الفيتامينات: إكسير الحياة في القرن الحادي والعشرين
اشتهر النصف الثاني من القرن التاسع عشر بآكلي الزرنيخ. كان هؤلاء يحلمون بصحة ممتازة وملامح تفيض بالحيوية والنشاط، وسعت النساء وراء وجنات تميل للاحمرار وأجساد غضة وممتلئة تدل على اليسر والغنى. بعد مرور قرنين، لم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للناس مع الفيتامينات. إكسير حياة القرن الحادي والعشرين الشافي من كل شيء.
مركبات ضرورية للحياة
تتكون كلمة «فيتا-مين» من جزئين يعني أولهما-فيتا-الحياة ويشتق الثاني من لفظة أمين Amine وهي جزيء نشادر ammonia ثم استبدال ذرة هيدروجين أو أكثر منه بجزيء هيدروكربوني. تعبر كلمة فيتامين عن جزيء عضوي صغير في الغالب له وظيفة حرجة في عملية حيوية وخلوية معينة يؤدي غيابه إلى توقفها أو بطئها مما ينتج عنه أعراض مرضية في أغلب الأحيان.
فقد البشر القدرة على تصنيع أغلب الفيتامينات في أجسامهم أثناء تطورهم فأصبح لزاما عليهم أن يستهلكوها في الغذاء. لهذا تنقسم الفيتامينات إلى نوعين أساسيين تبعًا للوسط الذي تميل للذوبان فيه؛ فهي إما فيتامينات قابلة للذوبان في الماء water-soluble وهي تسعة تضم فيتامينات B وفيتامين C وإما فيتامينات تذوب في الدهون fat-soluble وتتضمن فيتامينات A-D-K-E.
رغم هذا، فإن الكميات الهامة للغاية المطلوبة لأداء الجسم لوظائفه باتزان هي كميات صغيرة للغاية، صغيرة إلى الحد الذي تستطيع حمية غذائية متوازنة توفيره بسهولة يومًا بعد يوم. ومع هذا، لا يقتنع الكثيرون بأن الحمية تتولى هذه المهمة بكفاءة فيصرون على تناول الفيتامينات بشكل مستقل على هيئة كبسولات؛ ما قد تنتج عنه عواقب وخيمة.
الفيل في الغرفة: فيتامينات B
ذكرنا أن جزيئات الفيتامينات تميل للبساطة وصغر الحجم. حسنًا، ليس فيتامين B12. فلفيتامين B12 هيكل معقد وضخم بالمقارنة بالباقين، لديه ذرة معدنية من الكوبالت في قلبه محاطة بحلقة ماموثية نسبيًا تسمى حلقة corrin. لا تستطيع النباتات توفير هذا الفيتامين للبشر العاجزين عن تصنيعه ذاتيًا، فتقوم الكائنات المجهرية microorganisms بتصنيعه سواء داخل جسم البشر أو داخل أجسام حيوانات أخرى يتناولها الإنسان فتصل إلى نظامه الحيوي.
بإمكان المرء أن يجد كميات وفيرة من الكوبلامين/فيتامين B12 في اللحوم خاصة الكبد والأسماك والدواجن واللبن والبيض. ولهذا فإن النقص من هذا الفيتامين لا يعود في العادة إلى نقص «استهلاكه» بل إلى مشكلة في امتصاصه داخل الجسم.
وبالنسبة إلى فيتامين له دور في تكاثر الخلايا وتحرير الطاقة من جزيئات الدهون والكاربوهيدرات، فإن مشاكل امتصاص الكوبلامين تعود بعواقب هضمية ودموية وعصبية وخيمة تصل إلى فقر الدم الخبيث وتراكم الأحماض الدهنية وتصلبها على جدران الخلايا.
تحدثنا عن مشاكل في الامتصاص؛ أي أن المشكلة في العادة لا يتم حلها بتناول الكوبلامين كمادة مستقلة في صورة مكملات غذائية supplements. بالطبع قد يفيد الأمر في حالات خاصة ككبار السن ومرضى الزهايمر وهي أمور ما زال الجدل حولها قائمًا، إلا أنه من الواضح أن الفرد الطبيعي ذا النظام الغذائي الطبيعي لا يحتاج إلى مكملات تحتوي على الكوبلامين بأي حال؛ أي إن إستراتيجية الإكثار من أي مادة يعتقد في كونها مفيدة ليس الطريق الأمثل دائمًا.
