الشروق» بتاريخ 30/8/2016م خبرًا مؤداه أن وزارة الأوقاف سترسل وفدًا إلى اليونان للبحث في سبل استثمار أوقافنا في «قوله» و«جزيرة تاسوس» (طاش أوز). وامتلأت وسائل الإعلام في ذلك الحين بكثير من اللغط حول الموضوع.
ومعرفة حقائق هذا الموضوع لا تكون بالرجوع لحواديت الصحفيين أو بالاستماع لكلام الهواة، وإنما تكون بالرجوع إلى الوثائق الرسمية الأصلية التي لها حجية قانونية وتاريخية وهي تشمل: وثائق قسم الحجج والسجلات، ودفتر خانة وزارة الأوقاف. ووثائق دار الوثائق القومية، وبخاصة ملفات جزيرة «طاش أوز»، ووثائق الأرشيف العثماني بإسطنبول، وبخاصة دفاتر وسجلات «الديوان الهمايونى»، وبصفة أخص منها «خزينة الدفاتر المهمة» (بالتركية: مهمة دفترلرى) ، والتي تُعرف أيضًا باسم «دفاتر الطابو»، وهى عبارة عن 1093 دفتراً تغطى المدة من سنة 702هـ/1300م إلى 1302هـ/1882م. وهي تضم: دفاتر الموقوفات، والمقاطعة، والمحاسبة الرئيسية المسجل فيها: البراءات والفرمانات التي كان يجرى إعدادها من قبل إدارة الأمور المالية في السلطنة العثمانية تحت نظارة الدفتردار، ومن ضمنها وثائق تتعلق بوقف جزيرة طاش أوز وأوقاف قوله.