ونوس: لأغوينهم أجمعين
منذ اللحظة الأولى أعلن مسلسل «ونوس» عن نفسه ببداية مميزة وغامضة، حيث نرى نبيل الحلفاوي «ياقوت» يرتدي ملابس متسخة وتبدو عليه علامات الإرهاق والتعب، وفي المشهد التالي ظهرت عائلة انشراح «هالة صدقي» متوسطة الحال، وبالرغم من وضوح بعض المعاناة كأي أسرة مصرية متوسطة الدخل، لم يخلُ المشهد من أمارات السعادة والمرح، مقدمة حوارية وإخراجية مميزة «لعبد الرحيم كمال» و«شادي الفخراني» لتقديم شخصية ونوس ودخوله على أسرة «انشراح»، فأثناء تناولهم العشاء ظهر فى التلفزيون مشهد من فيلم «سفير جهنم» للراحل الكبير «يوسف وهبى»، وجلس الأطفال يتحدثون عن الشيطان، إلى أن طرق الباب ونوس «يحيى الفخراني»، ودخل يتحدث مع العائلة بأسلوب أخذ طابع الشدّ تارة والجذب تارة أخرى، ليرشد الأبناء إلى طريق أبيهم المفقود من 20 عامًا، منذ هذه اللحظة تحدث الجميع عن إعادة تقديم لمسرحية «فاوست» في نسخة درامية مصرية.
ونوس: حبكة بطيئة وأحداث قليلة
بالرغم من تميز «عبد الرحيم كمال» في الحلقات الأولى من المسلسل، خصوصًا في استعراض شخصية «ونوس» وأسرة «انشراح»، ولكن مع مرور الحلقات عانى المسلسل من تكرار للأحداث وبعض المطّ والتطويل، ويعود هذا المط لعدة أسباب؛ أولها التزام كمال برؤية الدين الإسلامي للشيطان والتي حدّت من وجود مساحات التطور الدرامي. فعلى العكس من فاوست «جوته» المليئة بالصراعات النفسية والرموز المتنوعة التي مثلها الشيطان في المسرحية، يقدم عبد الرحيم كمال صورة ثابته للشيطان، فهو الكيان الشرير الذي لا هدف له سوى إغواء الإنسان، واللعب على غرائزه ونقاط ضعفه واحتياجاته المادية والنفسية.ربما كانت تلك الرؤية تعتبر جيدة في البداية، ولكن مع مرور الأحداث كان لابد من تطور لشخصية «ونوس»، وهو ما لم يحدث مطلقًا، وظل ونوس يقوم بنفس الحيل تقريبًا. اعتمد كمال في تطويره للأحداث على إظهار شخصيات جديدة أغواها ونوس، كشخصية كرباج «لطفي لبيب»، وتغير الشكل واللغة مع ثبات المضمون كما في المشاهد التي تجمع ونوس و«القصبي»، التي تميزت بلهجة شاعرية بديعة، وتغير ملابس ونوس الثابتة للرداء الأخضر.السبب الثاني هو عدم وجود مقاومة من الشخصيات، فونوس دائمًا يغوي، والإنسان لا يقاوم إغواءه، لم نجد أي مقاومة من أي شخصية في العمل تقريبًا، فالجميع يخضع لإغواء ونوس، المقاومة الوحيدة ظهرت من شخصية «ياقوت»، ولكنها لم تظهر حتى الآن كمقاومة شرسة مناسبة لرجل فقد أسرته وكل شيء.أما السبب الثالث فهو عدم استخدام المقومات التي صنعها كمال نفسه في الحلقات الأولى، فشخصيات المسلسل لم يغوِها ونوس بأشياء ليست فيها، فـ«فاروق» قبل ظهور ونوس محب للظهور والاستعراض، «عزيز» شخص يهتم بالمال قبل كل شيء، «نبيل» و«دنيا» معجبون ببعضهم، وهنا كانت فرصة لطرح أسئلة فلسفية مهمة عن دور الشيطان كعامل أساسي لإخراج الشر أو عامل مساعد، كذلك نسبية الأحداث، فهل فعل «ونوس» الذي ساهم في زيادة الإعجاب بين نبيل ودنيا فعل شرير؟