فينيسيوس جونيور: كيف تحول طفل بيريز إلى رونالدو الجديد؟
في ديسمبر/ كانون الأول عام 2020 وداخل النفق المؤدي لمباراة ريال مدريد وبروسيا مونشنجلادباخ التقطت الكاميرات كريم بنزيما وهو يهمس لمواطنه فيرلاند ميندي بحديث حول اللاعب الشاب «فينيسيوس جونيور». طلب بنزيما من ميندي ألَّا يمرر الكرة كثيرًا لجونيور الذي قدم أداءً كارثيًّا خلال الشوط الأول، حتى إن بنزيما أقسم إن البرازيلي كأنه يلعب ضد الريال.
انتشر هذا المقطع بشكل كبير. وعلى الرغم من لوم الجماهير لبنزيما، كان هناك اتفاق ما فيما يتعلق بحديثه، فجماهير مدريد كانت ترى أن فريقًا بحجم الريال يحتاج إلى لاعب سوبر، وليس هذا الفينيسيوس.
بعد مرور أربعة عشر شهرًا، وقبل أيام قليلة، كانت قلوب جماهير الريال بأكملها متعلقة بأقدام فينيسيوس نفسه قبل مباراة ديربي مدريد، والتي ستثبت البلانكو في الصدارة وتبعد منافسه الرئيسي عن السباق.
لم يخذل فينيسيوس جماهير فريقه، وقدم مباراة مميزة، وصنع هدفي المباراة، ليؤكد أنه نجم الموسم في العاصمة الإسبانية دون شريك، فهذا الموسم هو الأفضل له على الإطلاق، حيث يحتل المرتبة الأولى من حيث المراوغات الصحيحة، والمركز الثاني في صراع الهدافين بعشرة أهداف، كما أنه صنع أربعة أهداف لزملائه.
ماذا حدث خلال الأربعة عشر شهرًا الأخيرة؟ وكيف تحول جونيور من لاعب لا تعول عليه الجماهير إلى بطل مدريد الأوحد؟ تلك قصة تستحق أن تروى، لكن يجب أن تروى من البداية.
النجم القادم أم الفقاعة القادمة؟
أصبحت فكرة وجود لاعب برازيلي منتظر فكرة مكررة حد الملل، هناك دومًا لاعب ما في البرازيل يطلق عليه العاملون في الصناعة أنه النجم القادم، هذا هو نيمار القادم دون شك، لا بل هو ريفالدو بعث من جديد، وهكذا.
والحقيقة أن تلك الفكرة تُغذَّى من الطرفين، فالأندية البرازيلية تعمل جاهدة على إنتاج لاعب سوبر، يُباع بمقابل مغرٍ إلى أوروبا، في المقابل تدرك الأندية الأوروبية حقيقة أنه مهما كان هذا المبلغ مغريًا فهو أقل من المبالغ التي تدفع في سوق انتقالات اللاعبين بأوروبا.
لكن فينيسيوس كان مختلفًا قليلًا، فهو لم يلعب سوى مباريات قليلة رفقة الفريق الأول لفلامنجو، قبل أن يخطفه ريال مدريد في عامه الثامن عشر، أي إنه لم يمر بمرحلة تلميع ما قبل البيع التي تمارسها الأندية البرازيلية، والسبب أن موهبة جونيور كانت واضحة منذ سن الخامسة.
منذ عامه الأول في مدرسة الناشئين الخاصة بفلامنجو وهو يؤدي دائمًا أداءً بمستوى أعلى من الأولاد في سنه، في سن الثالثة عشرة استُدعِي لمنتخب البرازيل تحت 15 سنة من قبل المدرب كلاوديو كاكابا، لتتركز عليه الأنظار مبكرًا.
سرعان ما أصبح نجم جيل 2000، الفريق المكون من لاعبين ولدوا في مطلع الألفية، قضوا ثلاث سنوات دون خسارة أي مباراة، وقاد فريقه إلى كوبا فوتورانتيم المرموقة في عام 2015.
كانت المرحلة التالية هي كأس ساو باولو، أكثر بطولات الشباب شهرة في البرازيل، ترك فينيسيوس أفضل انطباع ممكن، حيث كان اللاعب البالغ من العمر 16 عامًا يهيمن على لاعبي البطولة من المنافسين الذين كانوا أكبر منه بثلاث سنوات.
