فينيسيوس جونيور: عقبات في طريق التحوُّل لـ «نجم الجيل»
قد تبدو شهادة المدرب الإيطالي أعلاه في حق لاعبه مجروحة، كذلك استنكار أبناء جلدته من البرازيليين لحلوله ثامنًا في ترتيب جائزة الكرة الذهبية عام 2022 بعد تقديمه موسمًا خارقًا انتهى بتتويج ريال مدريد ببطولتي الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا.
وبغض النظر عن كل الآراء الفنية، سواءً كانت تصب في مصلحة فينيسيوس جونيور أو ضدّه، وبعد إلقاء نظرةٍ خاطفةٍ على الأسماء العشر الأولى التي تصدرها كريم بنزيما، نجم ريال مدريد الإسباني، نستنتج بداهةً نهاية صراع «ليونيل ميسي» و«كريستيانو رونالدو» الذي دام لعقد أو أكثر، وبداية صراع لم تتضِّح ملامحه بعد، بين أسماء مثل «كيليان مبابي» نجم باريس سان جيرمان، «إيرلينج هالاند»، مهاجم مانشستر سيتي، و«فينيسيوس جونيور»، جناح ريال مدريد.
والسؤال: هل يتمكَّن فينيسيوس جونيور من إدارة معركة نجم الجيل الجديد لصالحه؟
مفعول السحر
لم يكن طريق «فيني» مُعبدًا ليتألق داخل ريال مدريد، على عكس «كيليان مبابي» الذي كان استقدامه نواة لمشروع جديد للنادي الباريسي، و«هالاند» الذي مثَّل استفاد من عدّة تجارب لاختبار مدى قدرته على التألق داخل الدوري الإنجليزي الممتاز. كان البرازيلي مجرّد رهان ضمن عدّة رهانات دخلها نادي العاصمة الإسبانية بالعقد الأخير.
في الوقت الذي كان ينعم به مبابي بكُل سبل الحماية الممكنة داخل فرنسا باعتباره بطلًا قوميًا، وبينما كان هالاند يُحرز الهدف تلو الآخر بالدوري الألماني والنمساوي من قبله بعيدًا عن صخب الإعلام، كان فينيسيوس يختبر شك أسطورة ريال مدريد زين الدين زيدان في قدراته.
طبقًا لمصدر داخل ريال مدريد في حواره لصحيفة ذا أثليتيك -لم يفضّل الإفصاح عن اسمه- لم تكن هناك تساؤلات كثيرة حول قدرات فينيسيوس جونيور الفنيّة أو البدنية، لكن الأزمة كانت صعوبة التنبؤ بمدى قدرته على استيعاب ضغط اللعب داخل نادٍ بحجم نادي العاصمة الإسبانية من دون أن ينفرط عقده.
بالطبع، لم تعد هذه التساؤلات منطقية، فقد نجح البرازيلي اليافع في حجز مكان أساسي داخل الفريق، وأصبح ثاني هدّافي الفريق في موسمين متتاليين تحت قيادة كارلو أنشيلوتي. والسبب هو شعور اللاعب بالثقة الممنوحة له من قبل مدرّبه، وإيمانه بكونه مهمًا للفريق.
بحسب جيلمار بوبوكا، مدرب فريق فلامنجو للشباب، دائمًا ما ظهرت أفضل نسخة من لاعبه السابق حين يشعُر أنّ الفريق يُعَوِّل عليه. وقتئذ يبادر ويتحمَّل المسؤولية، حتى وإن كان يلعب مباراة ضد من هُم أكبر سنًا.
طريق الألف ميل
لم يحدُث ذلك فجأة بالطبع، فبجانب الثقة، وبعض التعليمات من جانب الطاقم الفني لفريقه، يخبرنا ماريو كورتيجانا، محرر ذي أثليتيك، أنّ «فيني» على عكس ما قد يعتقده البعض، لاعب محترف للغاية.
داخل صالة «الچيم» في منزله الفخم بأحد أحياء مدينة مدريد، يعمل الدولي البرازيلي بكل جدٍ على تطوير إمكانياته البدنية والعقلية في آن واحد.
من الناحية الرياضية، يمضي اللاعب من ساعتين لثلاث ساعات يوميًا في العمل على تحسين حالته البدنية باستخدام أحدث الأجهزة منذ عام 2020 تحت إشراف أخصائي العلاج الطبيعي البرازيلي «تياجو لوبو».
بينما تعمل وكالة «TMF» على إدارة شؤون اللاعب الخاصة، بدايةً من توظيف مسؤول للاتصالات وإدارة حسابات التواصل الاجتماعي، وصولًا لتوفير طبَّاخ فرنسي وسائق ومصوِّر خاص. هذه المجموعة من الأشخاص، إلى جانب العائلة والأصدقاء، مسؤولة أيضًا عن تشجيع وحماية فينيسيوس جونيور وتصحيح سلوكه.