، أم فعل صحيح لم يستطع نبيل أو دنيا اتخاذه من البداية؟، بالرغم من تأسيس كمال لهذه الفرص ولكنه تجاهلها لفكرة الإغواء. ليس المقصود بالانتقادات السابقة القول بإن سيناريو المسلسل ضعيف، بل إنه يظل في كل الأحوال جيدًا، ولكن كانت الفرص متاحة ليكون سيناريو أكثر كمالاً وجودة، ولكن في المجمل تجربة استعراض شخصية الشيطان جديدة على الدراما المصرية، كذلك وجود الكثير من الحوارات المميزة بين الأبطال، ورسم بعض الشخصيات كشخصية نرمين «حنان مطاوع»، والتمهيد الدرامي الجيد لبعض الأحداث مثل تحول «فاروق» لداعية إسلامي، الذي بدا تحولًا مقنعًا بعيدًا عن الابتذال.
الإخراج والتمثيل
جاء الأداء التمثيلي في المسلسل ما بين الإبهار والإخفاق. فـ«يحيي الفخراني» في دور ونوس قام بأداء أقل ما يقال عليه مبهر، فأدى دور الشيطان بأداء ينافس من أدّوا الدور في السينما العالمية، فلا مبالغة لو اعتبرنا الفخراني تفوّق في بعض الجوانب على «آل باتشينو» في فيلم «محامي الشيطان»، أداء يدعو للفخر فعلًا، ويجعلنا ننظر بإعجاب لاختيارات الفخراني لأدواره واستغلال خبراته التمثيلية.و«حنان مطاوع» تتألق في دور نرمين، وتفاجئ الجمهور بمستواها المرتفع ونضجها التمثيلي في تأدية دور الأم الموسوسة المؤمنة بأن حسد الآخرين هو سبب أذية ابنها. «محمد شاهين» كان أداؤه مناسبًا للدور.
على الجانب الآخر فشل تام لـ«نيقولا معوض» في دور فاروق، فشل في تأدية أي انفعال حزن أو فرح أو تفكير أو أي شيء. اختيار نيقولا علامة استفهام كبيرة وهو لا شك يمثل الإخفاق الكامل، وعلامة على عدم التركيز أو الاستسهال في اختيار الممثلين من قبل شادي الفخراني. أما «هالة صدقي» في دور انشراح، لا نستطيع وصف أدائها بالسيئ، ولكنه لم يكن متقنًا، فلم تستطع هالة صدقي تأدية دور الأم البسيطة المجتهدة لتربية أبنائها، في لحظات انفعالها تشعر وكأنك تشاهد شخصية أرستقراطية منفعلة وليست أمًا مصرية بسيطة.في الإخراج كالعادة «شادي الفخراني» متألق، قدرة عالية على إظهار تفاصيل المكان بصورة جيدة وجميلة، وتقديم لرؤية بصرية جيدة، وعدم التكلف والاستعراض في استخدام الموسيقى التصويرية. ولكن على جانب آخر لجأ شادي لحيل إخراجية لم تكن موفقة من أجل زيادة وقت الحلقة، مثل جعل المشهد الأخير في آخر الحلقة يعرض من جديد في أول الحلقة التالية، وزيادة الأغاني أو فقرات الرقص بدون ضرورة درامية مهمة.مسلسل «ونوس» من أفضل مسلسلات رمضان هذا العام، ولكن عانى من المط والتطويل الناتج عن عدم استغلال الفرص المتاحة في النص من أجل التطور الدرامي، واعتماده بشكل كامل على إنقاذ الفخراني بتمثيله المبهر لقلة التحولات أو التطور في شخصية ونوس.