هنا كان اهتمام الأندية الأوروبية بشكل واضح ودون تلميع، فبدأ الاهتمام من فريق برشلونة، وسرعان ما انضمت فرق مثل السيتي ومدريد. لكن هناك رجلًا وحيدًا قرر المراهنة على جونيور للنهاية، وهو فلورنتينو بيريز؛ حين قرر دفع 60 مليون يورو مقابل خدمات هذا المراهق الذي ربما أثبت في البرازيل أنه النجم القادم، لكن في أوروبا ربما يكون فقاعة أخرى قادمة من أمريكا الجنوبية.
رهان بيريز
كان ذلك اعترافًا من الرئيس بأن ريال مدريد لا يستطيع الآن تحمل نفقات فريق جالاكتيكوس جديد مكون من نجوم في ذروة حياتهم المهنية؛ لذلك كانت الفكرة الجديدة متمثلة في دفع الأموال لجلب عدد من المواهب الناشئة، والمرجح أن يكونوا نجومًا بارزين.
وُضِعت رهانات أخرى على مراهقين آخرين، مثل رودريجو جويس وإبراهيم دياز، لكن بقي جونيور هو صفقة بيريز الأهم وأحد النقاط المضيئة القليلة جدًّا في الموسم التالي في برنابيو، حيث كانت سرعته ومراوغاته واضحة للمشجعين الذين انتظروا كريستيانو رونالدو جديدًا. لكن سرعان ما تبخر هذا الحلم بإصابة جونيور في مباراة أياكس، تلك المباراة التي أُقيل معها سولاري وبدأت حقبة زيدان الثانية رفقة البلانكو.
حضر هازارد خلال الموسم التالي، وكانت تلك علامة واضحة أن جونيور سيتقلص دوره مع الفريق، لعب فينيسيوس 38 مباراة في موسمه الثاني مع النادي، لكنه أكمل 90 دقيقة في سبع مناسبات فقط، كانت اثنتان منها في كأس الملك. نتج عن مشاركاته المتقطعة خمسة أهداف وأربع تمريرات حاسمة في جميع المسابقات.
بعد ثلاثة مواسم كاملة كان فيني قد ظهر في 118 مباراة، وساهم فقط بـ 37 هدفًا (بين التسجيل والصناعة). بالتأكيد ليس رقمًا مذهلًا، وقد ترتب عليه إثارة الشكوك حول ما إذا كان يمكن الاعتماد على فينيسيوس حقًّا.
على الرغم من ذلك استمر رئيس النادي فلورنتينو بيريز في الثناء على الشاب البرازيلي، ربما لأن ذلك هو رهانه الوحيد الذي لا يملك غيره في ظل حجم إنفاق مدريد الجديد في سوق اللاعبين. وعلى الجانب الآخر، اعتقد البعض أن زيدان هو الرجل الذي حجَّم تلك الموهبة المنتظرة، لكن تلك لم تكن الحقيقة.
دور زيدان الذي لم يلحظه أحد
كانت تلك إجابة جونيور نفسه حول ما إذا كان يتلقى الدعم اللازم من زيدان. وكأنه يريد القول إن الدعم الأهم هو دعم الرئيس،تلك الإجابة لم تكن صوت جونيور فقط، بل إنها تتعلق بمصداقية السؤال نفسه.
الحقيقة أن هذا الانتقاد الذي تلقاه زيدان كان انتقادًا وهميًّا حيث ظهر فقط في اللحظات التي تكون فيها نتائج الفريق سيئة، ويكون مستقبل زيدان نفسه موضع تساؤل من قبل الصحفيين المرتبطين جيدًا بالرئيس بيريز.
هذا ما تسرب إلى نفس جونيور وجعله يرد بهذا التصريح. لكن مصادر مقربة من اللاعب أكدت أنه سعيد مع زيدان، على عكس آخرين من اللاعبين الشباب مثل داني سيبايوس، أو سيرجيو ريجيلون الذي رحل عن الفريق في النهاية.
أخبر مصدر مقرب من فينيسيوس موقع زي أثلتيك أن تركيز زيدان كان على مساعدة الشاب على التطور إلى لاعب أكثر اكتمالًا،وهو ما جعل فيني يتحسن كثيرًا في الجزء الدفاعي والتكتيكي من اللعبة، حتى إن المدرب الفرنسي كان يقوم بذلك بنفسه مع جونيور عندما يسمح الوقت.
