صوت المعارضة الذي لم تجده ميركل
في مطلع شهر فبراير/شباط الماضي كتبت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تحت عنوان «ميركل قائدة العالم الحر»؛ أن المستشارة الألمانية أصبحت زعيمة العالم الحر وليس الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، الذي لا يملك الدوافع الكافية ليكون حاميًا للديمقراطية والحرية، والذي وجهت له ميركل نداءً سابقًا بالتعاون المشترك على أساس احترام قيم الديمقراطية والحرية واحترام حق وكرامة الإنسان.
إلا أن موقف القائدة تجاه مصر لم يختلف كثيرًا عن موقف ترامب، فزيارة الزعيمة للوطن الذي يئن من وطأة الديكتاتورية ويقبع آلاف من أبنائه داخل أقبية المعتقلات وآلاف أخرون لا يُعرف مصيرهم غيبهم الاختفاء القسري تُفصح عما يعلمه الجميع، بأن لغة المصالح وطبيعة المجتمعات هي ما تحكم العلاقات السياسية وليس المعايير الحقوقية، وهو ما يُجبرنا على نظرة أكثر تعمقا لحالنا والبدء في إصلاحه.
لقد استندت ميركل في تعاملها مع ترامب على أسس كثيرة أهمها ما يُريده وينتظره الناخب الألماني ومصالحه أولا، ثم مصالح الاتحاد الأوروبي الذي يرى توجه ترامب تجاهه في غاية السوء ثانياً، كما أن المعارضة القوية التي واجهها ترامب منذ اللحظة الأولى لانتخابه كانت ركيزة قوية لموقفها، وذلك على النقيض من العلاقات مع مصر، والتي تُحددها ملفات أخرى وشكل في التعامل أكثر اختلافا.
فالتعاون مع النظام المصري في مشكلة اللاجئين وقوارب الهجرة هو الملف الأهم في تلك العلاقة، فبالنسبة لها قضية محورية داخل ألمانيا وورقة انتخابية حساسة، كما تعرف أن الوضع في مصر أصبح شديد القتامة وليس هناك من يمكن التحدث معه سوى النظام الذي لا يعرف لغة غير لغة اليورو والدولار والذي هو على استعداد عمل أي شيء في مقابلها، بالرغم من علمها بأن تلك الأموال لن يذهب منها شيء للشعب المقهور، كمان أن الفراغ السياسي الذي يسود مصر يُعد مبررا مقبولا لهذا الشكل من التعامل، حتى بات الأمر وكأن الشأن المصري شبه مفروغ منه فأوضاع حقوق الإنسان أو المعارضة الداخلية أو أي تفاصيل أخرى غير موجودة في الحسابات، وهي المشكلة التي لابد من حلها.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المصرية أصبح من المُلزم للمعارضة المصرية الحقيقية الظهور أمام العالم وانتزاع حيز لنفسها في هذا الوضع البائس، وذلك عبر إعلان عن الدفع بمرشح باسمها في تلك المعركة الخطيرة والحساسة، وهو ما أراه الحجر الذي سيحرك حالة الركود السياسي بشكل كبير، كما أنه سيفتح الباب واسعا لمساحات التحرك داخليا وخارجيا، وهو أيضا ما سيُغلق الباب أمام سيناريوهات النظام للالتفاف على هذا الاستحقاق مثل دعوات التلاعب في المواد الدستورية الخاصة برئاسة الجمهورية، وكذلك سيُعطي للمعارضة صوتا دوليا في الاتفاقات والصفقات والتحركات الدولية الخاصة بالشأن المصري، وسيُعطي صوتها قوة ترتكز عليه في المطالبة بضمانات حقيقية لنزاهة وشفافية الانتخابات، سواء بالنسبة للقواعد والقوانين المنظمة للعملية أو المطالبة بإشراف دولي كامل على الانتخابات لضمان النزاهة.