يبدو كل شيء مثاليًا. إذن، أين المشكلة؟ ما الذي قد يمنع فينيسيوس جونيور أن يُصبح «نجم الجيل» القادم؟
«برازيلي وأسمر»
يدّعي فينيسيوس جونيور وحاشيته أنّه يتعرَّض لحملة مُمنهجة من العنصرية، والسبب مفهوم طبعًا؛ هو برازيلي، يمتلك أسلوب لعب يستفز الأوروبيين تلقائيًا، والأهم بكل تأكيد هو لون بشرته الداكن الذي يجعله هدفًا سهل الاصطياد.
ليست الأزمة في وجود حملة حقيقية لاستهداف جونيور أم لا، لكن المشكلة في إدارة فينيسيوس لسلوكه داخل أرض الملعب أثناء تعرضه للاستفزاز من الجماهير أو العنف من المنافسين؛ لأن تعامله العاطفي يقوده أحيانًا للخروج من المباراة ذهنيًا، ولو بشكل نسبي، والتفرُّغ للرد على الجميع.
هذه مشكلة لا يعاني منها «إيرلينج هالاند» بكل تأكيد ولا يعاني منها لاعب أسمر آخر مثل «كيليان مبابي»؛ لكونه ثروة فرنسية قومية، الأمر الذي يمنحه حق الخروج علنًا لمهاجمة جماهير فرنسا التي هاجمته بعد إهداره لركلة ترجيح في يورو 2020، أو مهاجمة رئيس الاتحاد الفرنسي نفسه لعدم حمايته، أو حتى بعد تطاوله على الأسطورة الفرنسية زين الدين زيدان.
لا يعني ذلك أنّ فينيسيوس مُستضعفًا، لكنّه ربما يفتقر للحكمة التي امتلكها بيليه أثناء لعبه لكرة القدم على سبيل المثال، حيث تعامل النجم الأبرز للكرة البرازيلية مع أضعاف هذه الحملات بمبدأ التجاهل، والرد داخل الملعب وحسب، دون اللجوء للصحافة والإعلام، أو حتى الاحتماء خلف حب الجماهير. ربما لأنّه لا يمتلك حلًا آخر.
السباق الحقيقي خارج الملعب
بغض النظر عن جدوى البحث خلف منطقية الجوائز الفردية، هناك اعتراف ضمني بين لاعبي كرة القدم ومسؤوليها، أن التسويق الجيّد للاعب يضمن له مسيرة أفضل. وقبل أن يختلط عليك الأمر، لسنا هنا لنقول إنّ «فينيسيوس»، أو بالأحرى القائمين على إدارة ملفه الترويجي ليسوا مهتمين بتعظيم علامته التجارية، لكنّه فقط لا يزال بعيدًا بأشواط كي يمكن وصفه «دعائيًا» بنجم الجيل الجديد.
يمتلك «فيني» بالفعل تسعة عقود رعاية معروفة أبرزها شركات مثل «نايكي» و«بيبسي» و«EA Sports»، كما قام فريقه الخاص بتوثيق علامته التجارية «Baila Vini Jr» بوقت سابق، لكن يبدو أن ذلك ليس كافيًا.
طبقًا لبعض المقربين من اللاعب، قبل انطلاق كأس العالم «قطر 2022» لم يشعُر فينيسيوس أنّه على رأس أولويات الحملة الترويجية للشركة الأمريكية، مقابل اهتمام الشركة بأسماء أقل جاذبية مثل «رودريجو جوس»، لاعب ريال مدريد، و«ريتشاليسون»، لاعب توتنهام الإنجليزي
رد فينيسيوس كان ارتداؤه حذاء من تصميم قديم أثناء بطولة كأس العالم، ثم ارتداء «حذاء أسود» بالكامل خلال مباراة بالدوري الإسباني، وهي حيلة يستخدمها لاعبو كرة القدم للإشارة إلى وجود خلاف ما بينهم وبين شركات الأحذية والملابس.
في المقابل، وبما أننّا نتحدّث عن صراع «نجم الجيل الجديد»، نجد الفرنسي «كيليان مبابي» هو الوجه الدعائي الأول لقائمة حصرية من الشركات، ومنها للمفارقة شركتي «نايكي» و«EA Sports». بالتالي، لربما يبدو الحل المنطقي الذي قد يلجأ له فينيسيوس هو محاولة إبرام شراكات حصرية مع شركات بعينها بدلًا من لعب دور الكومبارس للنجم الأول.
أخيرًا، إذا ما قررنا أنّ نسير مع نظرية المؤامرة، ونفترض أن هذا الصراع سيحسم خارج الملعب ربما نجد بالفعل أنّ طريق فينيسيوس جونيور الطويل لإدارة معركة نجم المستقبل قد بدأ فقط بخطوة أولى وهي تقديم أفضل أداء ممكن داخل الملعب. أما خارجه، فربما لا يزال يحتاج لبعض الوقت.