أما فيما يخص فكرة الدعم المباشر أمام الصحفيين فقد كان زيدان واقعيًّا للغاية فيما يتعلق بلاعبه الشاب، بل إنه ربما يكون قد وفر له الحماية خلال الموسم الماضي من الإعلام الذي كان يصر على جعل البرازيلي أيقونة مدريد المفترضة.
ظهر هذا واضحًا عندما سُئل زيدان قبل كلاسيكو موسم 2020/21 عما إذا كان فينيسيوس قد أظهر ضد ليفربول أنه لاعب العقد القادم. كان جونيور قد قدم أداءً ملفتًا أمام رفاق محمد صلاح في البطولة الأوروبية، وأحرز هدفين من أصل ثلاثة لفريقه. اقتصر زيدان على قوله إنه سعيد بفيني، لكن على الجميع ألا يتحدث كثيرًا عن كونه الأفضل؛ لأنه يجب أن يركز فقط على كرة القدم.
كان جونيورفي عهد زيدان يتعلم ويتطور ويصبح أفضل دون شك، لكن دون أن يلحظ أحد ذلك، ربما لأنه كان في مدريد حيث تصرخ الجماهير في وجه رونالدو وتلوم راموس وتضحي بكاسياس نفسه. فقط زيدان هو من أعطاه الحماية أمام كل ذلك.
جونيور أنشيلوتي: الثقة والتطور
دون شك أنشيلوتي هو أكثر المدربين تمتعًا بسلام نفسى وصراحة مع كل أطراف اللعبة. هكذا فعلها أنشيلوتي مع فيني، ترك له حرية التصرف بعد أن ضاعف له جرعات الثقة كما يجيد كمدرب.
حسنًا، هل كانت الثقة فقط كفيلة لتوهج هذا المراهق في صفوف مدريد منذ سنته الأولى؟ بالطبع لا، كان لا بد من وجود مرحلة زيدان لكي يتعلم فنيًّا ويتطور من حيث تكتيك الكرة، ثم جاءت مرحلة أنشيلوتي كتتويج لما تعلمه جونيور سابقًا، والدليل أن ما يفعله فينيسيوس خلال هذا الموسم ليس دربًا من العشوائية فحسب.
العنصر الأكثر تميزًا في طريقة جونيور خلال هذا الموسم هو مدى تطور فهمه للمساحات. ذلك يعني ببساطة قدرة اللاعب على الاستفادة من المساحة أمامه عند المراوغة أو التسديد أو التمرير المقترنة بمعرفة كيفية استخدام قدمه عندما يقرر التصرف بالكرة في هذه المواقف.
طُوِّرت لسمته الأخيرة بشكل واضح، فهو قادر على توليد الكثير من القوة بقدمه اليمنى من حالة توقف تام، مما يسمح له بإرسال الكرات البينية والعرضيات وحتى التسديدات بشكل فعال عندما يكون في مواجهة الدفاع.
أما عن مساهمات فينيسيوس الدفاعية فقد ظهرت واضحة خاصة هذا الموسم تحت قيادة كارلو، أصبح فيني أداة ضغط شديدة العدوانية في كل مرحلة من مراحل اللعب. يظهر باستمرار استعدادًا للعودة إلى الخلف لمساعدة زملائه في الدفاع عن مناطقهم.
كانت بداية فينيسيوس مع مدريد ومقارنته بنيمار ورونالدو الجديد غير عادلة على الإطلاق. وكان دعم فلورنتينو بيريز المستمر للجناح الشاب مؤثرًا بشكل واضح في قدرته على الارتداد مرارًا وتكرارًا بعد الانتقادات المتكررة من زملائه في الفريق والمشجعين.
كانت فترة زيدان ذهبية كي يتعلم اللاعب الشاب دون أن يشعر ببقعة الضوء التي تجعله مرتبكًا على الدوام. ثم جاءت مرحلة أنشيلوتي التي جعلتنا نثق بأن هذا اللاعب صاحب الواحد والعشرين عامًا فقط أصبح يستحق ما أثير حوله من ضجة قبل ثلاث سنوات.