لحسن الحظ أن فيتامين B12 هو فيتامين ذائب في الماء مما يعني أن احتمالية التسمم به شبه معدومة، حيث يقوم الجسم بالتخلص من الكميات الزائدة في البول، لكن الأمر يختلف تمامًا إذا تحدثنا عن فيتامينات لا تذوب في الماء. هنا نحن لا نتحدث فقط عن الطرق غير المفيدة بل الطرق الضارة بشكل مباشر.
العسل يتحول إلى سم
في حين أن فيتامين B6 هو الفيتامين المائي الوحيد القادر على التسبب في أعراض خطيرة عند التسمم بكميات كبيرة منه، بأعراض تتراوح بين ألم العظام وزيادة الحساسية للألم، فإن الفيتامينات التي لا تذوب إلا في الدهون تشكل مشكلة أكثر خطورة.
يطلق مصطلح فيتامين A على مجموعة من الصور لجزيء كيميائي يطلق عليها معًا اسم ريتينويدات retenoids، يختلف كل منها عن الآخر في مجموعته الوظيفية حيث تحتوي على صورة الكحول، الألدهيد وصورة الحمض. يذوب فيتامين A في الدهون فقط، ويتم تخزينه في الكبد لحين استخدامه لأداء وظائف محورية تتعلق بالنظر، التكاثر وحتى النمو. يفسر ذلك نشوء مشاكل جمة قد تصل إلى العمى عند نقص فيتامين A عند الإنسان. ولكن، هل من الممكن أن يكون هذا الفيتامين المفيد سمًا؟.
نظرًا للنشاط الشديد في أبحاث الفيتامينات في مطلع القرن العشرين، ظهرت حسابات تهدف لتحديد الجرعة اليومية التي يحتاجها البشر في غذائهم من فيتامين معين وأطلق عليها اسم Recommended dietary allowance أو RDA. بالنسبة لفيتامين A فإن هذه الجرعة تقارب 900 ميكروجرام للذكر و700 ميكروجرام للأنثى غير الحامل.
مع انتشار الهوس بالمكملات الغذائية، ترتفع مستويات الفيتامينات في أجسام البعض حتى تتسبب في أعراض متلازمة يطلق عليها Hypervitaminosis A أو فرط الفيتامين A، والتي تتراوح حدة أعراضها بين جفاف الجلد والحكة الزائدة إلى تليف الكبد بسبب تراكم الفيتامين عليه.
أما فيتامين D بصوره النباتية أو الحيوانية أو التي يصنعها الجسم والمسئول عن كفاءة امتصاص الكالسيوم في الجسم ومستواه في بلازما الدم، فرغم أهميته البالغة إلا أن الجرعات الكبيرة منه لفترات طويلة تنتهي بالعظام إلى التكلس المبالغ فيه مع الشعور بالغثيان وفقدان الشهية. أمور لا يرغب المرء في اختبارها كثيرًا لمجرد الوساوس التي حدت به للإكثار من الفيتامين في صورته التكميلية.
لكل مادة مهما كانت أهميتها للإنسان كمية لا يجب أن تزيد عنها، فإتاحة المكملات الغذائية لا يعني وجوب تناولها حتى دون الحاجة. فالحقيقة تقول بأنه لا يوجد ما يسمى بالإكثار غير الضار، وعلى الشخص أن يحتاط قبل أن يخل بتوازن كيمياء جسده ويجعله يرزح تحت عبء الكميات المهولة لشهور وسنين ستعود لتلقي بظلال قاتمة على صحته في النهاية.
- Harvey's and Ferrier's Biochemistry 5th edition
- Medscape: Vitamin toxicity
- Characteristics of pyridoxine overdose neuropathy syndrome
- Cobalamin: united States department of agriculture, national agricultural library