كما أن المُبرر القوي الذي يقدمه النظام للعالم بقدرته على قمع أي انتفاضات داخلية ستؤدي إلى تدفق اللاجئين نحو الغرب سيكون أمامها دافع أقوى من الاتجاه المقابل والذي يستند على أن الانتقال الديمقراطي وتداول السلطة سلميا هو الضمانة الأقوى لعدم حدوث انتفاضات بالأساس، والتي من المحتمل ألا يستطيع أحد السيطرة عليها.
في لقائه على شبكة التلفزيون العربي قال المحامي خالد علي بأنه مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية ممثلا عن قوى المعارضة إذا ما تم التوافق عليه منهم، وهو ما يُعد عرضا حقيقيا لتلك القوى لحسم أمرها، وبالرغم من استحالة ما يُطلق عليه «الإجماع» على مرشح، فإن هناك قوى للمعارضة الحقيقية خاضت معارك وطنية مشرفة كان خالد في القلب منها، واستطاعت أن تتكاتف مع بعضها وحققت إنجازات عظيمة يُمكن أن تتوج بهذه المعركة المهمة.
ومع اقتراب موعد هذا الاستحقاق الانتخابي أصبح من الضروري والعاجل على تلك الأحزاب والقوى حسم أمرها جديا بشأن هذا العرض، والذي يُعد هو العرض الوحيد الجاد والحقيقي حتى الآن، فبين عدة أسماء تم تداولها إعلامياً لم يخرج أحدٌ حتى الآن يتكلم بشكل واضح وصريح عن نيته في التقدم لتلك المعركة سوى خالد، كما أن بعض الرهانات التي تم تداولها سياسيا بشأن دعم المعارضة لمرشح ذي صلة بالدولة دون تحديد أي اسم لم أعد أرى له أي أساس واقعي.
فبجانب عدم إعلان أي اسم يحمل تلك الصفات عن نفسه، وبجانب تصفية نظام السيسي لأي صوت مخالف له داخل الدولة وأجهزتها، فإن دعم مرشح من قوى المعارضة الحقيقية أصبح أقوى انتخابيا من دعم مرشح ذي صلة أو جذور أيدولوجية، وذلك لسببين أجدهما جوهريين إذا ما رأينا في قوى الشعب والجماهير الصوت الأقوى والمخلص في المعركة والوحيد القادر على مواجهة هذا النظام: أولهما أن الشباب والكوادر التي ستعمل وتتحرك في المعركة لدعم مرشح محسوب على النظام لن يكون حماسها وجهدها بنفس قوة وحماس العمل لمرشح معارض حقيقي، وهو ما سينعكس على مدى استجابة الناس، والآخر هو أن دخول مرشح محسوب على الدولة أمام مرشح أجهزة الدولة نفسه سيصنع شكلاً مسرحياً للمعركة تخور فيه قوى وحماس الناخبين لإيمانهم بعدم جدوى المعركة والركون إلى نجاح الأقوى منهما دون الإيمان بقواهما ومدى تأثير أصواتهما.
إن معركة الانتخابات معركة مكشوفة أمام الجميع داخليا وخارجياً، وأكثر ما يخشاه هذا النظام -الذي يُجيد معارك الظلام- المعارك المكشوفة، كما أن هذه المعركة تحديدا أراها أخطر وأهم المعارك السياسية في مصر منذ 2011 وحتى الآن، فبعد ما وصل إليه حال مصر أمنيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وخارجيا أصبحت تلك معركة على بقاء الدولة نفسها ومصير الملايين الذي ينتظرون مستقبل مجهول إذا ما بقي هذا النظام الذي لا يعرف للعقل صوتا.
وخطورة تلك المعركة تُلزم الجميع داخل المعارضة بتجنب الاختلافات والتغاضي عن المصالح الحزبية والأيدولوجية لما هو أهم وأخطر، ولذلك أدعو شباب وقيادات الأحزاب والقوى السياسية بسرعة حسم رأيها وموقفها وعدم التباطؤ في هذا الأمر، فالوقت ليس في صالحنا والمعارك التي ستسبق الانتخابات كثيرة وتحتاج متسع من الوقت لخوضها، وهو ما يتوقف على الإعلان عن خوض المعركة وإعلان مرشح باسم المعارضة.