فاجنر في أوكرانيا: سلاح بوتين الذي يزعج الجيش الروسي
«فاجنر».. لم تخلُ الصحف الروسية والغربية على حد سواء من تتبع أخبار تلك المجموعة التي توصف بـ«المرتزقة» وبأنها سلاح الرئيس فلاديمير بوتين الموثوق والفعال في حربه المستمرة لأكثر من عام في أوكرانيا.
على الرغم من أن روسيا دخلت عالم «الجيوش الخاصة» قبل سنوات قليلة فقط، فإن «فاجنر» أصبحت الآن تزاحم الشركات العسكرية الخاصة الأمريكية والغربية بعد ما قدمته في أوكرانيا بالأخص بعد الخلافات الشديدة التي ظهرت للجميع بين قائد المجموعة يفجيني بريجوزين، والقادة بوزارة الدفاع الروسية.
فاجنر في العام الأول للحرب
بحسب روايات المخابرات الغربية تمثل قوة فاجنر في أوكرانيا أكثر من 10% من القوات المشاركة في العملية التي وصفتها روسيا منذ انطلاقها في 24 فبراير/شباط 2022 بالعملية الخاصة المحدودة. ويقول فوروجتسوف ستاريكوف، الباحث الروسي في مؤسسة فولسك العسكرية، إن جهود تلك المجموعات في ساحات القتال ظلت غير واضحة في العام الأول من الحرب الذي اعتمدت فيه القوات الروسية على القصف المدفعي والصاروخي دون الدخول في مواجهات مباشرة مع الخصم.
ويُضيف فوروجتسوف، خلال تصريحاته لـ«إضاءات»، أن خلال الأشهر الأولى من الحرب، اقتصر دور تلك المجموعات على عمليات الاستطلاع وتطهير بعض الجيوب بالأخص في الجبهة الشرقية، ولكن مع زيادة وتيرة شحن الأسلحة الغربية إلى كييف، والدفع بمرتزقة وعناصر لتدريب قواتها، صار القتال أشد شدة وقسوة.
ويرى فوروجتسوف، أن الانخراط الفعلي وبشكل مباشر من قبل فاجنر وتوجيه دعم سخي لها بدأ في سبتمبر/أيلول الماضي بالتزامن مع الانسحاب الروسي من خيرسون، وحالة الجمود التي أصابت الجبهة الشرقية آنذاك. فقد ظهر بريجوزين وقتها في مقطع فيديو يُعد الأول منذ بداية الحرب يتحدث فيه مع مجموعة من المقاتلين الذين سيتم إرسالهم إلى المعارك.
وبين الباحث الروسي أن منذ ذلك التوقيت ومن خلال حديث بريجوزين، اتضح أن القادم ميدانيًا سيتحقق بشكل أسرع، وهو ما حدث في جبهة باخموت التي تعد الآن الأكثر حسمًا وأصبحت بشكل كبير في قبضة القوات الروسية بعد ما قدمته فاجنر على مدار 8 أشهر في تلك المعركة.
«فاجنر» في الجبهة الشرقية
ميدانيًا، تُعرف مجموعة فاغنر بتكتيكاتها وأساليبها الوحشية، وهذا ما ترجم على أرض الواقع في الجبهات الشرقية الأوكرانية. فبحسب لمايكولا بيليسكوف الزميل الباحث في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الإستراتيجية، تُشير التقديرات إلى وجود أكثر من عشرين ألفًا من عناصر تلك المجموعة يقاتلون حاليًا في أوكرانيا.
ويسرد لمايكولا بيليسكوف، خلال تصريحاته لـ«إضاءات»، الأسباب التي جعلت الكرملين يعتمد على تلك المجموعات بشكل كبير في باخموت ومحيط دونباس، وتشمل محاولة تحقيق أي نصر عسكري يذكر دون النظر إلى الخسائر، والتعامل مع تكتيك حرب الشوارع الذي تتبعه كييف مع الروس، وتقليل الغضب الداخلي الذي يتزايد نتيجة الخسائر البشرية في صفوف القوات الروسية، وأخيرًا التملص من جرائم الحرب التي قد يتهم بها الجيش الروسي في أوكرانيا عبر إحالتها إلى شركة خاصة.
مع دخول الحرب الروسية عامها الثاني فبراير/شباط الماضي، تصاعدت حدة الحديث من جانب قائد فاجنر تجاه المؤسسة العسكرية الروسية، حتى طالت تصريحاته وزير الدفاع واتهمه بتأخير تسليح المقاتلين، كما اتهم بيرجوزين القادة العسكريين الروس بالتسبب في طول أمد الحرب نتيجة «البيروقراطية التي تؤخر النصر».
يقول بيليسكوف، إن بريجوزين لجأ إلى كارت السوشيال ميديا والإعلام لوضع القيادات العسكرية الروسية في مأزق مستندًا لما قدمه في المعارك من تقدم، بالأخص في الجبهة الشرقية: «نجح بريجوزين في ذلك والدليل تسليم المقاتلين للسلاح بخلاف أنها افتتحت 58 مركزًا للتجنيد في 42 مدينة روسية للقتال في أوكرانيا».
الخلاف الروسي والهجوم المضاد
الخلاف الروسي الأخير الداخلي في المعارك، رجح خبراء أن يتم الاستفادة منه بشكل كبير من جانب كييف في شن هجوم مضاد، من خلال الضغط على القوات الروسية في جبهة خيرسون جنوبًا، وفي جبهة باخموت شرقًا، وفصل أي إمدادات بين القوات الروسية وقوات فاجنر، بخلاف ترتيب صفوفهم قبل وصول السلاح والذخيرة للمرتزقة.
في الجانب الآخر، يقول الدكتور آصف ملحم، مدير مركز جي سي إم للدراسات، ومقره موسكو، إن الخلاف الروسي الداخلي الذي ظهر للعلن سرعان ما تم تداركه وحل نقاط الخلاف فيه، وتم ذلك على أرض الواقع من خلال تعليمات الكرملين الصريحة بتسريع وتيرة صنع الأسلحة وضخ أسلحة إضافية إلى ساحات المعارك لسرعة حسم المعركة والتصدي للمعسكر الغربي والأميركي بالكامل. ويرى آصف ملحم، بحسب تصريحاته لـ«إضاءات»، أن القوات الأوكرانية لم تحقق أي استفادة ميدانية تذكر من هذا الخلاف.
أما تعليقات فاجنر الأخيرة حول باخموت ووجود صعوبة فيها، فإنها، بحسب ملحم، ترجع إلى أحد احتمالين. الأول هو أنها نوع من الخداع في محاولة لجعل كييف تسحب قواتها من الجنوب وتضاعف العدد في باخموت للإيقاع بأكبر قدر من الخسائر في صفوف أوكرانيا. أما الثاني، فهو محاولة تأكيد بريجوزين أن مقاتليه لا يستطيعون الحسم بمفردهم حاليًا وأنهم يحتاجون إلى مساعدة القوات النظامية من الجيش، وبالأخص في القصف المدفعي لدك الحصون قبل التقدم ميدانيًا.
ورجح ملحم أن تسقط باخموت بالكامل خلال أسابيع قليلة في سيطرة قوات فاجنر التي نجحت بالفعل في السيطرة على أكثر من 70% من المدينة التي شهدت أطول مدة للمعارك منذ بداية الحرب العام الماضي.